التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
في عهد بايزيد الثاني نشأت الدولة الصفوية الشيعية الاثنا عشرية، وهي واحدة من التحديات الكبرى التي واجهت الدولة العثمانية لأكثر من قرنين من الزمان.
شاء الله عز وجل أن تشهد هذه المرحلة التاريخية؛ أعني السنوات الأخيرة من القرن الخامس عشر والبدايات الأولى من القرن السادس عشر، أي في عهد السلطان بايزيد الثاني، عدَّة تغييراتٍ جذريَّةٍ في خريطة العالم السياسية، فظهرت قوى عالمية جديدة، وتضاءلت قوى أخرى، وكان لكلِّ هذا تأثيرٌ مباشرٌ على مستقبل الدولة العثمانية، وكان من هذه التغييرات ظهور إمبراطوريَّات كبرى كان لها تأثيرٌ كبيرٌ على مجريات الأحداث العالمية؛ مثل إمبراطوريات إسبانيا، والبرتغال، وروسيا، والنمسا، والصفويين بإيران، كما تطوَّرت أوروبا الغربية علميًّا واقتصاديًّا بشكلٍ لافت ممَّا أدَّى إلى نموِّ إنجلترا وفرنسا لاحقًا بصورةٍ مؤثِّرة، وصاحَب هذا التضخُّم لهذه الإمبراطوريات أفول لنجوم إمبراطورياتٍ أخرى؛ كالمجر، والبندقية، وإمبراطورية البابا نفسه! لا شَكَّ أن هذه التطوُّرات كان لها أثرٌ كبيرٌ على الدولة العثمانية، التي شهدت بدورها في مطلع القرن السادس عشر نموًّا مذهلًا في قوَّتها، ممَّا جعلها في منافسةٍ بارزةٍ لهذه القوى الجديدة التي ظهرت، وفي هذا المقال سنأخذ فكرةً عن نشأة الدولة الصفوية الشيعية ونموها.
نشأة الدولة الصفوية الشيعية:
في عهد بايزيد الثاني كذلك نشأت الدولة الصفوية الشيعية الاثنا عشرية، وهي واحدةٌ من التحدِّيَّات الكبرى التي واجهت الدولة العثمانية لأكثر من قرنين من الزمان! تُنسب الدولة إلى صفي الدين الأردبيلي، وهو أحد الصوفيِّين[1] الذين عاشوا في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي[2]، وكان سُنِّيًّا[3] شافعيًّا[4].
أسَّس هذا الرجل طريقةً صوفيَّةً عُرِفت باسمه: «الطريقة الصفوية»، وانتشرت أفكارها في أردبيل بأذربيچان[5]، ومن هناك كثر أتباعها في إيران، وأذربيچان، والأناضول[6]. يختلف علماء الأنساب في أصل صفي الدين؛ فيراه بعضهم إيرانيًّا كرديًّا[7]، بينما الأغلب على أنه تركي العرق[8][9][10].
مات صفي الدين في عام 1334م[11][12]، وتعاقب أولاده وأحفاده على قيادة الطريقة، ثم حدث تطوُّرٌ نوعيٌّ في الطريقة عندما تولَّى قيادتها الشيخ الجنيد عام 1447م، وكان هذا التطوُّر ذا شقين؛ أما الأول فهو اعتناق المذهب الشيعي الاثني عشري بدلًا من المذهب السُّنِّيِّ[13]، وأما الثاني فهو التوجُّه السياسي للطريقة، وذلك لاستغلال الفراغ الناتج عن تفكُّك الدولة التيمورية المسيطرة على إيران وأذربيچان آنذاك، ولدعم هذا التواجد السياسي للطريقة تزوَّج الجنيد من أخت السلطان أوزون حسن سلطان قبيلة الآق قوينلو التركمانية[14]، والمتنازعة آنذاك مع قبيلة القرة قوينلو التركمانية كذلك.
وُلِد من هذا الزواج الشيخ حيدر الذي تولى قيادة الطريقة بعد مقتل أبيه عام 1460م[15]. اتجه الشيخ حيدر إلى عسكرة الطريقة، واعتمد على أتباعه الكثر من القبائل التركمانية الأناضولية، الذين أعطوه الولاء كراهيةً في الدولة العثمانية التي ينضوون تحت لوائها رغمًا عن أنفسهم، وأخذت الطريقة شكل العمل السري الخطر، تمهيدًا لتمرُّدٍ في فرصةٍ قادمة.
اختار الشيخ حيدر لأتباعه ارتداء قلنسوة حمراء لتمييزهم عن غيرهم، وجعل لهذه القلنسوة اثنتي عشرة ذؤابة رمزًا للأئمَّة الشيعة الاثني عشر، فأطلق الأتراك العثمانيون على الحركة اسم: «قزل باش»، وهي تعني: «الرءوس الحمراء» بالتركية[16].
صارت بذلك الحركة خطرةً جدًّا على الدولة العثمانية من أكثر من وجه؛ فهي أولًا شيعية اثنا عشرية ترفض إمامة أو قيادة غير نسل آل بيت النبي ﷺ، علمًا بأنهم ادَّعوا النسب إلى آل البيت[17]، مع كونهم كردًا، أو أتراكًا، وهي ثانيًا معتمدةٌ على القبائل التركمانية المتمرِّدة على الدولة العثمانية، خاصَّةً وقد ناصر هؤلاء الأمير چم في تمرُّده على أخيه من قبل، فنشاطهم العسكري يعني انقلابًا خطرًا على الدولة، وثالثًا فإن هذه الحركة تتَّخذ من إيران وأذربيچان مركزًا لها، وهذه الدولة لها خلافاتٌ عميقةٌ مع الدولة العثمانية، وكان آخرها موقعة أطلق بلي عام 1473م بين السلطان محمد الفاتح والسلطان أوزون حسن، وانتهت بالفوز الكاسح للعثمانيين. لدعم موقفه تزوَّج الشيخ حيدر من بنت السلطان أوزون حسن[18][19]، وأنجب منها عام 1487م ابنه إسماعيل[20]. بعد ولادة إسماعيل بسنةٍ واحدة، أي في عام 1488م، قُتل الشيخ حيدر[21]، و-أيضًا- توفي أوزون حسن[22]، وحدثت فوضى سياسية كبيرة في إيران وأذربيچان.
في عام 1494م تولى إسماعيل، وهو في السابعة من عمره، قيادة الطريقة الصفوية[23]! وبدأ تمرذُدًا عسكريًّا قويًّا في عام 1499م، معتمدًا في ذلك على القزل باش التركمان الأناضوليين[24]، واستطاع عام 1500م أن يستولي على شيروان[25]، ثم دخل تبريز عام 1501م، وأعلن قيام الدولة الصفوية[26]، وتلقَّب بالشاه[27]، وأنهى حكم الآق قوينلو، وأسَّس دولةً شيعيَّةً قويَّةً للغاية سيكون لها تأثيرٌ على دولٍ عديدةٍ بالمنطقة، بل سيكون لها آثارٌ عالميَّةٌ ملموسة، وغنيٌّ عن البيان أنها اتخذت الدولة العثمانية عدوًّا منذ اليوم الأول لتأسيسها؛ لاختلاف مذهبها، ولاعتمادها على التركمان المتمرِّدين أصلًا على الدولة العثمانية، وللعداء القديم بين إيران والعثمانيين، فضلًا عن التنافس المتوقَّع بين القوى الكبرى المتجاورة، ومحاولة كلِّ طرف التمدُّد في الطرف الآخر.
للأسف، ونتيجة السلوك الحذر من السلطان بايزيد الثاني، ولكونه مسالمـًا بطبيعته، فإنه لم يأخذ موقفًا جدِّيًّا تجاه هذا التطوُّر، ولم يحرِّك ساكنًا[28]، مع أن الكثير من جنود الشاه إسماعيل خرجوا من أرض الدولة العثمانية، ويُنتظر في القريب العاجل أن تحدث تعدِّيَّات على الأناضول، أو الأقاليم التي حوله، قد تُؤثِّر على موازين القوى في المنطقة. هذا السكوت العثماني سيكون له آثارٌ على المستويين الداخلي والخارجي.
نمو الدولة الصفوية واضطرابات الأناضول: (1501- 1508م)
كان الشاه إسماعيل الصفوي شخصيَّةً كاريزميَّةً قياديَّة، مع كونه عندما أعلن قيام دولته في عام 1501م لم يكن يتجاوز الخامسة عشر من عمره! وكان يهتمُّ بإظهار البُعْد الديني في حركته، فحرص على تشييع كلِّ المناطق التي يحكمها بالحديد والنار[29][30]، وكان أشدَّ ضراوةً في حركته من العُبيديِّين (الفاطميين) في هجمتهم على العالم الإسلامي في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، وفي بقاء إيران وأذربيچان شيعيَّتين حتى زماننا الآن دليلٌ على هذا.
لم يكن الشاه إسماعيل مكتفيًا بإرغام الناس على التشيُّع، بل كان يعتقد في نفسه ارتباطًا إلهيًّا غير مفهوم[31]! ولعل هذا من رواسب الثقافة الفارسية التي كانت تعتقد بوجود دماءٍ إلهيَّةٍ في أكاسرة الفرس، ولقد ذكرت بعض المصادر أن كثيرًا من أتباع الشاه، وخاصَّة القزل باش التركمان، كانوا يتوجهون إليه بالعبادة[32]! يُضاف إلى هذا أنه كان دمويًّا بشكلٍ منقطع النظير[33]، وهذه كلها عوامل ساعدت على ترسيخ قدمه في الأماكن التي وصل إليها، وكانت له رهبةٌ كبيرةٌ في قلوب الناس.
كانت طموحات الشاه إسماعيل الصفوي تتجاوز إيران، بل تتجاوز مجرَّد قيادة دولة؛ إنما كان يطمح في قيادة إمبراطورية على غرار إمبراطوريات تيمور لنك، أو چنكيز خان، وغيرهما من الفاتحين الآسيويين، وكانت عينه على الدولة العثمانية، أو على الأقل الأناضول، وقد وجد فرصته في أن استيلاءه على السلطة كان في زمن السلطان المسالم بايزيد الثاني، ومِنْ ثَمَّ طمع في تثبيت أقدامه في الأناضول والأقطار المحيطة به مستغلًّا عدم حماسة السلطان العثماني للقتال.
سيطر الشاه إسماعيل في عام 1501م على أرمينيا وأذربيچان[34]، ثم ما لبث في عام 1502م أن تمدَّد في شرق الأناضول في مناطق إرزنجان، وأرضروم[35]، وهذه مناطق مبهمة في هذه الفترة؛ بمعنى أنها تقع بين حدود الدولتين: العثمانية والصفوية، فكان احتلالهما يعني تلاصق القوَّتين، وهذا يُنذر بصدامٍ قريب.
سقطت همدان في يد الشاه في يونيو عام 1503م[36]، ثم سقطت شيراز في سبتمبر من السنة نفسها[37]، بينما سقطت أصفهان وجنوب خراسان في 1505م[38].
سيطر الشاه بذلك على معظم إيران، وأذربيچان، وأرمينيا، وشرق الأناضول، وصارت له تطلُّعات أبعد من ذلك. لم يكن ردُّ فعل السلطان بايزيد الثاني موازيًا للحدث؛ فقد اكتفى بتهجير بعض العائلات التي يشكُّ في تشيُّعها من المناطق الحدودية إلى اليونان ليمنع التسهيلات التي تُقدِّمها هذه العائلات للشاه إسماعيل، وأغلق الحدود مع الدولة الصفوية[39]، وأرسل سفارةً إلى الشاه يحتجُّ فيها على سوء معاملة الشاه لأهل السُّنَّة في المناطق التي يحكمها[40].
هذه الإجراءات السلمية لم تكن لتردع طاغيةً دمويًّا كالشاه إسماعيل، ولذلك تطاول في عام 1505م وأرسل سفارةً إلى إسطنبول يطلب فيها تسليم ولاية طرابزون العثمانية له[41]، على أساس أنها كانت مواليةً لجدِّه أوزون حسن! كان الوالي على طرابزون، القريبة من الحدود الصفوية، هو الأمير سليم ابن السلطان بايزيد الثاني (لاحقًا سليم الأول)، وكانت السمات الشخصية لهذا الأمير مختلفةً بالكلِّيَّة عن أبيه السلطان؛ فقد كان عسكريًّا من الدرجة الأولى، وكان عنيفًا للغاية، وكان حاسمًا في قراراته لا يرهب أحدًا.
لم يكن الأمير سليم وليًّا للعهد؛ فقد كان الثالث في الترتيب بين أبناء بايزيد الثاني الأحياء[42]، ومع ذلك فقوَّة شخصيَّته كانت تدفعه إلى رفض السلوك السلمي لأبيه تجاه التعدِّيَّات الصفوية، ولم يكن يرى أن الاكتفاء بالحلول الدبلوماسيَّة مناسبٌ في هذه الحالات.
والحقُّ أن الأمير سليم كان الوحيد في هذه الحقبة الذي فهم خطورة الدولة الصفوية، وأعطاها قدرها الحقيقي، بينما كان الآخرون يتعاملون مع ملفِّها بتراخٍ غير مفهوم. في عام 1507م حدث تطاولٌ أكبر من الدولة الصفوية؛ إذ احتلَّت إمارة ذي القادر الموالية للمماليك، وأسقطت مدينة حصن كيفا المنيعة، وأتبعتها بإسقاط مدينة ماردين المهمَّة[43]، وقد عبرت جيوش الصفويين إلى الإمارة من خلال الأراضي العثمانية دون إذن، ثم أرسل الشاه رسالة اعتذارٍ للسلطان[44]! كان في دخول الأراضي العثمانية بجيشٍ مقاتلٍ تجاوزًا كبيرًا، كما أن احتلال إمارة ذي القادر، وهي الإمارة المتنازع عليها سابقًا بين المماليك والعثمانيين، يعني تعدِّيًّا على الدولتين الكبيرتين معًا.
إذا أضفنا إلى هذه الأخبار معلومة عجيبة، وهي أن أمير إمارة ذي القادر في ذلك الوقت هو علاء الدولة بك، وهو والد زوجة بايزيد الثاني، وجدُّ الأمير سليم[45]، أدركنا أن ما فعله الشاه إسماعيل لا يمكن أن يُفَسَّر إلا على أنه استهزاءٌ بالدولة العثمانية، واستفزازٌ لها، كما أن احتلال إمارةٍ مواليةٍ لدولة المماليك يُعَدُّ استهزاءً واستفزازًا لها كذلك. هذا كلُّه يُشير -فيما أرى- إلى أن الشاه إسماعيل كان باحتلال ذي القادر يقيس ردود أفعال القوى الإسلامية السُّنِّيَّة الكبرى تمهيدًا لخطوةٍ خطرةٍ قادمة! للأسف لم يكن هناك ردُّ فعلٍ للحدث، ومِنْ ثَمَّ قام الشاه إسماعيل بخطوته الأجرأ منذ ولايته، وهي المضيُّ قُدُمًا في محاولة ضمِّ العراق إلى إمبراطوريَّته! كانت العراق في ذلك الوقت تحت حكم الآق قوينلو الذين سقطوا في إيران على يد الشاه، وكان حاكم العراق في ذلك الوقت هو السلطان مراد، وهو زوج أخت السلطان بايزيد الثاني[46]!
لم تردع هذه العلاقة الأسرية الشاه إسماعيل عن غزو العراق! احتلَّ النجف وكربلاء في عام 1507[47]، وبذلك سيطر على العتبات المقدَّسة للشيعة ممَّا أعطاه مركزًا أقوى بين أتباعه. وفي عام 1508 دخل بغداد[48]! كان دخوله دمويًّا حيث قتل عشرات الآلاف من السُّنَّة، ونبش قبور الخلفاء العباسيين، بالإضافة إلى قبري الإمام أبي حنيفة، والإمام عبد القادر الچيلاني[49]، تعبيرًا عن حقده الشديد تجاه أهل السُّنَّة. فرَّ السلطان مراد من البلاد، واستضافه الأمير سليم في طرابزون[50]. كانت دولة المماليك مشغولةً بمواجهاتٍ عسكريَّةٍ في المحيط الهندي ضدَّ البرتغال التي تحاول السيطرة على الملاحة فيه[51]، وكان السلطان بايزيد متردِّدًا في الردِّ العسكري على الجرأة الصفوية!
جاء الردُّ على الصفويين من الأمير سليم بن بايزيد! تحرَّك الأمير بجيشه، دون استئذان أبيه، وقام بثلاث حملات عسكرية على دولة چورچيا المجاورة، والتابعة للصفويين، وضمَّ عدَّة أقاليم منها، ثم قام بعدَّة حملات على شرق الأناضول في المناطق التابعة للصفويين، وضمَّ بشكلٍ نهائيٍّ أرزنجان وعدَّة مدنٍ حولها. أرسل الشاه أخاه إبراهيم ميرزا لاسترداد أقاليم الأناضول، ولكن الأمير سليم استطاع أن ينتصر عليه، وأن يُدمِّر جيشه، بل تمكَّن من أسره! رفعت هذه الانتصارات من أسهم الأمير سليم لدى الشعب والإنكشارية معًا، لكن هذا لم يُعجب الأب السلطان، الذي كان لا يرغب في صدامٍ مع الصفويين، ولعل ذلك نتيجة تجربته السلبية السابقة في حربه ضدَّ المماليك. والحقُّ أن الوضع كان مختلفًا عن أزمة المماليك السابقة؛ فحرب المماليك فعلًا لم يكن من ورائها طائل، أمَّا الدولة الصفوية فخطرةٌ للغاية، خاصَّةً أنها ذات توجُّهٍ دينيٍّ واضح، وتُجبر شعوبها على اعتناق المذهب الاثني عشري، وتضع في حساباتها إقصاء الحكومات السُّنِّيَّة في المنطقة، وسيأتي الدور حتمًا على العثمانيين.
لم يكن ينبغي للسلطان بايزيد الثاني أن يترك الدولة العثمانية تظهر بشكل الدولة مهيضة الجناح، خاصَّةً أن دولة المماليك كانت في مرحلة ضعف، والعالم الإسلامي السُّنِّيُّ يُعَلِّق آماله في صدِّ هذه الهجمة الشيعية الدموية على الدولة العثمانية. قَدَّم الشاه إسماعيل شكوى للسلطان بايزيد، فكتب لابنه سليم يأمره بإطلاق سراح أخي الشاه، وردِّ أراضي الأناضول إلى الدولة الصفوية.
قوبل هذا القرار السلطاني باستياءٍ كبيرٍ على مستوى الشعب والجيش، ولكن لم يجد الأمير سليم بُدًّا من تنفيذه[52]، وإن كان قد بدأ يُفَكِّر في خطواتٍ جريئةٍ تُطفئ من غضبه الشديد، وتُعيد الأمور إلى الصورة التي يُريدها لنفسه وللدولة العثمانية، وكانت هذه الخطوات تتَّجه إلى العزم على القيام بانقلابٍ بصورةٍ من الصور على أبيه، والاستيلاء على حكم الدولة العثمانية![53].
[1] إقبال، عباس: تاريخ إيران بعد الإسلام من بداية الدولة الطاهرية حتى نهاية الدولة القاجارية، راجعه: السباعي محمد السباعي، نقله عن الفارسية وقدم له وعلق عليه: محمد علاء الدين منصور، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1989م. صفحة 639.
[2] ولبر، دونالد: إيران ماضيها وحاضرها، ترجمة: عبد النعيم محمد حسنين، دار الكتاب المصري، القاهرة، الطبعة الثانية، 1405هـ=1985م.صفحة 86.
[3] لابيدس، أيرا م.: تاريخ المجتمعات الإسلامية، ترجمة: فاضل جكتر، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 2011م. صفحة 1/408.
[4] الجاف، حسن كريم: موسوعة تاريخ إيران السياسي، الدار العربية للموسوعات، بيروت، الطبعة الأولى، 1428هـ=2008م. صفحة 3/14.
[5] تيرنر، كولن: التشيع والتحول في العصر الصفوي، تقديم: الشيخ حيدر حب الله، ترجمة: حسين علي عبد الساتر، منشورات الجمل، بغداد، الطبعة الأولى، 2008م. 116، 117.
[6] Potts, Daniel T.: Nomadism in Iran: From Antiquity to the Modern Era, Oxford University Press, New York, USA, 2014., p. 220.
[7] Daftary, F.: Intellectual Traditions in Islam, I.B.Tauris, 2001., p. 147.
[8] فاتان، نيقولا: صعود العثمانيين 1362-1451م، ضمن كتاب: مانتران، روبير: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: بشير السباعي، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة–باريس، الطبعة الأولى، 1993م.صفحة 1/163.
[9] موسنيه، 1987 صفحة 4/570.
[10] Savory, Roger M.: Safavids, In: Habib, Irfan; İnalcık, Halil & Burke, Peter: History of Humanity-Scientific and Cultural Development: From the Sixteenth to the Eighteenth Century, Taylor & Francis, 1999., p. 259.
[11] براون، إدوارد: تاريخ الأدب في إيران، ترجمة: محمد علاء الدين منصور، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2002م. صفحة 4/27.
[12] ولبر، 1985 صفحة 86.
[13] تيرنر، 2008 صفحة 121.
[14] إقبال، 1989 صفحة 640.
[15] Minorsky, Vladimir: Medieval Iran and its Neighbours, Variorum Reprints, 1931, vol. 1, p. 238.
[16] بروكلمان، 1968 صفحة 495.
[17] إقبال، 1989 صفحة 640.
[18] براون، 2002 صفحة 4/52.
[19] إقبال، 1989 صفحة 640.
[20] براون، 2002 صفحة 4/30.
[21] بروكلمان، كارل: تاريخ الشعوب الإسلامية، ترجمة: نبيه أمين فارس، منير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الخامسة، 1968م، صفحة 495.
[22] الغياثي، عبد الله بن فتح الله البغدادي: التاريخ الغياثى، (الفصل الخامس، 656هـ -891هـ=1258-1486م)، دراسة وتحقيق: طارق نافع الحمداني، مطبعة أسعد، بغداد، 1975م.صفحة 391.
[23] أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، صفحة 1/202.
[24] تيرنر، 2008 صفحة 126.
[25] Roemer, H. R.: The Safavid period, In: Lockhart, Lawrence & Jackson, Peter: The Cambridge History of Iran, Cambridge University Press, New York, USA, (Volume 6, The Timurid and Safavid Periods), 1986., vol. 6, p. 211.
[26] الجاف، 2008 صفحة 3/18.
[27] المهاجر، جعفر: الهجرة العاملية إلى إيران في العصر الصفوي، دار الروضة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1410هـ=1989م.صفحة 22.
[28] آق كوندز، أحمد؛ وأوزتورك، سعيد: الدولة العثمانية المجهولة، وقف البحوث العثمانية، إسطنبول، 2008م.صفحة 209.
[29] براون، 2002 الصفحات 4/57، 58.
[30] الأعظمي، علي ظريف: تاريخ الدول الفارسية في العراق، مطبعة الفرات، بغداد، 1346هـ=1927م. صفحة 102.
[31] جونيور، جون إ. ويلز: العالم من 1450م حتى 1700م، مراجعة: أحمد خريس، ترجمة: خلود الخطيب، هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، أبو ظبي، الطبعة الأولى، 1434هـ=2013م.صفحة 31.
[32] تيرنر، 2008 صفحة 134.
[33] الجاف، 2008 صفحة 3/18.
[34] Ochsenwald, William & Fisher, Sydney Nettleton: The Middle East: A History, McGraw-Hill Education, 2010., p. 216.
[35] Sinclair, T.A.: Eastern Turkey: An Architectural & Archaeological Survey, Pindar Press, 1989., vol. 2, p. 289.
[36] Kohn, George C.: Dictionary of Wars, Infobase Publishing, 2006., p. 404.
[37] Farrokh, Kaveh: Iran at War: 1500-1988, Bloomsbury Publishing, 2011., p. 17.
[38] المهاجر، 1989 صفحة 22.
[39] شيمشيرغيل، أحمد: سلسلة تاريخ بني عثمان، ترجمة: عبد القادر عبداللي، مهتاب محمد، ثقافة للنشر والتوزيع، أبو ظبي-بيروت، الطبعة الأولى، 1438هـ=2017م.صفحة 3/67.
[40] Ward, Steven R.: Immortal: A Military History of Iran and Its Armed Forces, Georgetown University Press, 2014., p. 44.
[41] فاتان، 1993 صفحة 1/164.
[42] أوزتونا، 1988 صفحة 1/207.
[43] Farrokh, Kaveh: Iran at War: 1500-1988, Bloomsbury Publishing, 2011., p. 18.
[44] خليفة، حاجي: فذلكة أقوال الأخيار في علم التاريخ والأخبار (تاريخ ملوك آل عثمان)، حققه وقدمه له وترجم حواشيه: سيد محمد السيد، كلية الآداب–جامعة جنوب الوادي، سوهاج-مصر، (دون سنة طبع). صفحة 223.
[45] Ágoston, 2011 (A), p. 116.
[46] أوزتونا، 1988 صفحة 1/205.
[47] Syed, et al., 2011, p. 206.
[48] لونگريك، ستيفن هيمسلي: أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث، ترجمة: جعفر الخياط، مكتبة اليقظة العربية، الطبعة السادسة، 1985م. صفحة 31.
[49] Hunt, 2005, p. 48.
[50] أوزتونا، 1988 صفحة 1/205.
[51] Roy, 2014, p. 151.
[52] أوزتونا، 1988 الصفحات 1/205، 206.
[53] دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442هـ= 2021م، 1/ 360- 362، 368- 376.
لشراء كتاب قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط يرجى الاتصال على الرقم التالي: 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك