الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
تعتبر مدرسة ومسجد ابن تغري بردي تحفة أثرية منسية على الرغم من كونهما من الآثار الفريدة بمصر، فما تاريخ المدرسة والمسجد ووصفهما المعماري؟
الأمير ابن تغري بردي
تنسب المدرسة والجامع إلى الأمير ابن تغري بردي، وهو جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغرى بردى بن عبد الله الظاهري القاهري المصري الحنفي، الإمام الفقيه المؤرخ البحاثة. مؤرخ مصري من القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي. ولد فى حدود سنة 812هـ = 1409م، وقيل سنة 813هـ = 1410م. ونشأ في بيت علم ودين ورياسة، فوالده الأمير الكبير سيف الدين تغرى بردى اليشبغاوى الظاهرى أتابك العساكر بالديار المصرية، ثم كافل المملكة الشامية. كان والده في أثناء حكم السلطان الناصر فرج بن برقوق في سنة 810هـ = 1407م رئيسًا للجيش المصري (أمير كبير)، وفي سنة 813هـ = 1410 - 1411م عين نائبًا للسلطنة في دمشق حتى توفي توفي بدمشق سنة 815هـ = 1412م.
نشأ ابن تغري بردي في بيت علم ودين، وكانت لحياة ابن تغري بردي المترفة والهادئة، ونشأته في بيت العز والإمارة، واتصاله بالمصاهرة والصداقة مع أسرة السلطان المملوكي وأكابر رجالات الدولة، أثر كبير في تفرغه للبحث والدرس والمطالعة، وتعلق قلبه بالتاريخ، وغدا أنجب تلاميذ المقريزي وابن حجر. وكانت له يد طولى في الفروسية والموسيقى واللغات. وهو واحد من مشاهير المؤرخين المسلمين على الإطلاق، لما تركه من موسوعات تاريخية قيمة في تاريخ مصر والعالم الإسلامي، والتي جعلته بعد أستاذه تقي الدين المقريزي مؤرخ مصر الموسوعي ومؤرخ النيل، والتي أشهرها "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة"، "المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي".
وقد تعلل ابن تغري بردي قبل موته بنحو سنة بالقولنج، واشتدّ به الأمر من أواخر رمضان بإسهال دموىّ بحيث انتحل وتزايد كربه، وتمنى الموت لما قاساه من شدّة الألم إلى أن قضى فى يوم الثلاثاء خامس ذى الحجة سنة 874هـ / 1470م ودفن من الغد بتربته.
كان الأمير ابن تغري بردي قد ابتنى له قبل موته تربة هائلة بالقرب من تربة السلطان الأشرف إينال، ووقف كتبه وتصانيفه بها. وتلك التربة هي جامعه ومدرسته. والتي صارت من جملة الأثار المصرية التاريخية العريقة، والتي سنجلي عنها في السطور التالي.
موقع مسجد ابن تغري بردي
يعد مسجد ابن تغري بردي من المساجد التاريخية العريقة التي تتنسم فيه عبق التاريخ، ومجد الماضي التليد. يقع مسجد الأمير تغري بردى في شارع الصليبة القاهري العريق بالسيدة زينب، قلب القطائع الطولونية، على مقربة من جامع أحمد بن طولون، وإلى اليسار من القادم من جامع أحمد بن طولون سالكًا شارع الصليبة إلى ميدان صلاح الدين بالقلعة في القاهرة.
تاريخ بناء المسجد
بناه الأمير ابن تغرى بردى بن عبد الله فى سنة 844هـ = 1440م، في أيام السلطان جمقمق (841 – 858هـ = 1438 - 1453م) واتخذه مدرسة، وألحق به سبيل وكُتاب وقبة. وذكر "علي مبارك" أن جامع تغرى بردى يُعرف لدى عامة الناس باسم جامع "المودي". وأن منشئه جعله مدرسة عين شيخًا لها الشيخ العلاء القلشندي، ولما مات دفن فيها.
الوصف المعماري للمسجد
وجامع تغري بردي مستطيل، تبلغ مساحته مساحتة 20 ×80 مترا، أمام ديوان القبلة صحن مغطي والمئذنة وكانت المئذنة الأصلية تتكون من دورتين على الطراز المملوكي وقد تهدمت الدورة الثانية وأعيد بناؤها في العصر العثماني.
ولهذا المسجد وجهتان الوجهة الرئيسة تشرف على شارع الصليبة، وبها المدخل المكون من صفة معقودة بمقرنصات وأعلى الباب وعلى جانبيه كتابات تشتمل على آيات قرآنية واسم المنشئ وألقابه وتاريخ الإنشاء 844هـ، وعلى يسار المدخل تقوم المنارة وهى مربعة القطاع من أسفل تنتهى بمقرنصات تكون دورتها الأولى، ثم أسطوانية يحلى سطحها زخارف هندسية وتنتهى بمقرنصات تكون كذلك دورتها الثانية، ثم مسلة مخروطية الشكل حادثة حلت محل القمة الأصلية وفى طرف الوجهة تقوم القبة ذات الخطوط الضخمة البارزة المتقاطعة مع بعضها والتى لا تتساوى من حيث التناسب والرشاقة مع القباب المعاصرة لها.
ويؤدى مدخل الجامع إلى ردهة مربعة على يمينها باب معقود يؤدى إلى القبة يقابل هو يماثله باب آخر يؤدى إلى طرقة توصل إلى الصحن. وقد بنى هذا المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد وهو يتكون من صحن مكشوف كان مسقوفا فى الأصل يحد قبته إيوانان كبيران من الجهة الشرقية والجهة الغربية وآخران صغيران من الجهتين البحرية والقبلية جميعها مفتوحة عليه بعقود يعلوها طراز مكتوب به آيات قرآنية وبنهايتها تاريخ الإنشاء 844هـ، وهذه الإيوانات مسقوفة ومنقوشة بالألوان المختلفة. وبصدر إيوان القبلة المحراب يقوم إلى جانبه منبر صغير دقيق الصنع وتقع القبة قبلى هذا الإيوان وهى تغطى ضريحا مربعا طول ضلعه أربعة أمتار بأركانه الأربعة مقرنصات كبيرة يتكون كل منها من ثلاث حطات وهى على العموم بسيطة فى مظهرها على خلاف القباب التى أنشئت فى عصر المماليك الجراكسة والتى امتاز أغلبها بوفرة زخارفه.
إهمال في عمليات الترميم
ورغم هذا التاريخ للمسجد إلا أنه لم يجد من يهتم به أو يرعاه، ولم تتم له إلا عمليات ترميم بسيطة، كان آخرها عام 2001م، وتم عمل غطاء للسطح تجنبا لإلقاء القمامة من السكان داخل المسجد. إلا أن المسجد يحتاج إلي تجهيزات كثيرة، خاصة أن هناك الكثير من السائحين يأتون لزيارته ويتعجبون من فن المعمار وضغط الهواء التى وضعت فيه الحجر أثناء بناء المسجد.
مدرسة ابن تغري بردي
تقع مدرسة ابن تغري بردي بشارع الصليبة على مقربة من جامع أحمد بن طولون، وإلى اليسار من القادم من جامع أحمد بن طولون سالكًا شارع الصليبة إلى ميدان صلاح الدين بالقلعة في القاهرة.
بناها الأمير يوسف ابن تغري بردي، وقد جاء في ترجمته في كتاب الضوء اللامع للحافظ السخاوي: "وابنتي له تربة هائلة القرب من تربة الأشراف إينال (الصليبة الآن بحي طولون) ووقف كتبه وتصانيفه بها، ومرض قبل موته بعام بمرض القولنغ واشتد به الأمر إلى أن قضى في سنة 874هـ، ودفن في الغد بتربته".
وهكذا يتضح أن ابن تغري ردي قد دفن في القبة الضريحية بمدرسته بالصليبة، ولكنه أنشأ مدرسة أخرى بدرب المقاصيص بحي الصاغة لتدريس المذهب الشافعي والحنفي، ولقد شيدت مدرسة ابن تغري بردي بالصليبة في سنة 844هـ / 1440م..
الوصف المعماري للمدرسة
وكطراز المنشآت المعمارية الدينية في عصر المماليك الجراكسة، فهي عبارة عن مدرسة ذات إيوانات، وكذلك تشتمل المنشأة على قبة ضريحية تقع على يمين الداخل من باب المدخل الرئيسي للمدرسة، وهذا المدخل يقع بالواجهة الشرقية للمدرسة التي تمثل بصدق واجهات المدارس المملوكية التي يحتل المدخل الرئيسي فيها مكانة مهمة يتوجه عقد مدائني تزين طاقيته حطات من الدلايات، وعلى جانبيه توجد مكلستان. وفتحة الباب المستطيلة يعلوها عتب يليه الصنج المعشقة الرخامية ويحصران بينهما العقد النفيس.
وعلى يمين المدخل تقع القبة الضريحية التي تزين سطحها الخارجي زخارف حجرية مضلعة، تبدأ بميمات، وإلى جوار هذه القبة توجد المئذنة ذات الطراز المملوكي التي تنتهي قمتها بجوسق محمول على أعمدة رخامية رشيقة.
وأما إلى يسار المدخل من هذا المدخل فيوجد السبيل، يعلوه كتَّاب، ويحتلان الجانب الأيمن من هذه الواجهة الشرقية.
______________
المصادر والمراجع:
- ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، تقديم: أحمد زكى العروى رئيس قسم التصحيح بدار الكتب المصرية، الناشر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دار الكتب – مصر، د.ت.
- ـ ابن إياس: بدائع الزهور، القاهرة، 1312هـ.
- السخاوي: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، الناشر: منشورات دار مكتبة الحياة – بيروت، د.ت.
- ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب في أخبار من ذهب، تحقيق: محمود الأرناؤوط، خرج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، الناشر: دار ابن كثير، دمشق – بيروت، الطبعة: الأولى، 1406هـ / 1986م.
- جاد الله فرحات: مدرسة ابن تغري بردي، مجلة الرأي، 2014م.
- هبة الشافعي: مسجد ابن تغري بردي، مجلة الوادي، 2012م.
التعليقات
إرسال تعليقك