الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
تعد عمان قاعدة الخليج العربي، لما تتمتع به من مميزات جغرافية جعلتها مركز الملاحة البحرية والتجارة مع الهند والصين، فما تلك المميزات؟
عمان .. موقعها الجغرافي وأهم مدنها
عمان قاعدة الخليج العربي، وتقع على مداخله من الجهة الجنوبية على الشاطئ الغربي، كما تطل على المحيط الهندي.
ويذكر المقدسي عدداً من مدن عمان، منها: صحار، وهي قصبة عمان، ونزوة والسر وحفيت وديا وسلوت والقلعة وضنكان ومسقط وتؤام وسمد وجلفار وغيرها، وعمان مدينة جليلة بها مرسى السفن من الصين والهند والزنج وليس على بحر الخليج مدينة أجل منها، وهي ديار الأزد [1]، المشهورين بالملاحة.
عمان .. مميزاتها الجغرافية
كان لموقع عمان أثر في ازدهارها، فهي مواجهة لكل من الخليج العربي والبحر الأحمر، وهي أيضاً قريبة من الهند؛ كما أن مياهها عميقة، ومعظم شواطئها محاطة بجبال تحميها من الرياح القوية فتساعد على نشوء الموانئ.
فضلاً عن أنها تقع على الطريق الرئيس للتجارة الرائجة الممتدة من الصين، إلى المدن الواقعة على جانبي الخليج، كل ذلك جعلها المركز الرئيس للساحل الغربي من الخليج العربي، وكان لهذا أثر في تطور الملاحة والتجارة البحرية [2].
عمان والنشاط الملاحي
ويبدو أن سكان عمان كانوا يشتغلون بالملاحة فترة طويلة قبل الإسلام، فيذكر أبو عبيدة أن "أردشير بن بابك جعل الأزد ملاحين بشحر عمان قبل الإسلام بستمائة سنة".
وبعد ظهور الإسلام، كثرت الإشارات إلى اشتغال العمانيين بالملاحة وإلى مهارتهم فيها، فيروي الجاحظ قصة تصف أزد عمان بأنهم ملاحون [3].
وكان للعمانيين نشاطٌ ملاحيٌّ بعدة جهات، فيذكر المسعودي أن المحيط الهندي "له خليج متصل بأرض الحبشة، ويسمى الخليج البربري، وأهل المراكب من العمانيين يقطعون هذا الخليج إلى جزيرة قنبلو من بحر الزنج، وهؤلاء القوم الذين يركبون هذا البحر من أهل عمان عرب من الأزد".
وقال بخصوص سفالة: "وهي أقاصي بلاد الزنج، وإليها تقصد مراكب العمانيين ..، وهي غاية مقاصدهم" [4].
وقد توضح من خلال هذه النصوص أنه كانت هناك ملاحة مباشرة نشطة واسعة بين عمان وسواحل شرق إفريقيا، وأن عمان كانت مركزاً لهذه الملاحة، وكان لعمان اتصال مع الشرق الأقصى وخاصة الصين.
فكانت الملاحة العربية نشطة ومباشرة، خاصة في القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي وهي تصل خانقو، أي كانتون الحالية، وكان يقوم بمعظم هذه الملاحة أهل عمان، وكانت مراكب الصين بالمقابل تصل إلى المراكز العربية على الخليج العربي: "مراكب الصين كانت تأتي بلاد عمان وسيراف" [5].
وكان العمانيون يتاجرون مع المحطات الملاحية والتجارية التي تقع على طريق الصين، وأهمها "كله" وهي "فرضة بالهند".
وخلاصة القول: كانت مراكب العمانيين تؤم معظم موانئ المحيط الهندي وتتاجر معها؛ فوصلت مراكبهم إلى الصنف وفنصور وسرنديب وصندايور وسندان والديبل وغيرها.
صحار أهم مدن عمان
ولابد من أن نشير إلى صحار أهم مدن عمان، حيث وصفها المقدسي بأنها "بلدة طريفة ممتدة على البحر ..، لهم آبار عذبة وقناة حلوة، وهم في سعة من العيش، ودهليز الصين وخزانة الشرق والعراق ومئونة اليمن، وهي أعمر مدن عمان وأكثرها مالاً، وهي قصبتها".
ومما زاد أهمية صحار أنها أقرب الموانئ العربية لرسو السفن الآتية من الهند، الأمر الذي ساعدها على أن تصبح -فوق كونها ميناء- مركزاً للتجارة مع الهند وإفريقيا [6].
ولابد من أن نشير إلى أن نشاط أهل عمان شمل مختلف جوانب النشاط التجاري والبحري، فكان بعضهم يمارس الملاحة وآخر يدير السفن ويبحر فيها، وبعضهم يمتلك السفن ويستخدمها لنفسه أو لمن يؤجره، وبعضهم يقوم بالتجارة أيضاً، وهذا مكنهم من القيام بنقل سلع إفريقيا والهند والشرق الأقصى مباشرة دون الاعتماد على العناصر الأخرى [7].
[1] القلقشندي: صبح الأعشى في صناعة الإنشا، القاهرة، 1963م، ج 2، ص55.
[2] عبد الرحمن عبد الكريم العاني: عمان في العصور الإسلامية الأولى ودور أهلها في المنطقة الشرقية من الخليج العربي وفي الملاحة والتجارة الإسلامية، رسالة دكتوراه، كلية الآداب، 1975م، ص175.
[3] ياقوت الحموي: معجم البلدان، بيروت، دار صادر- دار بيروت، 1957م، ج 4، ص521-522.
- الجاحظ: الحيوان، تحقيق عبد السلام محمد هارون، ط 2، القاهرة، 1966م، ج 3، ص313.
[4] المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر، ط 4، بيروت، 1981م، ج 1/ ص 107، ج 2/ ص6.
[5] المسعودي: المرجع السابق، ج 1، ص140. العاني: المرجع السابق، ص180.
[6] المقدسي: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، لندن، 1909م، ط 2، ص93.
[7] العاني: المرجع السابق، ص184، 193، 231.
التعليقات
إرسال تعليقك