التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
كان عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه ثالثُ أعظمِ الرِّجالِ في الصَّحابةِ رضي الله عنهم بعد صاحبيه أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ رضي الله عنهما.
خمس أسباب وراء استهداف عثمان بن عفان بالهجوم
عثمان بن عفان رضي الله عنه هو ثالثُ أعظمِ الرِّجالِ في الصَّحابةِ رضي الله عنهم بعد صاحبيه أَبِي بكر وعمر رضي الله عنهما. يقول ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: «كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثْمَانَ، ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ»[1].
وعلى الرغم من هذه القيمة النادرة لهذا العَلَمِ الفَذِّ فإنَّه من أكثر الشخصيَّات التي تعرَّضت للنقد والتجريح في التاريخ الإسلامي، وقد استهدفها الكثيرون بالأباطيل والشبهات، حتى صار الناس -من المسلمين وغير المسلمين- لا يعرفونه على وجه الحقيقة؛ إنَّما يعرفون شخصيَّةً أخرى توهَّموا أنَّها عثمان بن عفَّان رضي الله عنه!
مردُّ هذا اللبس إلى عدَّة أمور:
أولًا: الهجوم الضَّاري الذي يشنُّه الشيعة ورواتهم على مرِّ العصور على هذا الخليفة الراشد، ومرجع ذلك عندهم أنَّهم يرون عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه أحقَّ بالخلافة منه، ومن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ لذلك يطعنون في الثلاثة، ويتَّهمونهم باغتصاب الخلافة من عليٍّ رضي الله عنه، وينسبون إلى الأخير -زورًا- كلماتٍ باطلةً كثيرةً في حقِّ الثلاثة العظام، وحَمْلَتُهم على عثمان رضي الله عنه تحديدًا شديدة؛ لكون المقارنة بينه وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت مباشرةً وصريحةً في أحداث اختيار خليفةٍ للمسلمين بعد استشهاد عمر رضي الله عنه.
ثانيًا: كراهيةُ أعداء الإسلام لعهد عثمان رضي الله عنه الذي شهد قوَّةً ورخاءً غير مسبوقين؛ وبالتالي كانت فترة خلافته نموذجًا على قدرة الدِّين الإسلامي على تحقيق النَّجاح الدُّنيوي دون تفريطٍ في الثَّوابت الشَّرعيَّة والدِّينيَّة والأخرويَّة.
ثالثًا: أيضًا يَسْعَد أعداء الأمَّة بوجود أمثلة اعتراضٍ وتمرُّدٍ في حياة الخليفة العظيم عثمان رضي الله عنه، وصلت إلى قتل الخليفة نفسه، ويعدُّون ذلك دلالةً على فساد النظام الإسلامي؛ وبالتالي يُبالغون في افتراء الأباطيل ونَسْبِها إلى عثمان رضي الله عنه؛ لكي يُظْهِروا المتمرِّدين الفسقة الذين خرجوا عليه وقتلوه في شكل الثُّوَّار المصلحين الذين أرادوا الخير للدَّولة.
رابعًا: يُضاف إلى ما سبق أنَّ العهد الذي تلا عهد عثمان رضي الله عنه شهد أحداث فتنةٍ كبرى، وصراعاتٍ بين المسلمين، وكانت سنواتٌ خمس مريرة شهدت من الأزمات ما لم تشهده فترةٌ أخرى منذ قيام الدَّولة المسلمة، وأرجع بعض المؤرِّخين هذا -خطأً- إلى فشل عثمان رضي الله عنه في إدارة الأمور؛ ممَّا أدَّى إلى هذا التَّداعي، ولم يفهموا أنَّه لولا منهجه الصَّحيح لانهارت الدَّولة بالكلِّيَّة، ولما عاد هناك وجودٌ للكيان الإسلامي، وهذا ما سنفهمه عند التحليل الهادئ للأمور.
خامسًا: من الأمور التي أسهمت في كثرة إلقاء التُّهم والشُّبهات على عثمان رضي الله عنه مقارنته بسلَفَيْه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، خاصَّةً أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه اشتُهر بالحزم والشِّدَّة، بينما اشتُهر عثمان رضي الله عنه باللين والمسامحة، فعدَّ بعض المحلِّلين ذلك ضعفًا من عثمان رضي الله عنه، ولم ينظروا إلى اختلاف الشخصيَّات، واختلاف الظروف، وأنَّ التباين بين منهجين من مناهج الإدارة لا يعني بالضرورة صواب أحدهما وفساد الآخر؛ بل قد يكون كلٌّ منهما صوابًا إذا ما نظرنا إلى البيئة والظروف التي طُبِّق فيها المنهج.
على كل حال ينبغي قبل تحليل شخصيَّة إنسان أن نبحث وندقِّق في الروايات الصَّحيحة التي وصفت حياته وسيرته، ومنها يمكن أن نصل إلى توصيف صادق له[2].
[1] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي t، (3494)، وأبو داود (4627).
[2] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك