د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
ملخص المقال
إننا ألِفْنَا رؤية مخلوقات الله، فلم نَعُد ننبهر أو نخشع، ولو تدبَّرنا في أيٍّ من هذه المخلوقات لازددنا تقديرًا لله تعالى.. فهل سيؤثر هذا الشعور في خشوع
تَدَبَّرْتُ في آية في سورة الحجِّ تعتب على الناس أنهم ما قدروا لله حقَّ قدره.. قال تعالى: {مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج: 74]، وصرتُ أقول: وكيف يمكن لنا أن نَقْدِر له -سبحانه- قدره، وهو القوي العزيز؟ فوجدتُ أنه -سبحانه- قد ذكر قبل هذه الآية آيةً أخرى تفتح لنا الباب الذي يُساعدنا على أن نَقْدِر لله قَدْره! فقد قال الله العزيز قبلها: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ}[الحج: 73]، وهو بذلك يفتح لنا بابًا واسعًا، لو ولجنا منه لكنَّا إلى تقدير الله أقرب! وهو باب التفكُّر في خلق الله! وفي الآية ضرب الله لنا مثلًا بمخلوق ضعيف بسيط للغاية {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ}، ومع ذلك فهو معجز، وهو وسيلة من وسائل التحدِّي للبشر: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}، فالله يتحدَّى البشر بكل إمكانياتهم أن يخلقوا ذبابة! فكيف ببقرة أو جمل أو فيل أو نسر؟ ثم يزيد في التحدِّي ويستحثُّهم على «الاجتماع» لذلك الأمر العسير، فيُعلن لهم أن اجتماع العلماء من الشرق والغرب، ومن الحضارات المختلفة، وعلى مرِّ الأزمان، لن يُجدي شيئًا في هذا المجال! بل يسخر منهم سخرية مُرَّة فيقول: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ}، فهذا الكائن الضعيف لو سلبهم ذرَّة سكر أو قطرة ماء، فإنهم يفشلون في استردادها! ثم التعليق الختامي الكاشف: {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ}!!
مَنْ هؤلاء الذين يُنكرون قدرة الله وحكمته وقوَّته؟
ونحن؟!
هل خشوعنا بعد أن استمعنا لهذا المثل {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} كخشوعنا قبل الاستماع إليه، أم أنه ازداد وارتقى؟
إننا «ألِفْنَا» -يا للأسف- رؤية مخلوقات الله، فلم نَعُد ننبهر أو نخشع، ولو تدبَّرنا في أيٍّ من هذه المخلوقات لازددنا تقديرًا لله تعالى، ولزاد خشوعنا بعد ذلك بلا جدال.. ولذلك حَفَلَ القرآن الكريم بالآيات التي تحثُّ على التدبُّر في الكون بشتَّى مكوِّناته؛ التدبُّر في السماء والأرض.. في البحار والأنهار.. في الجبال والصخور.. في النجوم والكواكب.. في الإنسان والحيوان.. في الطيور.. في الأسماك.. في الحشرات! مُلْكٌ فسيح.. وكون هائل.. وقدرة خارقة.. وعجائب لا تنتهي! لا تملك حينها إلَّا أن تقول: سبحان الله!
اقرأ قوله تعالى: { أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ}[ق: 6-11].
ما رأيكم بعد قراءة هذه الآيات في رحلة خلوية صباحية مُبَكِّرة إلى مزرعة من المزارع، أو إلى قرية بسيطة، أو إلى حديقة عامَّة؟! ننظر إلى الزروع البهيجة مختلفة الأشكال والألوان والروائح.. نستمتع بنخلة باسقة، أو شجرة وارفة.. أو جدول رقراق.. أو بعض قطرات الندى تسيل من فوق زهرة! ويا للروعة لو كان في عمق الصورة جبل شامخ، أو سهل منبسط، ثم نظرةٌ إلى الشمس المشرقة، أو إلى جبال السُّحُب!
أو ما رأيكم في رحلة ليلية إلى مكان بلا أضواء، نستلقي على ظهورنا، ونغوص بعيوننا في أعماق الفضاء! نجوم كثيرة.. كثيرة.. كثيرة.. وقمر منير.. سحر وخيال.. أشكال وهيئات ما تغيَّرت على مدار الأعوام والقرون حتى صارت دليلًا للناس في الصحارى والبحار.. نظامٌ بديعٌ لا اصطدامَ فيه ولا ارتطام.. ونسمة رقيقة تأتي من الشمال.. يا الله.. ما أجملها!
أو رحلة ثالثة إلى ساحل البحر والشمس تسقط في منتهاه.. تُوَدِّع الدنيا إلى أجل قريب.. غدًا سأشرق في موعد تعرفونه.. لا يتبدَّل.. لا يتغيَّر.. وبحر عميق.. عميق.. فلنخترق البحر بعقولنا.. لننظر إلى لؤلؤ ومرجان.. وأسماك وحيتان.. وعلى الشاطئ رمل بلا عدد، وصدف بلا إحصاء.. وطفل يجري.. يقفز.. يضحك.. وصياد على مركب صغير يرزقه ربُّه من فوق سبع سموات!
أتظنون أن أمثال هذه الرحلات لعبٌ ولهو؟!
أبدًا والله..
إنها عبادة! وأيُّ عبادة!
كان الصحابي الجليل أبو الدرداء رضي الله عنه يفهم ذلك جيدًا؛ لذلك كان يُكثِر من أمثال هذه اللحظات التي يخلو فيها بنفسه، ويتفكَّر في خلق الله، حتى وصفت زوجته أم الدرداء رضي الله عنها حياتَه فقالت: كان أكثر شأنه التفكُّر [1]. بل إنَّ الناس سألوا أبا الدرداء رضي الله عنه عن ذلك التفكُّر الطويل صراحةً! فقالوا متعجِّبين: أفترى التفكُّر عملًا من الأعمال؟ قال: نعم، هو اليقين[2]. وانظر إلى إجابته العميقة، التي تُؤَكِّد لنا أننا سلكنا الطريق القويم.. إن التفكُّر يقود إلى اليقين في الله تعالى وقدرته وحكمته وقوَّته، وهنا -لا محالة- ستقدر لله قدره، وتخضع له بكل ذرَّة في كيانك.
إنني لا أشكُّ قِيد أنملة أننا سنعود من أمثال هذه الرحلات أكثر خشوعًا في صلاتنا وعباداتنا، بل سنعود أكثر نشاطًا في العمل لله تعالى، وأشدَّ إقبالًا عليه.. كيف لا؟ وهو الذي مدح -سبحانه- المتفكِّرين في كونه، والمتدبِّرين في آلائه.. فقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[آل عمران: 190، 191].
كلُّ هذا العلوِّ في العبادة، والترقِّي في الخشوع؛ جاء مِنْ تَفَكُّرٍ لا يعتمد على علوم متبحِّرة، أو إحصائيات معقَّدة.. إنما فقط نظرة متدبِّرة إلى سماء أو بحر، أو إلى زهرة أو نهر، فكيف لو استخدمنا علومنا -الفلكية، والجغرافية، والطبية، والجيولوجية، والنباتية، وغيرها من علوم- في الدراسة المتفحِّصة، والقراءة المتعمِّقة لمحتويات هذا الكون العجيب؟! دعوني أَقُوم معكم بتجربة لطيفة: قُمْ هذه الليلة لصلاة ركعتين لله تعالى.. ثم اجلس هنيهة بعد هاتين الركعتين، واقرأ بعض الأرقام والإحصائيات عن الكون، التي سأسردها لك بعد قليل -بإذن الله- وتعمَّق بخيالك في كل رقم، وتجوَّل بحُرِّيَّة في أرجاء الأرض والسماء، وفي أعماق البحار، ودروب الأدغال، ثم قُمْ مرَّة ثانية، وصَلِّ ركعتين جديدتين لله تعالى، وقِسْ مستوى خشوعك في كل صلاة! هل خشوعك قبل قراءة الأرقام، كخشوعك بعدها؟! إن الإجابة ستضع قدمك على أول الطريق!
وهذه هي مجموعة الأرقام:
1) يعتقد علماء الفلك أن الكون المرئي عام 2010 يحتوي أكثر من (300 سكستيليون = 3 × 10 23) 300 ألف مليون مليون مليون (300,000,000,000,000,000,000,000) نجم[3]! وكلُّ نجم من هذه النجوم كالشمس بالنسبة إلينا، ويدور حوله عدد من الكواكب، ويُكَوِّن كل نجم بذلك مجموعة تُشبه مجموعتنا الشمسية، علمًا بأن مجموعتنا الشمسية متوسطة الحجم بالقياس إلى غيرها من المجموعات!
وقفة وتدبُّر: نحن نعيش على كوكب الأرض الذي يدور حول شمس من 300 ألف بليون بليون شمس تدور في الدنيا!! مَنْ نحن؟!
كلمة في سرِّك: يبلغ حجم الشمس 1.300.000 مرَّة حجم الأرض، ودرجة الحرارة في مركزها تزيد على15.700.000 كلفن[4]، ومعدَّل الطاقة المنبعثة من الشمس ويمتصها الغلاف الجوي والمحيطات والكتل الأرضية يعادل 3.850.000 مليون مليون مليون جول في العام[5]!
قل: سبحان الله!
2) يحتوي جسم الإنسان على أكثر من 600 عضلة، تمثِّل حوالي 40٪ من وزن الجسم[6]، وعلى أكثر من 200 عظمة؛ تمثِّل حوالي 18٪ من وزن الجسم[7]، وتُمَدُّ كل عضلة بأعصاب وشرايين وأوردة بشكل كثيف، يجعلها في حالة نشاط وشدٍّ حتى في أثناء النوم! وهي والعظام كثيرة لتجعل حركة الجسم ناعمة ودقيقة..
وقفة وتدبُّر: كم عضلة من عضلاتك تعرف اسمها؟! نحن لا نعرف معظمها، ولكنها تعمل بكفاءة! دون رعاية منَّا.. ولا صيانة!
كلمة في سرِّك: يوجد في جسم الإنسان نحو 32 بليون خلية، منها نحو 135 مليون خلية حسية في شبكة العين مسئولة عن التقاط الصور وتمييز الألوان، ومنها نحو 35 مليون غدَّة هضمية في معدة الإنسان، ومنها أكثر من مليوني غدَّة عرقية تفرز كمية من العرق تتراوح ما بين نصف لتر إلى لتر ونصف كل 24 ساعة بلا توقُّف صيفًا وشتاءً[8]!
قل: سبحان الله!
3) يضخ القلب حوالي 4.7 لترات من الدم في الجسم كل دقيقة[9]، وحوالي 7.600 لتر يوميًّا، وإذا قُدِّرَ لإنسان أن يعيش سبعين عامًا فإن قلبه يضخُّ 193 مليون لتر في حياته! ويُحَقِّق في هذه الفترة 2.5 بليون دقَّة!
وقفة وتدبُّر: كم جَبَّار في الأرض يملك من أمر دقَّات قلبه شيئًا؟! فإذا كنا نخشع ونصمت أمام هؤلاء «البسطاء»، فكيف يكون حالنا أمام الذي يأمر قلوبهم بالدقِّ أو التوقُّف؟!
كلمة في سرِّك: نبضات القلب تتأثَّر بحجم الجسم، فعدد ضربات قلب الإنسان العادي حوالي ثمانين ضربة في الدقيقة[10].. أمَّا قلب الفيل فيضرب 25 ضربة في الدقيقة.. ويضرب قلب الفأر 700 ضربة في الدقيقة.. أمَّا قلب العصفور فعدد ضرباته 1000 ضربة في الدقيقة[11]!! وهل تعلم أن وزن قلب الحوت الأزرق يزيد على ستمائة كيلو جرام[12]؟!
قل: سبحان الله!
4) لا يعرف أحدٌ بالضبط كم عدد أنواع الحيوانات الموجودة في العالم، ولكن تمكَّن العلماء حتى الآن من تصنيف أكثر من مليون ونصف مليون نوع من الحيوانات، وما يزال يُكتشف كل عام من 7000 إلى 10.000 نوع جديد[13]، وربما تبلغ الدهشة مداها عند القارئ إذا علم أن العلماء اكتشفوا أن شجرة واحدة في غابة مدارية في بيرو يعيش عليها 43 نوعًا جديدًا من عصفور النمال[14]، ويساوي هذا العدد عدد أنواع هذا العصفور في المملكة المتحدة كلها[15].
وقفة وتدبُّر: اذكر مائة نوع فقط من الحيوانات من المليون نوع التي تعيش معنا على ظهر هذا الكوكب!
كلمة في سرِّك: يُرَجِّح العلماء أن غالبية أنواع الحشرات لم تُكتشف بعد! وبخاصة الأنواع التي تعيش في مناطق الغابات المداريَّة الدافئة الرطبة، وربما تصل قائمة أنواع الحشرات إلى أكثر من عشرة ملايين نوع[16]! ونتيجة للدَّمار الجاري في البيئات الطبيعية وبخاصة في مناطق الغابات المطيرة، فمن المحتمل أن ينقرض يوميًّا نوع غير معروف من النباتات أو من الحيوانات!
قل: سبحان الله!
5) يعرف العلماء حتى الآن أكثر من 260.000 نوع من النباتات[17]!
وقفة وتدبُّر: كم نوع من هذه الأنواع زرعها البشر؟ قال تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}[النمل: 60].
كلمة في سرِّك: هناك أنواع من نبات السحلبية[18] لها براعم، يحوي كل برعم منها بذورًا صغيرة، يبلغ عددها ما يقارب 70.000.000 (70 مليون) بذرة صغيرة[19]! وهناك زهرة تنمو في الأمازون اسمها زهرة السوسن العملاقة تبلغ طول مساحة الورقة الواحدة من أوراقها 3 أمتار مربعة ويمكن لطفل صغير أن يقف عليها بكل أمان[20]!
قل: سبحان الله!
6) يُقَدِّر العلماء أن متوسط عدد الحشرات في مساحة 2.6كم2 من الأرض، يعادل عدد كلِّ البشر على كوكب الأرض[21].
وقفة وتدبُّر: راجع الرقم مرَّة أخرى! متوسط عدد الحشرات في مساحة 2.6كم2 من الأرض تُعادل عدد البشر في الدنيا! ماذا لو سَلَّطَ الله علينا بعضها؟ قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالجَرَادَ وَالْقُمَّلَ}[الأعراف: 133].. ماذا لو أرسلهم مرَّة أخرى؟!
كلمة في سرِّك: سرب الجراد من الحجم المتوسط يبلغ عدد الجراد فيه حوالي مليون جرادة، يستهلكون حوالي 20 طنًّا من الطعام يوميًّا[22]!
قل: سبحان الله!
7) أصغر الحشرات هي الخنفساء القزمة شعرية الأجنحة؛ إذ يبلغ طولها ربع المليمتر؛ أي إنها يمكن أن تزحف بسهولة عبر ثقب إبرة صغيرة! وهذه الحشرة لها أجنحة، وسيقان، وعيون، ودروع، وفكَّان علوي وسفلي[23]!
وقفة وتدبُّر: رأيتُ نملة صغيرة تزحف على المكتب.. طولها لا يتجاوز المليمترين.. أدركتُ أنها عملاقة! إذا قورنت بهذه الخنفساء الرقيقة الدقيقة!
كلمة في سرِّك: اكتشف العلماء حتى الآن أكثر من 350.000 نوع من الخنافس، وهي بذلك تُمثِّل أكبر عائلة من الحيوانات في الدنيا[24]!
قل: سبحان الله!
8) يستعمل علماء الفلك «السَّنَة الضَّوئية» كوحدة قياس؛ لأن المسافات شاسعة جدًّا جدًّا، فالضوء يقطع مسافة 300.000كم في الثانية الواحدة؛ أي إنه يقطع في السنة الضوئية مسافة تعادل 9.46 مليون مليون كم، بحيث تحتاج الطائرة وهي تطير بسرعة 800 كم/ساعة إلى 1.34 مليون سنة لتقطع مسافة سنة ضوئية واحدة! ومن الملاحظ أن الأبعاد الفلكية كبيرة لدرجة أن أقرب نجم للأرض -غير الشمس- يبعد عنها 4.22 سنة ضوئية[25].
وقفة وتدبُّر: ما حجم الجنَّة التي قال الله في حقِّها: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران: 133]؟!
كلمة في سرِّك: هل تعرف أن حجم المجرة التي تنتمي إليها الشمس ونظامها الكوكبي يزيد على مائة ألف سنة ضوئية[26].
قل: سبحان الله!
9) لدى كثير من الحشرات قوَّة كبيرة إذا قورنت بحجمها؛ إذ يمكن لنملة أن ترفع بفمها حملاً أثقل من وزنها بخمسين مرَّة! وإذا قارنَّا ذلك بشخص وزنه 80 كجم؛ ففي هذه الحالة يتعيَّن عليه أن يرفع أربعة أطنان بأسنانه! ويستطيع البرغوث أن يقفز لمسافة 35سم، فإذا قارنَّا ذلك بإنسان فمعنى ذلك أن عليه القفز مسافة تعادل200م[27]!
وقفة وتدبُّر: فهمتُ الآن قوله تعالى: {وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا}[النساء: 28]!
كلمة في سرِّك: تمتلك الجرادة تسعمائة عضلة مستقلَّة تقريبًا؛ أي بزيادة أكثر من مائتي عضلة عن الإنسان، ولبعض الديدان أكثر من أربعة آلاف عضلة مستقلَّة! وتستطيع الذبابة أن ترى في كل الاتجاهات وهي تقف ثابتة دون حركة؛ لأن عينها مكونة من 4.000 مُسطَّح صغير موجَّهة إلى كل ناحية[28]!
قل: سبحان الله!
10) يبلغ طول الأوعية الدموية في الجسم -إذا جُعِلَت في خطٍّ مستقيم- نحو 161 ألف كيلو متر! أي إنها كافية لتلفَّ العالم أربع مرَّات من منطقة خطِّ الاستواء[29]!
وقفة وتدبُّر: لا تتوه الموادُّ الغذائية أبدًا في رحلتها إلى كل خلية من خلايا الجسم، على الرغم من كونها تسير في شبكة هائلة بهذا الحجم! ماذا لو تاهت؟!
كلمة في سرِّك: يسير الدم مسافة 19.000 كيلو متر كل يوم[30]، وهذا يُعادل طول المسافة من الشاطئ الشرقي إلى الشاطئ الغربي لأميركا أربع مرات! ويموت مليونا خلية دم كل دقيقة[31]، ويُنْعِم الله علينا بغيرها فورًا!
قل: سبحان الله!
الآن.. بعد هذه الرحلة السريعة..
تحت الأرض وفوقها..
في أعماق الفضاء والبحار..
مع الحشرات والحيوانات.. وفي داخل الإنسان..
بعد هذه الرحلة السريعة..
وبعد أن عرفتَ مَنْ هو الله..
الخالق.. الرازق..
الحكيم.. القدير..
بعد هذه الرحلة السريعة..
قمْ وصلِّ ركعتين.. طويلتين..
قلْ فيهما.. بلسانك..
بفؤادك: سبحان الله وبحمده.. سبحان الله العظيم!
وأبشر.. سَتَجِدُ قَلْبَك!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] أبو الوليد بن رشد: البيان والتحصيل، 17/580، والقرطبي: الجامع لأحكام القرآن، 4/314، والثعالبي: الجواهر الحسان في تفسير القرآن 2/151، والطاهر بن عاشور: التحرير والتنوير، 4/197. وعن أم الدرداء ل عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة». البيهقي: شعب الإيمان، (117)، وابن المبارك: الزهد، ص 332 (949) (872)، وأبو داود السجستاني: الزهد، (199) ص191. وقيل لأم الدرداء رضي الله عنها: ما كان أفضل أعمال أبي الدرداء رضي الله عنه؟ قالت: التفكر». البيهقي: شعب الإيمان، (118).
[2] أبو الوليد بن رشد: البيان والتحصيل، 17/580، والقرطبي: الجامع لأحكام القرآن، 4/314، والثعالبي: الجواهر الحسان في تفسير القرآن 2/151، والطاهر بن عاشور: التحرير والتنوير، 4/197.
[3] انظر: «نجم» موقع ويكيبديا: http://ar.wikipedia.org.
[4] انظر: «الشمس» موقع ويكيبديا: http://ar.wikipedia.org.
[5] انظر: «طاقة شمسية» موقع ويكيبديا: http://ar.wikipedia.org.
[6] انظر: «علم الأنسجة» موقع ويكيبديا: http://ar.wikipedia.org.
[7] انظر: «عظم» موقع ويكيبديا: http://ar.wikipedia.org.
[8] انظر: «هل تعلم» موقع ويكيبديا: http://ar.wikipedia.org.
[9] انظر: «حجم الدم» موقع ويكيبديا: http://ar.wikipedia.org.
[10] انظر: «نبض» موقع ويكيبديا: http://ar.wikipedia.org.
[11] انظر: «هل تعلم» موقع ويكيبديا: http://ar.wikipedia.org.
[12] انظر: «حوت أزرق» موقع ويكيبديا: http://ar.wikipedia.org.
[13] انظر: «تدمير البيئة» موقع ويكيبديا: http://ar.wikipedia.org.
[14] عصفور النمال: اسم لنوعين من الطيور الصغيرة، تشبه الطائر الذي يسمى أبو تمرة، الذي يقطن أميركا الجنوبية، ويبلغ طوله نحو 15سم، وله ذيل طويل دائم الحركة ارتفاعًا وانخفاضًا، ولونه أخضر زيتي مائل إلى البُني، مع بياض في الجزء الأسفل، وخطوط داكنة بطول صدره، وتسكن هذه الطيور في الغابات التي تُغطِّي التلال القريبة من مجاري المياه، وتتغذى بالحشرات التي تلتقطها من أرض هذه الغابات.
[15] انظر: «حيوان» موقع معرفة: www.marefa.org.
[16] انظر: «حشرة» موقع ويكيبديا: http://ar.wikipedia.org.
[17] انظر: «علم النبات» موقع ويكيبديا: http://ar.wikipedia.org.
[18] الفصيلة السحلبية: فصيلة نباتية من وحيدات الفلقة.
[19] انظر: «هل تعلم» ويكيبديا: http://ar.wikipedia.org.
[20] انظر: «بنك المعلومات» مجلة همس الثقافية المنوعة www.hmselklob.com.
[21] انظر: مقال «مهارات الحياة في عالم الحشرات» صحيفة الأنباء: www.alanba.com.kw.
[22] انظر: «هل تعلم» موقع ويكيبديا: http://ar.wikipedia.org.
[23] انظر: «عالم الحشرات» موقع ستار تايمز: www.startimes.com.
[24] انظر: «خنافس» موقع ويكيبديا: http://ar.wikipedia.org.
[25] انظر: «سنة ضوئية» موقع ويكيبديا: http://ar.wikipedia.org.
[26] انظر: «كون» موقع ويكيبديا: http://ar.wikipedia.org.
[27] انظر: موقع ستار تايمز: www.startimes.com.
[28] انظر: «هل تعلم» ويكيبديا: http://ar.wikipedia.org.
[29] انظر: مركز الدراسات والبحوث البيئية: www.aun.edu.eg.
[30] انظر: الموسوعة العلمية على موقع: www.msoms-anime.net.
[31] انظر: «خلايا الدم: بحث كامل عن أنواع ووظائف خلايا الدم»: www.3rbdr.net.
◄◄ هذا المقال من كتاب كيف تخشع في صلاتك للدكتور راغب السرجاني
يمكنك شراء الكتاب من خلال صفحة دار أقلام أو الاتصال برقم 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك