ملخص المقال
يعرض المقال حياة رشيد الدين فضل الله الهمذاني مؤرخ المغول وصاحب كتاب جامع التواريخ ووزير الإيلخانيين، فمن هو رشيد الدين ومكانته ومؤلفاته؟
رشيد الدين فضل الله الهمذاني أكبر وأشهر المؤرخين الفرس في الدولة الإيلخانية المغولية خلال القرنين (7 و 8هـ=13 و 14م)، فضلًا عن كونه طبيبًا وفقيهًا ومفسِّرًا، وكتابه الموسوعي "جامع التواريخ" يُعدُّ أحسن وأكمل كتاب كتب عن تاريخ المغول عامة ومغول فارس خاصة. وقد فَّصل فيه تاريخ المغول منذ جنكيز خان وحروبهم زمن هولاكو ومحمود غازان، وظل موضع هاتمام المؤرخين والمستشرقين والدارسين في كل العالم، وتم ترجمته للغات عدة؛ فهو مصدر أساسي عن تاريخ المغول وجغرافيا المنطقة التي توسعوا فيها، ويشمل حروب المغول ضد مصر وتواطؤ حكام الشام وتحالفهم مع المغول قبل وقت معركة عين جالوت.
نسبه ونشأته
هو الحكيم والوزير الفاضل العالم بما يُورده ويُصدره، العارف بما ذكره وقرَّره، رشيد الحق والدين أبو الفضائل فضل الله رشيد الدين أو رشيد الدولة فخر الوزراء، مشير الدول أبو الفضل بن أبي الخير عماد الدولة ابن علي موفق الدولة أبي الفرج بن أبي شجاع الهمذاني المؤرخ الطبيب المفسر، من ألمع رجال الإدارة في العصر الإيلخاني المغولي، وُلِدَ في بيتٍ معروفٍ بالطب والحكمة وحسن المعرفة وبعد الهمَّة؛ فأبوه عماد الدولة أبو الخير كان طبيبًا ملازمًا لسلاطين الإيلخانيِّين، وكان جميل الأخلاق متودِّدًا، ويُدعى جده موفَّق الدولة علي، وقيل: عالي، وغالي. كان يعيش مع نصير الدين الطوسى في قلاع الإسماعيلية بقهستان، ثم التحق بخدمة هولاكو خان على إثر استيلائه على تلك القلاع.
وُلد رشيد الدين فضل الله في همذان، وإليها كان يُحب أن ينتسب، وهناك اختلاف في تاريخ ميلاده، فقيل: وُلد سنة 645هـ. وقيل: وُلد سنة 638هـ؛ حيث قُتِل عن عمرٍ يُناهز الثمانين عام سنة 718هـ. وهناك رأيٌ آخر؛ ففي كتاب رشيد الدين (المجموعة الرشيدية) يقول: إنَّه فى سنة 705هـ كان قد بلغ الستين من عمره، فيكون مقتله وهو في عمر الـ 73، فيكون مولده 645هـ. وفي موضعٍ آخر يذكر رشيد الدين في كتابه (بيان الحقايق): "إنَّنى أبلغ 62 من العمر في هذا العام - أي عام 710هـ". فيكون وُلد سنة 648هـ. والأرجح أنَّه وُلد سنة 645هـ، وربَّما يكون الاختلاف في كتبه يكون من النسَّاخ.
والمعلومات عن حياته قليلة قبل أن يشتهر؛ فقد مارس العطارة، ثم التحق بالبلاط الإيلخاني كطبيب منذ أيام ثاني الحكام الإيلخانيين أباقا بن هولاكو (663-680هـ=1265-1282م)، وبقي فيه إلى أيـام سابع هؤلاء الحكام غازان (694-703هـ=1294-1303م).
هل كان رشيد الدين يهوديًّا ثم أسلم؟
والخلاف بين الباحثين لا يزال قائمًا إلى اليوم حول حقيقة معتقد رشيد الدين فضل الله الديني الأصلي؛ فمنهم من يقول: إنَّه كان يهوديًّا، دان بالإسلام وهو في الثلاثين من عمره، ومنهم من يُؤكِّد أنَّه وُلد مسلمًا من أسرةٍ مسلمة. فهناك مواضع وفي موضعٍ من كتبه يذكر رشيد الدين اقتدائه بوالده فى تعلُّم أصول الإسلام وعقائده وبحثه فى القرآن الكريم، كما أنَّ جده موفق الدولة كان عند الإسماعيلية في قلعة الموت عندما سيطر عليها هولاكو، غير أنَّ هناك مصادر تُؤكِّد أنَّه كان يهوديًّا، ومنها ما ذكره ابن بطوطة عندما نزل بغداد وتحدَّث عن مقابلته للوزير غياث الدين محمد بن رشيد الدين وزير السلطان أبي سعيد بهدر، يقول: " وكان أبوه من مهاجرة اليهود، واستوزره السلطان محمد خذابنده والد أبي سعيد". وغيرها من المصادر التي تُؤكِّد أنَّه يهوديًّا، مثل ابن كثير حيث قال: "كان أصله يهوديًّا عطَّارًا متقدِّمًا بالطب، وشملته السعادة، وتولَّى مناصب الوزراء، وحصل له من الأموال والأملاك والسعادة ما لا يُحدُّ ولا يُوصف". وكذا قال الذهبي في العبر، وابن حجر في الدرر الكامنة.
وإن كان هذا الاختلاف معتبرًا وما زال قائمًا، إلا أنَّ الجميع متَّفقون على أنَّه كان يسير في حياته سيرة المسلم المخلص، وأكسبته ملازمته البلاط الإيلخاني هذه المدَّة الطويلة خبرةً وافرةً في أمور السياسة والإدارة.
وزارته للسلطان محمود غازان
التحق رشيد الدين بالبلاط الإيلخاني كطبيب منذ أيام ثاني الحكام الإيلخانيين أباقا، فلمس غازان مزايا رشيد الدين ورجاحة عقله وسعة اطلاعاته في جلسات المناقشة، التي كان يعقدها معه في البلاط حول بعض المسائل الدينية، وتفسير بعض آيات القرآن، منذ أن نبذ غازان البوذية ودان بالإسلام سنة (694هـ=1294م)، فانتقاه وزيرًا له سنة (697هـ=1297م)، وأشرك معه وزيرًا آخر لمعاونته في الحكم، هو سعد الدين محمد الساوجي، وظلَّ الوزيران يعملان متعاونين حتى وفـاة غـازان.
وقد وصل رشيد إلى مكانة كبيرة في عهد غازان خان؛ حيث كان الساعد الأيمن له يُشاركه في إصلاح المسائل المالية وإنشاء الأبنية والآثار الخيرية، وترتَّب على ذلك حدوث إصلاح في شتَّى نواحى الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعمرانية في عهد غازان بفضل من رشيد الدين، قال الصفدي: "واتصل بغازان محمود، وخدمته في خدمته السعود، فقرَّبه نجيبًا، وقرَّ به عينًا لما استقر به صفيًّا، وعظم شأنه، وعلا بتمكُّنه مكانه، ولم يكن عنده أحد في محله، وحكمه في حرمه وحله".
وعندما قام غازان خان بإنشاء مقبرة له وحولها مجموعة من الأبنيه منها مسجد ومدرستان وبيمارستان ومكتبه ومسكن للأطفال وملجأ للأيتام وملجأ للأطفال المشردين، وأوقف عليها جزءًا كبيرًا من أملاكه للإنفاق عليها، عهد إلى الوزير رشيد الدين بالإشراف عليها، وعندما خرج غازان بحملته على سوريا للسيطرة عليها أخذ رشيد الدين ليقوم بتحرير المنشورات والفرامانات باللغة العربية، وإلى جانب ذلك أعطاه الإشراف على جميع تكاليف الرحلة من الخزانة العامة، كما أنَّ رشيد الدين عمل على تشجيع العلم ورعاية الأدب، لذلك اجتمع فى بلاط غازان خان كثير من الأدباء والمؤرخين وهؤلاء أسهموا فى شهرة غازان.
وزارته للسلطان أولجايتو خدابندا
واستبقى أولجايتو (خدابندا) شقيق غـازان وخليفته الوزيرين في منصبيهما حتى عام (705هـ=1305م)، وقد حصل رشيد الدين في عهد أولجايتو على نفوذٍ قويٍّ أكثر ممَّا كانت في عهد غازان، حتى إنَّ أولجايتو عندما أراد الخروج لفتح جيلان أمر رشيد الدين أن يُلازم زوجته المريضة ويُشرف على علاجها حتى تشفى ثم يلحق بالجيش في أسرع وقت، لذا قال الصفدي: "ثم إنَّه اتَّصل بعده بخربندا، فزاده على ذلك وعقد له لواءً من السعد وبندًا، وزاد علوًّا، واستفاد غلوًّا، وكثرت أمواله، وامتدَّت آماله، وصار في عداد الملوك، ونظمت جواهر سعوده في السلوك".
ولكن عندما تحول أولجايتو من المذهب الحنفي (الذي كان عليه رشيد ومقرِّب إليه اتِّباعه) إلى المذهب الشيعي صارت سلطة رشيد الدين محدودة، وتعرَّض لخطرٍ من زميله سعد الدين الذي تقرب من أولجايتو وتقرَّب من الشيعة الذين عملوا على مؤازارته ومساندته.
وعندما بدأت العلاقة تسوء بين الوزيرين لتعرُّض كليهما من قِبَل الحاسدين لتهمة التلاعب بأموال الدولة، ولكن التحقيق أثبت براءتهما، فزاد أولجاتيو من قدر رشيد الدين, الذي تعرَّض ثانيةً لتهمةٍ جديدةٍ عام (711هـ=1311م) من شريكه في الوزارة سعد الدين الساوجي بأنَّه حاول دسَّ السمَّ إلى السلطان، ولكن التحقيق أثبت براءته مرَّةً أخرى، وبدأ الساوجي يفقد مكانته، وقضى بعد ذلك ضحيَّة مغامرٍ جديدٍ طامعٍ بالمنصب هو علي شاه الجيلاني، الذي حلَّ بالوزارة كشريك لرشيد الدين.
وزارته في عهد أبي سعيد بهادر
وكما سعى علي شـاه الجيلاني للتخلص من الساوجي، فقد اتبع السياسة نفسها مع رشيـد الديـن، الـذي لمس أنَّ السلطان الجديد صغير السن أبا سعيد بـن أولجايتو (716-736هـ=1316-1335م) كان يميل إلى علي شاه، ويسكت عن تجاوزاته في حدود سلطته كشريك في الإدارة. لذلك آثر رشيد أن يبتعد عن جو البلاط حيث الدسائس والوشايات.
مقتل رشيد الدين
كانت قصور المغول مهبط الأطماع والمنافسات، ومكمن الدسائس والمؤامرات، ومطمع أنظار المتغلبين فى طلب الرياسة والملك. لذا دبرت العديد من المؤامرات ضد رشيد الدين بحكم مكانته الهامة في الدولة. في حين تابع علي شاه تلفيق التهم لرشيد الدين، حتى أصدر السلطان أمره بعزله من منصبه (717هـ=1317م)، فترك رشيد الدين العاصمة السلطانية، وعاد للإقامة في تبريز. ولما ساءت أحوال الإدارة في الدولة بسبب غياب رشيد الدين، عمل قائد الجيش جوبان لإعادته بعد ممانعة شديدة من رشيد الدين.
وقد أحال الوزير علي شاه الجيلاني من دون عودة رشيد الدين؛فقد ذكر للسلطان أبي سعيد أنه عندما كان السلطان أولجايتو فى مرضه الأخير أمر رشيد الدين بإعطائه شرابا ساما سبَّب وفاته، وأن عز الدين إبراهيم بن رشيد الدين الذى كان يشتغل ساقيا للسلطان هو الذى قدم الشراب إليه باتفاق مع والده. وعندما سمع السلطان أبو سعيد ذلك غضب وأمر بالقبض عليه ومحاكمته، وأصدر ضده حكم بالقتل هو وابنه عز الدين إبراهيم. وقتل ابنه على مرأى من أبيه وكان شابا في 16 من عمره.
وأما الوزير رشيد الدين فضل الله فقد قطعت أوصاله وطيف بها وبعثوا إلى كل بلد بعضو وأجروا بقية جسده ثم دفنت في أرجاء مختلفة من البلاد، وكان ذلك في في جمادى الأولى سنة (718هـ=1318م)، ولم يلبث السلطان أبو سعيد أن ندم على ما فعله برشيد الدين فاستدعى ابنه غياث الدين عام (727هـ=1327م) لاستلام الوزارة، وجهد أبناء رشيد الدين في جمع أشلاء والدهم ودفنها في المقبرة التي كان قد أعدها رشيد الدين لنفسه بجوار تبريز.
شخصية رشيد الدين
تمتع رشيد الدين بعقلية جبارة جعلته متعدد نواحي النبوغ، كما كانت مبادؤه سامية وأخلاقه قويمة، قام بالعديد من الإصلاحات التي تمَّت فى عهد غازان خان في شتى نواحى الدينية والاجتماعية والعمرانية والثقافية، وكان رشيد الدين هو الموحي بها والعامل الأول في إخراجها إلى حيِّز التنفيذ، وكان شهمًا نبيلًا مع خصومه؛ فعندما سنحت له الفرصة للخلاص من عدوه علي شاه وجاء عمَّال الديوان لذلك، قاوم رغبته فلم يتخلَّص منه، كما كان جوادًا كريمًا، جمع ثرواته وأنفقها في سبيل الخير، وإقامة المؤسسات، والعمل على نشر العلم، وتشجيع العلماء، وتشييد المساجد والمدارس لإقامة الشعائر وتدريس علوم الدين.
وقد قال الذهبي في حقه في (العبر): "وكان يوصف بحلمٍ ولطفٍ وسخاءٍ ودهاء". وقال ابن حجر في أخلاقه: "وَكَانَ يناصح الْمُسلمين ويذب عَنْهُم، وَيسْعَى فِي حقن دِمَائِهِم، وَله فِي تبريز آثَار عَظِيمَة من الْبر، وَكَانَ شَدِيدا على من يعاديه أَو ينتقصه يثابر على هَلَاكه. وَكَانَ متواضعًا سخيًّا كثير الْبَذْل للْعُلَمَاء والصلحاء".
ثقافته
لقد رزق الله تعالى فضل الله رشيد الدين عقلية جبارة ساعدته على التعمق في دراسة العلوم والأدب؛ فهو إلى جانب الطب الذى أسلم له نفسه فى شبابه، كان مطلعًا على مختلف العلوم التي تتصل به، وكان يُحيط إحاطةً كاملة بشئون الزراعة وعلم الحياة والهندسة المعمارية والميتافيزيقا إلى جانب التفقه فى مسائل الدين الإسلامى، فكان يستغل ساعات فراغه القليلة يعكف فيها على الدرس والبحث وكان على دراية بالفنون.
كذلك كان على علمٍ بالثقافات المتنوعة، ومعرفة تامَّة باللغات المختلفة مثل الفارسية والعربية والعبرية والمغولية والتركية والصينية:
أ- فمثلًا كان يُجيد العربية لدرجة أنَّ غازان خان كان يصطحبه في حملاته على الشام ليُحرر المنشورات باللغة العربية؛ فقد كتب منشورًا اثناء حصار قلعة الرحبة حيَّر المدافعين وأعجزهم ببلاغة العبارات وسمو الأسلوب، وكان يُؤلِّف باللغة العربية أو يُترجم إليها بعض مؤلفاته الفارسية.
ب- أمَّا بالنسبة إلى المغولية فكانت لغة التفاهم بين السلاطين والأمراء، فلا يقبل أن يكون جاهلًا بها، وكتب عدَّة مؤلفات باللغة المغولية، ونقل مؤلفات أخرى من المغولية إلى العربية والفارسية.
ج- وأمَّا اللغة العبرية، فكان يُلمُّ بها إلمامًا تامًّا، واستعمل الفاظًا عبريَّةً في مؤلَّفاته، وذكر أنَّه اطَّلع على كتب تواريخهم وسمع من علمائهم وقرأ أربعة وعشرين من كتب التوراة.
د- كما كان يعرف الصينية، واعتمد على مصادر صينية في تأليف كتاب "جامع التواريخ"، وكتب هذا الكتاب وهو في سن الكهولة، ولم تكن قوَّة العقل والفكر كافيةً للنهوض به.
مؤلفات رشيد الدين فضل الله
ترك الوزير رشيد الدين فضل الله الهمذاني تراثًا متنوعًا في الإدارة والدين والطبيعة وما وراءها والتاريخ، وكان يتقن إلى جانب لغته الفارسية العربية والتركية والمغولية والصينية والعبرية، ويحسن استغلال وقته، ويسعى ليستفيد من أوقات الفراغ. تضمنت رسائله التي بعث بها إلى أولاده وأصدقائه نصائح إدارية في شئون الحكم والإدارة واستيفاء الضرائب، وتطرق فيها إلى بعض المسائل في الطب والفلسفة والأخلاق.
وكان أسلوبه متأنقًا ومرصعًا باقتباسات من القرآن والحديث النبوي الشريف والشعر، أمَّا رسائله في الموضوعات الدينية فجاءت حول أمور عديدة منها أنَّ أميَّة الرسول محمد شيءٌ مقصودٌ من الله تعالى، وبرهانٌ حاسمٌ على صدق رسالته، وكان يُلحُّ على إدراك المعنى الصوفي لآيات القرآن، وأحب في كتابه "مفتاح التفاسير" ويعرف بـ "التفسير الرشيدي" أن يفسر القرآن كله، ولكنه تراجع عن ذلك خوفًا من ألا يُوهب من طول العمر ليتم هذا العمل، ولذلك شرح في كتابه "التوضيحات" ويعرف بـ "جامع التصانيف الرشيدية" بعض الآيات، وتحدث في كتابٍ دعاه "السلطانية" عن بعض المسائل الدينية: كالوحي والإلهام والمعجزة والرسالة الإلهية ومميزات خاتم النبيين، وحاول أن يُعطي لهذه المصطلحات تعاريف محددة، ودعا عام (706هـ=1306م) عددًا من علماء الدين لدراسة هذه الآراء فاستحسنوها، وكان فيهم علماء من بلاد الشام ومصر، وله كتاب "الأسئلة والأجوبة الرشيدية"، و"كتاب بيان الحقائق".
ولرشيد الدين مؤلفات علمية كثيرة، منها في الطب "كتاب طب أهل الخطا"، وفي الزراعة له كتاب "ألآثار والأحياء" الذي تحدث فيه عن الزراعة والمناخ والتربة ووسائل الري وأنواع الطيور والحيوانات.
جامع التواريخ
وأهم ما ترك رشيد الدين الهمذاني من تصانيف، كتابه في التاريخ "جامع التواريخ" الذي بدأ العمل فيه عام 702هـ=1302م بأمر من غازان. وأتمه في عهد أولجايتو عام 710هـ=1310م، ويقع في أربعة مجلدات. تحدث في المجلد الأول عن تاريخ غازان وعن تاريخ المغول منذ أجداد جنكيز خان, وتاريخ الخلفاء المعاصرين لهم، وتحدث في المجلد الثاني عن تاريخ أولجايتو. وتاريخ الأنبياء وملوك العالم منذ عهد آدم، وضم المجلد الثالث تاريخ الملوك حتى عهد بني العباس وتاريخ القياصرة وملوك الفرنجة، وقصر المجلد الرابع على الموضوعات الجغرافية، واستعان في كتابة هذا التاريخ بعلماء من الصين والهند وبلاد الأويغور والترك والفرنج والعرب. كما أن غازان سمح له بالاطلاع على سجلات الدولة ووثائقها.
برئ أسلوب رشيد الدين من الاهتمام باللفظ دون المعنى كما كان شائعًا في عصره، وكان حياديًا قدر المستطاع عند حديثه عن تاريخ المغول، ولكن الكتاب يشكو من ضعف النقد التاريخي، وكان التداخل في تاريخ الأمم التي تحدث عنها قد دفعه إلى التكرار. وأهمية الكتاب تكمن في أن كاتبه قد دوّن أحداثًا شاهدها في حياته، وأسهم في صنع بعضها، وهو وإن لم يأت بجديد عن تاريخ أوربا فقد كانت معرفته بتاريخها أكثر بكثير مما كانت تعرفه أوربا عن الشرق. وقد ضاعت بعض أجزاء الكتاب بسبب النهاية الفاجعة لحياة المؤلف.
الربع الرشيدي
وقرر رشيد الدين للمحافظة على تراثه إقامة مركز ثقافي إلى جوار تبريز دعاه "الربع الرشيدي" في وقت يقع بين أواخر القرن السابع ومطلع القرن الثامن الهجريين/ بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين. والربع مجمع أبنية يضم المدارس ومكتبة ومسجد ومستشفى وحمامات ومنازل لإقامة المدرسين والطلاب، وأقيم في الربع مصانع للنسيج والورق، وأمكنة لنسخ الكتب وتجليدها وتذهيبها، وكان يتسع إلى سبعة آلاف من المدرسين والطلاب من مختلف الجنسيات. إضافة إلى الفقهاء والقراء، وكان لكل فئة من سكان الربع حي خاص بها، وأوقف رشيد الدين أوقافًا عدة لتأمين الأموال لتصرف على طعام المقيمين فيه وكسوتهم. وآل حال الربع إلى الخراب بعد مقتل رشيد الدين، واستعاد شيئًا من نشاطه في عهد وزارة ابنه غياث الدين حتى مقتله أيضًا، فحلَّت بالربع كارثةٌ أخرى.
________________
المصادر والمراجع:
- ابن كثير: البداية والنهاية، الناشر: دار الفكر، عام النشر: 1407هـ=1986م.
- الصفدي: أعيان العصر وأعوان النصر، تحقيق: الدكتور علي أبو زيد، الدكتور نبيل أبو عشمة، الدكتور محمد موعد، الدكتور محمود سالم محمد، قدم له: مازن عبد القادر المبارك، الناشر: دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان، دار الفكر، دمشق – سوريا، الطبعة: الأولى، 1418هـ=1998م.
- ابن الفوطي: مجمع الآداب في معجم الألقاب، تحقيق: محمد الكاظم، الناشر: مؤسسة الطباعة والنشر- وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، إيران، الطبعة: الأولى، 1416هـ.
- ابن حجر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، تحقيق ومراقبة: محمد عبد المعيد ضان، الناشر: مجلس دائرة المعارف العثمانية - صيدر اباد/ الهند، الطبعة: الثانية، 1392هـ=1972م.
- فؤاد عبد المعطي الصياد: مؤرخ المغول الكبير رشيد الدين فضل الله الهمذاني، القاهرة، 1967م.
- كاتروميير: تقديم عن حياة رشيد الدين ومؤلفاته، طبعت مقدمة في الجزء الأول من جامع التواريخ، ترجمة محمد القصاص، القاهرة، مغفل تاريخ الطبع.
- مظهر شهاب: رشيد الدين فضل الله، الموسوعة العربية العالمية.
- بحث عن مؤرخ المغول الكبير رشيد الدين فضل الله، موقع التاريخ صانع المستقبل.
التعليقات
إرسال تعليقك