التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
قسمت فلسطين بين التتار والصليبيين وأصبح التتار على مقربة من مصر، فكيف ستواجه مصر؟ وما هي الأوضاع في ذلك الوقت؟ مقال للدكتور راغب السرجاني.
وقع المسلمون بين شقي الرحى في الشام.. بين التتار والنصارى.. وبات واضحًا للجميع أن التعاون بين الطائفتين التترية والنصرانية سيكون كبيرًا، فنصارى الشام يعرفون كل خباياها، ويدركون كل إمكانياتها.. ولا شك أن تعاونهم مع التتار سيكون ضربة موجعة للمسلمين خاصة أن رئيس المعسكر التتري في الشام نصراني وهو كتبغا.
احتلال فلسطين:
قرر كتبغا أن يحتل فلسطين، فأرسل فرقة من جيشه، فاحتلت نابلس، ثم احتلت غزة، ولم تقترب الجيوش التترية من الإمارات الصليبية الأوروبية المنتشرة في فلسطين، كما لم يقتربوا من إمارات الصليبيين في سوريا ولبنان.. وبذلك قسمت فلسطين بين التتار والصليبيين[1].
ومع كون التعاون بين التتار والصليبيين كان واضحًا فإن كتبغا زعيم التتار كان يسير على نهج هولاكو، فهو -وإن كان نصرانيًا-إلا أنه لم يكن يسمح للنصارى - سواء من أهل الشام أو من أوربا- أن يخرجوا عن سلطانه وعن حكمه وعن خططه.
فمن ذلك مثلاً ما حدث من أمير صيدا «جوليان»، والتي كان يحتلها الصليبيون الأوروبيون، فإنه عندما شاهد الصراع بين التتار والمسلمين، ظن أن هذه فرصة لتوسيع أملاكه، فأغار على سهل البقاع الخصب واحتله، فأرسل له كتبغا من ينهاه عن ذلك، ولكنه لم يستجب، فرد كتبغا على ذلك بإرسال جيش كثيف إليه لضرب صيدا وتدميرها، ودُمرت صيدا بالفعل، ولكن أفلت جوليان عبر البحر، ثم كرر كتبغا الأمر نفسه مع «يوحنا الثاني» أمير بيروت، وذلك عندما أغار على منطقة الجليل[2].
وبذلك يتضح أن التتار كانوا يريدون الإمساك بكل خيوط اللعبة في أيديهم، وعلى من أراد التعاون أن يأتي تابعًا، لا صديقًا أو محالفًا.. وهو نظام القطب الواحد في الأرض، والذي لا يقبل بنشوء أي قوَّة إلى جواره.
ولا شك أن هذا التصرف من كتبغا، ومن قبله التصرف الذي كان ينتهجه هولاكو بفرض الهيمنة المغولية على النصارى حتى في اختيار البطريرك الديني لهم.. لا شك أن هذه الأعمال أوغرت صدور أمراء الممالك الصليبية في الشام، وخاصة أن أوضاعهم كانت مستقرة قبل قدوم التتار، لأنهم كانوا يطمئنون إلى ضعف المسلمين، كما أنهم كانوا يطمئنون إلى عهد المسلمين، فهم عادة لا يغدرون، بعكس التتار، وما ظهر من التتار من إذلال لأمير أنطاكية ثم أمير صيدا ثم أمير بيروت جعل أمراء الممالك الصليبية الأخرى على وجل من التتار، وبات معلومًا لهم على وجه اليقين أنه بمجرد أن تستقر الأوضاع للتتار في المنطقة، وتترسخ أقدامهم فإنهم سيفعلون في نصارى الشام والممالك الصليبية مثلما فعلوا قبل ذلك في نصارى أوربا الشرقية عند الاجتياح السابق لها في فترة ولاية أوكيتاي بن جنكيزخان.
على كل حال فعلى الرغم من هذا التوجس الشديد والقلق العميق: فإن أمراء الممالك الصليبية ظلوا يراقبون الموقف دون محاولة التدخل فيه.. ولم يكن أحد منهم يدري بأي شيء ستأتي الأيام القادمة.
وبهذا الاحتلال الأخير لفلسطين يكون التتار قد أسقطوا العراق بكامله، وأجزاء كبيرة من تركيا، وأسقطوا -أيضًا- سوريا بكاملها، وكذلك أسقطوا لبنان، ثم فلسطين! وقد حدث كل ذلك في عامين فقط!
[1] بسام العسلي: المظفر قطز ومعركة عين جالوت ص115.
[2] المرجع السابق.
التعليقات
إرسال تعليقك