الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
تعتبر حمامات قصر الحمراء في غرناطة وبخاصة حمام قصبة الحمراء علامة بارزة على ما وصلت إليه حضارة الأندلس من رقي، فما ملامحها العمرانية؟
امتازت مدينة غرناطة بمعالم حضاريَّة عديدة من بينها الحمَّامات؛ إذ كانت حمامات غرناطة علامة بارزة على ما وصلت إليه حضارة الأندلس من رقيٍّ وتقدُّم، كما أنَّ قصر الحمراء بغرناطة واحدٌ من أروع القصور في تاريخ العمارة الإسلامية، ومن أعظم وأروع الآثار الأندلسيَّة في الحضارة الإسلامية، وقد امتاز بحمَّامته التي ما زالت تشدُّ انتباه السائحين من الشرق والغرب، وبرز من بين تلك الحمَّامات حمام غرناطة البانويلو El Bañuelo، وحمَّام قصبة الحمراء.
تصميم حمامات قصر الحمراء
قاعة الأَسِرَّة
بُنيت حمَّامات قصور الحمراء إلى الشرق من قصر قمارش، باتِّباع نموذج الحمامات الحرارية الرومانية، وهكذا فإنَّ قاعة الأَسِرَّة هي أول غرفةٍ نجدها عند دخول الحمامات، وهي مكانٌ لخلع الملابس قبل دخول الحمَّام، ويوجد بها مكانٌ مربَّعٌ في الوسط، محدَّدٌ بأعمدة، حيث نجد به نافورةً وممرَّات حولها، ونجد -أيضًا- مكانًا مفتوحًا في الطابق العلوي.
نجد على الجوانب أَسِرَّة مخصَّصة للراحة بعد الحمَّام ببلاطٍ ملون، تعود كلُّ الزخرفة الموجودة للعصر المسيحي؛ حيث إنَّه بالنظر إلى الحالة السيِّئة التي وصلت لها الحمَّامات على مر العصور، اضطرُّوا إلى تجديدها وإعادة بناءها عدَّة مرَّات.
يُمكننا أن نجد في الطابق العلوي قاعةً صغيرةً بدرعٍ من العقد على الطراز الإسلامي الأندلسي، وتحتوي أقواسه على نقوشٍ وزخارف تعود لمنتصف القرن (الخامس عشر ميلاديًّا= التاسع هجريًّا).
باقي القاعات اعتيادية للغاية؛ فلا يوجد بها زخارف على الجدران، وبأرضيَّةٍ من الرخام، وعوارض حائط عاديَّة جدًّا من الزليج، وأقواس حدوية دون زينة، وقباب بفوانيس على شكل نجوم، التي كانت تُغلق بواسطة زجاج ملوَّن حيث كانت تُستخدم لإضاءة الغرفة.
القاعة الباردة
القاعة التالية أو ما تُسمَّى بالقاعة الباردة، نجدها عكس تلك القاعة التي كانت موجودة في الحمامات الحرارية الرومانية؛ ففي الحمامات العربيَّة استُبدل المسبح بحوضٍ من الماء البارد، والقاعة المركزيَّة هي القاعة المعتدلة، وتتَّصل بالقاعات الأخرى من خلال أقواس أقل من نصف دائرية، ومنها نصل إلى قاعة البخار التي كانت تُعدُّ القاعة الساخنة في الحمام.
قاعة البخار الساخنة
حيث كان يوجد بها قدرٌ من النحاس يُستخدم لتسخين الماء، الذي كان يجري في ممرَّاتٍ تحتيَّة من أجل تسخين تلك الغرفات، ومع ذلك يُمكننا إيجاد الأنبوبة التي كان يخرج منها الماء الساخن في مشكاةٍ من الزليج توجد في قلب القاعة.
من هذه القاعة نعود بطريقةٍ عكسيَّةٍ حتى نصل إلى قاعة خلع الملابس؛ حيث يُمكننا الحصول على حماَّمٍ بتدرُّجٍ رائعٍ في درجات حرارة. وفي الحقيقة، فإنَّ هذا الترتيب لحمَّامات الحمراء لم يكن مقتصرًا فقط على حمَّامات الحمراء؛ بل كان شائعًا في الحمَّامات العربيَّة.
حمام قصبة الحمراء
تُعتبر القصبة والأبراج الحمراء أقدم جزءٍ في مدينة الحمراء بغرناطة، وقد أُرَّخ أوَّل خبرٍ عن وجود قصبة غرناطة في القرن (التاسع الميلادي=الثالث الهجري)؛ حيث يُفترض أنَّها بُنيت بواسطة سوار بن حمدون أثناء الصراع بين العرب والمولدين، والقصبة هي القلعة التي يحتمي بها حاكم المدينة، وتعود المجموعة الحاليَّة للقصبة للسلطان محمد الأوَّل مؤسِّس دولة بني نصر بالأندلس (محمد بن يوسف بن نصر بن الأحمر المعروف بابن الأحمر (595-671هـ=1199-1273م)، الذي أقام أسوارًا للحصن الداخلي، وأقام الدفاعات وشيَّد ثلاث أبراج جديدة هي: المهدوم، وبرج التكريم وبرج الحراسة)، التي حوَّل بها القصبة إلى قلعةٍ حقيقيَّةٍ حيث كانت الإقامة الملكيَّة للحاكم، وقد احتفظت القصبة بالوظيفة نفسها في عهد ابنه محمد الثاني -الفقيه النصري محمد بن محمد بن يوسف بن نصر (633-701هـ=1236-1302م)- حتى الانتهاء من تشييد القصور، ومنذ ذلك الوقت بقيت القصبة قلعة ذات طابعٍ عسكريٍّ خالص.
تاريخ بنائه
شُيِّد حمام قصبة الحمراء في القرن (الثالث عشر الميلادي=السابع الهجري) وبالضبط سنة (1240م=638هـ)؛ ليُشكل بذلك أقدم بنايات الحمراء تشييدًا، تمَّ البناء في عهد محمد الأول الغالب بالله، حيث تمَّ استغلال توفُّر المكان على صهريجٍ بشكلٍ مسبق، ليُوضع تحت تصرُّف الثكنة العسكريَّة بالقصبة؛ أي الجند الذين عاشوا بثكنة القصبة العسكرية.
موقعه
يتمركز الحمَّام بالقصبة، وهي فضاءٌ عسكريٌّ محصَّنٌ بأسوارٍ وبناياتٍ دفاعيَّةٍ وأبراج، واعتبرت في عهد محمد الأول قلعةً ومكانًا مخصَّصًا -أيضًا- للإقامة الملكية.
الوصف المعماري للحمام
شُيِّيد حمَّام قصبة الحمراء على مستوى أرضي منخفض مقارنةً بساحة القصبة؛ لضمان توفُّره على درجة حرارةٍ ملائمة، بحيث أنَّ سقف الحمام وفتحاته الزجاجية المختفية حاليًّا شُيِّدَت لتُوازي مستوى أرضيَّة ساحة القصبة، قد تكون آثار الحمام متهالكة وخجولة ولكنَّها كفيلة بأن تمنحك إذنًا للركض بالمخيِّلة إلى الشكل الذي كان عليه الحمَّام بالسابق؛ طابقٌ متَّصل بالسماء في فضاءٍ ممتلئٍ بريحٍ صافرة، وجسدٌ مصنوعٌ من ترابٍ وصخر، وحطام ومرافق عارية حتى بدى عُريها بالعار ملتصقًا.
يتبع حمام القصبة نفس تصميم حمام البانيويلو (قاعات متساوية متشابهة داخل بناء مستطيل الشكل)، ويقع بالجدار الشمالي الذي يعزل ساحة الأسلحة عن القصبة، ويتم ولوجه بالمرور عبر الشارع الرئيس الذي يعبر ساحة القصبة بجانب برج الحراسة، وذلك بالنزول عبر منحدر مدرَّجٍ مائلٍ ضيِّق، كأنَّه علامة استفهامٍ تسأل عن بقايا القاعة الأولى الأكثر برودة، التي اختفت آثارها بشكلٍ شبه كلِّي.
بالإضافة إلى القاعة الباردة، يتكوَّن الحمَّام من مستودع ملابس مقسَّمٍ لجزئين، ومن مرحاض، وقاعةٍ معتدلة الحرارة ذات مساحةٍ خجولة؛ ويرجع ذلك لأعمالٍ إصلاحيَّةٍ تمَّ على إثرها الاستغناء عن جزءٍ من الصحن الجنوبي الخاص بالغرفة، وتعتبر القاعة الساخنة الأكبر من حيث المساحة، شكلها مستطيل، واحتوت على خزانين للمياه جفَّ دمعهما بعد أن كانا للحمَّام مرسى وشط، يتوسَّط خزَّاني المياه بقايا فم مرجلٍ أسيرٍ بين صخور، مرجل راكد مظلم صامت موحش مبهم.
يبدو أنَّ حيطان الحمام كانت مدهونةً بالأحمر؛ وذلك لمنح إحساسٍ أكبر بالدفء والسخونة، كما يحتوي الفضاء المخصَّص للخدمة على مخزنٍ للحطب، يمرُّ عبره سلَّمٌ يُؤدِّي للسقف اعتاد موظَّفي الحمام المرور عبره للسقف؛ من أجل فتح أو إقفال فتحاته بقطع زجاجية، والتحكم بدرجة تكاثف البخار، وزُوِّد صهريج الحمام بمياه الأمطار قبل أن يتمَّ تعويضها لاحقًا بمياه ساقية الحمراء.
________________
المصدر:
- الموقع الرسمي لقصر الحمراء على الإنترنت.
- حمام قصبة الحمراء، موقع أندلسي.
التعليقات
إرسال تعليقك