التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
سقوط الدولة الإخشيدية كان نتيجة للفوضى والاضطرابات التي عمت معظم أنحاء مصر بعد وفاة كافور الإخشيدي، وعجز الخلافة العباسية عن إعادة الأمور لنصابها
الدولة الإخشيدية في عيون المؤرخين المسلمين :
لقد أشاد المؤرخون بمحمد بن طغج الإخشيد ومدحوه فوصفه المقريزي قائلاً: "وكان حازمًا شديد التيقظ في حروبه حسن التدين مكرمًا للأجناد شديد القوى لا يكاد يجر قوسه غيره, حسن السيرة في الرعية نجيبًا شهمًا"[1].
ويقول ابن تغري بردي: "وكان كافور عاقلاً سيوسًا".
وقال الذهبي: "وكان كافور يدني الشعراء ويجيزهم، تقرأ عنده في كل ليلة السير وأخبار الدولة الأموية والعباسية وله ندماء، وكان عظيم الحمية.. زاد ملكه على ملك مولاه الإخشيد، وكان كريمًا كثير الخلع والهبات، خبيرًا بالسياسة، فطنًا ذكيًّا جيد العقل داهية، كان يهادي المعز صاحب المغرب ويظهر ميله إليه، وكذا يذعن بالطاعة لبني العباس، ويداري ويخدع هؤلاء وهؤلاء، وتم له الأمر"[2].
كان مغرمًا بالرمي، وكان يداوم الجلوس غدوة وعشية لقضاء حوائج الناس، وكان يتهجد ويمرغ وجهه ساجدًا ويقول: "اللهُمَّ لا تُسلِّط عليَّ مخلوقًا"[3].
أما الدكتورة/ سيدة إسماعيل كاشف فتقول: ومع أن استقلال مصر في العصر الإخشيدي كان استقلالاً ملموسًا لا شك فيه وإن ظلت الروابط الروحية ومقتضيات الأحوال السياسية تربطها بالحكومة المركزية في بغداد من غير أن تصل بها إلى التبعية المطلقة, شأنها في ذلك شأن الدولة الطولونية، إلا أن استقلال الطولونيين كان يبدو لبعض الباحثين أوضح وأظهر أثرًا، ولعل السبب في هذا أن الإخشيديين لم يحاربوا الحكومة المركزية في بغداد صراحة كما فعل أحمد بن طولون وابنه خمارويه[4].
ويقول الدكتور/ محمود الحويري: "هنا نلاحظ أن استقلال مصر في عصر الإخشيديين في ظل تبعية اسمية للخلافة العباسية لهو خير دليل على احتفاظ مصر بشخصيتها على نسق فريد، يختلف تمامًا عن الدويلات التي قامت في العالم الإسلامي، والتي نزعت إلى الاستقلال القومي في فارس في القرنين الثالث والرابع الهجري ( التاسع والعاشر الميلادي )"[5].
ويقول الدكتور/ حسن أحمد محمود، والدكتور/ أحمد إبراهيم الشريف: "إن الدولة التي أقامها الإخشيد في مصر أتاحت للشعب المصري أن يعيش فترة من الزمن في هدوء واستقرار بعيدًا عن الفوضى والفتن التي انتابت الخلافة العباسية، ومن أجل المحافظة على نفوذه في مصر والشام أسس الإخشيد جيشًا قويًّا ليعزز سياسته الداخلية والخارجية على غرار ما فعله أحمد بن طولون قبله, كما سار على نفس السياسة التي سار عليها وهي تقربه من المصريين واكتساب ودهم والفوز بولاء الأقباط الذين كانوا لا يزالون في ذلك الوقت قوة يحسب لها حساب"[6].
الدولة الإخشيدية في عيون غير المسلمين :
يقول آدم متز عن لقب الأمراء: "بهذا الاسم كان يسمى ولاة البلاد -وكذلك أبناء بيت الخلافة- إلا كافورًا بمصر امتنع من التسمي بالإمارة ورأى تواضعًا أن يجرى على رسمه في المخاطبة بالأستاذية"[7].
"وقد حسن حال مصر على يديه وعنى بالنظام فيها وأمر بضرب الدينار الإخشيدي على عيار كامل وصلحت النقود في عهده بعد فسادها، وكان جيشه أعظم جيوش عصره"[8].
"كان الغالب على الإخشيد الحياء ورقة الوجه، وكان إذا صادر أحدًا لم يعذبه ولم يضربه ولم يضيق عليه ولم يره حتى تنتهي المصادرة، وكان رسمه ألا يتعرض للحرم، وكان يحب الصالحين ويكرمهم ويركب إليهم ويطلب دعاءهم"[9].
"وكان الثلج يحمل من الشام إلى قصر كافور الإخشيدي بمصر ليستعمل في تبريد المشروبات"[10].
"في عام 324هـ شرع الإخشيد في إجراء حلبة السباق على رسم أحمد بن طولون"[11].
أما لينبول فيقول: "إن حكومة الإخشيديين كانت من الناحية الشرعية لا تزيد عن كونها حكومة إقليمية تابعة للخلافة العباسية، أما من ناحية الواقع فإن هذه الحكومة كانت مستقلة استقلالاً يكاد يكون تامًّا، وكانت لها جميع مظاهر الحكومات المستقلة تقريبًا"[12].
كما شهد البابا شنودة للدولة الإخشيدية، ومؤسسها محمد بن طغج الإخشيد (323 – 334هـ / 935 – 946م) "الذي كان يبني الكنائس بنفسه وتولى ترميمها"[13].
ويقول أيضًا: "ونذكر أيضًا بعض نواحي محبة وتعاون؛ فمثلاً في الدولة الإخشيدية كان محمد بن طغج الإخشيدي يحتفل مع الأقباط بعيد الغطاس في جزيرة في النيل، وقد أوقدوا حوله ألف قنديل"[14].
سقوط الدولة الإخشيدية :
بعد وفاة كافور الإخشيدي في جمادى الأولى سنة 357هـ / أبريل 968م عمت الفوضى والاضطرابات معظم أنحاء مصر، وتدهورت أحوالها الاقتصادية، فأصابها القحط والوباء والغلاء الشديد الناجم عن نقص فيضان النيل، وهاجم القرامطة بلاد الشام وامتد نفوذهم إليها، في الوقت الذي عجزت فيه الخلافة العباسية عن إعادة الأمور إلى نصابها في مصر، ولذلك اتصل المصريون بالفاطميين في بلاد المغرب، ودعوهم للحضور إلى مصر رغبة في التخلص من الأحوال السيئة التي تردوا فيها، وساعدوهم على فتحها وإسقاط الدولة الإخشيدية[15].
[7] آدم متز: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، نقله إلى العربية/ محمد عبد الهادي أبو ريدة 1 / 27.
[8] آدم متز: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، نقله إلى العربية/ محمد عبد الهادي أبو ريدة 1 / 53.
[9] آدم متز: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، نقله إلى العربية/ محمد عبد الهادي أبو ريدة 1 / 54.
[10] آدم متز: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، نقله إلى العربية/ محمد عبد الهادي أبو ريدة 2 / 211.
[11] آدم متز: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، نقله إلى العربية/ محمد عبد الهادي أبو ريدة 2 / 215، 216.
[13] من خطاب البابا شنودة في احتفال وضع حجر الأساس لمستشفى مارمرقس بحضرة الرئيس أنور السادات في 11 أكتوبر سنة 1977م، انظر مجلة "وجهات نظر" ص 18، 20. عدد ديسمبر سنة 2005م، القاهرة.
التعليقات
إرسال تعليقك