ملخص المقال
عين جالوت وجند الله، مقال د. راغب السرجاني ضمن سلسلة قصة التتار، يعرض بعض جنود الله في معركة عين جالوت، وكثرة عدد المتطوعين من أهل فلسطين![عين جالوت وجند الله](https://islamstory.com/images/upload/content/قطز.gif)
جاء الجيش المغولي التتري بقيادة كتبغا وقد امتلأ بالصلف والغرور والكبر، تسبقه سمعته العالية في سفك الدماء وتخريب الديار وإفناء البشر.. وقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتواً كبيراً.. ومر الجيش غرب بيسان، وانحدر جنوباً في اتجاه عين جالوت حيث كانت القوات الإسلامية قد أخذت مواقعها ورتبت صفوفها ووقفت في ثبات تنتظر الجيش المغولي التتري..
المتطوعون من فلسطين
وبينما قطز في سهل عين جالوت إذا بأعداد غفيرة من المتطوعين المسلمين من أهل فلسطين يخرجون من القرى والمدن ليلتحقوا بالجيش المسلم، وقد تيقنوا أن حرباً حقيقية ستحدث قريبًا..
سبحان الله!!..
لابد أن نتساءل..
أين كان هؤلاء المتطوعون يوم جاءت فرقة مغولية تترية بسيطة فاخترقت فلسطين من شمالها إلى جنوبها حتى احتلت مدينة من أواخر المدن في فلسطين وهي مدينة غزة؟!..
كيف تحرك هؤلاء الآن إلى سهل عين جالوت؟
لماذا قعدوا قبل ذلك؟ ولماذا قاموا الآن؟!!
الإجابة في منتهى البساطة..
إنها القدوة..
هذه كلمة ذكرناها كثيراً منذ أن تكلمنا عن قطز رحمه الله وعن جيشه الصادق..
هناك الكثير من المؤمنين الصادقين الذين يريدون خدمة الدين ورفعة الإسلام، لكنهم لا يجدون قدوة صالحة يقلدونها، أو قائداً مخلصاً يتبعونه.. لقد ألف هؤلاء البسطاء في فلسطين أن يروا قوادهم في الشام يعقدون الأحلاف المهينة مع التتار، ويفتحون لهم الحصون والديار، ويمدون لهم الجسور، ويمهدون لهم الطريق..
لقد افتقد هؤلاء المسلمون البسطاء القدوة الصالحة.. فلم يظهر الخير الكثير الذي بداخلهم، فلما جاء قطز رحمه الله ومن معه من المؤمنين الصادقين، وقطعوا هذا الطريق كله إلى أرض الموقعة، وهم يتقدمون في ثبات، ولم يفعلوا مثلما فعل الناصر يوسف الأيوبي عندما فر بمجرد سماعه أن جيش التتار قد اقترب... لما رأوا كل ذلك تحمست قلوبهم، وخرجت العواطف الكامنة في صدورهم، وتحركت فيهم الحمية لهذا الدين، فهانت عليهم التضحية، وهان عليهم الجهاد..
نعم هؤلاء ليسوا كالجيش النظامي في قدراته ومهاراته، لكنهم متحمسون ومتشوقون إلى العمل في سبيل الله.. وهذه الحماسة تنفع كثيراً في ميادين القتال..
كما أن قطز رحمه الله استخدمهم في سلاح الخدمات الخاص بالقوات الإسلامية، ووفر طاقة الجنود الذين كانوا يقومون بهذه الأعمال، واستخدم هؤلاء الجنود في العمليات القتالية بعد أن قام المتطوعون بدورهم..
سلاح الخدمات في الجيش المصري
وسلاح الخدمات يشمل نقل العتاد والمعدات، والاهتمام بشئون الطعام والشراب، وإمداد الجنود بالسهام والرماح، ورعاية الخيول، ونقل الجرحى ومداواتهم.. وهذه أعمال كثيرة تستنفد جهداً ووقتاً، وهي ـ وإن كان لا يشترط فيها كفاءة قتالية، ولا مهارة عسكرية - إلا أن لها أهمية قصوى في نجاح المعركة.. وهكذا استفاد قطز رحمه الله من كل طاقات المتطوعين الفلسطينيين.. وكل ميسر لما خلق له..
ثم إنه بالإضافة إلى هذه الأعمال فإن الجيش المسلم سيظهر في عيون الجيش الكافر أضعافاً مضاعفة، ولا شك أن هذا سيبث الرعب في قلوب الكافرين.. فتكثير سواد المسلمين أمر لا يُستهان به أبداً..
وإلى جانب أولئك المتطوعين اجتمع الكثير من الفلاحين من القرى المختلفة ممن لا يستطيع قتالاً ولا خدمة، إما لكبر سن أو لعجز أو لمرض، واجتمع كذلك النساء والصبيان، واصطفوا بأعداد كبيرة على طرفي سهل عين جالوت، وقد علت أصواتهم بالتكبير والدعاء، وارتفعت صيحاتهم التشجيعية للقوات الإسلامية، وتحركت ألسنتهم وأيديهم وقلوبهم بالدعاء لرب العالمين أن ينصر الإسلام وأهله، ويُذل الشرك وأهله..
كل هذه الأحداث في يوم 24 رمضان من سنة 658هـ، وهو اليوم السابق مباشرة للموقعة الرهيبة معركة عين جالوت..
جند الله في عين جالوت
وبينما هم كذلك جاء رجل من أهل الشام وهو يسرع المسير، ويطلب أن يقابل أمير القوات الإسلامية قطز ومن معه من بقية الأمراء، وقال إنه رسول جاء من قبل "صارم الدين أيبك"..
وصارم الدين أيبك هو أحد المسلمين الذين أسرهم هولاكو عند غزوه بلاد الشام، ثم قبل الخدمة في صفوف جيش التتار، واشترك معهم في مواقعهم المختلفة، وجاء معهم إلى موقعة عين جالوت، ولا ندري إن كان قد قبل التعاون مع التتار لرغبة في نفسه، أم قَبِل ذلك مضطراً وهو يعد العدة لينفع المسلمين.. لا ندري هذا، فهذا بينه وبين الله U..
لكن ما نعلمه أنه قبيل معركة عين جالوت قرر أن يخدم جيش المسلمين بقدر ما يستطيع!.. وسبحان الله.. {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31].
فهذا الرجل لا يعرفه قطز، ولا يعرفه أمراء الجيش الإسلامي، ولكن الله U وضعه في هذا المكان ليقدم للمسلمين خدمات جليلة.. والذي ساقه في ذلك التوقيت الفريد هو الذي ساق نعيم بن مسعود t من قبل ليسلم في أثناء غزوة الأحزاب، وليكون سبباً رئيسياً من أسباب نصر المسلمين!!
ولنلاحظ تدبير رب العالمين: لما جاءت القوات الإسلامية إلى فلسطين، وتحرك كتبغا في اتجاه عين جالوت، أرسل صارم الدين أيبك ذلك الرسول إلى قطز ليخبره ببعض المعلومات الهامة جداً عن جيش التتار..
معلومات هامة عن جيش المغول التتار
وقد نقل هذا الرسول إلى قطز رحمه الله المعلومات التالية:
أولاً: جيش التتار ليس بقوته المعهودة، فقد أخذ هولاكو معه عدداً من القادة والجند (وذلك عند ذهابه إلى تبريز بفارس)؛ فلم يعد الجيش على نفس الهيئة التي دخل بها إلى الشام، فلا تخافوهم..
وكانت هذه معلومة في غاية الأهمية فعلاً، لأنها رفعت الروح المعنوية جداً عند من كان في قلبه خوف من التتار، ولابد أنك ستجد في هذا الجيش من يحدث نفسه أو يحدث أخاه عن حروب التتار السابقة، وكيف أنهم أهلكوا البلاد والعباد.. فكانت هذه المعلومة الهامة شحنة قوية أمدت الجيش الإسلامي بطاقة عالية.
ثانيا: ميمنة المغول التتار أقوى من ميسرتهم، فعلى جيش المسلمين أن يقوي جداً من ميسرته والتي ستقابل ميمنة التتار..
ثالثاً: (وهو خبر هام) أن الأشرف الأيوبي أمير حمص سيكون في جيش التتار بفرقته، ومعه صارم الدين أيبك، ولكنهم سوف ينهزمون بين يدي المسلمين.. أي أن الرسالة تقول أن الأشرف الأيوبي قد راجع نفسه، وآثر أن يكون مع جيش قطز، ولكنه خرج مع جيش التتار مكيدة لهم، وتفكيكاً لصفهم..
كانت هذه الأخبار في غاية الأهمية، وجاءت في وقت مناسب، ولكن الحكمة تقتضي ألا يعتمد المسلمون على هذه المعلومات، لأنها قد تكون خدعة من التتار أو من الأشرف الأيوبي أو من صارم الدين أيبك .
لذلك قال الأمراء بعضهم لبعض في حكمة بالغة، وخبرة عسكرية فائقة: "لا يكون هذا معمولية على المسلمين"..
يعني لا يكون هذا شيئاً عمله التتار ليخدعوا به المسلمين..
ومع ذلك أخذ المسلمون حذرهم، واستفادوا من هذه الأمور دون تفريط في إعداد، أو تهاون في الاحتياط والحذر..
وبذلك انتهى يوم الرابع والعشرين من رمضان..
التعليقات
إرسال تعليقك