ملخص المقال
عبد الله بن عباس، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد أهم علماء المسلمين ومفسريها، لقب بترجمان القرآن وحبر الأمة والبحر، فما سيرته؟ وما أهم مواقفه
نسب ومولد عبد الله بن عباس
هو عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي الهاشمي، أبو العباس، الحبر البحر، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو الخلفاء[1]، أمُّه أمُّ الفضل لبابة بنت الحارث الهلاليَّة، وُلِد وبنو هاشم بالشِّعب قبل الهجرة بثلاث سنوات، وقيل بخمس، والأول أرجح، وكان له عند موت النبيِّ صلى اللَّه عليه وسلم ثلاث عشرة سنة[2]، وقيل غير ذلك؛ فعن عبد الله بن عباس قال: «قُبِضَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين مختون»[3]، وفي رواية: (وأنا ابن خمس عشرة سنة)[4]، وكان يُكنَّى أبا العباس، وهو حبر الأمَّة[5] وتُرجُمَان القرآن[6]، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: قال: «نَعَمْ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ»[7].
علم عبد الله بن عباس الغزير
دعا النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الل عنه فقال: "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ"[8]، "وعلّمهُ التَّأْوِيلَ"[9].
وعن ابن عباس رضي الله عنه، قال: «دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُؤتيني الله الحكمة مرَّتين»[10]. فكان يُسمَّى الحبر والبحر لكثرة علمه، وحدَّة فهمه[11]، فعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: كان ابن عباس قد فات الناس بخصال: بعلم ما سبقه، وفقه فيما احتيج إليه من رأيه، وحلم ونسب ونائل، وما رأيت أحدًا كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، ولا أعلم بقضاء أبي بكر، وعمر، وعثمان منه، ولا أفقه في رأيٍ منه، ولا أعلم بشعرٍ ولا عربيَّةٍ ولا بتفسير القران ولا بحسابٍ ولا بفريضةٍ منه، ولا أعلم بما مضى، ولا أثقب رأيًا فيما احتيج إليه منه، ولقد كان يجلس يومًا ما يذكر فيه إلَّا الفقه، ويومًا التأويل، ويومًا للمغازي، ويومًا الشعر، ويومًا أيَّام العرب، وما رأيت عالمـًا قط جلس إليه إلَّا خضع له، وما رأيت سائلًا قط سأله إلَّا وجد عنده علمًا[12].
وعن أبي صالح، قال: "لقد رأيت من ابن عباس مجلسًا لو أنَّ جميع قريش فخرت به لكان لها فخرًا، لقد رأيت الناس اجتمعوا حتى ضاق بهم الطريق، فما كان أحدٌ يقدر على أن يجيء ولا يذهب"[13].
وعن الشعبي رحمه الله قال: قيل لابن عباس رضي الله عنه: أنِّي أصبت هذا العلم؟ قال: بلسانٍ سئول، وقلبٍ عقول. وثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّه كان يُجلس ابن عباس مع مشايخ الصحابة ويقول: نِعْمَ تُرجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، وكان إذا أقبل يقول عمر رضي الله عنه رضي الله عنه: جاء فتى الكهول، وذو اللسان السئول، والقلب العقول[14].
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يُدني ابن عباس، فقال له عبد الرحمن بن عوف: إنَّ لنا أبناء مثله، فقال: إنَّه من حيث تعلم، فسأل عمرُ ابنَ عباسٍ عن هذه الآية، {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ} [النصر: 1]، فقال: «أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه إيَّاه» قال: ما أعلم منها إلَّا ما تعلم[15].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا دعا الأشياخ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دعاني معهم، فدعانا ذات يومٍ أو ذات ليلةٍ فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر ما قد علمتم، فالتمسوها في العشر الأواخر، ففي أيِّ الوتر ترونها؟ فقال بعضهم: تاسعه، وقال بعضهم: سابعه وخامسه وثالثه، فقال: ما لَكَ يا ابن عباس لا تتكلَّم؟ قلت: إن شئت تكلَّمت، قال: ما دعوتك إلَّا لتكلم، فقال: أقول برأي، فقال: عن رأيك أسألك، فقلت: إنِّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله تبارك وتعالى أكثر ذكر السبع فقال: السماوات سبع، والأرضون سبع"، وقال: {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 26 - 31]؛ فالحدائق ملتفٌّ وكلُّ ملتفٍّ حديقة، والأب ما أنبتت الأرض ممَّا لا يأكل الناس". فقال عمر رضي الله عنه: أعجزتم أن تقولوا مثل ما قال هذا الغلام الذي لم تستوِ شئون رأسه؟ ثم قال: إنِّي كنتُ نهيتك أن تكلَّم، فإذا دعوتك معهم فتكلَّم[16].
وقال الأوزاعي قال عمرُ لابن عباس رضي الله عنهما: إنَّك لأصبح فتياننا وجهًا، وأحسنهم عقلًا، وأفقهم في كتاب الله عز وجل.
وعن عطاء بن يسار أنَّ عمر وعثمان رضي الله عنهما كانا يدعوان ابن عباس رضي الله عنه فيسير مع أهل بدر، وكان يفتي في عهد عمر وعثمان رضي الله عنهما إلى يوم مات[17].
وقد كان ابن عباس رضي الله عنه من الصحابة المكثرين في رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى رضي الله عنه 1696 حديثًا[18].
عبد الله بن عباس وليلة في بيت النبي
عبد الله بن عباس، عن أبيه، قال: أمرني العباس رضي الله عنه قال: بتُّ بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فانطلقتُ إلى المسجد، فصلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة حتى لم يبقَ في المسجد أحدٌ غيره، قال: ثم مرَّ بي، فقال: «من هذا؟» فقلت: عبد الله، قال: «فمه» قلت: أمرني أبي أن أبيت بكم الليلة، قال: «فالحق» فلمَّا دخل، قال: «افرشوا لعبد الله» قال: فأتيت بوسادةٍ من مسوح، قال: وتقدم إلي العباس أن لا تنامنَّ حتى تحفظ صلاته، قال: فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنام حتى سمعت غطيطه، قال: ثم استوى على فراشه فرفع رأسه إلى السماء فقال: «سبحان الملك القدوس» ثلاث مرَّات، ثم تلا هذه الآية من آخر سورة آل عمران حتى ختمها {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190]، ثم قام فبال، ثم استنَّ بسواكه، ثم توضَّأ ثم دخل مصلَّاه فصلَّى ركعتين ليستا بقصيرتين ولا طويلتين، قال: فصلَّى ثم أوتر فلمَّا قضى صلاته سمعته يقول: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي لِسَانِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَاجْعَلْ عَنْ يَمِينِي نُورًا، وَاجْعَلْ عَنْ شِمَالِي نُورًا، وَاجْعَلْ أَمَامِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ أَسْفَلَ مِنِّي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي يَوْمَ لِقَائِكَ نُورًا، وَأَعْظِمْ لِي نُورًا»[19].
تربية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس
وقد كان ابن عباس رضي الله عنه من الغلمان المحببين والمقربين للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد حظي باهتمام كبير في صغره منه صلى الله عليه وسلم، وقد أثر ذلك بالطبع على بناء شخصيته وتكوين فكره وعلمه، فعن ابن عباسٍ رضي اللّه عنهما قال: أنه ركب خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يَا غُلَامُ إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ. احْفَظِ اللَّهِ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ. وَإِذَا سَأَلْتَ فَسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ. رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ»[20].
حرص ابن عباس على اتباع سنة رسول الله
لقد كان ابن عباس رضي الله عنهما أحرص الناس على تطبيق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان الصحابة رضوان الله عليهم والحرص يكون أزيد كلما كان المرء أكثر قهًا ودرايةً بالدين وبسنة رسول العالمين صلى الله عليه وسلم؛ فعنه رضي الله عنه أنَّه طاف مع معاوية رضي الله عنه بالبيت، فجعل معاوية رضي الله عنه يستلم الأركان كلَّها، فقال له ابن عباسٍ رضي الله عنهما: «لم تستلم هذين الركنين؟ ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما»، فقال معاوية رضي الله عنه: ليس شيءٌ من البيت مهجورًا، فقال ابن عباسٍ رضي الله عنه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، فقال معاوية رضي الله عنه: صدقت[21].
ذكاء وبدهيَّة ابن عباس
لاشك أن كلما ازداد علم الإنسان زادت فطنته وحدَّ ذكاءه وصار ذا كياسة وحكمة، فما بالنا بمن تعلم على يد النبي بل ودعا له بالتفقه والتبحر فيه، فلا شك أنه من أكثر الناس حكمة، ولا أدلَّ على ذلك ممَّا رواه ابن عباس نفسه عن موقفه مع الخوارج الحرورية؛ حيث قال رضي الله عنه:
«لَمَّا اعْتَزَلت الْحَرُورِيَّةَ فَكَانُوا فِي دَارٍ عَلَى حِدِّتِهِمْ فَقُلْتُ لِعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَبْرِدْ عَنِ الصَّلَاةِ لَعَلِّي آتِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فَأُكَلِّمَهُمْ، قَالَ: إِنِّي أَتَخَوَّفُهُمْ عَلَيْكَ. قُلْتُ: كَلَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ: فَلَبِسْتُ أَحْسَنَ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْيَمَانِيَّةِ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ قَائِلُونَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ أَرَ قَوْمًا قَط أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُمْ، أَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا ثَفِنُ الْإِبِلِ، وَوُجُوهُهُمْ مُعَلَّمَةٌ مِنْ آثَارِ السُّجُودِ، قَالَ: فَدَخَلْتُ فَقَالُوا: مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ مَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: جِئْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ نَزَلَ الْوَحْيُ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُحَدِّثُوهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَاللَّهِ لَنُحَدِّثَنَّهُ، قَالَ: قُلْتُ: أَخْبِرُونِي مَا تَنْقُمُونَ عَلَى ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَتَنِهِ وَأَوَّلِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ؟ قَالُوا: نَنْقُمُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا هُنَّ؟ قَالُوا: أَوَّلُهُنَّ أَنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57]، قَالَ: قُلْتُ: وَمَاذَا قَالُوا: وَقَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ لَئِنْ كَانُوا كُفَّارًا لَقَدْ حَلَّتْ لَهُ أَمْوَالُهُمْ وَلَئِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ لَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ دِمَاؤُهُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَمَاذَا قَالُوا: مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ أَمِيرُ الْكَافِرِينَ. قَالَ: قُلْتُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَرَأْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ الْمُحْكَمِ وَحَدَّثْتُكُمْ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَا تُنْكِرُونَ، أَتَرْجِعُونَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُكُمْ: "حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي دِينِ اللَّهِ"؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] إِلَى قَوْلِهِ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] وَقَالَ فِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء: 35] أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَحْكُمُ الرِّجَالِ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ أَحَقُّ أَمْ فِي أَرْنَبٍ ثَمَنُهَا رُبْعُ دِرْهَمٍ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ بَلْ فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ، قَالَ: أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: "إِنَّهُ قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ"؛ أَتَسْبُونَ أُمَّكُمْ عَائِشَةَ أَمْ تَسْتَحِلُّونَ مِنْهَا مَا تَسْتَحِلُّونَ مِنْ غَيْرِهَا فَقَدْ كَفَرْتُمْ، وَإِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ أُمَّ الْمُؤْمِنِينِ فَقَدْ كَفَرْتُمْ وَخَرَجْتُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ؛ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]. فَأَنْتُمْ مُتَرَدِّدُونَ بَيْنَ ضَلَالَتَيْنِ فَاخْتَارُوا أَيَّتَهُمَا شِئْتُمْ، أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: "مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ"؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا، فَقَالَ: «اكْتُبْ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ». فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: "وَاللَّهُ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ يَا عَلِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ". فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ». «فرجع منهم عشرون ألفًا، وبقي منهم أربعة آلاف فقُتِلوا»[22].
من أقوال ابن عباس
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا أتيت سلطانا مهيبًا تخاف أن يسطو بك فقل: الله أكبر، الله أكبر من خلقه جميعًا، الله أعزُّ ممَّا أخاف وأحذر، أعوذ بالله الذي لا إله إلا هو، الممسك السماوات السبع أن تقعن على الأرض إلَّا بإذنه، من شرِّ عبدك فلان وجنوده، وأتباعه من الجنِّ والإنس، إلهي كن لي جارًا من شرِّهم، جلَّ ثناؤك، وعزَّ جارك، وتبارك اسمك، ولا إله غيرك (ثلاث مرَّات)"[23].
وله أقوالٌ كثيرةٌ في الحكمة والنصيحة منها: «خذ الحكمة ممَّن سمعتَ؛ فإنَّ الرجل يتكلم بالحكمة وليس بحكيم فتكون كالرَّمِيَّة خرجت من غير رام»[24].
وفاة عبد الله بن عباس
تُوفي عبد الله بن العباس رضي الله عنه بالطائف سنة ثمانٍ وستِّين هجريًّا[25]، وهو الأشهر عند المؤرخين، وقيل: سنة أربعٍ وستِّين[26]، وقيل: سنة خمسٍ وستِّين[27]، وقيل: سنة سبعين[28]، وقيل: سنة أربعٍ وسبعين[29]، وكان عمره عند وفاته إحدى وسبعين سنة[30]، وهو الراجح، وقيل: سبعين سنة[31]، وقيل: اثنتين وسبعين سنة[32]. وقيل: أربعٍ وسبعين[33]. وصلى عليه محمد ابن الحنفية، وكبَّر عليه أربعًا، وقال: اليوم مات ربَّانِّيُّ هذه الأمَّة. وضرب على قبره فسطاطًا[34].
[1] صلاح الصفدي: نكث الهميان في نكت العميان، تعليق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1428هـ- 2007م، ص160.
[2] ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1415هـ، 4/122.
[3] أحمد (3358)، والطبراني (10597).
[4] صهيب عبد الجبار: الجامع الصحيح للسنن والمسانيد، 24/192.
[5] البلاذري: أنساب الأشراف، تحقيق: سهيل زكار ورياض الزركلي، دار الفكر، بيروت، الطبعة: الأولى، 1417هـ- 1996م، 4/27.
[6] ابن سعد: الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1410هـ= 1990م، 2/279، ويعقوب الفسوي: المعرفة والتاريخ، تحقيق: أكرم ضياء العمري، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1401هـ= 1981م، 1/495.
[7] الحاكم (6291)، وقال: هذا حديثٌ صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرِّجاه، تعليق الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم.
[8] البخاري: كتاب الوضوء، باب وضع الماء عند الخلاء (143)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، (2477).
[9] أحمد (2397)، وقال: شعيب الأرناءوط: إسناده قوي على شرط مسلم، وابن حبان (7055)، قال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط مسلم، والحاكم (6280)، وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرِّجاه، تعليق الذهبي في التلخيص: صحيح.
[10] الترمذي: كتاب، الْمَنَاقِبِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَابُ مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (3823)،
[11] أبو نعيم الأصبهاني: معرفة الصحابة، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، دار الوطن للنشر، الرياض، الطبعة الأولى 1419هـ= 1998م، 3/1699، 1700.
[12] ابن سعد: الطبقات الكبرى، 2/281.
[13] الحاكم (6293)، تعليق الذهبي في التلخيص: سكت عنه الذهبي في التلخيص.
[14] ابن كثير: البداية والنهاية، دار الفكر، 1407هـ= 1986م، 8/299.
[15] البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام (3428).
[16] الحاكم (6297)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، تعليق الذهبي في التلخيص: صحيح.
[17] ابن كثير: البداية والنهاية، 8/299.
[18] محمد آدم الإتيوبي: شرح أَلْفِيَّةِ السُّيوطي في الحديث المسمى «إسعاف ذوي الوَطَر بشرح نظم الدُّرَر في علم الأثر»، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية.
الطبعة: الأولى، 1414هـ= 1993م، 2/185.
[19] الحاكم في المستدرك (6286) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. تعليق الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم.
[20] مسند أبي يعلى (2556). قال حسين سليم أسد: إسناده صحيح.
[21] أحمد (1876). قال الأناءوط: حسنٌ لغيره.
[22] عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه (18678)، والطبراني في المعجم الكبير (10598)، ويعقوب الفسوي: المعرفة والتاريخ، 1/522- 524.
[23] الطبراني في المعجم الكبير (10621).
[24] البيهقي (843).
[25] أبو جعفر الطبري: المنتخب من ذيل المذيل، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، ص28، وأبو نعيم الأصبهاني: معرفة الصحابة، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، دار الوطن للنشر، الرياض، الطبعة الأولى 1419هـ= 1998م، 3/1700، والقرطبي: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت الطبعة الأولى، 1412هـ= 1992م، 3/934.
[26] سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، دار الرسالة العالمية، دمشق، سوريا، الطبعة: الأولى، 1434هـ= 2013م، 8/457.
[27] الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1/525.
الطبعة: الأولى، 1422هـ= 2002م.
[28] أبو نعيم الأصبهاني: معرفة الصحابة، 3/1700.
[29] سبط ابن الجوزي: مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، 8/ 457.
[30] أبو جعفر الطبري: المنتخب من ذيل المذيل، ص28، والقرطبي: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، 3/934، وسبط ابن الجوزي: مرآة الزمان في تواريخ الأعيان،8/457، والصفدي: الوافي بالوفيات، تحقيق: أحمد الأرناءوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث، بيروت، 1420هـ= 2000م، 17/122.
[31] القرطبي: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، 3/934، والصفدي: الوافي بالوفيات، 17/122.
[32] أبو جعفر الطبري: المنتخب من ذيل المذيل، ص28.
[33] أبو جعفر الطبري: المنتخب من ذيل المذيل، ص28، والقرطبي: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، 3/934.
[34] القرطبي: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، 3/934، والصفدي: الوافي بالوفيات، 17/122.
التعليقات
إرسال تعليقك