د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
ملخص المقال
إنما يؤخرهم، يتمنى الصالحون أن يشفي اللهُ صدورهم من الظالمين، ولكن قد لا يرونه، فعليهم ألا يحبطوا وأن يطمئنوا إلى الانتقام منهم في الآخرة وهو الآكَد
يتمنَّى الصالحون دومًا أن يَشْفِيَ اللهُ صدورهم برؤية انتقامه سبحانه من الظالمين، وهي أمنية جميلة ذكرها الله عز وجل في كتابه دون لوم على المؤمنين؛ قال تعالى: {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 14]؛ ولكن الواقع أن سُنَّة الله اقتضت أن هذا لا يحدث دومًا كما نتمنَّى!
فكثيرًا ما نرى الظالمين مُمَكَّنين في الأرض إلى آخر أيامهم، وقد مات الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وكثير من زعماء الكفر، في ظروف طبيعية كعامة الناس، ومات كذلك جنكيز خان، وستالين، ولينين، وماوتسي تونج، وغيرهم من الجبابرة، دون أن يفقدوا مراكزهم أو وضعهم، ولا يمنع هذا أن تكون هناك نهايات لبعض الطغاة شافية لصدور المؤمنين؛ كنهايات فرعون وجالوت وأبي جهل.
ولكن ليست هذه هي القاعدة المطردة، وقد أعلم اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم بهذين النوعين من النهايات؛ فقال: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [غافر: 77].
والأغلب -بعد مراجعة لحوادث التاريخ المختلفة- أن الانتقام الدنيوي من الظالمين هو الأقل في الحدوث، وعلى المؤمنين المظلومين أن يطمئنوا إلى حدوث الانتقام من الظالمين في الآخرة، وهو الأهمُّ والآكَد؛ ولذلك قال تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42]، فلم يذكر عقابًا دنيويًّا من أي نوع؛ إنما أجَّلَ العقاب برُمَّته إلى الآخرة.
ولو استوعب المؤمنون هذه الحقيقة لذهب عنهم الإحباط الذي يُصيبهم عندما يرون المجرم يفلت بجريمته، والأمر في النهاية يحتاج إلى عقيدة سليمة، وحسن فقه لقيمة الآخرة بالقياس إلى الدنيا، وعندها ستتساوى تقريبًا كلُّ النهايات الدنيوية ما دامت الآخرة محسومة للمؤمنين.
التعليقات
إرسال تعليقك