ملخص المقال
الزبير بن العوام، حواري رسول الله، قصته وأهم مناقبه, وجهاده في الإسلام وموقف استشهاده في خلافة الإمام علي بن أبي طالب
«إنَّ لِكلّ نبيّ حَواريًا، وحَوَارِييّ الزُّبَيرُ»، هذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير بن العوام رضي الله عنه؛ والحواري هو "الناصر"؛ فمن هو الزبير رضي الله عنه، الذي عاش مُناصرًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟
هو أبو عبد الله الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي[1]، ويجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي وعدد ما بينهما من الآباء سواء[2]، وهو حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته، أمه صفية بنت عبد المطلب، وهي التي قامت على تربيته بعد وفاة أبيه العوام بن خويلد رضي الله عنه، وأبوه العوام هو أخ لأم المؤمنين السيدة خديجة بن خويلد رضي الله عنها.
والزبير بن العوام هو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى بعد مقتل عُمر رضي الله عنه[3]، وهو أَوَّلُ مَنْ سَلَّ سَيْفَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ[4]، فرضي الله عنه.
ولد الزبير بن العوام رضي الله عنه سنة 28 قبل الهجرة، وكان الزبير بن العوام في كنف ورعاية أمِّه السيدة صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها وكانت تُربيه تربيةً حازمة؛ كي يكون مُقاتلًا شُجاعًا، يستطيع أن يدافع عن قومه، كي يكون عوضًا عن أبيه الذي قُتل في حرب الفجار قبل الإسلام، وعندما بلغ عمر الزبير ست عشرة سنة أسلم[5]، وصار من أوائل من دخلوا في الإسلام، وتعرَّض للابتلاء في أول إسلامه؛ حيث تعرَّض لتعذيبٍ شديدٍ في سبيل دينه، وكان الذي تولى تعذيبه عمه؛ كان يلفه في حصير، ويدخن عليه بالنار كي تزهق أنفاسه، ويناديه وهو تحت وطأة العذاب: أكفر بربِّ محمدٍ أدرأ عنك العذاب، فيجيبُه الزبير في تحدٍّ رهيب: والله لا أعود لكفرٍ أبدًا[6].
ويهاجر الزبير رضي الله عنه الهجرتين الأولى والثانية، ثم يعود ليشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تفتقده غزوة ولا معركة[7].
هجرة الزبير بن العوام
كان من المهاجرين بدينهم إلى الحبشة، تزوج أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، وهاجرا إلى المدينة، فولدت له أول مولود للمسلمين في المدينة عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، ثم مصعب رضي الله عنه.
وكان رضي الله عنه حريصًا على ملازمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنه لم يروِ الكثير من الأحاديث؛ فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ رضي الله عنه: مَا لِي لاَ أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا أَسْمَعُ ابْنَ مَسْعُودٍ وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا؟! قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ».[8]
من مناقب الزبير بن العوام:
كان أول من سلَّ سيفًا في سبيل الله؛ فعن عروة وابن المسيب قالا: أول رجل سلَّ سيفه في الله الزبير، وذلك أن الشيطان نفخ نفخة، فقال: أُخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأقبل الزبير رضي الله عنه يشق الناس بسيفه، والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة.[9]
ومن مناقبه أنه حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعَنْ جَابِر بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأَحْزَابِ: "مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟" قَالَ الزُّبَيْرُ رضي الله عنه: أَنَا. ثُمَّ قَالَ: "مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟" قَالَ الزُّبَيْرُ رضي الله عنه: أَنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ".[10]
ومن مناقبه ما رواه ابن سعد بإسناد صحيح عن هشام عن أبيه قال كانت على الزبير عمامة صفراء معتجرًا بها يوم بدر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمَلائِكَةَ نَزَلَتْ عَلَى سِيمَاءِ الزُّبَيْرِ».[11]
وفي "يوم قريظة" جمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبويه؛ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ -رضي الله عنهما- عَنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنه قَالَ: جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَوَيْهِ يَوْمَ قُرَيْظَةَ، فَقَالَ: «بِأَبِي وَأُمِّي».[12]
ومن مناقبه رضي الله عنه أنه كان ممن استجاب لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح يوم أحد. فقد روى الشيخان في (صحيحيهما) عن عائشة رضي الله عنها الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران: 172] قالت لعروة: يا ابن أختي كان أبوك منهم: الزبير وأبو بكر لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا قال: ((من يذهب في إثرهم؟)) فانتدب منهم سبعون رجلا قال: كان فيهم أبو بكر والزبير.[13]
ومن مناقبه رضي الله عنه أنه كان شجاعًا مقدامًا في ساحة القتال. فقد روى البخاري بإسناده إلى هشام بن عروة عن أبيه: أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير يوم وقعة اليرموك: ألا تَشُدُّ فَنَشُدَّ معكَ، فَحَمَلَ عليهم، فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ علَى عاتِقِهِ، بيْنَهُما ضَرْبَةٌ ضُرِبَها يَومَ بَدْرٍ قالَ عُرْوَةُ: فَكُنْتُ أُدْخِلُ أصابِعِي في تِلكَ الضَّرَباتِ ألْعَبُ وأنا صَغِيرٌ.[14]
وروى الترمذي بإسناده إلى هشام بن عروة قال: "أَوْصَى الزُّبَيْرُ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ صَبِيحَةَ الْجَمَلِ فَقَالَ مَا مِنِّي عُضْوٌ إِلاَّ وَقَدْ جُرِحَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. حَتَّى انْتَهَى ذَاكَ إِلَى فَرْجِهِ".[15]
الزبير بن العوام في غزوة بدر
كان الزبير رضي الله عنه أحد مغاوير الإسلام وأبطاله في يوم الفرقان، وكان على الميمنة، وقد قتل الزبير في هذا اليوم العظيم عبيدة بن سعيد بن العاص، كما قتل السائب بن أبي السائب بن عابد، ونوفل بن خويلد بن أسد عمه.
الزبير بن العوام وقافا عند حدود الله
عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: سَرِّحْ الْمَاءَ يَمُرُّ. فَأَبَى عَلَيْهِ، فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلْ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ». فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ. فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ». فَقَالَ الزُّبَيْرُ رضي الله عنه: وَاللَّهِ إِنِّي لأَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: 65].[16]
الزبير بن العوام متوكلا على الله
كان توكله على الله منطلق جوده وشجاعته وفدائيته، وحين كان يجود بروحه أوصى ولده عبد الله رضي الله عنه بقضاء ديونه قائلاً: " يا بُنَيِّ إنْ عَجَزْتَ عنْه في شَيءٍ، فَاسْتَعِنْ عليه مَوْلَايَ". فسأله عبد الله رضي الله عنه: "يا أَبَةِ مَن مَوْلَاكَ؟" فأجابه: "اللَّهُ"، نعم المولى ونعم النصير. يقول عبد الله رضي الله عنه فيما بعد: "فَوَاللَّهِ ما وقَعْتُ في كُرْبَةٍ مِن دَيْنِهِ، إلَّا قُلتُ: يا مَوْلَى الزُّبَيْرِ اقْضِ عنْه دَيْنَهُ، فَيَقْضِيهِ"[17].
الزبير بن العوام مع الخلفاء الراشدين:
انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راضٍ عن أصحابه ومن جملتهم الزبير بن العوام رضي الله عنه، وظلَّ الزبير على عهده مع خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان من قادة الجيوش في خلافة أبي بكر رضي الله عنه، فشارك في غزوة اليرموك التي كانت ضد الرُّومان، وحين رأى أكثر المقاتلين الذين كان على رأسهم يتقهقرون أمام جبال الروم الزاحفة، صاح هو: "الله أكبر"، واخترق تلك الجبال الزاحفة وحده، ضاربًا بسيفه، ثم قفل راجعًا وسط الصفوف الرهيبة ذاتها، حتى كتب الله النصر للمسلمين.
الزبير بن العوام وموقعة الجمل
بعد استشهاد عثمان بن عفان رضي الله عنه أتمَّ المبايعة الزبير وطلحة لعليٍّ رضي الله عنهم، وخرجوا إلى مكة معتمرين، ومن هناك خرجوا إلى البصرة للأخذ بثأر عثمان، وكانت وقعة الجمل عام 36هـ؛ طلحة والزبير رضي الله عنهما في فريق، وعليٌّ رضي الله عنه في الفريق الآخر.
وأقلع طلحة والزبير رضي الله عنهما عن الاشتراك في هذه الحرب، ولكن دفعا حياتهما ثمنًا لانسحابهما، ولقيا ربَّهما قريرة أعينهما بما قرَّرا.
[1] ((الطبقات الكبرى)) لابن سعد (3/100)، ((الاستيعاب لابن عبد البر على حاشية الإصابة)) (1/560)، ((الإصابة)) (1/526).
[2] ((فتح الباري)) (7/80).
[3] انظر: ((الاستيعاب على حاشية الإصابة)) (1/560-565)، ((الإصابة)) (1/526-528).
[4] سير أعلام النبلاء.
[5] عن هشام بن عروة قال: أسلم الزبير وهو ابن ست عشرة سنة، وقُتل وهو ابن بضع وستين سنة. رواه الطبراني: المعجم الكبير (238)، وقال الهيثمي: رواه الطبراني، وهو مرسل صحيح. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 9/151. وذكر آخرون أن عمر الزبير عند إسلامه كان ثماني سنوات؛ فعن أبي الأسود قال: أسلم الزبير بن العوام وهو ابن ثماني سنين. الطبراني: المعجم الكبير (240)، وقال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله ثقات إلا أنه مرسل. وانظر: محمد بن رزق بن طرهوني: صحيح السيرة النبوية 2/49، وحاشيتها رقم (522) 2/422. وعلى العموم فترجيح رواية هشام بن عروة في تحديد عمر الزبير عند إسلامه أوقع؛ لأن هشام هو حفيد الزبير، وهو أوثق بما يخصُّ جدَّه، والله أعلم.
[6] ((المستدرك للحاكم)) (3/360)، وانظر ((طبقات ابن سعد)) (3/102).
[7] ((المستدرك للحاكم)) (3/360)، وانظر ((طبقات ابن سعد)) (3/102).
[8] صحيح ابن ماجه.
[9] الإصابة لابن حجر (٢/٤٥٩)، وابن سعد في الطبقات (٣/٧١).
[10] رواه مسلم (2415). والحديث رواه بلفظه البخاري (7261).
[11] (الطبقات الكبرى) (3/103). قال ابن حجر في الإصابة (1/545): إسناده صحيح، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (6477): هذا إسناد صحيح كما قال الحافظ في الإصابة - ولكنه مرسل؛ لأن عروة -وهو: ابن الزبير- لم يدرك القصة.
[12] صحيح الترمذي.
[13] رواه البخاري (4077) واللفظ له، ومسلم (2418).
[14] رواه البخاري (3721).
[15] رواه الترمذي (3746) وقال: حديث حسن غريب من حديث حماد بن زيد، وقال الألباني في صحيح الترمذي: إسناده صحيح.
[16] البخاري: (2708).
[17] البخاري: (3129).
التعليقات
إرسال تعليقك