ملخص المقال
من رحمة الله عز وجل بعباده أن فضل بعض الأيام على بعض, وبعض الأوقات على بعض, ومن هذه الأوقات المباركة العشر الأواخر من رمضان
من رحمة الله -جل علاه- بعباده أن فضّل بعض الأيام على بعض, وبعض الأوقات على بعض, وبعض الأزمنة على بعض.. جعل لهم في أيام دهرهم نفحات ليتعرضوا لها ويستفيدوا منها قدر وسعهم وطاقتهم.. أوقاتًا يضاعف فيها الثواب ويجذل فيها العطاء.. قال r: "إن لربكم في أيام دهركم لنفحات، فتعرضوا لها"[1].
وللعشر الأخيرة من رمضان خصائص ليست لغيرها من الأيام، فمن خصائصها:
* الاجتهاد في العبادة: كان رسول الله r يجتهد في العبادة فيها أكثر من غيرها؛ فعن عائشة رضي الله عنها، "أن النبي r كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها"[2]. وفي الصحيح أيضًا عنها قالت: "كان النبي r إذا دخل العشر شد مئزره (أي يعتزل نساءه)، وأحيا ليله، وأيقظ أهله". وعنها أيضًا قالت: "كان النبي r يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر شمر وشد المئزر"[3].
فهذه العشر كان يجتهد فيها r أكثر مما يجتهد في غيرها من الليالي والأيام من أنواع العبادة؛ من صلاة وقرآن وذكر وصدقة وغيرها. فينبغي للمسلم العاقل ألاَّ يفوّت هذه الفرصة الثمينة على نفسه وأهله.. فما هي إلا ليالٍ معدودة ربما يُدرك الإنسان فيها نفحة من نفحات المولى، فتكون سعادته في الدنيا والآخرة.
* ليلة القدر: ومن خصائص هذه العشر أن فيها ليلة القدر، التي قال الله U فيها: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر} [القدر: 3-5]. وقال فيها: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 3، 4]. أي: يفصل من اللوح المحفوظ إلى الملائكة الكاتبين كل ما هو كائن في تلك السنة من الأرزاق والآجال والخير والشر، وغير ذلك من أوامر الله المحكمة العادلة.
قال r: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدّم من ذنبه"[4]. وقال: "تحرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان"[5]. ويقول النبي r: "وفيه ليلة خير من ألف شهر من حُرمها فقد حُرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم"[6].
وقال الإمام النخعي: "العمل فيها خير من العمل في ألف شهر سواها". وقد أخفاها الله I في علمه على العباد رحمةً بهم؛ ليجتهدوا في جميع ليالي العشر، وتكثر أعمالهم الصالحة، فتزداد حسناتهم، وترتفع عند الله درجاتهم.
* الاعتكاف: والمقصود بالاعتكاف: انقطاع الإنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله في المسجد، ويجتهد في تحصيل الثواب والأجر وإدراك ليلة القدر؛ ولذلك ينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والعبادة، ويتجنب ما لا يفيده من حديث الدنيا، ولا بأس أن يتحدث قليلاً بحديث مباح مع أهله أو غيرهم. عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي r يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يومًا"[7].
وقال الإمام الزهري -رحمة الله عليه-: "عجبًا للمسلمين! تركوا الاعتكاف مع أن النبي r ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله U".
وفي الاعتكاف صفاء القلب والروح، وكذا فيه حماية للمسلم من آثار فضول الصحبة وفضول الكلام وفضول النوم، وغير ذلك من الصوارف التي تفرق أمر القلب، وتفسد اجتماعه على طاعة الله.. وأهم ما فيه القرب من الله U.
* زكاة الفطر: هي صدقة تجب بالفطر في رمضان على كل مسلم تلزمه مؤنة نفسه، إذا فضل عنده عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته. والحكمة منها تطهير الصائم من اللغو والرفث, والتوسعة على المساكين والفقراء، وإغناؤهم عن السؤال في هذا اليوم؛ ليشاركوا بقية الناس فرحتهم بالعيد.. قال r: "أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم"[8].
روى ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "فرض رسول الله r زكاة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرفث، وطُعمة للمساكين"[9]. وقد قال جمهور الفقهاء بجواز تعجيل صدقة الفطر قبل العيد بيوم أو بيومين.. قال ابن عمر رضي الله عنهما: "أمرنا رسول الله r بزكاة الفطر أن تُؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة"[10].
التعليقات
إرسال تعليقك