ملخص المقال
أخطر وأول سبل المفسدين مقال لمحمد سلامة الغنيمي يوضح فيه خطر الإفساد وأول مسلك في الإفساد والسبل التي يسلكها المفسدون والفكر الذي يعتمدون عليه وآثاره
لا شك أن المفسدين في كل عصر هم أعوان إبليس وجنده من الإنس، يسيرون على دربه ويقتفون أثره، وينتهجون سيرته في إفساد آدم وبنيه من خلال نشر العري والإباحية.
فأول مسلك سلكه إبليس مع آدم وحواء، هو إغرائهما بالأكل من الشجرة، وما ذاك إلا ليكشف عنهما لباسهما ويريهما سوآتهما؛ كما بين ذلك الله سبحانه وتعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} [الأعراف: 27]، هكذا ليكون ذلك سنة وسيرة في عقب آدم كما حذر الله تعالى بنيه.
هكذا يُفَكِّر المفسدون كل وقت وحين: نشر العري، إباحة الاختلاط، إثارة الغرائز، التبرير لإقامة علاقات محرمة، إلى أن يصل الأمر إلى الوقوع في الفاحشة، واجتازت أوربا هذه المراحل، فقد نزعت إلى الشذوذ؛ بل إلى التقنين له.
والذي يدعوهم إلى ذلك، أنهم يدركون جيدًا أن أهم عوامل القضاء على المجتمعات وتفكيكها، هو إباحة الفوضى الجنسية، فالإنسان الذي تسيطر عليه الشهوة وتتملكه الغريزة يصير كالبهيمة لا عقل له ولا قلب؛ فقط هو متبع كل همه ومبلغ علمه هو إشباع هذه الغريزة، وتسكين هذه الشهوة، والتخلص من القلق المضجع والتوتر المؤلم من جراء ذلك، فلا يبالي بإتقان عمل، ولا حفظ علم، ولا بمراعاة خلق، ولا تأدية حق، فقط الشهوة، ويصاحبه في هذه الحالة استعداد نفسي لفعل أي شيء من إفراغ هذه الشهوة، وإذا تم له ذلك فسرعان ما تعود من كثرة المثيرات التي تعج من حوله، وهكذا يعيش الإنسان بلا هدف، يسيطر عليه القلق الدائم المفضي إلى الاكتئاب ومن بعده الانتحار.
ومن آثار هذا الفكر الخبيث إقامة الصراعات الداخلية التي تنشأ من جراء التنازع والتنافس على قضاء الشهواء وإفراغ النزوات؛ ولعلنا نتذكر أول حادثة في تاريخ البشرية؛ فضلاً عن اختلاط الأنساب، وتفكك الروابط الاجتماعية التي هي عضد الدول والمجتمعات ونواتها، وقد وصفه الله تعالى بأنه مقتًا وساء سبيلاً.
وقد اعتمد هؤلاء الشياطين في سبيل تحقيق هذا الغرض الخبيث على أمرين:
أولهما: إثارة النزوات والمطالب البشرية التي جبل عليها الإنسان؛ ومن ثَمَّ استغلال ذلك في التلبيس بين الحق والباطل، والخلط بين النافع والضار، هكذا فعل إمامهم إبليس مع آدم عليه السلام؛ فقد أثار فيه غريزة حب التملك وكراهية الفناء، فالإنسان بطبعه مفطور على نيل ما حيل دونه، وتحصيل ما منع منه، والممنوع لديه مرغوب، {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف: 20].
الثاني: الإيحاء على الناس وإيهامهم بأنهم مصلحون، لا يبغون إلا الخير، ولا يريدون إلا سعادة الآخرين، ويلبسون عليهم باسم العلم المادي المجرد والدليل النظري، فقد أقسم إبليس لآدم على إخلاصه معه ونصحه له؛ {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف: 21، 22].
وقد تبنى اليهود -وهم المفسدون حقًّا- هذا الفكر الخبيث؛ فهم يزعمون باطلاً أنهم شعب الله المختار، وأن الله تعالى قد خلق الأمميين حيوانات في صورة بشر لخدمة اليهود، وقد جاء في التلمود: "إن الأمميين هم الحمير الذين خلقهم الله ليركبهم شعب الله المختار"؛ لذلك يستبيحون إفساد العالم من السيطرة عليه".
ومن أجل هذا المعتقد الفاسد كونوا جماعات ومنظمات سرية عالمية تبتغي إفساد الأمميين، وقد قرر الله تعالى هذه الحقيقة وحذر منها، قال تعالى: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: 64]، وجاء الفعل بصيغة المضارع ليفيد الاستمرار والديمومة، وأكده بالنون للحذر والحيطة؛ ولكن أين المتدبرون؟!
فقد ركب هؤلاء المفسدون ومن افتتن بخبثهم ركب الشيطان وساروا على دربه، فتبنوا بعض المفاهيم التي ظاهرها الخير وباطنها الشر كل الشر، مثل التحرر وعدم قمع المشاعر والأحاسيس، وأهمية الاختلاط، وأن الدين والأخلاق ما هما إلا قيودًا تكبل حرية الإنسان وتعيق تقدمه.
وقد استغلوا في ذلك ما كانت عليه أوربا في عصورها المظلمة من جهل وتخلف وقمع وتسلط من قبل رجال الدين آنذاك؛ الذين سلبوا من شعوبهم كل مقومات الإنسانية باسم التفويض الإلهي المزعوم؛ فكانت أوربا تربة خصبة لتنفيذ هذا المخطط الفاسد، فدعموا العداء والكره بين رجال الدين والشعب، وروجوا لمظاهر الطغيان الكنسي.
وائتموا في ذلك بإبليس إمامهم، فأشاعوا بين الناس الأفكار والنظريات التي هي من بنات أفكار أعضائهم، التي تحرض على كره الأديان كل الأديان، وليس المحرفة فقط، وبث التحرر والإباحية في نفوس الأوربيين، ومن أهمها نظرية دارون التي دعت إلى الإلحاد والشهوة، فانتشر هذا الفكر بين الناس انتشارًا سريعًا من جراء التحرر من القمع الذي مارسته عليهم الكنيسة آنذاك.
وقام فرويد اليهودي الماسوني بتفسير كل نشاط يقوم به الإنسان إلى الجنس، وأن الكبت الجنسي وعدم إطلاقه ينشأ عنه ما أسماه بعقدة أوديب؛ ومن هذه العقدة تتكون القيم والأخلاق على حد زعمه، وزاد أنها عملية ضارة تنشأ عنها الاضطرابات النفسية والعصبية؛ فضلاً عن تأخر الإنتاج، وقد روجوا لهذا الفكر الخبيث رواجًا عظيمًا في جميع جنبات الأرض، إلى حد افتتان بعض المسلمين به.
ونظيره دوركايم الذي زعم أن الزواج ليس من الفطرة، وأن الأصل أن تكون البشرية كالبهائم.
وقد وقف اليهود وأعوانهم من خلف هؤلاء وغيرهم، يروجون لأفكارهم الخبيثة، ويسفهون معارضيهم، ويسومونهم بالتخلف والرجعية, فهم الذين صنعوا دور السينما والمسارح ونشروها في العالم كله، وهم الذين يسيطرون على وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم، وهم أصحاب فكرة معارض الأزياء ومسابقات ملكات الجمال، ولا تجد شرًّا وسوءًا إلا ومن ورائه اليهود ومن ساروا على دربهم, فسرت هذه الأفكار في الناس سريان النار في الهشيم، لأنهم اعتمدوا على التلبيس والخداع مثل إمامهم إبليس.
وفى النهاية لا يسعنا ألا أن نقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، وأن نهبَّ مدافعين عن قيم ديننا الحنيف، وأن نقي أبناءنا وبناتنا شرهم، وأن نبث فيهم خطرهم.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36].
وقال تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].
المصدر: محمد سلامة الغنيمي
التعليقات
إرسال تعليقك