ملخص المقال
كان رفض السلطان العظيم عبد الحميد تهويد فلسطين لطمة لم ينس اليهود أن يردوها للخلافة ردا سخيا
كان رفض السلطان العظيم "عبد الحميد" تهويد فلسطين لطمة لم ينس اليهود أن يردوها للخلافة ردًّا سخيًّا، لم يكن بوسع السلطان عبد الحميد أن يتخيله!
فإضافةً إلى ما قام به اليهود من تحريك للقوى المناوئة للدولة، ومن غرس لبذور الفكرة العنصرية المحاربة للراية الإسلامية الموحِّدة لربع البشر!!
إلى جانب هذا.. هجم اليهود من الداخل على الدولة العثمانية بواسطة الأسلحة نفسها التي استعملوها في كل بلدان العالم الإسلامي، وهي أسلحة العنصرية والتحضرية والحرية، والإخاء والمساواة.. وهلم جرًّا من الشعارات التي اصطنعها الماسون، وروَّجوا لها، واستعملوا بعض المخدوعين لإذاعتها وتفتيت راية الأمة وقبلتها وأهدافها!!
أداتا اليهود ومصير زعماء تركيا الفتاة
وكانت جماعة تركيا الفتاة ثم الاتحاد والترقي هما الأداتيْن اللتيْن سخّرهما اليهود وطوعوهما لهذا الغرض. وكانت الكاتبة "خالدة أديب" إحدى المروِّجات على المستوى الأدبي والفكري لفكرة القومية الطورانية، بينما كان زعماء تركيا الفتاة هم المنفذون على المستويات الأخرى لعملية إحداث الانقلاب نحو تخلي تركيا عن هويتها ورسالتها الإسلامية.
وقد أقحم هؤلاء تركيا في الحرب العالمية الأولى دون مبرِّر معقول أو سبب يتعلق بها، فلما هُزم الألمان، أذعنت تركيا للهزيمة بنفسها، وسُجل رسميًّا سقوط الكرامة العثمانية الإسلامية بهدنة رودس في 1918م.
وقد غادر زعماء تركيا الفتاة البلاد، فقصد أحدهم "أنور باشا" روسيا، وقصد "طلعت باشا" ألمانيا، ولقد شاء الله أن يقتص منهم قصاصًا دنيويًّا عاجلاً، فلم يلبث "أنور باشا" أن قتل اغتيالاً في تركستان، وأن يصرع طلعت في برلين، ويغتال جمال في "تفليس". أما الكاتبة خالدة أديب التي طال بها العمر فترة، فلم تلبث أن طُردت شر طردة من تركيا بعد خلاف حاد بينها وبين الزعيم اليهودي الكبير مصطفى كمال أتاتورك!!
اقتسام أملاك الخلافة وإبراز أتاتورك
ولم تكد الحرب العالمية الأولى توشك على الانتهاء حتى كانت الدول الأوربية قد أتمت المسرحية الهزلية لاقتسام أملاك الخلافة الإسلامية الأخيرة، ولإبراز رجل ينفِّذ مخططاتهم وأطماعهم بحذافيرها.. ومع أن الكتابات الاستشراقية والكتابات الصليبية واليهودية والشيوعية تُجمِع على إخفاء هذه الحقيقة، فإنّ الأحداث بطبيعة تطورها تثبت هذه الحقيقة، ويكاد يصرح بهذه الحقيقة المستشرق "كارل بروكلمان" -على الرغم من ذكائه الحاد في تطويع الحقائق، وبترها، وإضفاء جو إنشائي حماسي عليها- نعم، يكاد يصرح بهذا في كتابه الشهير "تاريخ الشعوب الإسلامية - الدولة الإسلامية بعد الحرب العالمية الأولى" وهو يقول: "عند ذلك.. هيأت الدول الحليفة لتركيا -لاحظ الحليفة- الفرصة السانحة للرجل الذي قُدِّر له أن يُنشِئ تركية الحديثة (يقصد اليهودي الدونمي أتاتورك)".
ولنا أن نتساءل: أي دول حليفة لتركيا تلك التي حوَّلتها من زعيمة روحية -على الأقل- لربع البشرية، إلى دولة هزيلة تعيش بلا ماضٍ وبلا حاضر وبلا مستقبل؟ وأي دول هذه التي ساعدت هذا اليهودي على إلغاء الحروف العربية، وإزالة الأوقاف، وإغلاق المساجد، وقصر علماء الدين على ثلاثمائة واعظ في طول البلاد وعرضها، وتحويل مسجد "آياصوفيا" الشهير إلى متحف، ومسجد محمد الفاتح إلى مستودع، وإلغاء الشريعة الإسلامية، واستبدال القبعة بلباس الرأس الوطني السابق "الطربوش"، وفرض اللباس الأوربي بالقوة، وحذف اللغة العربية واللغة الفارسية من مناهج التعليم بالمرة، وبيع الكتب والمخطوطات العربية بأبخس الأثمان، فضلاً عن التعليم العلماني الأوربي، ليس في المجال التقني كما يجب أن يكون، بل -فقط- في المجال الإنساني والأدبي والديني!!
إلغاء الخلافة الإسلامية
إن إلغاء الخلافة الإسلامية وإعلان الجمهورية التركية في 29 أكتوبر سنة 1923م، وانتخاب مصطفى كمال أتاتورك من قِبل جمعية لقبت نفسها "بالجمعية الوطنية"، إن هذا كله لم يكن يعني سقوط تركيا الإسلامية في الحقيقة، فكم من شعارات برّاقة زائفة تُرفع ثم لا تلبث أن تزول! لكن تمكن الأتاتوركي "الغازي" من السيطرة على البلاد، بمساعدة (الدول الحليفة لتركيا) كما يقول بروكلمان وأمثاله، ثم الإجراءات الخطيرة التي ذكرناها، والتي اتخذها أتاتورك بعد ذلك.
هذه في الحقيقة كانت الإلغاء الحقيقي لتركيا الإسلامية وللخلافة العثمانية، ولم يكن الخليفة العثماني محمد السادس الذي عاصر هذا الانقلاب، كما لم يكن الخليفة الذي وضعه الانقلابيون مكانه "عبد المجيد بن عبد العزيز"، لم يكن هذا وذاك أكثر من تحفتيْن تاريخيتيْن، تحملان معالم صورة هزيلة مهتزة، لحقيقة كانت -يومًا ما- عظيمة قوية ترعب أوربا كلها.
ومع ذلك فلقد أدرك مصطفى كمال الدونمي اليهودي أن البقاء الرمزي الصوري لهذه الحقيقة القوية العظيمة يشكل في حد ذاته خطرًا على مخططاته الصهيونية؛ ولذا فلم يكد يملك السلطة في يده ويتربع بتؤدة على عرش السيطرة مدة خمسة أشهر، حتى أعلن إلغاء الخلافة الإسلامية، ثم طرد آخر خليفة للمسلمين من البلاد في اليوم الثالث من مارس سنة 1924م.
تفتيت المسلمين مشروع قديم
ولعل العقلاء وحدهم هم الذين يسألون: ماذا استفادت تركيا من هذه الخطوة؟ وماذا كان يمكن أن تكسب لو أنها مضت في طريق الإصلاح، مبقيةً على مركزها كزعيمة روحية إذا كانت هناك نية إصلاح حقيقية؟
ولعل هذا وذاك يفسران للعقلاء وحدهم أن هناك أمرًا كان مبيتًا، وأن العالم الإسلامي والعالم العربي كانا من الأهداف الرئيسية لضرب الخلافة الإسلامية، ولم تكن أبدًا تركيا هي المقصودة وحدها.
وفعلاً تداعت تركيا وسقطت، فلم تقم لها قائمة حتى اليوم، وتداعى بعدها ومعها العالم الإسلامي بلدًا بلدًا، وفُكَّتْ أواصر الحب والوَحدة، ونال العرب حظهم من كل ما أصاب العالم الإسلامي. ولعل الأقدار قد لقَّنتهم أقسى الدروس، حين زرعت في قلبهم شوكة الصهيونية.. تؤرِّق مضجعهم، وتنتقم للخلافة الإسلامية، وتُطلِعهم بجلاءٍ على حقيقة كمال أتاتورك، وحقيقة مخططاته.. وأيضًا على حقيقة الذين ساروا على هَدْي أتاتورك في فلسطين العربية وفق انقلابات يقف وراءها اليهود، مستترين في كلمات الشيوعية أو الحرية أو "القومية"؛ ليزرعوا في القلب العربي أشواكًا أخرى!!
التعليقات
إرسال تعليقك