التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
تكثر التعريفات المختلفة للشيعة والسر في ذلك يرجع إلى اختلاف المراحل التاريخية، وانقسام الشيعة إلى عشرات الفرق.
تعريف الشيعة ومراحل تطوره تاريخيًّا:
تكثر التَّعريفاتُ المختلفةُ والمتباينةُ للشِّيعة بصورةٍ لافتةٍ للنظر، والسِّرُّ في ذلك يرجع على الأغلب إلى أمرين:
الأوَّل اختلاف المراحل التَّاريخيَّة التي يصف فيها المؤرِّخون الشِّيعةَ؛ فلفظُ «الشِّيعة» كان يعني شيئًا في القرن الهجري الأوَّل، ثُمَّ صار يحمل معانٍ ثانية في القرن الثَّاني، ثُمَّ صار مغايرًا تمامًا في القرنين الثَّالث والرَّابع.
أمَّا الأمرُ الثَّاني الذي سبَّب حيرةً في التَّعريف هو انقسامُ الشِّيعةِ إلى عشراتِ الفِرَق، حتى صار من الصَّعب إيجاد تعريفٍ شاملٍ يضمُّ كلَّ الفِرَق تحت غطاءٍ واحدٍ.
يُمكنني القول: إنَّ كلمة «الشِّيعة» زمن عَلِيٍّ رضي الله عنه لم تكن تعني سوى الصُّحْبَة والنُّصْرَة؛ فشيعة علي رضي الله عنه تعني أصحابه وأنصاره، وهؤلاء كلهم مِنَ الصَّحابة والتَّابعين، كما أَنَّ شيعةَ معاوية رضي الله عنه تعني أصحابَ مُعَاوِيَةَ وأنصارَه، وكلهم كذلك مِنَ الصَّحابة والتَّابعين، وكلا الطَّائفتين؛ كانتا مِنَ المؤمنين، وبالتَّالي فليس المقصودُ بالشِّيعة آنذاك فرقةً منفصلةً عن الأمَّة، والكلام نفسه يقال على أنصار الحسين بن علي رضي الله عنهما في كربلاء.
فرق الشيعة:
انقسمت الشيعة إلى فرق عديدة، وصلت إلى ما يقارب سبعين فرقة؛ يجمعها مغالاتها في حبِّ عَلِيٍّ رضي الله عنه، لقرابته مِنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولكونه والد النَّسلِ الوحيد الباقي مِنه صلى الله عليه وسلم، ومن بين هذه الفرق:
الكيسانية والمختارية: ظهر في الأمَّة الإسلاميَّة مَنْ يدعو إلى بدعةِ جَعْلِ إمامةِ المسلمين في أفرادٍ معيَّنين مِنْ نسلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه تحديدًا، وكان أوَّلُهم ظهورًا فرقةً تُسَمَّى «الكيسانيَّة» نسبةً إلى رجلٍ اسمه كَيْسَانَ، وهؤلاء ادَّعوا أَنَّ الإمامةَ ينبغي أَنْ تكون في مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وهو ابْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه مِنْ غيرِ فاطمة رضي الله عنها، وسار على نهجهم بعد ذلك المُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيُّ فتأسَّست فرقةُ المختاريَّة.
الزيدية وظهور الرافضة: وكان بعضهم يتوسَّط، فيرى أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كان أحقَّ بالخلافةِ مِنْ أَبِي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، دون أَنْ يتعرَّض للثلاثةِ بالتَّجريح، وكان أهمُّ مَنْ قال بهذا القول حفيدَ الْحُسَيْنِ رضي الله عنه، زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، فكان يترضَّى على أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ، بالإضافة إلى أَنَّه كان يُجَوِّز إمامةَ المفضولِ مع وجودِ الأفضلِ للمصلحةِ. وهو بذلك لا يُنكر إمامة الثلاثة في وجود عَلِيٍّ رضي الله عنه.
خرج زَيْدٌ كجدِّه على الدولة الأموية مِنْ منطلقٍ سياسيٍّ، وذلك في عام 122هجريَّةً في عهد هشام بن عبد الملك، وخرج معه أنصارٌ. كان مِنْ هؤلاء الأنصار مَنْ يكره أَبَا بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ رضي الله عنهم، وعندما سألوا زَيْدًا عنهم ترضَّى عليهم ومدحَهم فرفضوه وانشقُّوا عنه، فمِن يومئذٍ سُمُّوا «الرَّافضة»؛ فالرَّافضةُ هم الَّذين يَسُبُّون الخلفاء الثلاثةَ الأُوَل، وبالتَّالي يَسُبُّون جمهورَ الصَّحابة الَّذين رضَوا بهم خلفاء. في الوقت ذاته قُتِلَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ في خروجه، وظهر بعد موته مذهبُ «الزَّيديَّة»، وهو لا يختلف كثيرًا عن مذاهب السُّنَّة اللهمَّ إلَّا في مسألة تفضيل عَلِيٍّ رضي الله عنه على الخلفاء الثلاثة، مع بعض الاختلافات الفقهيَّة الطَّفيفة.
الرافضة: (الإسماعيليَّة والاثنا عشريَّة الإماميَّة): ظهرت المشاكل الأكبر مع ظهور الرَّافضة، وهؤلاء يرون أَنَّ إمامةَ المسلمين لا بُدَّ أَنْ تكون في نسلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ جهةِ الحُسَيْنِ فقط، وهؤلاء الرَّوافض هم الَّذين تطوَّروا مع الزَّمن في القرن الثَّالث الهجري إلى طائفتي الإسماعيليَّة والاثني عشريَّة الإماميَّة.
هؤلاء بشكل عام ادَّعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالإمامة لعلي بن أبي طالب، وهو بذا الإمام الأول عنده، وقد أوصى على قولهم بالإمامة لابنه الحسن فصار الإمام الثاني، ثم لأخيه الحسين فصار الثالث، ثم حصروا الإمامة في أبناء الحسين تحديدًا، فكان الرابع عندهم هو ابنه علي زين العابدين، والخامس ابنه محمد الباقر، والسادس ابنه جعفر الصادق.
ثم انشقَّ الشيعة إلى طائفتين كبيرتين:
أمَّا الإسماعيليَّة، ومِنْ أسمائهم «الباطنيَّة»: فهم الَّذين قالوا: إِنَّ الإمامَ بعد جعفر الصادق هو ولدُه إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. ثُمَّ قالوا بإمامةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وأنكروا إمامةَ سائرِ ولدِ جَعْفَرٍ، ومِنَ الإسماعيليَّة انبثق القرامطة، والحشاشون، والفاطميُّون (العبيديُّون)، والدُّروزُ، والنصيريون، وغيرُهم. وغالبُ العلماء يُخْرِجون الإسماعيليَّة مِنَ الإسلام، فيقول الغَزَّالِيُّ على سبيل المثال: «مَذْهَبٌ ظَاهره الرَّفْض وباطنه الْكفْرُ الْمَحْضُ».
وأمَّا الاثنا عشريَّة: فهم الَّذين جعلوا الإمام في معتقدهم بعد جَعْفَرِ الصَّادِقِ ابنَه مُوسَى الْكَاظِمَ، وليس إِسْمَاعِيلَ كالإسماعيليَّة، ثُمَّ تكون الإمامةُ عندَهم في نسلِ مُوسَى، فهو الإمام السابع، ثم يكون الثامن ابنه علي الرضا، فالتاسع محمد الجوَّاد، فالعاشر علي الهادي، والحادي عشر هو الحسن العسكري، ثم الثاني عشر هو ابنه محمد بن الحسن العسكري، ويدَّعون أنه دخل سردابًا في سامراء بالعراق وعمره خمس سنوات، وأنه ما زال حيًّا، وسيعود ليكون المهدي المنتظر، وليس هناك أئمة بعده، ولذلك يُعْرَفون بالاثنا عشرية. كما يُعْرَفون أيضًا بالإمامية، لكون هذه هي العلامة البارزة في نشأتهم، ويعرفون بالجعفرية نسبة إلى جعفر الصادق، وكذا بالرافضة لرفضهم زيد بن علي، أو لرفضهم لأبي بكر وعمر وعثمان، وكذا بالموسوية أتباع موسى الكاظم تمييزًا لهم عن الإسماعيلية.
بسبب رفض هاتين الطَّائفتين لعدالة جمهور الصَّحابة فإنَّهم كفَّروا جلَّهم، وخاصة الخلفاء الثلاثة الأول، ولم يستثنوا من التكفير إلا عددًا محدودًا، وبالتالي لم يقبلوا مرويَّات الصحابة عن الرَّسول صلى الله عليه وسلم، ومِنْ ثَمَّ وضعوا أحاديثَ مُخْتَلقةً كثيرةً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونسبوا روايتها لمَنْ أطلقوا عليهم الأئمَّة، مع أَنَّ جُلَّ هؤلاء الأئمَّة مِنْ أعلامِ السُّنَّةِ، ولا علاقة لهم بمعتقدات الشِّيعة الباطلة.
المصادر الرئيسة عندهم:
المصادر المعتمد لديهم أربعة كتب، هي: 1- (الكافي) للكليني، (ت 329هـ). 2- (من لا يحضره الفقيه) لمحمد بن بابويه القمي، الملقب بالصدوق، (ت 381هـ). 3- (التهذيب)، و4- (الاستبصار)، وكلاهما لمحمد بن الحسن الطوسي شيخ الطائفة، (ت 460هـ).
مصطلحات عقدية لدى الشيعة:
التقية: أن يظهر الشخص خلاف ما يبطن.
الرجعة: سيرجع أئمة الشيعة الأحد عشر إلى هذه الدنيا ليحكموا المجتمع الذي سيرسي قواعده بالعدل الإمام المهدي الذي يظهر قبل رجعة الأئمة ليمهد الطريق لرجعة أجداده وإن كل واحد من الأئمة حسب التسلسل الموجود في إمامتهم سيحكم الأرض ردحاً من الزمن ثم يتوفى مرةً أخرى ليخلفه ابنه في الحكم حتى ينتهي إلى الحسن العسكري، ثم يكون يوم القيامة.
عصمة الأئمة: عن الكبائر والصغائر
غيبة الإمام: محمد بن الحسن العسكري.
هل هناك إمكانية للتقريب بين الشيعة والسُّنَّة؟
بالنظر إلى هذا المعتقد، وكون الأصل في نشأة الإمامية هو الطعن في جمهور الصحابة، فإن التقريب العقدي والفقهي مع السُّنَّة -من الناحية العملية- مستحيل؛ لأنهم لا يقبلون بترك سبِّ الصحابة، ومن أين يأخذ أهل السُّنَّة دينهم إن كُفِّر جلُّ الصحابة؟
لكن يمكن الوصول إلى صيغ تعايش بين الطائفتين لا يتعدَّى فيها أحد الطرفين على الآخر، وإن كان هذا غير شائع في التاريخ، فالفتن كانت دائمة بين الشيعة والسُّنَّة، خاصة في الفترات التي يقوى فيها الشيعة ويكوِّنون دولًا[1].
[1] لمشاهدة الحلقة على يوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك