ملخص المقال
جابر بن عبد الله، كان ممن أسلم مبكرا، وهو أحد الستة الذين شهدوا العقبة، غزا مع رسول الله تسع عشرة غزوة، ولم يشهد بدرا ولا أحدا، فما أثر الرسول في تربيته؟
جابر عبد الله مِنْ أعلامِ السُّنَّةِ النَّبويَّةِ، وثاني الأنصارِ رِوايةً عن رسولِ اللهِ ﷺ بعدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه. روى علمًا كثيرًا عن رسولِ اللهِ ﷺ، وروى كذلك عن أَبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ، وعَلِيٍّ، وأَبِي عُبَيْدَةَ، ومُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، والزُّبَيرِ، وطَائِفَةٍ، رضي الله عنهم.
نسب جابر بن عبد الله
هو الإمام الكبير، المجتهد، الحافظ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم[1]، جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام[2]الأنصاري السلمي[3] من بني سلمة بن الخزرج[4]، يكنى أبا عبد الله[5]، وقيل: أَبُو عبد الرحمن[6]، وقيل: أبو محمد[7]، والأول أصح[8]، وأمه أنيسة[9]، أونسيبة[10] بنت عقبة بن عدي[11]، وتجتمع هي وأبوه في حرام[12]، وأبوه عبد الله بن عمرو بن حرام الصحابي الجليل الذي استشهد في غزوة أُحد[13]، وهو من السابقين في الإسلام[14]، شهد بيعة الرضوان[15]، وشهد العقبة الثانية مع أبيه وهو صبي[16]، وكان من المكثرين الحفاظ للسنن[17]، وأحد المكثرين عن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، وروى عن النبي وأبي بكر وعمر وعلي[18]، وروى عنه جماعة من الصّحابة[19]وأولاده محمد وعقيل[20]، وله ألف وخمسمائة وأربعون حديثًا اتفقا على ثمانية وخمسين، وانفرد البخاري بستة وعشرين، ومسلم بمائة وستة وعشرين[21]، وكانت له حلقة في المسجد النبوي يعلم فيها الناس ويفقههم في دينهم[22].
رواية جابر عبد الله للحديث وتأثيره في السُّنَّةِ النَّبويَّة
اجتهد جَابِرٌ في جمعِ الحديثِ بشكلٍ متفرِّدٍ، ويكفي للدلالةِ على جهدِه في جمعِ السُّنَّةِ النَّبويَّةِ أَنْ نذكر أنَّه ارتحل مِنَ المدينةِ إلى الشَّامِ مِنْ أجلِ تحصيلِ حديثٍ واحدٍ لرسولِ اللهِ ﷺ! يقول جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، رضي الله عنه: بَلَغَنِي حَدِيثٌ عَنْ رَجُلٍ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَاشْتَرَيْتُ بَعِيرًا، ثُمَّ شَدَدْتُ عَلَيْهِ رَحْلِي، فَسِرْتُ إِلَيْهِ شَهْرًا، حَتَّى قَدِمْتُ عَلَيْهِ الشَّامَ فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ رضي الله عنه، فَقُلْتُ لِلْبَوَّابِ: قُلْ لَهُ: جَابِرٌ عَلَى الْبَابِ. فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ اللهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَخَرَجَ يَطَأُ ثَوْبَهُ فَاعْتَنَقَنِي، وَاعْتَنَقْتُهُ، فَقُلْتُ: حَدِيثًا بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي الْقِصَاصِ، فَخَشِيتُ أَنْ تَمُوتَ، أَوْ أَمُوتَ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَهُ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ...»[23]، وذكر حديثًا في القصاص يوم القيامة.
عاش جَابِرٌ رضي الله عنه جُلَّ حياتِه بالمدينةِ، وكان -إلى جوار عَائِشَةَ، وابْنِ عُمَرَ،رضي الله عنه- مِنْ كبارِ المُفْتِين بها؛ لذا قدَّم الذَّهَبِيُّ ترجمتَه بقولِه: «الإمامُ الكبيرُ، المجتهدُ، الحافظُ»[24].
نَقَلَ جَابِرٌ رضي الله عنه السُّنَّةَ إلى كثيرٍ مِنَ التَّابعين، وكان مِنْ أهمِّهم مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، وأَبُو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ، ومُحَمَّدٌ الْهَاشِمِيُّ، وأَبُو سُفْيَانَ الْوَاسِطِيُّ، وسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، ومُجَاهِدٌ، والشَّعْبِيُّ، ومُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ، وكثيرٌ غيرهم. -أيضًا- رحل جَابِرٌ رضي الله عنه في آخرِ عمرِه إلى مكَّةَ لبعضِ الأحاديثِ، وهناك نقل علمَه لعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، فسَاعَدَ ذلك على اتِّساعِ دائرةِ فائدتِه. تُوفِّي رضي الله عنه -على الأغلبِ- سنةَ أربعٍ وسبعين مِنَ الهجرةِ- بعد عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ب بقليلٍ- وكان عُمْرُه أربعًا وتسعين سنةً[25].
جهاد جابر بن عبد الله
شهد كلَّ غزواتِ الرَّسولِ ﷺ خلا غزوةَ أُحُدٍ [26]، ولم يُقاتل في بدرٍ إنَّما كان يعمل في سقايةِ الجيشِ[27].
أقبل جابر بن عبد الله رضي الله عنه على الجهاد من أول فرصة واتته، فقد شهد كلَّ غزواتِ الرَّسولِ ﷺ خلا غزوةَ أُحُدٍ [28]، ولم يُقاتل في بدرٍ إنَّما كان يعمل في سقايةِ الجيشِ[29]. ولقد منعه أبوه من الخروج[30]، ولما استشهد أبوه في غزوة أُحد بادر إلى الخروج إلى الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن جابر قال: "فَلَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى غَزْوَةٍ قَطُّ"[31].
وقد كان لجابر رضي الله عنه باع طويل في الجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقيل: أنه غزا اثنتا عشرة غزوة[32]، وقيل: ست عشرة غزوة[33]، وقيل: غزا ثماني عشرة غزوة[34]، ولكن الصحيح ما ذكره مسلم عن جابر أنه قال: "غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً"[35]. هذا. وذُكر أن جابر شهد صفين مع علي رضي الله عنه[36].
وفاة جابر بن عبد الله
كُفّ بصره رضي الله عنه في آخر عمره[37]، ومات بالمدينة[38]، وقيل بمكة[39]، وقيل بقباء[40]، سنة ثمان وسبعين[41]، وقيل سنة تسع[42]، وقيل سبع[43]، وقيل أربع[44]، وقيل ثلاث[45]، وقيل اثنتين[46]، وقيل: مات سنة ثمان وستين[47]، وهو يومئذ ابن أربع وتسعين سنة[48]، وقيل: صلى عليه أبان بن عثمان[49].
________________________________________
[1] الذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1405هـ= 1985م، 3/ 189.
[2] خليفة بن خياط: طبقات خليفة بن خياط، رواية: أبي عمران موسى بن زكريا، محمد بن أحمد بن محمد الأزدي، تحقيق: سهيل زكار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1414هـ= 1993م، ص172.
[3] البخاري: التاريخ الأوسط (مطبوع خطأ باسم التاريخ الصغير)، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، مكتبة دار التراث، حلب، القاهرة، الطبعة الأولى، 1397هـ= 1977م، 1/ 193.
[4] البغوي: معجم الصحابة، المحقق: محمد الأمبن بن محمد الجكني، مكتبة دار البيان، الكويت، الطبعة الأولى، 1421ه= 2000م، 1/439.
[5] خليفة بن خياط: طبقات خليفة بن خياط، ص172، والدينوري: المعارف، تحقيق: ثروت عكاشة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، الطبعة الثانية، 1992م، ص307.
[6] ابن عساكر: تاريخ دمشق، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1415هـ= 1995م، 11/ 212، وابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة، تحقيق: علي محمد معوض، عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1415هـ= 1994م، 1/492.
[7] ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1415هـ، 1/ 546، والسيوطي: سعاف المبطأ برجال الموطأ، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ص7، ومحمد آدم الإتيوبي: شرح أَلْفِيَّةِ السُّيوطي في الحديث المسمى «إسعاف ذوي الوَطَر بشرح نظم الدُّرَر في علم الأثر»، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1414هـ= 1993م، 1/ 34.
[8] ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة، 1/492.
[9] خليفة بن خياط: طبقات خليفة بن خياط، ص172، وابن عساكر: تاريخ دمشق، 11/ 212، والحاكم، أبو أحمد: الأسامي والكنى، تحقيق: يوسق بن محمد الدخيل، دار الغرباء الأثرية بالمدينة، الطبعة الأولى، 1994م، 5/ 286.
[10] ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى، 1412هـ= 1992م، 1/ 220، وابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة، 1/492.
[11] خليفة بن خياط: طبقات خليفة بن خياط، ص172، وابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، 1/ 220، وابن عساكر: تاريخ دمشق، 11/ 212، وابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة، 1/492، والحاكم، أبو أحمد: الأسامي والكنى، 5/ 286.
[12] ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة، ، 1/492.
[13] ابن السائب الكلبي: نسب معد واليمن الكبير، المحقق: ناجي حسن، عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية، الطبعة الأولى، 1408هـ =1988م، 1/426، والبغوي: معجم الصحابة، 4/51.
[14] ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب في أخبار من ذهب، تحقيق: محمود الأرناؤوط، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى، 1406هـ= 1986م، 1/ 319.
[15] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 3/ 189، وابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب في أخبار من ذهب، 1/ 319.
[16] ابن الأثير: أسد الغابة في معرفة الصحابة، 1/ 492.
[17] ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الصحاب، 1/220.
[18] السيوطي: سعاف المبطأ برجال الموطأ، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ص7.
[19] ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة، 1/ 546.
[20] السيوطي: سعاف المبطأ برجال الموطأ، ص7.
[21] محمد آدم الإتيوبي: شرح أَلْفِيَّةِ السُّيوطي في الحديث المسمى «إسعاف ذوي الوَطَر بشرح نظم الدُّرَر في علم الأثر»، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة - المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1414هـ= 1993م، 1/ 34.
والكنى، 5/ 338.
[22] وابن عساكر: تاريخ دمشق، 11/ 233، وابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة، 1/ 546.
[23] أحمد (16085)، وقال الهيثمي: رجاله وُثِّقُوا. انظر: المجمع، 10/346، والحاكم (3638)، وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
[24] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 3/189.
[25] ابن الأثير أبو الحسن: أسد الغابة، 1/492.
[26] ابن الأثير أبو الحسن: أسد الغابة، 1/492.
[27] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 3/191.
[28] ابن الأثير أبو الحسن: أسد الغابة، 1/492.
[29] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 3/191.
[30] ابن هشام: السيرة النبوية لابن هشام، 2/101.
[31] مسلم: (1813).
[32] علاء الدين مغلطاي: إكمال تهذيب الكمال، تحقيق: أبو عبد الرحمن عادل بن محمد - أبو محمد أسامة بن إبراهيم، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1422هـ= 2001 م، 3/ 132.
[33] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 3/ 191.
[34] الحاكم، أبو أحمد: الأسامي والكنى، 5/ 338.
[35] مسلم: (1813).
[36] ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، 1/ 220.
[37] الدينوري: المعارف، ص307، وابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الصحاب، 1/220.
[38] الدينوري: المعارف، ص307، والطبري: تاريخ الطبري، دار التراث، بيروت، الطبعة الثانية، 1387ه، 11/ 526، وابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، 1/ 220، وابن عساكر: تاريخ دمشق، 11/ 214، وابن الأثير: أسد الغابة، 1/ 492.
[39] السيوطي: إسعاف المبطأ برجال الموطأ، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ص7.
[40] السيوطي: إسعاف المبطأ برجال الموطأ، ص7.
[41] خليفة بن خياط: طبقات خليفة بن خياط، ص172، والدينوري: المعارف، ص307، والطبري: تاريخ الطبري، 11/ 526، وابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، 1/ 220، وابن عساكر: تاريخ دمشق، 11/ 212، والذهبي: تاريخ الإسلام، 2/ 801.
[42] ابن عساكر: تاريخ دمشق، 11/ 238.
[43] ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، 1/ 220، وابن عساكر: تاريخ دمشق، 11/ 214، وابن الأثير: أسد الغابة، 1/ 492، والذهبي: تاريخ الإسلام، 2/ 801.
[44] ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، 1/ 220، وابن الأثير: أسد الغابة، 1/ 492.
[45] ابن عساكر: تاريخ دمشق، 11/ 212.
[46] وابن عساكر: تاريخ دمشق، 11/ 238.
[47] علاء الدين مغلطاي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، 4/ 453.
[48] الدينوري: المعارف، ص307، والطبري: تاريخ الطبري، 11/ 526، وابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، 1/ 220، وابن عساكر: تاريخ دمشق، 11/ 214، وابن الأثير: أسد الغابة، 1/ 492، والذهبي: تاريخ الإسلام، 2/ 801.
[49] الدينوري: المعارف، ص307، والطبري: تاريخ الطبري، 11/526، وابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، 1/ 220، وابن عساكر: تاريخ دمشق، 11/ 238، وابن الأثير: أسد الغابة،1/ 492.
التعليقات
إرسال تعليقك