جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) وغزو الكويت والاحتلال الأمريكي مع عرض لأهم الأحداث بين الحروب الثلاثة
أولاً: الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988م)
الخلفية التاريخية للحرب
في سنة 1969م ألغى شاه إيران محمد رضا بهلوي من جانب واحد اتفاقية الحدود المبرمة بين إيران والعراق سنة 1937م وطالب بأن يكون خط منتصف النهر هو الحد ما بين البلدين، وفي عام 1971م احتلت البحرية الإيرانية الجزر الإماراتية طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى وقطعت العراق علاقاتها بإيران في ديسمبر 1971م، وفي 1972م بدأ الصدام العسكري بين إيران والعراق وازدادت الأشتباكات على الحدود وزاد نشاط الحركات الكردية المسلحة في الشمال، بعد وساطات عربية وقعت العراق وإيران اتفاق الجزائر سنة 1975م واعتبر على أساسه منتصف النهر في شط العرب هو خط الحدود بين إيران والعراق، تضمن الاتفاق كذلك وقف دعم إيران للحركات الكردية المسلحة في شمال العراق.
بعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979م تأزمت العلاقات السياسية بين العراق وإيران. حيث تبادل البلدان سحب السفراء في مارس 1980م وخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي، في 4 سبتمبر 1980 اتهمت العراق الإيرانيين بقصف البلدات الحدودية العراقية واعتبر العراق ذلك بداية للحرب فقام الرئيس العراقي صدام حسين بالغاء اتفاقية عام 1975م مع إيران في 17 سبتمبر 1980م واعتبار مياه شط العرب كاملة جزءاً من المياه الإقليمية العراقية، وفي 22 سبتمبر 1980م هاجم العراق اهدافا في العمق الإيراني، وردت إيران بقصف أهداف عسكرية واقتصادية عراقية.
وما أن بدأت الحرب حتى شرعت قوات البلدين بحملة قصف متبادل، لقد استبدلت الثورة الإيرانية نظام حكم الشاه رضا بهلوي الموالي للغرب والمدعوم من قبله بنظام إسلامي راديكالي.
وسعى الزعيم الإيراني، آية الله خميني، إلى تصدير الثورة الإيرانية للدول المجاورة بما في ذلك العراق، حيث حاولت النخبة السنية الحاكمة احتواء الغالبية الشيعية المتململة.
وقد تصاعدت المعارضة الشيعية في العراق حتى وصلت ذروتها في محاولة اغتيال طارق عزيز، نائب رئيس الوزراء، في أبريل عام 1980م.
لكن وجهات النظر حول الدافع للحرب العراقية الإيرانية التي استمرت 8 سنوات وراح ضيحتها مئات الآلاف من البلدين تفاوتت بين الاعتقاد بأن السبب هو التململ الشيعي الداخلي، والرغبة في الدفاع عن بلدان المنطقة من تصدير الثورة الإيرانية، ومجرد انتهاز فرصة ضعف إيران بعد الثورة لتحقيق المزيد من النفوذ والسلطة.
القصف الصهيوني للمفاعل النووي العراقي
بينما كانت الحرب مستعرة بين العراق وإيران، نفذت طائرات الكيان الصهيوني هجوما على المفاعل النووي العراقي الواقع بالقرب من بغداد، بالرغم من رفع النظام الإسلامي في إيران راية "معاداة الصهيونية".
وكان العراق قد سعى إبان السبعينات إلى إقناع فرنسا ببيعه مفاعلا نوويا مشابها للمفاعل المستخدم في برنامج الأسلحة النووية الفرنسي.
لكن باريس رفضت ذلك، ووافقت فقط على بيع المعدات والمساعدة في بناء مفاعل تموز للبحوث بقدرة 40 ميغاوات، في مركز الطاقة الذرية العراقي في التويثة بالقرب من بغداد.
وقد أغار عدد من الطائرات الصهيونية من نوع أف - 16 على مفاعل تموز وحولته إلى مجرد أنقاض خلال ثوان معدودة من القصف.
وبرر الكيان الصهيوني، الذي كان مناحيم بيجن رئيس وزرائه آنذاك، قصف المفاعل بأن العراق كان يطور أسلحة نووية.
وقال الجيش الصهيوني إن الغارة "أعادت المارد النووي في بغداد إلى قمقمه"، لكن القصف أدين، حينئذ، على نطاق واسع حتى من قبل الحليف التقليدي للكيان الصهيونى أي الولايات المتحدة التي دعمت قرارا للأمم المتحدة بتوبيخ الكيان الصهيوني.
العراق واستخدام الأسلحة الكيماوية
أكد خبراء في الأمم المتحدة عام 1986م إن العراق انتهك معاهدة جنيف باستخدامه الأسلحة الكيماوية ضد إيران.
ويعرف أن العراق استخدم غاز الخردل اعتبارا من عام 1983م وغاز الأعصاب (التابون)، الذي يقتل ضحاياه خلال دقائق، اعتبارا من 1985م، وذلك أثناء مواجهته ما يسمى بـ "هجمات الموجات البشرية" التي استخدمتها القوات الإيرانية بزج أعداد كبيرة من المتطوعين غير المدربين الموالين للحكم الإيراني.
وفي عام 1988م استخدمت بغداد أسلحتها الكيماوية ضد الأكراد العراقيين في شمال البلاد، حيث وقفت بعض الميليشيات الكردية إلى جانب الهجوم الإيراني.
وقد ألقت الطائرات العراقية في 16 مارس/ آذار من ذلك العام قنابل تحتوي على غاز الخردل والسارين والتابون على مدينة حلبجة الكردية.
ويقدر عدد القتلى بين ثلاثة آلاف ومئتي شخص إلى خمسة آلاف شخص، وإصابة الكثيرين بمشاكل صحية طويلة الأمد.
كما استخدمت الأسلحة الكيماوية خلال ما أطلقت عليه بغداد "عمليات الأنفال" وهي حملة نفذت خلالها سياسة الأرض المحروقة على مدى سبعة أشهر.
ويقدر عدد الضحايا الأكراد في هذه العمليات بـ 50 ألف إلى 100 ألف قروي بين قتيل ومفقود، وأزيلت بعض القرى عن الوجود.
وقد أصدر مجلس الأمن قرارا بإدانة استخدام العراق للسلاح الكيماوي. لكن الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية لم توقف مساندتها السياسية والعسكرية لبغداد إلا في المراحل النهائية من الحرب.
الدعم الغربي للعراق
تقاربت العلاقات بين الغرب والعراق في فترة الحرب، وبلغ هذا التقارب ذروته بتدخل الغرب في الحرب إلى جانب العراق.
كان الغرب يخشى من تزايد قوة النظام الإسلامي للمرشد الروحي للثورة الإيرانية آية الله الخميني وأراد أن يحول دون انتصار إيران في الحرب.
وأزالت الولايات المتحدة العراق من على قائمة الدول الراعية للإرهاب عام 1982م. وبعد عامين أعادت علاقاتها الدبلوماسية مع بغداد بعد أن كانت قد قطعتها منذ حرب يونيو حزيران عام 1967م بين العرب والكيان الصهيوني.
وكان الاتحاد السوفيتي، الحليف الرئيسي للعراق هو المصدر الرئيسي لأسلحته، إلا أن عدة دول غربية من بينها بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة أمدت العراق بالأسلحة والمعدات العسكرية، كما تبادلت واشنطن المعلومات الاستخباراتية مع نظام الرئيس العراقي، صدام حسين.
إلا أن فضيحة إيران-كونترا، التي تتلخص في الكشف عن قيام الولايات المتحدة ببيع أسلحة إلى إيران سرا أملا في الحصول على مساعدة إيران في إطلاق سراح رهائن في لبنان، أثارت خلافا بين الولايات المتحدة والعراق.
وفي المراحل النهائية من الحرب، حول العراق وإيران نيران أسلحتهما إلى ناقلات النفط التجارية في الخليج لتخريب مكاسب كل منهما من الصادرات النفطية، وأرسلت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا سفنها الحربية إلى الخليج لترافق عدة ناقلات نفط كويتية كانت تواجه هجمات إيرانية كما وضعت عليها أعلاما أمريكية.
ومع تطور "حرب ناقلات البترول"، دمرت الولايات المتحدة عددا من منصات النفط الإيرانية كما أسقطت طائرة ركاب إيرانية تقل 290 شخصا فيما قالت واشنطن انه حادث وقع نتيجة الخطأ.
الهدنة بين العراق وإيران والديون
في 18 يوليو تموز عام 1988 وافقت إيران على هدنة اقترحتها الأمم المتحدة في مواجهة الهجمات العراقية المستمرة والمدعومة من الغرب.
وبدأ سريان وقف إطلاق النيران في 20 أغسطس آب عقب شهر من الموافقة الإيرانية، وأرسلت الأمم المتحدة قوات دولية لحفظ السلام.
وبنهاية الحرب لم تتغير حدود البلدين تغييرا كبيرا لكن كلا من العراق وايران شعرتا بثقل التكاليف البشرية والاقتصادية الهائلة لثمانية أعوام من الحرب.
وحصدت الحرب أرواح نحو 400 ألف شخص من الجانبين كما خلفت نحو 750 ألف مصاب، وكانت جثث ضحايا الحرب لا تزال تكتشف حتى عام 2001م، وتقدر قيمة الخسائر الاقتصادية وخسائر عائدات النفط لكل من البلدين بأكثر من 400 مليار دولار، إلا انه بعد ثلاثة أعوام من انتهاء الحرب وفي عام 1991 وبعد شهر واحد من الغزو العراقي للكويت وافق العراق على الالتزام باتفاقية عام 1975 التي وقعها مع إيران.
ثانيًا: حرب الكويت 1991م
تدفقت القوات العراقية عبر الحدود إلى الكويت وسيطرت على مدينة الكويت العاصمة، وتغلبت القوات العراقية سريعا على القوات الكويتية الصغيرة العدد نسبيا. وفر الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير الكويت إلى السعودية.
وزعم الرئيس العراقي صدام حسين أن الغزو تأييد لانتفاضة مزمعة ضد أمير الكويت لكن قتل الكويتيين الذين قاوموا القوات العراقية كان أمرا منتشرا.
واحتجز عدة مئات من المواطنين الأجانب في المصانع العراقية والكويتية والقواعد العسكرية، لكن أطلق سراحهم قبل الحملة التي شنها الاحتلال الغربي لطرد القوات العراقية من الكويت.
وجاء الغزو وسط أزمة اقتصادية حادة يعيشها العراق بسبب الديون التي تراكمت عليه عقب انتهاء حربه مع إيران.
واتهم صدام حسين الكويت بتعمد تخفيض أسعار النفط وضخ كميات أكبر من حصتها من النفط من الحقول النفطية المشتركة بينهما. وعندما رفضت الكويت إلغاء ديون الحرب العراقية قرر صدام حسين غزوها.
وفرضت الأمم المتحدة عقوبات اقتصادية على العراق وأصدر مجلس الأمن عددا من القرارات التي تدين بغداد.
وفي نوفمبر تشرين الثاني عام 1990م مع فشل المحاولات الدبلوماسية لحل الأزمة -وضعت الأمم المتحدة مهلة للعراق للانسحاب من الكويت وفوضت باستخدام "جميع السبل الضرورية" لإجبار العراق على تنفيذ القرارات الدولية.
وشكل تحالف دولي شارك فيه عدة دول عربية وغربية واحتشد مئات الآلاف من الجنود في منطقة الخليج. ووضعت الولايات المتحدة خطة عسكرية للحرب بقيادة الجنرال نورمان شوارتسكوف قائد أركان القيادة المركزية الأمريكية.
عملية عاصفة الصحراء[1]
في مطلع فجر 16 يناير من سنة 1991، أي بعد يوم واحد من انتهاء المهلة النهائية التي منحها مجلس الأمن للعراق لسحب قواته من الكويت، شنت طائرات قوات الائتلاف حملة جوية مكثفة وواسعة النطاق شملت العراق كله من الشمال إلى الجنوب حيث قامت بقرابة 109,867 غارة جوية خلال 43 يوم بمعدل 2,555 غارة يومياً. أستخدم خلالها 60,624 طن من القنابل، الأمر الذي أدى إلى تدمير الكثير من البنى التحتية.
وفي 17 يناير من نفس السنة، قام الرئيس صدام حسين بإصدار بيان من على شبكة الإذاعة العراقية معلنا فيها أن "أم المعارك قد بدأت".
استعمل في هذه الحملة الجوية من القنابل ما يسمى بالقنابل الذكية والقنابل العنقودية وصواريخ كروز. قام العراق بالرد على هذه الحملات الجوية بتوجيه 7 من صواريخ سكود (أرض أرض) إلى أهداف داخل الكيان الصهيوني في 17 يناير 1991 في محاولة لجر الكيان إلى الحرب.
بالإضافة إلى إطلاق صواريخ سكود على كل من مدينتي الظهران والرياض السعودية، ومن ضمن أبرز الأهداف التي اصابتها الصواريخ العراقية داخل الأراضي السعودية إصابة منطقة عسكرية أمريكية في الظهران أدت إلى مقتل 28 جندي أمريكي، مما أدى إلى عملية انتقامية بعد انسحاب القوات العراقية وقصف القوات المنسحبة في عملية سميت بطريق الموت.
كانت المضادات الجوية العراقية فعالة بشكل مفاجئ في مواجهة قوات الائتلاف، حيث أسقط العراقيون 75 طائرة معادية باستخدام صواريخ أرض جو. وفي الرياض أصابت الصواريخ العراقية مبنى الأحوال المدنية ومبنى مدارس نجد الأهلية الذي كان خاليا وقتها. كان الهدف الأول لقوات الائتلاف هو تدمير قوات الدفاع الجوي العراقي لتتمكن بعد ذلك من القيام بغاراتها بسهولة وقد تم تحقيق هذا الهدف بسرعة وبسلاسة، حيث تم إسقاط طائرة واحدة فقط من طائرات قوات التحالف في الأيام الأولى من الحملة الجوية. كانت معظم الطائرات تنطلق من الأراضي السعودية وحاملات الطائرات الستة المتمركزة في الخليج العربي.
شكلت القوة الجوية العراقية في بداية الحملة الجوية خطر على قوات التحالف. فقد كانت القوة الجوية العراقية مكونة من 750 طائرة قتالية و200 طائرة مساندة موزعة على 24 مطار عسكري رئيسي، إضافة إلى دفاعات جوية متطورة و9000 مدفعية مضادة للطائرات.
بعد تدمير معظم قوات الدفاع الجوي العراقي أصبحت مراكز الاتصال القيادية الهدف الثاني للغارات الجوية وتم إلحاق أضرار كبيرة بمراكز الاتصال مما جعل الاتصال يكاد يكون معدوما بين القيادة العسكرية العراقية وقطعات الجيش. قامت الطائرات الحربية العراقية بطلعات جوية متفرقة أدت إلى إسقاط 38 طائرة ميج منها من قبل الدفاعات الجوية لقوات الائتلاف، وأدرك العراق أن طائراته السوفيتية الصنع ليس بإمكانها اختراق الدفاعات الجوية لقوات التحالف فقامت بإرسال المتبقي من طائراتها، والبالغ عددها 122 طائرة، إلى إيران، كما تم تدمير 141 طائرة في ثكناتها العسكرية. وبدأ العراق في 23 يناير سنة 1991 بعملية سكب متعمدة لما يقارب من مليون طن من النفط الخام إلى مياه الخليج العربي.
بعد تدمير الدفاعات الجوية ومراكز الاتصال العراقية بدأت الغارات تستهدف قواعد إطلاق صواريخ سكود العراقية ومراكز الأبحاث العسكرية والسفن الحربية والقطاعات العسكرية المتواجدة في الكويت ومراكز توليد الطاقة الكهربائية ومراكز الاتصال الهاتفي ومراكز تكرير وتوزيع النفط والموانئ العراقية والجسور وسكك الحديد ومراكز تصفية المياه. وقد أدى هذا الاستهداف الشامل للبنية التحتية العراقية إلى عواقب لا تزال آثارها شاخصة إلى حد هذا اليوم.
كررت قوات التحالف أنها أثناء حملتها الجوية تتفادي وقوع أضرار في صفوف المدنيين، ولكن في 13 فبراير سنة 1991 دمر "صاروخان ذكيان" ملجأ العامرية الذي أثير حوله جدل كثير، الأمر الذي أدى إلى مقتل أكثر من 315 عراقي معظمهم من النساء والأطفال.
بدأ العراق باستهداف قواعد قوات التحالف في السعودية بالإضافة إلى استهداف الكيان الصهيوني والتي كانت على ما يبدو محاولة من القيادة العراقية لجر الكيان إلى الصراع آملا منها أن يؤدي هذا إلى صدع في صفوف الائتلاف وخاصة في صفوف القوات العربية المشاركة، ولكن هذه المحاولة لم تنجح لأن الكيان لم يقم بالرد ولم تنضم إلى الائتلاف.
في 29 يناير عام 1991 تمكنت وحدات من القوات العراقية من السيطرة على مدينة الخفجي السعودية، ولكن قوات الحرس الوطني السعودي بالإضافة إلى قوة قطرية تمكنتا من السيطرة على المدينة، ويرى المحللون العسكريون أنه لو كانت القوة العراقية المسيطرة على الخفجي أكبر حجما لأدى ذلك إلى تغيير كبير في موازين الحرب إذ كانت مدينة الخفجي ذات أهمية إستراتيجية كونها معبرا لحقول النفط الشرقية للسعودية ولم تكن الخفجي محمية بقوة كبيرة الأمر الذي استغلته القيادة العسكرية العراقية. وسُميت هذه المعركة باسم معركة الخفجي.
الهجوم البري لتحرير الكويت
شكل الهجوم البري لتحرير الكويت نهاية حرب الخليج الثانية. فقد اعتمدت إستراتيجية التحالف على حرب الاستنزاف حيث تم اضعاف الجيش العراقي بالحرب الجوية على مدى 43 يوماً. وتعتبر هذه المواجهة الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية حيث تواجه نحو مليون جندي تصاحبهم الآليات المدرعة وقطع المدفعية مسنودةً بالقوة الجوية. حاول العراق في اللحظات الأخيرة تجنب الحرب، ففي 22 فبراير سنة 1991 وافق العراق على مقترح سوفيتي بوقف إطلاق النار والانسحاب من الأراضي الكويتية خلال فترة قدرها 3 أسابيع على أن يتم الإشراف على الانسحاب من قبل مجلس الأمن. لم توافق الولايات المتحدة على هذا المقترح ولكنها "تعهدت" أنها لن تقوم بمهاجمة القطاعات العراقية المنسحبة وأعطت مهلة 24 ساعة فقط للقوات العراقية بإكمال انسحابها من الكويت بالكامل.
طريق الموت
في الرابعة فجراً من 24 فبراير من نفس العام بدأت قوات التحالف توغلها في الأراضي الكويتية والعراقية. وتم تقسيم الجيش البري إلى ثلاث مجاميع رئيسية بحيث تتوجه المجموعة الأولى لتحرير مدينة الكويت بينما تقوم الثانية بمحاصرة جناح الجيش العراقي في غرب الكويت. وتقوم المجموعة الثالثة بالتحرك في أقصى الغرب وتدخل جنوب الأراضي العراقية لقطع كافة الإمدادات للجيش العراقي. وفي اليوم الأول للحرب البرية استطاعت قوات التحالف للوصول إلى نصف المسافة لمدينة الكويت بينما لم تلاقي المجموعتين الأخرتين أي صعوبات في التقدم. وفي اليوم الثاني قامت قوات التحالف بقطع جميع الطرق لإمداد للجيش العراقي.
في 26 فبراير سنة 1991 بدأ الجيش العراقي بالانسحاب بعد أن أشعل النار في حقول النفط الكويتية وتشكل خط طويل من الدبابات والمدرعات وناقلات الجنود على طول المعبر الحدودي الرئيسي بين العراق والكويت، وقصفت قوات التحالف القطعات العسكرية المنسحبة من الكويت إلى العراق مما أدى إلى تدمير مايزيد عن 1500 عربة عسكرية عراقية، وبالرغم من ضخامة عدد الآليات المدمرة إلا أن عدد الجنود العراقيين الذين قتلوا على هذا الطريق لم يزد عن 200 قتيل لأن معظمهم تركوا عرباتهم العسكرية ولاذوا بالفرار. سُمي هذا الطريق فيما بعد بطريق الموت أو ممر الموت.
وفي اليوم التالي، أي 27 فبراير، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب عن تحرير الكويت بعد 100 ساعة من الحملة البرية، فقال: "الكويت أصبحت محررة، وأن الجيش العراقي قد هزم".
يقدر الأمريكيون وحلفاؤهم أن الجيش العراقي تكبد خسائر تراوحت بين 60 ألفا الى 200 ألف قتيل. وقد دفن قتلى العراق في مقابر جماعية في الصحراء، وفي الثاني من شهر مارس آذار اصدر مجلس الأمن قرارا جديدا حدد شروط وقف إطلاق النار، التي تضمنت وقفا لكل العمليات العسكرية وإلغاء العراق لقراره بضم الكويت، وقيام بغداد بتزويد الأمم المتحدة بمعلومات كاملة عن الأسلحة الكيماوية والجرثومية التي يمتلكها، وإطلاقه سراح كافة الأسرى، واعترافه بالمسؤولية عن الخسائر والأضرار التي نشأت عن احتلاله للكويت.
وفي اليوم التالي، 28 مارس آذار، قبل القادة العراقيون رسميا شروط وقف إطلاق النار في اجتماع مع القادة العسكريين الأمريكيين جرى في خيمة نصبت بالقرب من بلدة صفوان الحدودية.
الدول المشاركة في التحالف في حرب الخليج الثانية
تشكلت قوات الائتلاف بقيادة الولايات المتحدة من الدول التالية: الأرجنتين، أستراليا، البحرين، بنغلاديش، بلجيكا، كندا، تشيكوسلوفاكيا، الدانمارك، سوريا، فرنسا، ألمانيا، اليونان، إيطاليا، اليابان، الكويت، المغرب، هولندا، نيوزيلندا، النيجر، النرويج، عُمان، باكستان، بولندا، البرتغال، قطر، المملكة العربية السعودية، السنغال، كوريا الجنوبية، إسبانيا، مصر، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، والمملكة المتحدة.
ثالثًا: الاحتلال الأمريكي للعراق
الاحتلال الأمريكي للعراق أو ما اطلق عليه حرب الخليج الثالثة هي العمليات العسكرية التي قامت بها قوات الاحتلال الامريكي بالتحالف مع عدة دول أدت ليس فقط لاسقاط النظام العراقي الحاكم بل لاسقاط الدولة العراقية ككل، الامر الذي ترتب عليه اعادة بناء الدولة باركانها من جديد، وهو الأمر ذاته الذي يعاني بسببه الشعب العراقي إلي يومنا هذا.
تبريرات احتلال العراق
تعرضت التبريرات التي قدمتها الإدارة الأمريكية إلى انتقادات واسعة النطاق بدءا من الشارع الأمريكي إلى الراي العام العالمي وانتهاءا بصفوف بعض المعارضين لحكم صدام حسين ويمكن تلخيص هذه التبريرات بالتالي:
الهيمنة على سوق النفط العالمية ودعم الدولار الأمريكي حيث ان صدام حسين كان قد اتخذ قرارا عام 2000 باستمال اليورو كعملة وحيدة لشراء النفط العراقي ضمان عدم حصول أزمة وقود في الولايات المتحدة بسيطرتها بصورة غير مباشرة على ثاني أكبر احطياطي للنفط في العالم لتحقيق المصالح الشخصية لبعض شركات الأعمال والدفاع الكبرى في الولايات المتحدة.
دعم واستمرار الشعبية التي حضت بها الحزب الجمهوري الأمريكي ابان احداث سبتمبر 2001 بغية استمرار هيمنة الحزب على صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة.
تطبيق ما ورد في مذكرة جيني-رامسفيلد-ولفوتز التي كتبت عام 2000م والتي تمهد لدور استراتيجي أكثر فاعلية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
دول داعمة وأخرى مناهضة للحرب
استطاعت الولايات المتحدة الحصول على التأييد لحملتها لغزو العراق من 49 دولة، وكان هذا الائتلاف يعرف "بائتلاف الراغبين". ولكن هذا الائتلاف لم يكن قوياً كائتلاف حرب الخليج الثانية، حيث كانت 98% من القوات العسكرية هي قوات امريكية وبريطانية. وصل العدد الإجمالي لجنود الائتلاف 300،884 وكانوا موزعين كالتالي:
الــدولــة | عــدد الجنود |
الولايات المتحدة الأمريكية | 250.000 (83%) |
المملكة المتحدة | 45.000 (15%) |
كوريا الجنوبية | 3.500 (1.1%) |
استراليا | 2.000 (0.6%) |
الدانمارك | 200 (0.06%) |
بولندا | 184 (0.06%) |
ساهمت 10 دول أخرى بأعداد صغيرة من قوى "غير قتالية"، كان هناك دعم ضئيل من قبل الرأي العام في معظم الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة، فعلي سبيل المثال في اسبانيا أظهرت استطلاعات الراي أن 90% من الأسبان لا يؤيدون الحرب.
بدأت تضاهرات عالمية مناهضة للحرب في معظم الدول العربية إضافة إلى كندا وبلجيكا وروسيا وفرنسا والصين وألمانيا وسويسرا والفاتيكان والهند وإندونيسيا وماليزيا والبرازيل والمكسيك، أعلن وزير الخارجية السعودية أن السعودية لن تسمح باستخدام قواعدها للهجوم على العراق ورفض البرلمان التركي نفس الشئ وأعربت الجامعة العربية ودول الأتحاد الأفريقي معارضتها لغزو العراق.
قبل بدء غزو العراق
منذ انتهاء حرب الخليج الثانية عام 1991 استمرت العلاقات المتوترة بين العراق من جهة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والأمم المتحدة من جهة اخرى وبدأ الائتلاف القوي الذي اخرج الجيش العراقي من الكويت بالتصدع ولم يكن من السهولة اصدار قرارات ضد العراق في مجلس الأمن بالأجماع كما كان الحال في عام 1991م أثناء ولاية الرئيس الأمريكي بيل كلنتون استمرت الطائرات الأمريكية في مراقبتها لمنطقة حظر الطيران واصدرت الأدارة الأمريكية في أكتوبر 1998 "قانون تحرير العراق" الذي كان عبارة عن منح 97 مليون دولار لقوى "المعارضة الديمقراطية العراقية" وكان بيل كلينتون متفقا مع رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير بان اي عملية عسكرية واسعة النطاق سوف تكون غير مبررة في تلك الظروف وعند مجيئ الحزب الجمهوري الأمريكى للبيت الأبيض قام وزارة الدفاع ووكالة المخابرات الأمريكية بدعم احمد الجلبي وحزبه المؤتمر الوطني العراقي.
بعد أحداث سبتمبر وإدراج اسم العراق في "محور الشر" بدأت الجهود الدبلوماسية الأمريكية بالتحرك للاطاحة بحكومة صدام حسين.
اعتبرت الولايات المتحدة عودة المفتشين الدوليين عن أسلحة الدمار الشامل شيئا لا بد منه بعد أحداث 11 سبتمبر.
في نوفمبر 2002م مرر مجلس الأمن بالإجماع القرار رقم 1441 الذي دعى إلى عودة لجان التفتيش عن الأسلحة إلى العراق وفي حالة رفض العراق التعاون مع هذه اللجان فإنها ستتحمل "عواقب وخيمة" . لم يذكر كلمة استعمال القوة في القرار رقم 1441 وعندما وافق عليه مجلس الأمن بالإجماع لم يكن في تصور الدول المصوتة أن العواقب الوخيمة كانت محاولة دبلوماسية من الولايات المتحدة لتشريع الحملة العسكرية ومن الجدير بالذكر أن السكرتير العام للامم المتحدة كوفي عنان صرح بعد سقوط بغداد أن الغزو كان منافيا لدستور الأمم المتحدة.
بداية غزو العراق والمقاومة الشعبية
صرح الرئيس الأمريكي أنه اصدر أوامره لتوجية "ضربة الفرصة" الذي علم فيما بعد أنه كانت ضربة استهدفت منزلا كان يعتقد أن صدام حسين متواجد فيه، حيث اعتمدت قيادات الجيش الأمريكي على عنصر الخيانة، وخوفا من تكرار ما حدث في حرب الخليج الثانية من اشعال للنيران في حقول النفط قامت قوات الاحتلال البريطانية باحكام سيطرتها على حقول نفط الرميلة وام قصر والفاو بمساعدة قوات الاحتلال الأسترالية.
توغلت الدبابات الأمريكية في الصحراء العراقية متجاوزة المدن الرئيسية في طريقها تجنبا منها لحرب المدن. في 27 مارس 2003 م ابطات العواصف الرملية تقدم قوات الاحتلال الأمريكية وواجهت القوات الأمريكية مقاومة شرسة من الجيش العراقي بالقرب من منطقة الكفل الواقعة بالقرب من النجف والكوفة واثناء هذه الأحداث في وسط العراق وبعد ان تصور جميع المراقببن ان الجنوب العراقي اصبحت تحت سيطرة القوات البريطانية نقلت شاشات التلفزيون مشاهدا لمقاومة شرسة في اقصى الجنوب بالقرب من ميناء ام قصر وتم ايضا اطلاف صاروخ من تلك المنطقة على الأراضي الكويتية.
حاصرت القوات البريطانية مدينة البصرة لأسبوعين قبل ان تستطيع اقتحامها حيث كان التعويل على ان الحصار كفيل باضعاف معنويات الجيش وفدائيي صدام مما سوف يؤدي في نهاية الأمر إلى حدوث انتفاضة جماهيرية من قبل سكان المدينة، واستطاعت قوات الاحتلال البريطانية اقتحام المدينة بعد معركة عنيفة بالدبابات اعتبرت اعنف معركة خاضتها القوات المدرعة البريطانية منذ الحرب العالمية الثانية وتم السيطرة على البصرة في 27 مارس بعد تدمير 14 دبابة عراقية.
سقوط عاصمة الرشيد
بدات القوات الأمريكية تحركها نحو بغداد. كان التوقع الأولي أن تقوم القوات المدرعة الأمريكية بحصار بغداد وتقوم بحرب شوارع في بغداد باسناد من القوة الجوية الأمريكية، وفي 5 ابريل 2003م قامت مجموعة من المدرعات الأمريكية وعددها 29 دبابة و14 مدرعة نوع برادلي بشن هجوم على مطار بغداد الدولي وقوبلت هذه القوة بمقاومة شديدة من قبل وحدات الجيش العراقي التي كانت تدافع عن المطار وقوبلت القوات الامريكية بعدد من العمليات الاستشهادية ومنها عمليتان قامتا بهما سيدتان عراقيتان كانتا قد اعلنتا عن عزمهما بالقيام باحد العمليات الاستشهادية من على شاشة التلفاز العراقي.
في 7 ابريل 2003 قامت قوة مدرعة أخرى بشن هجوم على القصر الجمهوري واستطاعت من تثبيت موطا قدم لها في القصر وبعد ساعات من هذا حدث انهيار كامل لمقاومة الجيش العراقي لأسباب لا تزال غامضة جدا، فهناك من يقول أن قيادات الجيش الأمريكي تمكنت من ابرام صفقات مع بعض قيادات الجيش العراقي الذي اضمحل فجأة بعد أن كان الجميع يتوقعون معارك عنيفة في شوارع بغداد.
في 9 ابريل 2003م أعلنت القوات الأمريكية بسط سيطرتها على معظم المناطق ونقلت وكالات الأنباء مشاهد لحشد صغير يحاولون الأطاحة بتمثال للرئيس العراقي صدام حسين في وسط ساحة أمام فندق الشيراتون، والتي قاموا بها بمساعدة من ناقلة دبابات امريكية وقام المارينز بوضع العلم الأمريكي على وجه التمثال ليستبدلوه بعلم عراقي فيما بعد بعد ان ادركوا ان للامر رموزا ومعاني، ومن الجدير بالذكر أن أحد المحطات الفضائية العربية كانت قد بثت لاحقا لقطات للرئيس السابق صدام حسين وهو يتجول في أحد مناطق بغداد في نفس يوم سقوط التمثال.
جروح عميقة في ذاكرة التاريخ
بعد 9 أبريل 2003 م بدأت عمليات سلب ونهب واسعة النطاق في بغداد وبعض المدن الأخرى وقد نقلت هذه العمليات للعالم كله عبر شاشات التلفاز حيث قام الجيش الأمريكي بحماية مباني وزارتي النفط والداخلية فقط ومن ضمنها المخابرات العراقية وبقيت المؤسسات الأخرى كالبنوك ومشاجب الأسلحة والمنشآت النووية والمستشفيات بدون أي حماية وعزى قيادات الجيش الأمريكي ذلك إلى عدم توفر العدد الكافي لجنودها لحماية المواقع الأخرى.
من الأماكن التي تعرضت إلى النهب والسلب وتركت جروح عميقة في ذاكرة العراقيين وجميع العالم هو سرقة المتحف الوطني العراقي حيث سرق من المتحف 170،000 قطعة اثرية وكانت بعض هذه القطع من الضخامة في الحجم ما يستحيل سرقته من قبل افراد عاديين وبرزت شكوك على ان تكون هذه السرقة بالذات منظمة. استدعت القوات الأمريكية مكتب التحقيقات الفيدرالي ليساعد في اعادة التاريخ العراقي المسروق.
ومن السرقات التي حصلت وكان لها دورا بارزا في الأوضاع السياسية في العراق بعد 9 ابريل 2003 م كانت سرقة الاف الأطنان من الذخيرة الحربية من معسكرات الجيش العراقي وسرقة مركز للأبحاث النووية في التويثة والتي كانت تحتوي على 100 طن من اليورانيوم حيث قامت شاحنات بنقل محتويات هذا المركز إلى جهات مجهولة.
[1] موقع ويكيبديا بتصرف.
التعليقات
إرسال تعليقك