ملخص المقال
يجب مراعاة التناسب بين الإمكانيات الذاتية ومقدار العطاء، فإن عدم مراعاة ذلك التناسب نوع من عدم الواقعية
من أبرز سمات الإسلام الواقعية، فالإسلام دين يوافق الفطرة وينسجم مع الواقع؛ فالمؤمن مكلف بالأوامر الشرعية على وجه الإيجاب أو الندب أو المنهي عنه على وجه الحرمة أو الكراهة متى كان ذلك في مقدوره وإمكانه، فإن فقد القدرة على تنفيذ تلك الأوامر أو اجتناب تلك النواهي سقط عنه التكليف إلى بدل أو إلى غير بدل.
ومن هنا يجب مراعاة التناسب بين الإمكانيات الذاتية ومقدار العطاء؛ فإن عدم مراعاة ذلك التناسب نوع من عدم الواقعية.
وهذا يشمل جميع أمور الدنيا والآخرة حتى العبادة، قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171]، وقال سبحانه: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27]، وقال: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]. وقال r: "إياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين"[1]، وقال r: "هلك المتنطعون" ثلاثًا[2]، وقال: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه"[3].
وعندما دخل الرسول r على عائشة وعندها امرأة سأل عنها، فقالت عائشة رضي الله عنها: "هذه فلانة، تذكر من صلاتها وعبادتها، فقال r: (مه، عليكم بما تطيقون؛ فوالله لا يمل الله حتى تملوا)، وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه".
ولما دخل إلى المسجد ووجد حبلاً بين ساريتين، فسأل عنه، فقالوا: إنه حبل لزينب، إذا فترت تعلقت به. فقال r: "لا، حلوه، ليصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليرقد".
وكما أن عدم الواقعية تكون بالزيادة في العمل فوق الطاقة، فينبغي ألاَّ نغفل عن أنها قد تكون بالتقصير والنقص أيضًا، بحيث لا يتناسب العطاء مع الإمكانات، ومن أعظم العيوب النقيصة مع القدرة على التمام كما قال الشاعر:
ولم أر في عيوب الناس عيبًا *** كنقص القادرين على التمام
ولا يمكن للعبد أن يكون واقعيًّا يتناسب عطاؤه مع إمكاناته إلا إذا كان عالمًا بمقدرته، عارفًا بنفسه معرفة تحمله للموازنة بين المقدرة التي وهبه الله، وبين الإنتاج الذي يقدمه لدينه ومجتمعه، أما غير الواقعي فإما أن يقصم ظهره وينبت به الطريق، أو تكون هزيلة، وفي كلا الحالين مآلها أن تذهب سُدًى، وقد يستمر العمل وتبذل الجهود -دون اكتشاف للخطأ- وتمر الأيام والسنون دون تحقيق شيء ذي بال من الأهداف، فيدب السأم والملل، وتتبخر الأحلام، فيبدأ الأفراد يتساقطون واحدًا تلو الآخر؛ ليلحقوا بزمرة القاعدين بل الهاربين من حقل العمل والدعوة.
المصدر: موقع المسلم.
التعليقات
إرسال تعليقك