د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
قصة مشرف 1-2
بدأت المواجهة بين مشرف ونواز شريف حينما أعلن رئيس الوزراء آنذاك عن قراره بتنحية برويز مشرف من رئاسة قيادة الأركان.وفي حين رفض جنرالات الجيش قبول إقالة مشرف، كان الأخير الذي كان خارج البلد يصعد إلى طائرة ركاب عادية للعودة إلى باكستان، فأمر نواز شريف مطار كراتشي بعدم السماح للطائرة بالهبوط على مدارجه، ولكن جنرالات الجيش قاموا بانقلاب اتخذوا فيه قرارًا بتنحية رئيس الوزراء، ووضعه تحت الإقامة الجبرية، ثم أُرسِل لاحقًا مع أسرته إلى المنفى في السعودية، ومنها إلى العاصمة البريطانية لندن. وبوصوله إلى السلطة، أصبح مشرف خامس عسكري يصل إلى سدة الحكم منذ عام 1956م؛ حيث حكم العسكر 30 سنة، بينما حكم المدنيون 13 سنة فقط منذ الاستقلال.
ولعلَّ أبرز ما سيحفظه التاريخ من سيرة برويز مشرف موافقته على مطالب أمريكا بالسماح لها باستخدام الأراضي الباكستانية لضرب حركة طالبان التي رفضت تسليم بن لادن بعد اتهام أمريكا له بتفجيرات نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر 2001م..
كانت باكستان بعد تفجيرات سبتمبر تقف خلف طالبان في أفغانستان، ولكن بعد عدة زيارات سرية أمريكية لدولة باكستان تغير الموقف تمامًا، وأصبحت باكستان تحت حكم مشرف هي المحارب والمواجه والمرشد للقادم الأمريكي والغربي في مواجهة طالبان، بل ومساعدًا بكل المعلومات والتسهيلات اللازمة للقضاء عليها!
ثم ظهرت الأسرار خارجة من أطوارها مسرعة وبغير تمهل لتعلن أن المسئول الأمريكي حذَّر الرئيس الباكستاني بأنه إذا لم تتخلَّ باكستان عن مساندة طالبان ثم الوقوف في الجانب الأمريكي من الصراع فإن أمريكا علي استعداد لأن تعيد باكستان إلي العصر (الحجري) في دقائق معدودة! وإن القنبلة الذرية الباكستانية مازالت في طور لعب الأطفال والتي سمح بها للتوازنات الدولية السياسية!
وللأسف ارتجف قلب برويز مشرف أمام التهديد الأمريكي، ولم يكن اللجوء إلى موازين الله سبحانه وتعالى واردًا على خاطره، ولا حتى الموازين السياسية والعسكرية الحقيقية التي تجعل من باكستان قوة كبيرة، وتمنع الولايات المتحدة بشكل كبير من المغامرة بالهجوم عليها لو هدَّد مشرف باللجوء للخيار النووي، بل كانت موازين أمريكا هي الحاضرة في ذهنه؛ لذا انقلب على طالبان التي كان أشدَّ مناصريها، وعلى الأحزاب الباكستانية المعارضة لسياسته تلك، بل على الشعب بأكمله، وأصبحت القنبلة النووية الباكستانية - التي استبشر بها المسلمون خيرًا – مجرد ألفاظ لا قيمة لها في موازين القوة بسبب برويز مشرف.
تُرى: كيف قاد مشرف البلاد بعد انقلابه على رئيس الوزراء؟
وكيف تعامل مع الهند العدو اللدود لباكستان؟
وما موقفه من الحريات في بلاده؟
هذا ما سنتحدث عنه في المقال القادم بإذن الله تعالى.
تردد اسم الجنرال برويز مشرف كثيرًا خلال الشهور الماضية، بل خلال السنوات الماضية منذ قاد انقلابًا على رئيس الوزراء – آنذاك – نواز شريف؛ متهمًا إياه بمحاولة إسقاط الطائرة التي كان يستقلُّها مشرف من سريلانكا.
كان مشرف قائدًا للجيش الباكستاني إبّان القتال العنيف بين الهند وباكستان في عام 1999م في مرتفعات كارغيل التي انتهت بانسحاب المقاتلين الكشميريين منها بضغط من رئيس الوزراء نواز شريف. واتهمت الهند باكستان في ذلك الوقت باختراق الخط الفاصل، في حين نفت باكستان الاتهام.
وبعد انقلابه على نواز شريف في أكتوبر 1999م؛ عين نفسه رئيسًا لباكستان بعد استفتاء شعبي في السادس والعشرين من يونيو2001م إثر اتهام المعارضة السياسية له بفقدان الشرعية لتمثيل باكستان في لقاء القمة مع الهند.
وُلِدَ برويز مشرف في عائلة مسلمة من الطبقة الوسطى في منطقة دارياغانج بالعاصمة الهندية دلهي يوم 11 أغسطس 1943م، وهو ثاني ثلاثة أبناء لوالد دبلوماسي كان يعمل في وزارة الخارجية. وبعد تقسيم الهند وولادة باكستان عام 1947م نزحت عائلته من دلهي واستقرت في مدينة كراتشي أول عواصم باكستان المستقلة. وبسبب طبيعة عمل الوالد الدبلوماسي، عاش برويز الصغير في تركيا بين عامي 1949 و1956م.
بعد العودة من تركيا درس مشرف في مدرسة سانت باتريك الخاصة في كراتشي، وتخرج فيها عام 1958، ومنها انتقل إلى مدرسة مسيحية خاصة أخرى، هي كلية فورمان المسيحية في مدينة لاهور عاصمة إقليم البنجاب (شمال البلاد). وفيها أكمل دراسته الثانوية. وعام 1961م التحق بالأكاديمية العسكرية الباكستانية في كاكول، وانتظم لاحقاً في سلاح المدفعية, وفي ما بعد تخرج في كلية الأركان العامة في كويتا (عاصمة إقليم بلوشستان)، ثم كلية الدفاع الوطني في راولبندي، ولاحقاً الكلية الملكية للدراسات الدفاعية في بريطانيا. وخلال سنوات خدمته النشيطة في الجيش، كان يُعتبر ضابطًا حديثًا على الطراز الغربي، حيث وجهات النظر الليبرالية كانت شائعة جدًّا بين ضباط الجيش الباكستاني قبل حكم ضياء الحق. وكان مشرف نفسه قد درس في معاهد التعليم العسكري في بريطانيا.
ولم يكن مشرف، الابن الأوسط، الأكثر تألقًا في عائلته، ولكنه حقق أمجادًا شخصية في النشاطات الرياضية للمدرسة. ويشير زملاؤه الضباط إلى أنه "لم تكن هناك لعبة لم يكن قادرًا على ممارستها"، بل إنه حقق فوزًا في رياضة كمال الأجسام في السنوات الأولى من حياته ضابطًا في الجيش. وجاء من عائلة مثقفة من الطبقة الوسطى تتمتع بمواقف ليبرالية. وكانت أمه تعمل أيضًا وتقاعدت من عملها في منظمة العمل الدولية عام 1986م. وقد ترقَّى الجنرال مشرف في الجيش، على الرغم من حقيقة أنه لا ينتمي إلى طبقة الضباط البنجاب المهيمنة على الجيش الباكستاني، وإنما لعائلة تتحدث الأوردو في كراتشي، من الجماعات التي لا تحتل مكانة مهمة في الجيش.
وكان مشرف قد شارك في الحرب الهندية الباكستانية عام 1965م ضابطًا برتبة ملازم ثانٍ في فوج المدفعية الميداني، ولاحقًا في الحرب الهندية الباكستانية عام 1971م قائدًا لسرية في القوات الخاصة الباكستانية، وللأسف فإن هذه الحرب انتهت بهزيمة باكستان واستسلامها.
عُيِّن الميجور جنرال مشرف في يناير 1991م قائدًا لفرقة مشاة. ولاحقًا رُقي إلى لفتنانت جنرال. وفي أكتوبر 1995م، تولَّى قيادة الفيلق الهجومي في الجيش الباكستاني في شمال البلد.
وقد كتب الرئيس الباكستاني مذكراته بعنوان (على خط النار)، وفيها يروي أحداثًا كثيرة يمكن الاعتماد عليها في تكوين صورة واضحة عن شخصيته؛ ففي مذكراته يروي حادثة منعه من دعوة موسيقيين إلى برنامج ثقافي في كلية الدفاع الوطني عندما كان يعمل مُعلمًا عام 1980م؛ فيقول: "في عام 1980 كنا نُعِدُّ للاحتفال بالعيد الخامس السبعين لتأسيس الكلية. وكان من المقرر أن يحضر المناسبة الرئيس ضياء الحق. ولهذا كنت أُعِد برنامجًا خاصًا للأمسية. وقد فعلت ذلك عبر أداء تقوم به جماعة فنية باكستانية. وكانت هذه الجماعة تضم أفضل الموسيقيين والراقصين من النساء والرجال.
وقبل يومين من المناسبة تلقيت مكالمة هاتفية مستعجلة من آمر الكلية، أبلغني أن الرئيس لا يحب تقديم أي غناء أو رقص على الأقل من جانب النساء"، وفي هذا الموقف ما يعبِّر بوضوح عن الفارق الضخم بين شخصية ضياء الحق وشخصية الجنرال مشرف.
ترقَّى الجنرال مشرف إلى منصب رئيس الأركان عام 1998م عندما استقال قائد جيش باكستان القوي الجنرال جيهانجير كرامات، بعد يومين من الدعوة إلى إعطاء الجيش دورًا أساسيًّا في عملية صنع القرار في البلاد.
وأشار بعض المعلقين المستقلين إلى أن رئيس الوزراء آنذاك نواز شريف اختار الجنرال مشرف قائدًا للجيش، لأنه بالضبط لا ينتمي إلى طبقة الضباط البنجاب، وقالوا: إن رئيس الوزراء كان يعتقد أن الخلفية العِرقية لمشرف ستجعله عاجزًا عن بناء قاعدة قوة، ولكنه رغم ذلك استطاع تكوين قاعدة تأييد له داخل الجيش؛ مما أثار قلق رئيس الوزراء نواز شريف الذي خاف على منصبه من تطلعات الجنرال برويز مشرف.
التعليقات
إرسال تعليقك