د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
ملخص المقال
وشهد شاهد من أهلها كتاب للدكتور راغب السرجاني يذكر فيه مواقف كثير من غير المسلمين الذين شهدوا للإسلام ورسوله شهادات تنصفه وتقدره
وشهد شاهد من أهلها، كتاب للدكتور راغب السرجاني يعرض فيه شهادات عدة من مختلف أقطار الأرض، ولعديد من غير المسلمين الذين رأوا في الدين الإسلامي رسولاً وتاريخًا وحضارةً وشريعةً ما جعلم لم يقدروا عن منع أنفسهم من الإشادة به والثناء عليه والشهادة بصلاحه وثباته وقدرته على البقاء.
عرض كتاب وشهد شاهد من أهلها
كثيرًا ما يشهد أهل الحقِّ لحقِّهم، وكثيرًا ما يُدافع أصحاب العقيدة عن عقيدتهم، ولكن قد يقول قائل: إنّ شهادات هؤلاء مجروحة، بمعنى أنهم يشهدون لأمرٍ ينتمون إليه، ويعتزُّون به، لكن أن يشهد إنسان من فريق آخر لا ينتمي لهذا الأمرِ بصحة هذا الحقِّ وقُوَّتِه، ويعترف بعظمته وجلاله، فهذا من أوثق الأدلَّة وأقواها على روعة الأمر وإبهاره؛ لذلك قال الله عز وجل وهو يصف شهادة رجل من رجال القصر الملكي، وهو يشهد على امرأة العزيز في قصة يوسف: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} [يوسف: 26]، فَكَوْن الشاهد من أهلها جعل الشهادة أبلغ، والدليل أقوى.
والإسلام شهد له كلُّ أتباعه بالخير واليمن والبركة، لكن كثيرًا ما يتشكَّك غير المسلمين في هذه الشهادات، ويقولون: إنهم شهدوا بذلك محاباة لدينهم، وحُبًّا لرسولهم صلى الله عليه وسلم، أو أنهم شهدوا بذلك لأنهم لا يعرفون غيره، ولو عرفوا الديانات الأخرى لكانت شهادتهم لها أعظم.
إنها حجة تُقال عن جهل أحيانًا، وعن عمد أحيانًا أخرى، وقد تطرد هذه الحجة بعض البشر عن الإسلام، وقد تُبَغِّضهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا كان على المسلمين الغيورين على دينهم أن يتحرَّكوا بالشرح والبيان، وبالحجة والبرهان، وبكل وسيلة ممكنة؛ حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله.
ومن أبلغ هذه الوسائل وأعظمها أن نَذْكُرَ للذين لا يعرفون ديننا، أو حضارتنا، أو رسولنا صلى الله عليه وسلم رأي المنصفين من العلماء من أبناء جلدتهم، ومن أقوامهم، ومن الذين لا ينتمون لهذا الدين، ولا يرتبطون بعقيدته، وخاصة إن كانوا من المشهورين عندهم، ومن المأمونين في شهادتهم، ومن الموثوق فيهم علميًّا، فإن شهادة هؤلاء تُصبح في غاية التأثير، وقد يفتح بها الله عز وجل قلوب الكثير من عباده.
والمسلمون قد يَقِفُون من هذه الشهادات المهمة على طرفي نقيض! فمنهم من يُنكرها، ويأنف من ذِكْرِهَا، ويعتبر ذلك من الاعتزاز بدينه، فهو - في رأيه - لا يحتاج إلى آراء هؤلاء، وقد يقول: إنه ليس فيهم خير، بدليل أنهم لم يؤمنوا حتى بعد اطلاعهم على خير الإسلام وفضله.
ولهؤلاء نقول: إن مبدأ التعميم خطير للغاية، وقد علَّمنا ربنا عز وجل ألا نأخذ به في طريقة تفكيرنا؛ فقال لنا مثلاً: {لَيْسُوا سَوَاءً} [آل عمران: 113]، فهو يذكر أن أهل الكتاب ليسوا على شاكلة واحدة؛ فمنهم الصادق، ومنهم الكاذب، ومنهم الأمين، ومنهم الخائن، بل إنه ذَكَرَ مثالاً يُقَرِّب به الصورة إلى أذهاننا؛ فقال عز وجل: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: 75]، فالآية تنصُّ على أن أخلاقهم مختلفة؛ فهناك شديد الأمانة، وهناك بعيد الخسَّة، وبينهما آلاف الدرجات؛ لذلك لا يصلح أن نأخذ الناس جميعًا جملة واحدة، ولا أن نعاقب واحدًا بجريمة آخرين.. قال عز وجل: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، وقال عز وجل: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38].
وكان هذا سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، ومنهجه في تعامله مع غير المسلمين، فهو -على سبيل المثال- لم يأخذ المُطْعِم بن عدي الكافر بجريرة قومه، فيُعلنها صريحة أنه لو كان المُطْعِم بن عدي حيًّا لوهبه أسارى بَدْر من المشركين، مع أهمية هؤلاء الأسارى وخطورتهم؛ لأن المُطْعِم بن عدي كان هو الذي أجار النبي لما عاد من الطائف، كما كان له دورًا بارزًا في رفع الحصار وتمزيق صحيفة المقاطعة، بل إنه -أيضًا- يأمر أصحابه ألا يقتلوا أبا البختري بن هشام إذا قابلوه في بَدْر؛ لأنه وقف موقفًا منصفًا من المسلمين أثناء حصارهم في شِعب أبي طالب، وهو كذلك يمدح النجاشي ملك الحبشة؛ فيُقَرِّر أنه ملك لا يُظلم عنده أحد. على الرغم من أنه لم يكن قد أسلم آنذاك، ولم يُعَلِّق رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت على عقيدته، ولم يُشِرْ إلى أن اعتقاده في المسيح عليه السلام سليم، إنما أشار إلى أخلاقه العادلة بصرف النظر عن صحَّة عقيدته أو فسادها.
إنه منهج نبوي كريم يتعامل مع كل إنسان بحسب أخلاقه وطبيعته..
فمن هنا فنحن نرفض منهج التعميم الذي يسلكه كثير من المسلمين، فيُعلنون في جفاء أن كل الأوربيين مجرمون، وأنهم جميعًا معادون لنا، كارهون لعقيدتنا ولرسولنا صلى الله عليه وسلم، وسوف نرى في هذا الكتاب من الشهادات المنصفة ما قد يعجز عن القيام بها بعض المسلمين!
أما الطرف الآخر -الذي نرفضه كذلك- فهو الذي يجمع كل شهادة غربية وقعت عيناه عليها، دون تدقيق ولا تمحيص، فينسبها إلى قائلها، ويتحرَّك بها في كل مكان دون أن يدري أن هذه الشهادة غير مُوَثَّقة، ولا أصل لها، وكم يتعرَّض بعض المسلمين -خاصة في البلاد الغربية- لمواقف صعبة ومحرجة عندما يذكرون شهادة لعالِم غربي، فيطلب المستمع دليلاً على هذا القول، ومصدرًا لشهادته، فلا يجد المسلم شيئًا! فيظهر بمظهر المدلِّس الكذَّاب، فيزداد الغربيون بذلك نفورًا وإعراضًا، ونكون قد ألحقنا الضرر بمَنْ كُنَّا نبحث عن إفادته!
ومن هنا فقد سلكنا في هذا الكتاب مسلكًا متوازنًا، يضعنا في منتصف الطريق بين هذين النقيضين؛ فقد جمعنا الكثير والكثير من شهادات المنصفين، ولكننا لم نُثبت في الكتاب إلا ما تيقَّنَّا من صحَّة نسبته إلى قائله، وكنا نبتعد قدر الإمكان عن المصادر الوسيطة التي لا نتأكَّد من صحَّتها؛ إلا إذا كان صاحبها من الشخصيات العلمية الحريصة على التوثيق.
ولقد قمنا -أحيانًا في هذا الكتاب- بالنقل عن بعض المتحاملين على الإسلام، والذين ذكروه كثيرًا بما ليس فيه، لكنهم في مواطن أخرى لم يستطيعوا أن يتجاهلوا مظاهر العظمة والرُّقِيِّ، فكانت شهادتهم حُجَّة بالغة على أنفسهم وعلى أقوامهم.
وقد آثرنا أن نضع المؤرخين من كل دولة في فصل مستقلٍّ؛ حتى يسهل علينا الاطلاع على المدرسة التي تعلَّمُوا فيها، والمنهج الذي انتهجوه، كما أشرنا إلى المصادر التي رجعوا إليها، والمكتبات التي حوت المخطوطات التي اعتمدوا عليها في نقد حضارتنا وديننا.
ولم نغفل في كتابنا ذِكْرَ سيرة مختصرة لهؤلاء المنصفين؛ لِنَعْلَمَ مكانتهم العلمية، وقدرهم الأدبي، وإسهاماتهم المختلفة؛ سواء في المجالات الإسلامية، أو في المجالات العلمية بشكل عامٍّ، وهذا يعطينا انطباعًا عن كل شخصية مما يساعد في استيعاب ما شهدوا به.
وقد آثرنا -إتمامًا للفائدة- أن نذكر ما قيل في حقِّ رسولنا صلى الله عليه وسلم في كتب الأَوَّلِينَ؛ فهي على ما اعتراها من تحريفٍ إلا أننا نجد فيها إشارات مهمة لنبوته صلى الله عليه وسلم، وعلامات واضحة على صدقه، كما أوردنا شهادات غير المسلمين، من الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدوا له بالعلم وحُسن الخُلق، سواء كانوا من المشركين أم من اليهود أم من النصارى.
وبعد.. فإننا لا نَدَّعي أننا قمنا بإحصاء كل الشهادات المنصفة التي قيلت في حقِّ الإسلام وحضارته، أو في حقِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكننا ضربنا بعض الأمثلة فقط، وعلى الباحثين والدارسين أن يُفَرِّغوا أوقاتًا أطول، وأن يبذلوا جُهْدًا أكبر؛ حتى نجمع هذه الشهادات في موسوعة شاملة تُصبح حُجَّة على العالمين، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].
ونسأل الله أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين..
نبذة عن كتاب وشهد شاهد من أهلها
عنوان الكتاب/ وشهد شاهد من أهلها
المؤلف/ أ. د. راغب السرجاني.
الطبعة الثالثة/ سبتمبر 2011.
الناشر/ ط3 - الجيزة: دار نهضة مصر للنشر، (359) ص،24 سم.
للحصول على كتاب وشهد شاهد من أهلها:
شركة دار أقلام للنشر والترجمة والتوزيع
العنوان: 18 شارع المنيل - ميدان المماليك - الدور السابع
الهاتف: 111 00 65 0111 (2+)
أو عبر الموقع الإلكتروني: www.aqlamonline.net
التعليقات
إرسال تعليقك