التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
فتح الجزيرة من أسهل الفتوح التي خاضها المسلمون في فتوحات العراق وفارس، فأين تقع هذه الجزيرة؟ وما أسباب فتحها؟
يبدو أن الغنائم غيرت في طباع بعض المسلمين، فقد لاحظ سيدنا عمر بن الخطاب تغيرًا في حال الرسل القادمين إليه من المدائن وبلاد الفرس بعد التقشف الذي عهده عليهم، إلى أن أرسل إليه سيدنا حذيفة رسالة يقول له فيها: إن المسلمين قد أترفت بطونهم، وخفت أعضادهم، وتغيرت ألوانهم؛ فانظر ماذا ترى.
فاتخذ سيدنا عمر بن الخطاب قرارًا يأمر فيه سيدنا سعدًا بالتخلي عن المدائن عاصمةً، وأمره بالبحث عن أرض أخرى صلبة ليست كأرض المدائن، وقال: إن العرب لا يوافقهم إلا ما وافق إبِلَها.
وأمرهم بالبحث عن أرض برية وبحرية (أي تكون على نهرٍ ويكون النهر غربها لكي لا يفصلها عن المدينة)، ولا يفصل بينهم وبين سيدنا عمر جسر ولا بحر.
فبعث سيدنا سعد سيدنا حذيفة وسيدنا سلمان الفارسي يرتادان للمسلمين منزلاً مناسبًا يصلح لإقامتهم، فمرَّا على أرض حصباء في رملة حمراء، وكان العرب يطلقون على الأرض التي صفتها هكذا الكوفة.
وفي أوائل العام السابع عشر الهجري بدأ المسلمون تأسيس المدينة الجديدة، فكان أول ما بنوا المنازل بالقصب، فاحترقت في أثناء السنة، فبنوها باللَّبِن بإذن عمر، بشرط أن لا يُسرفوا ولا يجاوزوا الحد، وأن لا يزيد على ثلاث حجرات، وألاّ يتطاولوا في البنيان، وأن يتذكروا الله تعالى، ويتذكروا الجنة والنار, واتخذ المسلمون الكوفة عاصمة لهم، وتحركت القوات الإسلامية الرئيسية من المدائن إلى الكوفة.
وأقام سيدنا سعد بن أبي وقاص اجتماعًا مع قواد الحاميات ليضع الأسس التي تقوم عليها المدينة الجديدة؛ فأتى سيدنا القعقاع بن عمرو من حلوان إلى الكوفة وترك عليها سيدنا قباذ بن عبد الله الفارسي، وهو أول فارسي يستخلفه سيدنا القعقاع على حامية حلوان، وأول من يُولَّى إمارة في بلاد فارس.
واستخلف سيدنا ضرار بن الخطاب على "ماسَبذان" رافع بن عبد الله الفارسي، واستخلف سيدنا عبد الله بن المعتم على "الموصل" سيدنا مسلم بن عبد الله الفارسي، واستخلف سيدنا عمر بن مالك على "قَرْقِيسياء" الفارسي عشنق بن عبد الله الفارسي.
أربع حاميات رئيسية عليها أربعة أمراء من الفرس، وفي ذلك بيان أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى, واستقر الوضع في هذه المنطقة على هذا الحال.
فتح الجزيرة :
في هذا الوقت وعلى الجبهة الأخرى في بلاد الشام نجد بعض القوات الموجودة في هذه المنطقة شمالي نفوذ المسلمين في منطقة تسمى منطقة الجزيرة (وهي محصورة بين نهري دجلة والفرات في شمال العراق وجنوب تركيا وشرق سوريا)، وهذه المنطقة بها كثير من العرب النصارى اتحدوا مع قيصر الروم في حربه مع القوات الإسلامية في الشام.
وكانت المعركة شديدة جدًّا حتى إن سيدنا أبا عبيدة بن الجراح أرسل إلى سيدنا عمر بن الحطاب يطلب منه المدد، فأرسل سيدنا عمر بن الخطاب رسالة إلى سيدنا سعد بن أبي وقاص يأمره بإرسال جيش إلى سيدنا أبي عبيدة بن الجراح في الشام، (وقبل ذلك بعام قد حدث عكس ذلك في موقعة القادسية، فقد أتى القعقاع بن عمرو التميمي على رأس جيش كبير لنجدة المسلمين في فارس، وقد فتح الله على المسلمين في ذلك الوقت فتحًا عظيمًا في فارس حتى تملكوا أرض فارس، وأصبحوا من القوة بأن يمدوا الجيش الإسلامي الموجود في الشام).
ويبعث سيدنا سعد بن أبي وقاص في اليوم نفسه الذي وصلت فيه الرسالة بجيش قوامه أربعة آلاف فارس إلى سيدنا أبي عبيدة بن الجراح في الشام، وعلى رأس ذلك الجيش سيدنا القعقاع بن عمرو التميمي نجدةً لإخوانه، وقد صدق سيدنا أبو بكر لما قال: لا يُهزَمُ جيشٌ فيه القعقاعُ. ويقول: لَصَوْتُ القعقاع في جيش خيرٌ من ألف رجل.
ويخطط سيدنا عمر لانتصار المسلمين في الشام، فيرسل إلى سيدنا سعد بن أبي وقاص أن يجهز جيوشًا لقتال عرب الجزيرة ليلهيهم عن نُصْرَة هرقل ملك الروم في حربه مع المسلمين، ويحدد سيدنا عمر بن الخطاب قادة القوات الإسلامية الذاهبة إلى حرب عرب الجزيرة من داخل الكوفة، ولما نفَّذ سيدنا سعد أمر أمير المؤمنين وعرف عرب الجزيرة بذلك تركوا حربهم مع جيش هرقل؛ ليعودوا إلى بلادهم ليحموها من هجوم المسلمين المرابطين في فارس، وبتخلي عرب الجزيرة عن هرقل تضعف كفة الروم وينتصر سيدنا أبو عبيدة بن الجراح على الجيش الرومي بعد انسحاب قوات عرب الجزيرة مباشرة، وتم هذا الانتصار قبل وصول سيدنا القعقاع بن عمرو التميمي إلى الشام.
لكن سيدنا عمر بن الخطاب t يرسل إلى أبي عبيدة t بأن يشرك القعقاع وجيشه في الغنيمة؛ لأنه قادم للقتال مع الجيش الموجود في الشام.
وبعد الانتصار الإسلامي الذي أتمه الله للمسلمين في الشام لم تتوقف القوات الإسلامية القادمة من الكوفة إلى عرب الجزيرة لفتحها، بل إن سيدنا عمر بن الخطاب t أمر سيدنا عياض بن غنم أن يكون على رءوس الجيوش المتقدمة إلى عرب الجزيرة.
وسيدنا عياض بن غنم من أوائل من ذُكِرُوا في حرب فارس، فكان على رأس أحد الجيشين المتوجهين إلى فتح فارس في عهد سيدنا أبي بكر y أجمعين؛ فقد وجَّهَ سيدنا خالد بن الوليد لفتح فارس من ناحية الجنوب، ومن ناحية الشمال وجَّه سيدنا عياض بن غنم t وهو من صحابة النبي.
يتوجه الجيش الكبير القادم من الكوفة وعلى رأسه سيدنا عياض بن غنم إلى منطقة قَرْقِيسياء في شمال النفوذ الإسلامي، ويمتد النفوذ الإسلامي في ذلك الوقت من قَرْقِيسياء إلى الموصل ونِينوَى فقط، فلم تكن المنطقة التي في الشمال في صف المسلمين في هذه الفترة.
وما إن وصل سيدنا عياض بن غنم إلى قَرْقِيسياء حتى بعث سيدنا سهيل بن عدي إلى مدينة "الرقة" في سوريا، وسيدنا سهيل بن عدي من صحابة النبي وهو من الخزرج من الأنصار، وله من الإخوة اثنان، وقد شاركا في حروب فارس: أحدهما الحارث بن عدي وقد استشهد في معركة الجسر، والأخ الآخر سهل بن عدي وهو من الصحابة، وسيأتي ذكره بعد قليل قي قيادة جيش آخر.
وفي الوقت الذي يتوجه فيه سيدنا سهيل بن عدي لفتح الرقة يتوجه سيدنا عياض بن غنم بقوته الأساسية إلى "حَرَّان" ليفتحها، وكانت من أشد المناطق حصانة في منطقة الجزيرة.
ويتوجه جيش من مدينة الكوفة رأسًا إلى مدينة "نَصِيبين"، وعلى رأس الجيش سيدنا عبد الله بن عتبان من صحابة النبي، ولكن بمجرد وصوله إلى الموصل يدخل تحت إمرة سيدنا عياض بن غنم أيضًا، وتتوجه الجيوش الثلاثة إلى منطقة الجزيرة، فيتوجه سيدنا سهيل بن عدي بجيشه إلى الرقة ويحاصرها، ودام هذا الحصار أيامًا، ثم ينزل أهل الرقة مباشرة على الجزية، ويقبل أهل الرقة دفع الجزية مقابل أن يدافع عنهم المسلمون ويؤمِّنوهم على دمائهم، وسقطت مدينة الرقة بسرعة.
وفي الوقت نفسه توجه سيدنا عبد الله بن عتبان إلى نصيبين، وكانت من أجمل مدن الجزيرة فهي وافرة الظلال والأشجار والمياه العذبة والأنهار، وكان بها حامية قوية، وما إن علمت هذه الحامية بسقوط الرقة حتى استسلمت دون قتال، وقبل أن يحاصرهم سيدنا عبد الله بن عتبان طلبوا منه أن يدفعوا الجزية.
وبعد انتصار المسلمين في الرقة ونصيبين ودفع أهلها الجزية، توجه سيدنا عياض بن غنم إلى حران بقواته الأساسية، وتتوجه قوات سيدنا سهيل بن عدي من الرقة، وقوات سيدنا عبد الله بن عتبان من نصيبين مع سيدنا عياض بن غنم ليدخل حران بقوة كبيرة، وتصل القوات الإسلامية بقيادة سيدنا عياض بن غنم إلى حران، وتبدأ القوات الإسلامية في حصارها ويستمر الحصار شهرًا أو أكثر لتسقط بعد ذلك مدينة حران بعد حصار طويل وبدون قتال، وتقبل حران بدفع الجزية أيضًا.
ثم بعد ذلك توجهت القوات الإسلامية إلى مدينة "الرها" لفتحها، ومن الرها توجهت قوات سيدنا عياض بن غنم إلى مدينة "سُمَيْساط" وتقع في تركيا الآن، وبسقوط سُمَيْساط تسقط كل مدن الجزيرة وصارت تتبع المسلمين في هذه الفترة، ورغم هذه الفتوحات لم يأمر سيدنا عمر بن الخطاب بالانسياح في بلاد فارس فهذه الفتوحات في شمال الجزيرة، وقد منع سيدنا عمر بن الخطاب t التوغل في شرق أرض فارس؛ لأنه يخشى على المسلمين الإكثار من الغنائم والأموال.
وكان فتح الجزيرة من أسهل الفتوح في بلاد فارس، فقد سقطت الجزيرة بدون قتال يُذكر، ويرجع ذلك إلى سقوط شرقي الجزيرة في أيدي المسلمين في حروبهم مع فارس، وسقوط منطقة غرب الجزيرة في حروب المسلمين في الشام مع الجيش الرومي، وأصبحت منطقة الجزيرة محصورة بين القوات الإسلامية الموجودة في فارس والقوات الإسلامية الموجودة في الشام؛ مما كان له الأثر البين والواضح في عزيمة أهل الجزيرة، الذين باتوا يرون أن لا قِبَلَ لأحد بحرب المسلمين، فرضوا بدفع الجزية، كما علموا أيضًا بعهد المسلمين في الدفاع عنهم وتأمينهم على دمائهم إذا دفعوا الجزية، وأن ما يأخذه المسلمون من جزية أقل مما كانت تفرض عليهم من كسرى فارس.
طاعون عمواس:
استسلمت الجزيرة للمسلمين بدون قتال يذكر، وقبل أهلها بدفع الجزية للمسلمين في مقابل الدفاع عنهم، وتم ذلك السقوط في العام السابع عشر الهجري، وفي هذا العام انتشر الطاعون والوباء بين المسلمين، والعرب تطلق كلمة الطاعون على أي وباء أو مرض، وكان منبع الوباء في الشام في قرية تسمى "عِمْوَاس" وهلك في هذا الطاعون الكثير من المسلمين، ومنهم سيدنا أبو عبيدة بن الجراح أمير المسلمين في الشام t، كما مات سيدنا معاذ بن جبل t، ومات كثير من أبناء سيدنا خالد بن الوليد، وكثير من أشراف الصحابة والناس حتى تخوفت قلوب المسلمين من طمع أعدائهم فيهم؛ من كثرة من مات من المسلمين في العام السابع عشر من الهجرة من طاعون عِمْوَاس.
التعليقات
إرسال تعليقك