ملخص المقال
الكرم
المقصود بالكرم:
هو السخاء والجود، أي أن يعطي الإنسان ممّا عنده من طيب نفس..
ما جاء في مدح الكرم:
لقد حث القرآن الكريم على الإنفاق والكرم، فقال عز وجل: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا ممّا تحبون، وما تنفقوا من شئ فإن الله به عليم" (آل عمران: 92)..
وقوله عز وجل: "من ذا الذي يقرض قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرة، والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون " (البقرة : 245)..
واعتبر القرآن عدم الإنفاق إلقاء بالنفس إلى التهلكة فقال تعالى:
(20)
كما جعل الإنفاق وسيلة للنجاة من عذاب جهنم فقال:
(22)
كما حثّ الرسول صلى الله عليه وسلم على الإنفاق بكل الطرق والوسائل، لأن الإنفاق شاق على النفس، لما جلبت عليه من حب المال واكتنازه، والازدياد منه، فكأن الإنفاق مضادًا لطبعها، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعالج تلك الأنفس بما يستأصل منها الحرص والشح، ويعالج به ذلك الداء العضال، ويحبب بها الإنفاق إلى هذه النفوس، لذا كشف الرسول صلى الله عليه وسلم لنا عن أنواع الجزاء العديدة التي يكافئ الله بها من أنفق، ومن ذلك ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
(2)
قيمة هذا الخلق في المجتمع:
وخلق الكرم ذو أهمية قصوى في المجتمع، فعليه يقوم صرح التكافل، الذي يضمن للفقير الحياة في مستوى لائق، ويحفظ على الأرملة سترها، وحياءها، ويكفل لليتيم ضمانات الحياة المستقرة الهادئة، ومن ثمّ يعزز هذا الخلق آصرة الأخوة الإسلامية التي نادى بها الإسلام ويرسخها عمليًا في وجدان كل ذوي الحاجات والمنفقين أيضًا..
كما أن الكرم يحفظ المجتمع من أضرار حرمان هؤلاء المحتاجين حيث قد يسعون إلى سد حاجاتهم الضرورية بأية سبيل، واعطاؤهم يحفظ أمن المجتمع..
كما أن الكرم يدير رؤوس الأموال، ويحركها فتنمو التجارة، والصناعة، وكافة الأنشطة الاقتصادية وبذا تقل البطالة ويقوى الاقتصاد..
مواقف من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاًأعلى في كل خلق، فإذا تكلمت عن الكرم وجدت جودًا لا يماثله ولا يشابهه ولا يقاربه جود، فقد كان أكرم من حاتم طئ الذي ضرب به المثل بل لا مقارنة بينهما، فعن جابر رضي الله عنه يقول:
(3) أ
وهذا هو الكرم الحقيقي إن لم يجد لا يرد بالرفض، وهذا لوصف هو جماع صفة الكرم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلسانه لا يستطيع الرد بالمنع، لأن صاحبه اعتاد العطاء بدون حساب مما في يديه..
والكرم صفة أصيلة في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل أن يبعث، وبها استدلت السيدة خديجة رضي الله عنها لتطمئن الرسول عندما جاءها يرجف فؤداه بعد نزول الوحي عليه لأول مرة فقالت:
(12)
وما دامت هذه الصفة متمكنة في نفس الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هذا الحد، فمن الطبيعي أن تتوالى المواقف تبينها وتزيدها وضوحًا فمن ذلك:
(3) ب
وكان كرمه صلى الله عليه وسلم كاملاً، لا ينظر فيه لمن يطعيه، ولالما يعطيه، فلم يكن يستكثر على أحد عطاء، (ولو كان قد أخذ قبل ذلك) ولو لم يكن عنده صلى الله عليه وسلم فإنه كان يعطي بطريق آخر فعن زيد بن أسلم قال:
(18)
فالكرم والجود والعطاء أوامر إلهية، وهي منهج حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يحبها، ويحب أن ينصحه الناس بها..
وكان صنيع الرسول في الكرم مع الضيف عجيبًا، فمن تمام الكرم أن تقدم كل ما عندك لضيفك، ولاتستكثر عليه، وألا تمنع عنه شيئًا، وقد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم كل ذلك في هذه القصة الطريفة التي جرت مع أحد أفراد قبيلة (غفار) الذين جاءوا يريدون اإسلام فعن جهجاه الغفاري:
(17)
وهنا نرى الصحابة رضوان الله عليهم يحجمون عن ضيافة (جهجاه) العظيم الطويل، ولكن الرسول يستضيفه ويكرمه غاية الإكرام..
وقد كان صلى الله عليه وسلم دائم الجود، وكان أجود الناس، ومع ذلك فكان يزيد من جوده وإنفاقه خلال شهر رمضان فعن ابن عباس قال:
(19)
وقد كان جوده على أصحابه مضرب المثل، يتلطف به معهم، ويعينهم على ظروفهم واحتياجاتهم، فهذا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
(23)
وبهذا الكرم ساند الرسول صلى الله عليه وسلم صاحبه جابرًا، في تدبيره لشئون أخواته وشئون زواجه، بعد وفاة أبيه، كما أعانه ـ قبل ذلك بالبركة ـ في تسديد ديون أبيه، فالكرم ذو أبعاد اجتماعية عميقة..
ومن ذلك أيضًا ما رواه أنس رضي الله عنه قال:
(25)
إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "انثروه في المسجد" ليوحي بقيمة هذا المال عنده، وأنه لا قيمة له عند المؤمن إلا أنه بلاغ في الدنيا يستر به عورته، ويحفظ حياته، وكذلك قول الصحابي: "ولم يلتفت إليه" فالمال مكانه في يد المؤمن وليس في قلبه..
قد كان صلى الله عليه وسلم يؤثر أصحابه على نفسه ولو كان إليه فعن سهل بن سعد قال:
(24)
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إكرام أهل الكرم والجود، جزاء لهم على هذه الصفة الحميدة، وتشجيعًا للمسلمين على الاتصاف بها، ولذا أكرم (سفانة) ابنة حاتم الطائي لمّا وقعت في السبي، ومنّ عليها وكساها وحملها، وأعطاها نقة حتى تصل بلادها فعن ابن إسحاق قال:
(4)
مواقف الصحابة:
ربّي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة على الجود والكرم، فأثمروا عطاءً ليس له مثيل بين الأمم، ابتغاء مرضات الله وحده، فلم يكونوا يمنون على أحد، ولا يطلبون سمعةً ولا مغنمًا، وقصص الكرم والإنفاق كثيرة منها ما هو شهير كإنفاق أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما:
(6)
وكقصة أبي الدحداح رضي الله عنه الذي أعطى بستانه لأخيه المسلم في سبيل الله، بنخلة في الجنة فعن أنس أن رجلاً قال:
(26)
وكإكرم الأنصار للمهاجرين فيما أخرجه البخاري عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال:
(11)
ومنها ما هو غير شهير كهذه القصة الجميلة التي تصور أسرةً مسلمة أنصارية مخلصة تقوم بإكرام ضيف لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه:
(9)
وهذا هو سلوك الكرام، الذين لا يحرجون ضيوفهم، ولايمنون ولا يبتغون الثناء إلامنرب العالمين..
تطبيقات عملية في حياتنا اليوم:
ـ لقد أكرم الله عز وجل هذه الأمة بأن رسخ في وجدانها الكرم وحُبه، فما فتئ الناس تعتدون برسول الله صلى الله عليه وسلم والسَّلف الصالح رضون الله عليهم في الجود والكرم الإنفاق في سبيل الله ومن مظاهر هذا:
1ـ انتشار الجمعيات الأهلية، التي تعني بشئون الفقراء والمساكين والأيتام ،ورعايتهم وتقوم على جمع الزكوات ولصقات، وتوزيعها على المحتاجين وهذه الجمعيات لا تتلقى مددًا حكوميًا بل يقوم عملها على جود وكرم أهل الخير من المسلمين، وهيتمثل ظاهرة واضحة تحفظ على الناس أساسيات حياتهم في وقت تنفض فيه الحكومة أيديها من مسئولياتهم، وتسن من القوانين وتتخذ من القرارات ما يزيد فقرهم ومعاناتهم في الوقت الذي يزيد غنى الأغنياء..
2ـ انتشار ظاهرة موائد إفطار الصائمين المسّماة (موائد الرحمن)، رعايةً لأبناء السبيل أثناء وقت الإفطار في رمضان، وينفق في هذه الموائد أموال كثيرة ابتغاء مرضات الله وثوابه ـ غالبًا ـ بحيث لا يظل المسلم جائعًا لا يجد طعامًا، والمسلمون حوله شبعانون..
3ـ كثرة المآدب والولائم الأسرية في رمضان، مما يساعد على تقوية الروابط الأسرية، ولكن ينقصها الاقتصاد وعدم الإسراف..
4ـ إسراع المسلمين إلى معاونة إخوانهم (الذين يتعرضون للإبادة في عديد من بلاد العالم كفلسطين والبوسنة والهرسك وكوسفو والعراق) بالأموال والمواد العينية..
4ـ انتشار وكثرة العقائق التي يقيمها الآباء لأبنائهم سواءئ في المنازل أو المساجد، وهي دليل على الكرم فوق أنها التزام بالسُنة..
5ـ انتشار دور الأيتام الخاصة القائمة على برعات أهل الخير الكرماء، والتي تبلغفيها الرعاية مستوى عاليًا، يصل إلى خصيص شقة لكليتيم يسكن بها عند بلوغه مرحلة الزواج..
6ـ إقامة أهل الخير للعديد من المراكز الطبية ذات الأجر الرمزي، والتي تقوم بدور مهم في ضوء الإهمال الجسيم، ونقص المعدات المنتشر في المستشفيات الحكومية، والأجور الخيالية والاستغلال في المستشفيات الاستثمارية..
نصائح نبوية عملية للتحلي بهذا الخلق:
أعطانا الرسول صلى الله عليه وسلم المثل والقدوة في الجود والكرم، كما أنه ضع أيدينا على علاج البخل والشح، فعن أنس بن مالك يقول:
(27)
والدعاء دواء ناجع في كل أمر خير يريده الإنسان، ولا عجب أن يجعل الرسول هذا الدعاء من أذكار الصباح والمساء لكي يرددها المسلم يوميًا وليستبشع البخل، ويحب الجود والكرم..
والوسيلة الثانية في العلاج بعد الدعاء تأتي فيما يرويه أبو هريرة قال:
(28)
وهذا الحديث يحثنا علىالتعجيل بالصدقةى والإافاق فهو دواء للبخل، فكثير من البخل يأتي من تأخير الصدقة فيبدأ الشيطان يوسوس للإنسان، ويخوفه الفقر، ويذكره بما عليه،وما يحتاجه بيته فيبدأ الإنسان يستجيب ويقلل الصقة في نيته، ثمّ يتراخى حتى ربما لم يخرج شيئًا..
فالعلاج النبوي ـ إذن ـ دواء شاف للبخل، وهو لسبيل لتربية نفس تحب الصدقة، وتحرص عليها..
التعليقات
إرسال تعليقك