ملخص المقال
تزايد هجرة الشباب في الآونة الأخيرة بطريقة غير شرعية، مجموعة من الشباب العربي يحشرون في قارب متهالك ويلقون بأنفسهم في أمواج بحر متلاطم
الهجرة غير الشرعية.. الحلم الأليم
تزايدت في الآونة الأخيرة هجرة الشباب بطريقة غير شرعية، مجموعة من الشباب العربي يُحشَرون في قارب متهالك ويلقون بأنفسهم في أمواج بحر متلاطم؛ أملاً في حياة أفضل على الشاطئ الآخر في بلاد قد يعامل فيها الغريب بأسلوب أفضل من المواطن في الدول العربية.
تشير الإحصائيات إلى أن عدد الشباب المصريين الذين تم ترحيلهم من دول جنوب إفريقيا (جنوب أفريقيا وليس أوروبا أو أمريكا) عام 2004م فقط بلغ 6748 شابًا، وهناك حوالي 8 آلاف شاب من إحدى قرى محافظات مصر يقيمون في ميلانو الإيطالية وحدها، هذا بالإضافة إلى أن هناك 50 ألف مصري جالية مصرية في إيطاليا غير الدول الأوروبية الأخرى، وقد أحبطت السلطات المسئولة حوالي 18 محاولةً لتهريب ألف شاب.
كما تشير الإحصائيات الدولية إلى أن واحدًا من كل ثلاثة أشخاص هاجروا إلى أوروبا أو أمريكا من المهاجرين غير الشرعيين وقدرت الأمم المتحدة أعداد المهاجرين غير الشرعيين بحوالي 155 مليون شخص في عام 2004 بالمقارنة بحوالي 50 مليون في عام 1989م.
وقد أرجع تقرير الأمم المتحدة الهجرة غير الشرعية للشباب إلى تناقص فرص العمل، وزيادة حدة الفوارق بين الدول الغنية والفقيرة، وكذلك زيادة الوعي بهذه الفوارق، كما أن الهجرة الشرعية أغلقت أبوابها في وجه الشباب، وبعض الدول وضعت عدة شروط جديدة للهجرة الشرعية، تتمثل في امتلاك مهارات حرفية في مجالات معينة أو أموال للاستثمار في بلد المهجر أو صلة قرابة من الدرجة الأولى بالمهاجرين.
ورغم مشقة الهجرة غير الشرعية وآثارها الوخيمة، سواء الموت غرقًا أو السجن.. إلا أن هناك إقبالاً كبيرًا على الفرار من أرض الوطن إلى حيث المجهول.
حاولنا من خلال هذه السطور التعرف على بعض الأسباب وراء تلك الهجرة غير الشرعية من خلال حديثنا مع بعض الشباب:
في البداية يقول ربيع جمعة الحاصل (بكالوريوس تجارة) إن الدول الأوروبية أكثر تنظيمًا وعدالةً من الدول العربية، فلا يوجد لديهم ما يعرف بالوساطة أو المحسوبية للحصول على فرص العمل؛ فأصغر الشباب يتولون أعلى المناصب لاعتمادهم على الكفاءات، بغض النظر عن السن أو الوساطة أو العلاقات الشخصية أو الرشوة والمحسوبية، والتي تظهر بشكل واضح في بعض الكليات لدينا.
الشباب والبحث عن عمل جاد
ويضيف أسامة عيد (حاصل على دبلوم) قائلاً فشلت طوال عشرة سنوات في الحصول على فرصة عمل ثابتة ومستقرة، تعينني على أعباء الحياة وتكوين نفسي، فمتطلبات الحياة أصبحت ترهق كاهلي، وقد راودتني في كثير من الأحيان فكرة الهروب إلى الدول الأوروبية سعيًا وراء فرصة عمل.
إحساس آخر
يرى محمد رمضان أن السفر للخارج له نكهة أخرى خاصة الحرية السياسية والاستقلالية التي نفتقدها داخل مصر، فهناك يمكن التعبير عن الرأي دون أي قيود كالتي تنتابك داخل المجتمعات العربية، فتشعر في كثير من الأحيان أنك مراقب داخل منزلك، فما يقال عن وجود الحرية السياسية هي مجرد شعارات كاذبة، وبعض القرارات التي يتم اتخاذها في هذا الشأن ما هي إلا مجرد حبر على ورق، وتسعى إلى تهدئة الرأي العام، غير أن الشعب لا يستفيد؛ لأنه لا ناقة له ولا جمل.
ويتبنى أحمد جمال محمد (طالب بكلية التجارة بجامعة القاهرة) وجهة نظر أخرى: "أنا أرى أن السفر إلى أمريكا وأوروبا جيد بهدف الدراسة فقط، وقد أقبل البقاء هناك للعمل إذا ما وجدت فرصةً وظيفيةً في نفس مجال تخصصي"، ولا يسقط إمكانية تغيير وجهة نظره، فالسفر أمر جيد ومفيد إذا لم يمس القيم والمعتقدات التي تربيت عليها منذ طفولتي.
أما أحمد محمود (صيدلي يعمل مندوبًا في شركة أدوية) فيقول: السفر سيجعله يفقد جوًا معينًا يعشقه في بلده، ولن يجد له مثيلاً في العالم" لافتًا إلى أن "أغلب المصريين يسافرون إلى الخارج لجمع المال، ويعتقدون بأنهم نجحوا إذا ما حصلوا على أكبر قدر منه".
ويضيف قائلاً: أعتقد أنني لو جلبت أموالاً طائلةً ثم عدت مع أطفالي من الخارج ووجدتهم يعانون صعوبات في عدم التكيف مع مجتمعهم الأصلي فسأشعر بأنني فشلت تمامًا.
ويعرب أحمد محمود عن اعتقاده أن الذين يسافرون إلى الخارج يقعون في خطأ آخر، متسائلاً لو بقيت في الخارج لمدة 20 عامًا مثلاً وجمعت أموالاً كثيرةً ثم عدت فسيكون عمري حينها 44 عامًا، وسيكون من الصعب أن أجد عملاً مناسبًا في بلدي، وإذا ما فكرت في استغلال ما لدي من أموال في مشروع قد لا تكون لي خبرة به، ولو كانت الأحوال الاقتصادية على ما هي عليه الآن فسأخسر كل ما معي من أموال، وأبقى صفر اليدين.
ويقول سامي علي (حاصل على بكالوريوس السياحة والفنادق): "تخرجت منذ خمسة أعوام وحتى الآن لا أجد وظيفةً مناسبةً وتراودني فكرة الهجرة لأي دولة أجنبية وسمعت من أصدقائي عن إمكانية النجاح في الخارج وسهولة الحصول على عمل بأجر مجزى".
الطريق الأفضل
ويرى الدكتور أحمد المجدوب (الخبير الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية) أن السفر أصبح هدفًا إن لم نقل غايةً لشرائح كبيرة من الشباب؛ حيث يعتبرونه الطريق الأفضل للانقطاع عن الواقع المأزوم والمعقد الذي لم يقدم لهم أي مكاسب أو إنجازات ولا يخطر على بالهم ما سوف يواجهونه من صعوبات في الاندماج الاجتماعي، كما أن كل المكاسب التي قد يحققونها لا تساوى شيئًا أمام الحرية السياسية التي يجدونها في الخارج.
هناك العديد من الصعوبات التي تواجه الشباب مما تدفعهم إلى السفر من بينها عدم التكافؤ في الحصول على فرص العمل والدخل المحدود وتدني الخدمات الاجتماعية ونقص الحريات، خاصةً السياسية والتعبير عن الآراء الداخلية وتكمم الأفواه دون الحديث عن شيء، وعادةً ما ترتبط أحلام المهجر في رؤوس الشباب بالثراء السريع والكفاءة العلمية والوجاهة الاجتماعية، إضافةً إلى متعة الانتماء إلى الحضارة المنتصرة.
هكذا تريدنا أمريكا!!
تعتبر أمريكا الجنة الأرضية لدى العديد من الشباب؛ حيث يقف على أبواب سفارتها المئات من الشباب، كمن يقف على باب مدينة الأحلام ينتظر الإذن بالدخول، ولكن الأمر اختلف بعد ما يسمى الحرب على الإرهاب.
وتعد حلمًا يسعى كثيرون من الشباب إلى تحقيقه، فالخريجون يبحثون عن فرصة عمل تمكنهم من تحقيق ذاتهم، وتأمين مستقبلهم؛ حيث الحرية والمال الوفير، وهي البديل عن الوطن الذي انسدت شرايينه وصارت الوساطة هي جواز المرور والترقي للوصول إلى المناصب المختلفة وكسح الطوابير الجرارة التي تنتظر فرصة عمل.
رأى الخبراء
ويقول الدكتور أحمد وهدان- رئيس قسم بحوث الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية-: "لقد أصبحت عمليات تهريب المهاجرين وراغبي السفر بالطرق غير الشرعية تشكل نوعًا جديدًا من أنواع الجريمة المنظمة التي اكتسبت أهميةً خاصةً في الآونة الأخيرة.. فمن الواضح أن الخطط الإستراتيجية لنظام العولمة الجديد جعلت الثروات تتركز في يدل الدول الغنية مما أدى إلى إهمال وتهميش كثير من البلدان، وخاصة دول العالم الثالث، فحدثت فيها أزمات اقتصادية خانقة.. الأمر الذي ساعد على انتشار ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
كما أتاح نظام العولمة سهولة انتقال الأفراد عبر الحدود.. وهنا بدأت مافيا التسفير بانتهاز الفرصة لممارسة نشاط الاتجار بالبشر، ويشير أحد تقارير الأمم المتحدة أن المنظمات الإجرامية تحاول تهريب مليون شخص سنوياً وتحقق ربحًا حوالي 4 مليارات دولار سنويًا.
ويضيف دكتور أحمد وهدان: "أن الهجرة غير المشروعة تعكس حالةً من البؤس الناتج عن البطالة والفقر وارتفاع تكاليف المعيشة.. فالبطالة هي طاقة عاطلة.. فيحدث انفصال وانقطاع بين العاطل والمجتمع ويؤدي إلى الإحساس بالضياع وفقدان الهوية والانتماء".
وليست الهجرة غير المشروعة إلا حلاً فرديًا لمشكلة البطالة بعد اليأس من وجود فرص عمل كريمة ومشروعة داخل الوطن، وتتم الهجرة غير المشروعة بطرق غير قانونية؛ نظرًا لصعوبة السفر وصعوبة الهجرة الشرعية، فقد تعقدت إجراءات السفر وأصبحت الهجرة الشرعية شبه مستحيلة.
وفئة الشباب هي أكثر الفئات العمرية عرضةً للوقوع في مصيدة عمليات الهجرة غير المشروعة، وتنحصر المشكلة بين الذكور فقط دون الإناث، ففي الوقت الذي نشاهد فيه هجرة الإناث من بلدان كثيرة إلا أن ظاهرة هجرة الإناث المصريات تعتبر منعدمةً، ويرجع ذلك إلى قيم وتقاليد المجتمع المصري تجاه الإناث.
وأغلب هؤلاء الشباب هم من فئة العمال والحرفيين والتجاريين والزراعيين، ويقصد هؤلاء الشباب دول البحر المتوسط، مثل إيطاليا واليونان وقبرص ومالطا.
التعليقات
إرسال تعليقك