التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
شنجول وسقوط الدولة العامرية، مقال بقلم د. راغب السرجاني، يتناول تولية عبد الرحمن المنصور المعروف بشنجول وانقلاب أهل الأندلس عليه وسقوط حكم بني عامر
من خَلْف ستار الخلافة الأموية ظلَّ الحاجب المنصور بن أبي عامر يحكم الأندلس ابتداءً من سنة (366هـ= 976م) وحتى وفاته –رحمه الله- سنة (392هـ= 1002م)، وقد استخلف على الحجابة من بعده ابنه عبد الملك بن المنصور، فتولَّى الحجابة منذ قُتل والده وحتى وفاته سنة (399هـ= 1009م) أي سبع سنوات متصلة، سار فيها على نهج أبيه في تولِّي حُكم البلاد، فكان يُجاهد في بلاد النصارى كل عام مرَّة أو مرَّتين، كل هذا وهو -أيضًا- تحت غطاء الخلافة الأموية.
في هذه الأثناء وعند بداية ولاية عبد الملك بن المنصور أمر الحجابة كان الخليفة هشام بن الحكم (هشام المؤيد) قد بلغ من العمر ثمانية وثلاثين عامًا، ومع ذلك فلم يطلب الحُكم، ولم يحاول قط أن يُعمل نفوذه وسلطانه في بلاد الأندلس، فكان قد تعوَّد على حياة الدعة واستماع الأوامر من الحاجب المنصور ومن تلاه من أولاده.
عبد الرحمن شنجول
في سنة (399هـ= 1009م) توفي الحاجب المظفر، فتولَّى أمر الحجابة من بعده أخوه عبد الرحمن بن المنصور المشهور بعبد الرحمن شنجول[1]؛ حيث كان أولاد بني عامر يتملَّكُون زمام الأمور في البلاد، وأخذ -أيضًا- يُدير الأمور من وراء الستار، لكنه كان مختلفًا عن أبيه وأخيه، فإضافة إلى أن أُمَّه كانت بنت ملك نافار وكانت نصرانية، فقد كان عبد الرحمن بن المنصور شابًّا ماجنًا فاسقًا، شَرَّابًا للخمر، فعَّالاً للزنا، كثير المنكرات، فكرهه الناس في الأندلس [2].
وفوق ذلك فقد قام عبد الرحمن بن المنصور بعمل لم يُعهد من قَبْلُ عند العامريين، وهو أنه أجبر الخليفة هشام المؤيد في أن يجعله وليًّا للعهد من بعده، وبذلك لن يُصبح الأمر من خَلْفِ ستار الخلافة الأموية كما كان العهد حال تولِّي والده محمد بن أبي عامر، أو أخيه عبد الملك بن المنصور، فكان أن ضجَّ بنو أمية لهذا الأمر، وغضبوا وغضب الناس أجمعون، لكن لم تكن لهم قدرة على القيام بأي ردِّ فعل؛ خاصة وأن عبد الرحمن بن المنصور قد جعل جميع الولايات في أيدي العامريين وفي يد البربر، الذين هم أتباع العامريين منذ أيام الحاجب المنصور[3].
سقوط الدولة العامرية
ومع كل هذا الفسق وهذا المجون الذي كان يعيشه عبد الرحمن بن المنصور إلاَّ أن الشعب كان قد تعوَّد حياة الجهاد، والخروج كل عام إلى بلاد النصارى، فلمَّا خرج شنجول على رأس جيش من الجيوش إلى الشمال، انتهز الناس الفرصة وأرادوا أن يُغَيِّرُوا من الأمر، فذهبوا إلى هشام المؤيد في قصره وخلعوه بالقوَّة، وعَيَّنُوا مكانه رجلاً من بني أمية اسمه محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر (من أحفاد عبد الرحمن الناصر)، وما أن طار الخبر إلى عبد الرحمن شنجول حتى بدأت الجموع التي معه تنفضُّ من حوله شيئًا فشيئًا، فلمَّا دخل إلى قُرْطُبَة كان الناس قد انفضوا عنه وانحازوا إلى محمد بن هشام الذي تلقَّب بـ«المهدي»، ثم ما لبث أن أرسل إليه المهدي جماعة قبضوا عليه وقتلوه وأرسلوا إليه برأسه[4].
وتقول بعض الروايات أنه التجأ إلى دَيْر فأعطاه أحد رهبانه طعامًا وشرابًا، ثم عثر عليه رجال بني أمية سكران، فأظهر الخوف والجزع، وادعى دخوله في طاعة المهدي، فلم يشفع له ذلك فقتلوه[5].
واشتعلت الثورات في الأندلس، فكأنَّ مقتل عبد الرحمن بن المنصور واشتعال الفتن والثورات في الأندلس كانا بميعاد، فمنذ أن قُتِلَ عبد الرحمن بن المنصور انفرط العقد تمامًا في البلاد، وبدأت الثورات تكثر والمكائد تتوالى، وبدأت البلاد تُقَسَّم.
التعليقات
إرسال تعليقك