جروح نازفة
جروح نازفة
باتت الأمة ممزقة، وتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، وتناحرت في ما بينها وتنازعت، فصارت الجروح شتى في البلاد، والنزيف يتزايد بين العباد، وهذه بوابة تهتم بملفات المسلمين والبلاد الإسلامية في العالم، التي تنزف الجراح من احتلال المعتدين، أو خلافات المتناحرين، حروب وانقسامات، وتدمير وإرهاب.. كل ذلك في جروح نازفة.
ملخص المقال
يعتمد الصومال في اقتصاده على تربية وتصدير الماشية، وعرف الفراعنة بلاد الصومال وكانت تسمى بلاد بونت وأقاموا معها علاقات تجارية، فما هي حضارة الصومال؟
الطابع المميز لهذا البلد الذي انضم إلى المجموعة العربية من خلال جامعة الدول العربية اعتماد اقتصاده على تربية وتصدير الماشية فليس غريباً أن تعني كلمة الصومال باللغة المحلية" اذهب واحلب "ولكون اقتصاده ضعيفاً فإن إجمالي متوسط دخل الفرد السنوي والبالغ عدد سكانه عشرة ملايين نسمة لا يتجاوز600دولار، وفي فترة انعدام الدولة زادت الأوضاع المحلية تردياً فلم تتح الظروف فرص التعليم إلا لـ 10% من الطلبة والبالغ اجماليهم مليون طالب حيث لم يعد من وجود للمدارس الرسمية ليلتحقوا بها، بل حل محلها التعليم الأهلي وأقساطه الشهرية10دولارات، عجز عن سدادها العديد من الفقراء وضحايا الحروب، والأيتام، وراحت هجرة الكفاءات العلمية تزداد إلى الخارج بشتى اختصاصاتهم فلم يبق في العاصمة "مقديشو" سوى120طبيباً من اصل 960 مجمل الأطباء في الصومال، ورغم وجود ثروات دفينة كاليورانيوم وخامات الحديد والقصدير، وتأكيد بحثي لوجود النفط بكميات تجارية، و امتداد شواطئه الغنية بالثروة السمكية التي تـُنهب من قبل الدول العظمى، إلا أن عوامل التخلف والظروف المضطربة دوماً حالت دون استثمار هذه الإمكانيات لتحسين الأوضاع المعاشية للصوماليين.
وعبر الأزمنة القديمة عرف الفراعنة والمصريون القدامى هذا البلد باسم- بلاد بونت- وأقاموا علاقات تجارية بينهما، أكدت هذه الحقيقة النقوش في معبد الدير البحري من عهد الملكة"حتشبسوت" في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، فقد كانت بلاد ذات حضارة وتاريخ، وفي نفس القرن ولكن بعد الميلاد كانت مقديشو تقع تحت سلطة"عمان وزنجبار"إلى أن تم التنازل عنها للإيطاليين عام 1905، وفرنسا حطت رحلها على أرضه عام1872واحتلت ما يسمى اليوم بـ "جيبوتي"، ولحقتها بريطانيا فاحتلت ما أطلق عليه ظلماً الصومال البريطاني، واستولت إيطاليا على البقية المتبقية، وبمرور الزمن وانسجاماً مع السياسة الاستعمارية أهدت إنكلترا إلى إثيوبيا إقليم"أوغادين"وهو من مناطق احتلالها وعدد سكانه خمسة ملايين جميعهم مسلمون لضمه إلى رقعة أراضيها، وذات الارتكاب نفذته في الإقليم الشرقي مما احتلته فتركته لكينيا رغم أن سكانه عبروا عن رغبتهم بالانضمام إلى الصومال في الاستفتاء الذي أجري قبل استقلال كينيا إلا أنها لم تستجب لنتائجه ووهبت الإقليم وسلمته لكينيا، وما زال العلم الصومالي بنجمته الخماسية يرمز لهذه الأقاليم الخمسة.
وإقليم"جيبوتي"وفي ظل الأوضاع الدولية و بمباركة فرنسية متماشية معها أعلن استقلاله عن فرنسا عام1977، وحتى عن الصومال الأم، وفي عام1960كون ما سمي بالصومال الإيطالي والباقي من الصومال الإنكليزي بعد المنح التي قدمتها بريطانيا كونا وأعلنا معاً جمهورية الصومال، وبين عامي1977-1978دارت معارك بين جبهة تحرير الصومال الغربي(أوغادين) وساندتها حكومة جمهورية الصومال الجديدة وكان رئيسها سياد بري من أجل تحريره من أثيوبيا واستعادة أرضه وعلى الطرف المقابل دعّم الاتحاد السوفيتي السابق وكوبا والكيان الصهيوني وأثيوبيا وقدموا يومها لنظام"منغستو هيلا مريام"حليف الشيوعيين في القارة الإفريقية كل أنواع الدعم، وانتهت الحرب بانسحاب الصوماليين من المعركة، وكعادتها في عدائها الدائم لكل عربي ومسلم باركت أمريكا الخطوة ووافقت على ضم أوغادين للحبشة ومنحه حكماً ذاتياً، ثم عادت إلى محاولاتها لتدمير هذا البلد فدعمت المعارضة ضد الحكومة الصومالية وبذلك سرعت مع عوامل الخلل في نظامها الديكتاتوري في إسقاطها عام1991.
وبسقوط النظام انتهى حكم الدولة المركزي، واستغل أمراء الحرب هذا الوضع وتوزعوا النفوذ على ما بقي من الأرض الصومالية، وحتى النفوذ في العاصمة اقتسمه البعض بينهم فزاد الطين بلة، وفي ظل هذا الوضع المفتت وفي أواخر عام 1996غزت إثيوبيا أرض الصومال وسيطرت على ثلاث مناطق في جنوبه لكنها تراجعت عنها عسكرياً بعد سنتين.
وتمشياً مع الاستراتيجية الأمريكية في اعتماد نظرية "الفوضى الخلاقة" دعمت أمريكا الأمراء وأغدقت عليهم العطاءات المادية، وفي تبرير ذلك يقول جون رندرجات الخبير بشؤون القرن الإفريقي بمجموعة الأزمات الدولية في واشنطن:"أن الولايات المتحدة ليس لديها الآن ما تظهره لثلاث سنوات سوى الاستثمار في أمراء الحرب هؤلاء باعتبارهم العنصر الوحيد في استراتيجيتنا لمكافحة الإرهاب في الصومال"، وفعلا ًاعتقل بعض زعماء الحرب نشطاء إسلاميين وسلموهم لأمريكا لاستجوابهم خارج الصومال، بل وشاركت ميليشياتهم في عمليات دهم مشتركة مع قوات خاصة من وكالة الاستخبارات الأمريكية في إطار حملة اعتقالات للحد من نشاط الإسلاميين تحت مصطلح ما أسموه"بالإرهاب"، واستمرت الأوضاع تحمل كل عوامل التجزئة والتدمير لكل البنى الصومالية وأمام انعدام الأمن وانتشار الجرائم وغياب لأجهزة الدولة القضائية بدأ ظهور المحاكم الإسلامية منذ عام1991 وأغلبها لم ينجح وكان معارضاً لها الجنرال محمد فارح عديد –أمير حرب - المسيطر على جنوب العاصمة لكن في عام1994تم تأسيس أول محكمة شرعية عشائرية في القسم الشمالي من مقديشو، وبعدها بدأ انتشار فكرة إنشاء المحاكم الشرعية وأخذت كل قبيلة تنشىء محكمة خاصة بها، وطبيعة التركيب الاجتماعي الصومالي ساعد على تشكيل العدد الكبير من المحاكم، وساعدت المحاكم لتنفيذ أحكامها مجموعات من القوات العسكرية غير النظامية في إرساء الأمن، وفي عام 2000 عقد مؤتمر مصالحة في منتجع (عرتا) الجيبوتي أعلنت فيه المحاكم تأييدها له وشاركت فيه وصار لها نواب في البرلمان الذي عينت القبائل أعضاءه، وأيدت المحاكم الرئيس الجديد صلاد قاسم حسن المنتخب من المؤتمر نفسه، لكن حكومة صلاد لم تدم طويلا وانهارت لاتهامها بدعم الإسلاميين وإعطائها لهم مناصب سياسية ونفوذاً، وعرقلة أمراء الحرب عمل هذه الحكومة ساهم في إسقاطها، وانتخب بعد ذلك الرئيس المؤقت عبد الله يوسف في أكتوبر 2004المتواجد هو وحكومته في مدينة"بيدوا"، وليس له ولا لجهاز السلطة أي دور أو دعم من أحد، وعام 2005 تم تأسيس المجلس الأعلى لاتحاد المحاكم الإسلامية ورأسه شريف شيخ أحمد وبقيت الأحوال كما هي إلى أن بدأت المحاكم الشرعية بتوحيد البلد وتخليصه من الأمراء، ومن ثم بدأ الصراع مع الحكومة الشكلية وتدخلت القوات الإثيوبية إلى جانب هذه الحكومة.
التعليقات
إرسال تعليقك