د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
ملخص المقال
هل الدجال حقيقة أم خيال؟! يجيب الدكتور راغب السرجاني بالأدلة الصحيحة من السنة النبوية الشريفة ويجيب كذلك على إحدى شبهات المنكرين للسنة النبوية بشكل عام
الدجال.. حقيقة أم خيال؟!
روى مسلم في صحيحه عن هشام بن عامر، قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ»[1].
ورواية أخرى لمسلم وذكرها أحمد أيضًا: «مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، أَمْرٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ»[2].
وروى الحاكم في مستدركه: «مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ فِتْنَةٌ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الدَّجَّالِ»[3].
التحذير منه سُنَّة الأنبياء:
وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: "إِنِّي لَأُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ"»[4].
وعند ابن ماجه عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ أَكْثَرُ خُطْبَتِهِ حَدِيثًا حَدَّثَنَاهُ عَنِ الدَّجَّالِ، وَحَذَّرَنَاهُ، فَكَانَ مِنْ قَوْلِهِ أَنْ قَالَ: "إِنَّهُ لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ، مُنْذُ ذَرَأَ اللَّهُ ذُرِّيَّةَ آدَمَ، أَعْظَمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا إِلَّا حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ، وَأَنَا آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنْتُمْ آخِرُ الْأُمَمِ، وَهُوَ خَارِجٌ فِيكُمْ لَا مَحَالَةَ.."[5].
كان الصحابة رضي الله عنهم يترقَّبون ظهوره، ويخشون ذلك، حتى مع قوة إيمانهم:
ففي مسند أحمد عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ لِي: «مَا يُبْكِيكِ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَكَرْتُ الدَّجَّالَ فَبَكَيْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنْ يَخْرُجِ الدَّجَّالُ وَأَنَا حَيٌّ كَفَيْتُكُمُوهُ، وَإِنْ يَخْرُجْ بَعْدِي، فَإِنَّ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بِأَعْوَرَ»[6].
ونهت حفصة رضي الله عنها أخاها عبد الله بن عمر عن إغضاب ابن صياد لشكِّهم أنه الدجال، وقالت له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّمَا يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا"[7].
ومع ذلك لم يأتِ ذكر الدجال في القرآن! لماذا؟
اختلف العلماء في تفسير ذلك، وأرى أنَّ أفضل الإجابات عن ذلك أنَّ الله أراد تهوين شأنه فلم يذكر اسمه في القرآن لكيلا يُمَهِّد لقدومه بكثير الذكر له عند قراءة القرآن الكريم؛ خاصَّةً أنه يدَّعي الألوهية.
الدليل على ذلك أنَّ الناس تُعظِّم بعض الرُّموز إذا تكرَّر ذكرها، مثل:
تعظيم الناس لفرعون (الذي ادَّعى الألوهيَّة هو الآخر) مع تكرار ذمِّه في القرآن، ولكنَّ فرعون مذكورٌ في القرآن -بخلاف الدجال- لأن فتنته مضت وانتهت ولا يُتوقَّع لكثيرين أن يدينوا بديانته، وإن كان هذا يحدث مع بعض الضِّعاف من البشر حتى الآن، ونراه من بعض الأجانب الذين يزورون آثار الفراعنة أو يدرسون تاريخهم.
أيضًا ادِّعاء فرعون للألوهية لم يفتن الناس فهو لم يدَّعِ شيئًا من صفات الألوهيَّة ولا قدراتها؛ إنما ادَّعى فقط أنَّه من نسل الآلهة، بينما يدَّعي الدجَّال الألوهيَّة ذاتها، ويعطيه اللهُ بعضَ الـمَلَكات التي تختصُّ بالله تعالى ليفتن الناس؛ مثل إحياء الموتى، وإنزال المطر من السَّحاب!
لهذا، وتهوينًا لشأن الدَّجَّال في نفوس المؤمنين، لم يأتِ ذكرُه في القرآن بشكلٍ مباشر؛ لأنَّه فتنةٌ قادمة، وليست سابقة.
فإذا قيل إن يأجوج ومأجوج، وكذا الدابة، ذُكِروا في القرآن، وهي فتنٌ مستقبليَّة، نقول: إنَّ هذه الفتن لا تدَّعي الألوهيَّة، وبذا ليس خطرها كخطر الدجال.
ومع ذلك أتت الإشارة في القرآن للدجال دون تصريح في قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158].
ففي سنن الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قَالَ: "ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} [الأنعام: 158] الْآيَةُ؛ الدَّجَّالُ، وَالدَّابَّةُ، وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنَ المَغْرِبِ «أَوْ» مِنْ مَغْرِبِهَا".
وهذا المقال هو إحدى حلقات برنامج «قصة الدجال» على اليوتيوب ويمكنكم مشاهدة حلقة «لماذا لم يُذكر الدجال في القرآن؟» من الفيديو التالي، وكذلك متابعة السلسة كاملة من هنا
[1] صحيح مسلم - ترقيم عبد الباقي، باب في بقية من أحاديث الدجال (4/ 2266) [126] (2946).
[2] صحيح مسلم - ترقيم عبد الباقي [127] (2946)، مسند أحمد - طبعة مؤسسة قرطبة (4/ 19) (16298).
[3] الحاكم: المستدرك (4/ 573) (8610)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.
[4] صحيح البخاري - ترقيم البغا: باب ذكر الدجال (6708) واللفظ له. صحيح مسلم - ترقيم عبد الباقي (169).
[5] سنن ابن ماجه ت الأرنؤوط (5/ 197) (4077)، وقال الأرناءوط: صحيح.
[6] مسند أحمد - طبعة مؤسسة قرطبة (6/ 75) (24511)، وقال الأرناءوط: إسناده حسن. والإيمان لابن منده (2/ 950) (1056). وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير الحضرمي بن لاحق وهو ثقة. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (7/ 338). وقال الألباني: صحيح. قصة المسيح الدجال، ص60.
[7] انظر: مسند أحمد - طبعة مؤسسة قرطبة (6/ 283) (26468)، وقال الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط مسلم. وصحيح ابن حبان (15/ 203) (6793).
التعليقات
إرسال تعليقك