الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
المدرسة الأسدية الجوانية في حلب أسسها أسد الدين شيركوه عم صلاح الدين الأيوبي، فما أهم معالمها المعمارية والحضارية؟
موقع المدرسة الأسدية وتاريخها
تقع المدرسة الأسدية الجوانية داخل باب قنِّسرين في حلب، في محلَّةٍ كانت تعرف بالرحبة قديمًا، أنشأها أسد الدين شيركوه بن شادي (ت 564هـ=1168م)، عم صلاح الدين الأيوبي، وقد رُمِّمت المدرسة خلال العهد العثماني، وربَّما يعود الإيوان الحالي إلى تلك الفترة، وهناك لوحةٌ في وسط الواجهة الشمالية تُؤرِّخ هذا الترميم لسنة (1316هـ=1898م). وكانت آنذاك -كما جاء في المراجع- "مشتملة على إيوانٍ كبيرٍ وخلاوي للفقهاء وبركة ماء"، وقد عُمِّر في وسط صحن المدرسة حوضٌ كبير سنة (1310هـ=1892م)، كما عُثِر نحو سنة (1323هـ=1905م) على صهريج ماء كان مردومًا فأُصلِح ومُلِئ من قناة ماء قريبة. وفي عام 1998م أجرى مشروعُ إحياء حلب القديمة لهذه المدرسة عمليات ترميم واسعة ضمن مشروعٍ رائدٍ للترميم تناول حي باب قنِّسرين بأكمله.
الوصف المعماري للمدرسة
يتكون المسقط الأفقي للمدرسة الآن من مدخل يُؤدِّي إلى ممرٍّ مكشوف، أُضيفت إلى الشمال منه دورات مياه، ويليه باحة يُحيط بها غربًا القبلية (رواق القبلة)، وجنوبًا ثلاث غرف للمجاورين (خلوات)، وإيوان، وشرقًا قاعتان والمدخل، وشمالًا ثلاث غرف للمجاورين والحاصل. والمدخل الرئيس عبارة عن باب صغير منخفض يتجه شرقًا، يليه ممرٌّ مكشوف يضمُّ بضع درجات يفصل بينها استراحات تهبط إلى الباحة، وهناك إلى شمال الممر نوافذ للجوار.
وتضم الباحة حوضًا كبيرًا زُرِع فيه أشجار مثمرة وخلفه بئر، تليه بركةٌ كبيرة في وسطها نافورة، كان قد اقتُطع من جهاتها الثلاث: الغربية والجنوبية والشمالية أحواضٌ للزراعة. أمَّا اليوم -وبعد الترميم الأخير- فقد اقتصر الاقتطاع على الطرف الغربي من البركة. وقد بُنِي سياج البركة بالحجارة الكبيرة (بلغ طول أحدها 110سم وعرضها 15سم وارتفاعها 60سم)، وكانت سابقًا تتصل مع بعضها بكلاليب من الرصاص والحديد.
وخلف البركة درجتان معترضتان كبيرتان يبلغ ارتفاع الواحدة منهما 28 سم2 تؤدِّيان إلى مصطبةٍ تقع أمام القبلية، وهي غالبًا ليست من أصل البناء.
وتمتد القبلية طوليًّا، وتتكوَّن من ثلاثة أجزاء غير متساوية تفصل بينها أقواس ضخمة مدبَّبة أكبرها القسم الأوسط؛ وهو مربع الشكل ويضم المحراب، وقد سُقِف بقبة مدببة قرميدية، ترتكز فوق رقبة اثني عشرية قليلة الارتفاع، ويُنتقل من الشكل المربع إلى الشكل الاثنى عشري بمثلثين هرميين مقلوبين في كل زاوية، وقد سقف كلٌّ من الطرفين بقبوٍ برميليٍّ متطاول مدبَّب مكوَّن من حجارة صغيرة بينها مونة.
والمحراب بسيط له ظفران مروحيان، ويحيط به زخارف هندسية متعرجة zigzag.
ولا يوجد في هذه المدرسة منبر أو مئذنة، على عادة ما كان دارجًا في أغلب المدارس الأيوبية والزنكية، وما وُجد فيها من المنابر والمآذن فهو يعود إلى فترات لاحقة غالبًا.
وإيوان المدرسة صغير، يتراجع قليلًا عن الغرف التي تجاوره، ويسقفه قبو متطاول وقبو متقاطع في جزء منه، والقاعة هي غرفة كبيرة يسقفها قبو متقاطع، وغرف المجاورين (الخلوات) عددها ست غرف، يسقف كل منها قبو متقاطع، وتضم كل منها عتبة أمام الباب وخزانة جدارية أو أكثر.
ويلحق بالمدرسة مدفن يقع في غربي القبلية، ويفصلها عنه قوس مجزوءة (موتورة)، وهو يتألف من جزأين؛ أحدهما يقع شمالًا والآخر جنوبًا، وقد سُقف كل منهما بقبو متطاول في حين سُقف القسم الأوسط بسقف مستو خشبي يمتدُّ فوق جذوع الشجر.
وللمدرسة أربع واجهات داخلية، أهمها الواجهة الداخلية الشرقية؛ وهي واجهة القبلية، التي تضم بدءًا من الشمال: الباب، وهو كبير ومرتفع يعلوه قوس مجزوء، تليه مصطبة تنفتح عليها ثلاث نوافـذ ترتفع 20سم2 تقريبًا عن سطح المصطبة، يحدُّ كلًّا منها قوسٌ مجزوءة، وفوق كلِّ نافذة طاقة، يحدُّ كلًا منها قوسٌ مدبَّبةٌ ذات المراكز الأربعة العثمانية.
ويُحيط بالكل قوسٌ كبيرة مدبَّبة من الحجارة الكبيرة، وقد بُني الجدار خارج القوس بحجارة كبيرة في حين بني الجدار داخل القوس بحجارة صغيرة، ممَّا يدعو للاعتقاد أن القوس والجدار حوله يعودان إلى العصر الزنكي، وقد سُدَّ فراغه في وقتٍ لاحقٍ في العهد العثماني، وتأخذ واجهة القبلية شكل إيوان ينفتح على الباحة بقوس كبيرة شأن أغلب الأواوين في مدينة حلب، وفي الأعلى تبدو القبة المدببة.
أما الواجهة الجنوبية: فتتألف بدءًا من الشرق من نافذة للجوار، يليها إلى الأمام جدار الحاصل المصمت ويضم صنبور ماء أسفله، ويليه ثلاث غرف للمجاورين تضم واجهة كل منها بابًا ونافذة يحد كلًا منها قوس مجزوءة، وهناك طاقة صغيرة بينهما في الأعلى، وقد بُنيت الجدران من الحجارة الكبيرة في القسم السفلي، ولكنها تصغر كلما كان الاتجاه إلى الأعلى.
وتتكون الواجهة الشمالية -بدءًا من الغرب- من جدار أصم، يليه ثلاث غرف للمجاورين تضمُّ واجهةُ كلٍّ منها نافـذةً وبابًا، يحدُّ كلًّا منها قوسٌ مجزوءة، وهناك طاقة دائرية بينهما في الأعلى، ويوجد نصٌّ في أعلى هذه الواجهة كتب فيه: "جُدِّدت هذه المدرسة سنة (1316هـ=1898م)". ويلي ذلك إيوان صغير قليل الارتفاع، لا يتعدى ارتفاعه غرفة المجاورين، ويفصله عن الباحة درجة واحدة، وتضم هذه الواجهة ميزابين بسيطين، ويتوجها إفريز بسيط. وتضم الواجهة الغربية غرفتين؛ الأولى -ابتداء من الجنوب- لها نافذة تطل على الإيوان، يليها باب يطل على الباحة، وفي الأعلى حنيةٌ صغيرةٌ (مشكاة). وتطل الغرفة الثانية على الباحة بنافذة وباب، ويحدُّ النوافذ والأبواب قوسٌ مجزوءة، ويلي الغرفتين دهليز المدخل الرئيس للمدرسة.
وتُعدُّ الواجهة التي تحوي المدخل الرئيس للمدرسة أهم واجهاتها الخارجية، وهي واجهة شرقية تضم المدخل؛ وهو على شكل باب متواضع قليل الارتفاع، أمامه درجة، ويعلوه قوس مجزوءة، كتب على مفتاحه بالخط العثماني "المدرسة الأسدية الجوانية".
________________
المصدر: لمياء جاسر: المدرسة الأسدية الجوانية، موسوعة آثار سوريا، ص393.
مراجع للاستزادة:
- لمياء جاسر، مدارس حلب الأثرية تاريخها وعمارتها (حلب 2000م).
- ابن شداد، الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة (المعهد الفرنسي، 1953م).
- ابن الشحنة، الدر المنتخب في تاريخ مملكة حلب (بيروت 1909م).
- سبط ابن العجمي الحلبي، كنوز الذهب في تاريخ حلب (حلب 1997م).
التعليقات
إرسال تعليقك