الرسول
صلى الله عليه وسلم
في
مكة أطهر بقاع الأرض أضاء الكون لـميلاد
النبي خاتم النبيين، حيث
وُلد يتيمًا في عام الفيل، وماتت أمه في سنٍّ مبكرة؛ فربَّاه جدُّه عبد المطلب ثم
عمُّه أبو طالب، وكان يرعى الغنم ويعمل في التجارة خلال سنوات شبابه، حتى تزوج من
خديجة بنت خويلد
في سن الخامس والعشرين، وأنجب منها كلَّ أولاده باستثناء إبراهيم.
وفي سنِّ الأربعين نزل عليه الوحي بالرسالة، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك،
وكانت دعوته سرِّيَّة لثلاث سنوات، تبعهنَّ عشرٌ أُخَر يُجاهر بها في كل مكان، ثم
كانت الهجرة إلى
المدينة المنوَّرة بعد شدة
بأسٍ من رجال قريش وتعذيبٍ للمسلمين، فأسَّس بها دولة الإسلام، وعاش بها عشر سنوات،
تخلَّلها كثيرٌ من مواجهات الكفار والمسلمين التي عُرِفَت بـالغزوات،
وكانت حياته نواة الحضارة
الإسلامية، التي توسعت في بقعةٍ جغرافيَّةٍ كبيرة على يد
الخلفاء الراشدين من بعده.
ملخص المقال
كان من النادر في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تمرَّ عليه ليلة دون قيام، وإذا فاته القيام فقد سن لنا القضاء، فكيف يكون القضاء؟ وما هدي النبي فيه؟
قيام الليل من أشرف العبادات وأعظمها، وهو أحبُّ صلاة إلى الله بعد الصلوات المفروضة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ الله الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلَاةُ اللَّيْلِ»[1]. لذلك كان من النادر في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تمرَّ عليه ليلة دون قيام؛ بل كانت له سُنَّة عجيبة تُبَيِّن مدى ارتباطه بهذه العبادة العظيمة، وهي سُنَّة قضاء صلاة الليل إن فاتته في ليلة! فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم «كَانَ إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مِنَ اللَّيْلِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً»[2]. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتصوَّر أن تفوته ليلة دون أن يُحَصِّل فيها أجر القيام، فإذا حدث أن مَرِض أو نام في إحدى الليالي عوَّض ذلك في صباح اليوم التالي! وبالإضافة إلى تحصيل الأجر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبُّ أن يترك عملًا صالحًا كان معتادًا عليه، وهذا هو المعنى الذي أشارت إليه عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ، وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيْلِ، أَوْ مَرِضَ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً»[3]. فهو يُريد أن يُثْبِت العمل، أي يُوَضِّح ديمومته، وقد بَشَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أجر القضاء لا ينقص عن أجر الصلاة بالليل، فعن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ، أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَصَلَاةِ الظُّهْرِ، كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ»[4].
فلنحرص على قيام الليل كل ليلة، فإن فاتتنا الصلاة في ليلةٍ فلنقضها في الصباح، ولْنسعد بسُنَّة نبينا صلى الله عليه وسلم.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}[النور: 54].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مسلم: كتاب الصيام، باب فضل صوم المحرم، (1163).
[2] مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض، (746).
[3] مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض، (746).
[4] مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض، (747).
هذا المقال من كتاب إحياء 354 سنة للدكتور راغب السرجاني
يمكنك شراء الكتاب من خلال صفحة دار أقلام أو الاتصال برقم 01116500111.
التعليقات
إرسال تعليقك