التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
حكم السلطان عبد العزيز الدولة العثمانية، وهو في الحادية والثلاثين من عمره، وكان من الشخصيات الإصلاحية، ومع ذلك شهدت الدولة في عهده تدهورًا سريعًا.
السلطان عبد العزيز (1861-1876م)
السلطان عبد العزيز هو ابن السلطان محمود الثاني، وأخو السلطان عبد المجيد الأول، وصعد إلى الحكم وهو في الحادية والثلاثين من عمره[1]، وحكم خمسة عشر عامًا، وكان من الشخصيَّات الإصلاحيَّة، ومع ذلك شهدت الدولة في عهده تدهورًا سريعًا، وهذا طبيعي بعد الضربات المتتالية التي تعرَّضت لها في العقود الأخيرة.
شهد عهد هذا السلطان عدَّة إصلاحاتٍ على المستويات القانونيَّة، والإداريَّة، والمدنيَّة، وكانت علاقات الدولة الخارجيَّة مستقرَّة؛ فلم تحدث في عهده صداماتٌ أو حروبٌ مع القوى العالميَّة، وهذا قد يُعطي الانطباع أن فترة حكمه كانت هادئة، وهذا عكس الواقع؛ فقد كانت هذه الحقبة من أشدِّ الحقب اضطرابًا في التاريخ العثماني، والسبب في ذلك هو كثرة الثورات والتمرُّدات، وتعدُّد محاولات الانفصال عن الدولة.
نعم لم يحدث انفصالٌ كاملٌ في عهده، ولم تفقد الدولة شيئًا من أراضيها في زمانه، ولكن الأحداث التي جرت في هذه الفترة كانت سببًا في انفصال عدَّة أقطار من الدولة العثمانية جملةً واحدة بعد انتهاء فترة حكم السلطان عبد العزيز، خاصَّةً على مستوى البلقان؛ بحيث يمكن أن نُسمِّي عهده بعهد «تفكيك البلقان»! -أيضًا- شهد هذا العهد انهيارًا اقتصاديًّا صارخًا. إننا يمكن أن ندرس التاريخ العثماني في عهد السلطان عبد العزيز تحت أربعة عناوين؛ الإصلاحات الداخليَّة ومشاريع التغيير، وحركات الانفصال، والحركات السِّرِّيَّة، ثم خاتمة حياة السلطان.
الإصلاحات الداخليَّة ومشاريع التغيير
كان السلطان عبد العزيز متحمِّسًا لاستكمال مسيرة سلفيه؛ محمود الثاني، وعبد المجيد الأول، في الإصلاح وتنظيم الحياة داخل الدولة. حفل زمان هذا السلطان بعددٍ من الرجال المثقَّفين الذين اجتهدوا في وضع تصوُّراتٍ فكريَّة، وقانونيَّة، وتنفيذيَّة، لتغيير وضع الدولة إلى الأفضل، ومع ذلك لم يكن هؤلاء جميعًا متفقين مع السلطان في رؤيته، فكان منهم الداعم له، والمؤيِّد لخطواته، وكان منهم المخالف له، والمنادي بسقوطه! عمومًا كانت المرحلة تشهد تغييراتٍ فكريَّةً عميقةً في المجتمع العثماني، وستكون للأفكار التي تنشأ فيها آثارٌ في الفترة المتبقِّيَة في حياة الدولة، بل ستستمر في تركيا الحديثة بعد سقوط الدولة العثمانية.
غيَّر السلطان عبد العزيز الصدرَ الأعظم مرَّاتٍ عديدةً في فترة حكمه، ولقد أحصيتُ عدد هذه المرات فوجدتُها سبع عشرة مرَّة، وذلك في سنوات حكمه الخمس عشرة! هذا يعني أن متوسِّط فترة ولاية الواحد كانت أقلَّ من عام، وهذا يدلُّ على التخبُّط، وعدم الاستقرار. يرى بعض المؤرِّخين أن هذا التبديل المتكرِّر هو أحد أسباب ارتباك الدولة واضطرابها[2].
كانت الدولة تسير بطريقة «المحاولة والخطأ» «Trial and error»، وهذا دليلٌ على عدم النضج السياسي. من المؤكد أن السياسات الإصلاحيَّة لن تُؤتي ثمارها في ظلِّ هذه الرؤى القاصرة. ومع ذلك فقد اشتهر من هؤلاء الصدور العظام اثنان كان لهما دورٌ كبيرٌ في صياغة القوانين والإصلاحات في هذه الفترة، وهما محمد فؤاد باشا، الذي شغل منصب الصدر الأعظم مرَّتين في الفترة من 1861م إلى 1866م، ومحمد عالي باشا، الذي شغل المنصب عدَّة مرَّات، وكان أطولها من 1867م إلى 1871م.
كانت أفكار الرجلين متقاربة، وكانا يدعمان تحديث الدولة على النَّسَق الأوروبي، خاصَّةً الفرنسي[3][4]، ومع ذلك كان محمد فؤاد باشا، على الرغم من كونه متبنِّيًا للمناهج الأوروبية، من أنصار الحكم الملكي الأوتوقراطي المطلق Absolute monarchy، وهو نظام الدولة العثمانية المعتاد، ولهذا كان له معارضون كثر من الشباب الذين يطالبون بالدستور، والحياة البرلمانيَّة كما في دول أوروبا آنذاك[5].
مجلة الأحكام العدليَّة:
بدأ إعداد هذه المجلة في عام 1867م، وعُرضت على شيخ الإسلام، والفقهاء، والحقوقيِّين، وجرى فيها تعديلاتٌ ثم صَدَر الجزء الأول منها في عام 1869م، وهي تعادل الآن القانون المدني، وقانون الأحوال الشخصيَّة، وقد نُظِّمت في ستة عشر مجلدًا، صَدَرَ الأخير منها في عام 1876م[6]، وقد استُنْبِطت فيها القوانين من الفقه الحنفي[7]، ومع ذلك اتسمت بالمعاصرة، وإمكانية تطبيق أحكامها بشكل سلس في المحاكم المدنية. عمل على تأليف هذه المجلة فريق كبير من العلماء بقيادة العالـِم، والقانوني، والمؤرَّخ التركي الكبير أحمد جودت باشا Ahmed Cevdet Pasha[8].
الإصلاحات القانونيَّة:
صدرت في عهد السلطان عبد العزيز عدَّة قوانين تهدف إلى تنظيم حياة الشعب العثماني بشكلٍ أكثر عدلًا ودِقَّة، كان منها قانون البنك العثماني في 1861م، وقوانين التجارة البحريَّة في 1863م، وقانون الأحوال الشخصيَّة الخاص باليهود في 1864م، وقانون الولايات في السنة نفسها، وقانون السماح للأجانب بتملُّك العقارات في الدولة العثمانية عام 1867م، وقانون الجنسيَّة العثمانيَّة في 1868م، وقانون المحاكم النظاميَّة في 1869م، ثم صدرت حزمةٌ كبيرة من القوانين في عام 1874م شكَّلت أساسًا للدستور العثماني لاحقًا، وقد نصَّت هذه القوانين على الفصل بين السلطة التنفيذيَّة والقضائيَّة، واعتبار أموال جميع العثمانيِّين وأعراضهم مصونة، والتأكيد على المساواة بين جميع رعايا الدولة. -أيضًا- صدر في عام 1875م قانون إعادة تنظيم القضاء، ونقل المحاكم التجاريَّة إلى اختصاص وزارة العدل[9][10].
من أهمِّ إضافات السلطان عبد العزيز، إنشاؤه في عام 1868م لمجلس الدولة، أو «شورى دولت»، الذي تميَّز بطابعٍ شبه دستوري، وشملت اختصاصاته إعداد مشاريع القوانين للدولة، وإبداء الرأي للوزارات بالمسائل الخاصَّة بتطبيق القوانين، كما كان محكمة تنظر في القضايا الإداريَّة، وتُحاكِم الموظفين المتَّهمين بالانحراف، ويُعتبر هذا المجلس هو النواة الفعليَّة لمجلس النوَّاب لاحقًا[11][12].
إصلاحات مدنيَّة:
أدخل السلطان عبد المجيد الأول قبل ذلك السكة الحديد إلى الدولة العثمانية بشكلٍ محدود، بينما يرجع الفضل إلى السلطان عبد العزيز في إنشاء أوَّل «شبكة» سكة حديد في البلاد، وكان حريصًا على وصول هذه الشبكة إلى أطراف الدولة، كما حرص على ربطها بشبكة السكك الحديديَّة الأوروبِّيَّة عن طريق المجر، ومع أن الإنجليز هم الذين ساعدوه في أول جزء من هذه الشبكة إلا إنه من خلال علاقاته الأوروبِّيَّة الواسعة استطاع جذب بعض الشركات الأخرى لمساعدته في توسيع الشبكة، وكان أهم هذه الشركات من ألمانيا، وإن كان قد استعان كذلك بشركاتٍ فرنسيَّة، وبلچيكيَّة، وسويسريَّة[13].
-أيضًا- أدخل السلطان عبد العزيز نظام الطوابع البريديَّة للدولة[14]، وأبرز اهتمامًا كبيرًا بالعمليَّة التعليميَّة، وأنشأ عدَّة مدارس، وخاصَّةً بعد عودته من معرض باريس عام 1867م؛ حيث أنشأ مدرسةً عليا مدنيَّة كبيرة في إسطنبول، وفتحها للمسلمين والنصارى على حدٍّ سواء[15]، كما أنه أوَّل من أنشأ مدرسةً للفتيات، وأتبعها بمدرسةٍ عاليةٍ لهن[16]، واهتمَّ السلطان بالنواحي العلميَّة في دولته، وشجَّع على حركة التأليف[17]. -أيضًا- أبرز السلطان الاهتمام بالمشاريع المعماريَّة، وتَدَخَّل بنفسه في التفاصيل، واهتمَّ بمقابلة المعماريِّين والفنَّانين، حتى اشتُهر بأنه راعي النهضة العثمانيَّة في العصر الحديث[18].
حاول السلطان عبد العزيز أن يفتح دولته على العالم، ويقضي على عزلتها المشهورة، وقد حاول السلاطين قبله من زمن سليم الثالث أن يتحرَّكوا في هذا الاتجاه، فكان نشاطه في ذلك استكمالًا لجهود السابقين، غير أنه زاد على ذلك أن سافر بنفسه للدول الأوروبية للاطلاع على نظمهم، والتواصل القوي مع قياداتهم، وهو بذلك السلطان الوحيد في الدولة العثمانية الذي قام بمثل هذه الرحلات، وقد زار في عام 1867م مدن لندن، وباريس، وڤيينا[19]، وفي المقابل استقبل في إسطنبول في عام 1869م الإمبراطورة أوچيني Eugénie، زوجة الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث Napoleon III، وكذلك أمير ويلز إدوارد، الذي سيُصبح ملك إنجلترا لاحقًا تحت اسم إدوارد السابع Edward VII، و-أيضًا- فرانز چوزيف Franz Joseph إمبراطور النمسا[20][21][22]. وكان السلطان عبد العزيز قد زار مصر قبل ذلك عام 1863م في عهد الخديوي إسماعيل[23]، للهدف نفسه، وكانت مصر آنذاك عامرةً بالمؤسَّسات الحديثة، وكان السلطان يهدف إلى الاطلاع على أفضل ما يمكن نقله إلى إسطنبول، والدولة العثمانية بشكلٍ عام.
حركات الانفصال
تضافرت عدَّة عوامل جعلت حركات الانفصال عن الدولة العثمانية سمةً مميِّزةً لعهد السلطان عبد العزيز!. يأتي في مقدِّمة هذه العوامل تنامي الشعور القومي في أوروبا، ونجاح تجارب الانفصال عن الإمبراطوريَّات، وانتشار الفكر التحرُّري والتنويري، وضعف الدولة العثمانية المغري للولايات بالانفصال عنها، ونشاط الدول الأوروبِّيَّة -خاصَّةً روسيا- في إذكاء روح الاستقلال عن العثمانيِّين، والتدهور الاقتصادي الكبير للدولة، ووجود الفوارق الكبرى بين مستوى المعيشة في الولايات العثمانية عنها في البلاد الأوروبِّيَّة الغربيَّة.
يُضاف إلى ما سبق عاملٌ مهمٌّ لم يكن موجودًا في عهد السلطان السابق عبد المجيد الأول؛ وهو تخلي بريطانيا، وكذلك فرنسا، والنمسا، عن مبدئهم في السعي لتقوية الدولة العثمانية للحفاظ على موازين القوى؛ حيث رأت القوى العظمى أن مساندة الدولة العثمانية صارت بلا جدوى، وأن انهيارها حتمي، ومِنْ ثَمَّ غيَّرت من سياسة الحفاظ عليها إلى سياسة إسقاطها واحتلالها بشكلٍ مباشر، وكانت البداية بتشجيع الحركات الانفصاليَّة لإنهاك الدولة واستنزافها، ثم البدء في تقطيع أوصالها. للأسف لم يكن للدولة العثمانية القدرة على مواجهة المخططات الأوروبِّيَّة مع كونها مخططات مكشوفة، وذلك للحالة المتردِّية التي وصلت إليها الدولة!
ثورة الجبل الأسود:
يعتبر إقليم الجبل الأسود من أصعب المناطق التي ضمَّها العثمانيون إلى دولتهم. يرجع ذلك إلى الطبيعة الجغرافيَّة الشاقَّة المؤلَّفة من جبالٍ شاهقةٍ وَعِرَة، وكذلك إلى طبيعة السكان القبليَّة التي ترفض الانسياق لغيرها، ولذلك كان العثمانيون يُسيطرون في الأغلب على المدن الكبرى فقط، أمَّا الجبال والقرى النائية فكانت تُدار في معظم الأحيان بأهلها. هذا سهَّل في الواقع على أهل البلد القيام بثوراتٍ متكرِّرةٍ ضدَّ الدولة العثمانية، ومع ذلك لم تكن هذه الثورات مؤثِّرةً في القرنين السادس عشر والسابع عشر، ولكنَّها بدأت تأخذ شكلًا جدِّيًّا مؤثِّرًا عند دخول روسيا في المعادلة أثناء القرن الثامن عشر؛ حيث بدأ الروس في تغذية الروح الانفصالية عند الولايات العثمانية الأرثوذكسيَّة[24].
في عام 1860م وصل إلى حكم الجبل الأسود الأمير نيكولا الأول Nikola I، وكانت عنده ميول انفصاليَّة كبرى عن الدولة العثمانية، فاستغلَّ قيام ثورة في الهرسك عام 1861 ودعمها، بل أعلن الانفصال[25]. اضطرَّت الدولة العثمانية إلى إرسال جيشٍ بقيادة عمر باشا لقمع الثورة وردِّ الجبل الأسود، فدارت حربٌ استمرَّت أكثر من سنة، وانتهت بانتصار العثمانيِّين، وعُقِدَ بعد الحرب اتِّفاق سلامٍ في 31 أغسطس 1862م عُرِف بمؤتمر سكوتاري Convention of Scutari (في ألبانيا)[26]، وعلى الرغم من انتصار العثمانيين فإنهم أقرُّوا الأمير نيكولا واليًا على الجبل (حكم ذاتي)، بشرط السماح للدولة العثمانية ببناء القلاع التي تريدها داخل الإمارة.
لاحقًا سعت روسيا والنمسا لدى السلطان ليتنازل عن حقِّ بناء القلاع، فقَبِل ذلك في 2 مارس 1864م، وسحب الجيش العثماني من الجبل الأسود[27]! يبدو أن هذه التنازلات العثمانية على الرغم من الانتصار كانت بسبب عدم قدرتهم الواقعيَّة على استمرار السيطرة على هذه المناطق، خاصَّةً مع بُعدها عن إسطنبول، ووعورة أراضيها. تُعتبر هذه هي الخطوة قبل الأخيرة لاستقلال الجبل الأسود بشكلٍ كاملٍ عن الدولة العثمانية.
ثورة الصرب:
في أعقاب اندلاع ثورة الجبل الأسود وجَّه العثمانيون جيشًا إلى صربيا بهدف ضبط الأمن، ولقد وقعت عدَّة مشاجرات بين الصرب وهذا الجيش ما لبثت أن تحوَّلت إلى مواجهاتٍ دامية، بلغت ذروتها في صيف 1862، واضطرَّ الجيش العثماني إلى قصف بلجراد[28]، تدخلت الدول الأوروبية، وضغطت على السلطان عبد العزيز، الذي قَبِل في 6 سبتمبر 1862م بتخفيض عدد القلاع العثمانية في صربيا من ستٍّ إلى أربع مع احتفاظه بقلعة بلجراد، وتعهَّد -أيضًا- بعدم السماح للقادة العثمانيين بالتدخل في الشئون الداخليَّة للإدارة مطلقًا[29].
لم يتوقَّف الأمر عند هذا التنازل إنما تجدَّدت ثورة الصرب في عام 1867م، ولم تتمكن الدولة العثمانية من إرسال جيشٍ تحت ضغط الأزمة الماليَّة، فقَبِلَت بالتخلِّي عن القلاع الأربع المتبقِّية في صربيا وجلاء كافَّة القوَّات العثمانية عنها[30]، فكانت هذه -كما قلنا في ثورة الجبل الأسود- الخطوة قبل الأخيرة للاستقلال التام لصربيا عن الدولة العثمانية.
ثورة كريت:
اندلعت هذه الثورة في أواخر 1866م[31] لرغبة أهالي الجزيرة -وهم في الغالب من اليونان الأرثوذكس- في الانضمام إلى مملكة اليونان[32]. فشلت الدولة العثمانية في إقناع أهل الجزيرة بالانصياع للدولة، فاضطرَّت إلى إرسال جيشين كبيرين؛ أحدهما عثمانيٌّ بقيادة عمر باشا، والآخر أوفده الخديوي إسماعيل من مصر. تمكَّن الجيشان من إخضاع الثورة[33][34]، ولكن لم يكن هذا -كما سيتبيَّن من الأحداث- كافيًا لكبت رغبة اليونانيين في التحرُّر من الدولة العثمانية.
توحيد الإفلاق والبغدان:
في عام 1859م توحدت إمارتا الإفلاق والبغدان في كيانٍ واحدٍ تحت زعامة الأمير ألكسندر چون كوزا Alexander John Cuza[35]. كان هذا مخالفًا لمعاهدة باريس 1856م، ومع ذلك قَبِل السلطان في 4 ديسمبر 1861م بهذه الوحدة، وبعدها بأقلَّ من ثلاثة أسابيع -في 23 ديسمبر 1861م- تكوَّنت حكومةٌ واحدةٌ للإمارتين، ثم برلمانٌ واحد في 4 يناير 1862م، وأُطلِق اسم «رومانيا» على هذا الكيان الجديد، وإعلان بوخارست عاصمةً له[36]. في عام 1864م أصدر السلطان قرارًا بفصل الكنيسة الرومانيَّة عن كنيسة القسطنطينية[37]. ستكون هذه الوحدة، وهذا الفصل للكنيسة، هما نواة تكوين «دولة رومانيا» لاحقًا، وبالتالي الاستقلال الكامل عن الدولة العثمانية! غنيٌّ عن البيان أن الدولة العثمانية تُقَدِّم هذه التنازلات لعدم قدرتها على السيطرة على الوضع، فكان هذا شراءً لرضا الرومانيين لمنع تدخُّل القوى الأوروبِّيَّة، على طريقة: «بيدي لا بيدِ عمرو»!
فرمان الخديويَّة المصريَّة:
رجعت مصر إلى تبعيَّة الدولة العثمانية إثر معاهدة لندن 1840م، وكان ضغط القوى الأوروبِّيَّة كبيرًا على محمد علي باشا الذي قَبِلَ حينها بالتبعيَّة الكاملة للعثمانيِّين، وأداء الضريبة السنويَّة، وتقليص الجيش المصري، واعتباره جزءًا من الجيش العثماني، وتطبيق القوانين العثمانية في مصر، كما قيَّدت المعاهدات قدرة مصر على إجراء المباحثات الدبلوماسيَّة منفردة، ووضعت مراقبةً على سياستها المالية. في الجملة كان الهدف هو الحدُّ من قدرات محمد علي باشا، ومنعه من التطوُّر مستقبلًا.
في عام 1863م وصل إسماعيل باشا، وهو حفيد محمد علي باشا من ابنه إبراهيم باشا، إلى حكم مصر[38]. كان الوالي الجديد يتمتَّع بمزايا إداريَّة وقياديَّة قريبة من جده، وكانت له طموحاتٌ كبيرة، وقد أسهم بشكلٍ كبيرٍ في تحديث مصر، ولذلك يعتبره المؤرِّخون المؤسِّسَ الثاني -بعد جدِّه محمد علي باشا- لمصر الحديثة[39]. نشأت صداقةٌ بين السلطان عبد العزيز والوالي إسماعيل باشا، وتبادلا الزيارات في إسطنبول والقاهرة؛ فقد زار السلطانُ مصر عام 1863م، وردَّ إسماعيل باشا الزيارة إلى إسطنبول في عام 1867م[40].
في هذه الزيارة الأخيرة وافق السلطان على الطلب المتكرِّر الذي كان يحرص عليه ولاة مصر، وهو تحويلها إلى «خديويَّة» -أي إمارة شبه مستقلَّة- وذلك في سبيل زيادة الضريبة السنويَّة التي تدفعها مصر إلى الدولة العثمانية، ومفهوم أن الذي دفع السلطانَ إلى ذلك هو ضغط الأزمات الماليَّة المتتالية، وكثرة ديون الدولة[41]. هذه الاستقلاليَّة ستُعطي مصر مرونةً أكبر في تحديث قوَّتها، وتحسين مستوى معيشتها، والمنافسة بشكلٍ قويٍّ على الساحة الإقليميَّة.
في عام 1873م أصدر السلطان فرمانًا جديدًا منح حرِّيَّةً أكبر للخديويَّة المصريَّة، فأعطى حكومتها حقَّ إصدار القوانين واللوائح التنفيذيَّة، وحقَّ فرض ضرائب جديدة، وحقَّ تحديد الرسوم الجمركيَّة، و-أيضًا- احتكار بعض أوجه التجارة، وعقد المعاهدات الخارجيَّة[42]. تُعتبر مصر في الحقيقة بهذه الفرمانات دولةً مستقلة، وعندها القدرة على التفوُّق والتقدُّم، وهذا بطبيعة الحال لن يروق للقوى الأوروبِّيَّة، وخاصَّةً بريطانيا، وسيكون لهم شأنٌ مع مصر، وخاصَّةً مع الخديوي الطموح إسماعيل باشا!
امتيازات ولاية تونس:
تمتَّعت تونس بالحكم الذاتي منذ ظهور الأسرة الحسينيَّة -كما مرَّ بنا- عام 1705م، ولكن هذا لم يكن بشكلٍ رسمي؛ إنما كان بسبب ضعف الدولة العثمانية، وعدم قدرتها على إحكام قبضتها على ولاياتها. الآن -في 1871م- أصدر السلطان عبد العزيز فرمانًا يُقنِّن الحكم الذاتي التوارثي لتونس[43]، ويُضيف إليه امتيازاتٍ أخرى[44]، وكان هذا يهدف إلى تحسين العلاقة معها؛ وذلك لقطع الطريق على فرنسا في احتلال تونس كما فعلت في الجزائر. كان هذا الحكم الذاتي في مقابل إرسال تونس لجنودٍ عند الحاجة[45]. واقع الأمر أن هذا لم يُجْدِ شيئًا؛ إذ قامت فرنسا باحتلال تونس فعلًا عام 1881م!
ثورة البوسنة والهرسك:
على الرغم من الأغلبيَّة المسلمة لهذين الإقليمين فإنهما -كغيرهما من أقاليم البلقان- شهدا في هذه المرحلة التاريخيَّة ثوراتٍ عنيفةً بغية الخروج من التبعيَّة العثمانية. قامت ثورات الهرسك أوَّلًا في عام 1852م في عهد السلطان السابق عبد المجيد الأول، وعلى الرغم من طول مدَّة الثورة فإنها لم تكن قويَّةً بالدرجة التي تزعج الدولة العثمانية، وانتهى الأمر بقمعها في عام 1862م[46]. كانت الثورة الأكبر تلك التي حدثت في البوسنة، وقد بدأت في 1873م، ولكنَّها اشتدَّت بقوَّة في يوليو 1875م.
كانت الثورة لأسبابٍ اقتصاديَّةٍ وعرقيَّةٍ في الأساس؛ فقد ضربت البوسنةَ مجاعةٌ كبرى في 1874م نتيجة عواملَ طقسٍ أدَّت إلى فساد المحاصيل الزراعيَّة، وكان هذا متزامنًا مع الانهيار الاقتصادي الذي تشهده الدولة العثمانية، فلم يقبل المواطنون هناك بالحلول القاصرة التي قدَّمتها الحكومة، وتطوَّر الأمر إلى الثورة المسلحة. زاد من شدَّة الثورة تذكية روح العرقيَّة، واهتمام كلِّ إقليمٍ بعرقه بصرف النظر عن دينه، ومِنْ ثَمَّ أراد «البوسنيون»، من المسلمين والنصارى، أن يأخذ إقليمهم حكمًا ذاتيًّا مثل صربيا، والإفلاق، والبغدان. دعمت النمسا هذه الثورة، وكذلك الصربيون، على الرغم من العداء التاريخي بين أهل البوسنة والصرب[47][48].
اضطرَّ السلطان عبد العزيز في أكتوبر وديسمبر 1875م إلى إصدار فرماناتٍ تهدف إلى تسكين الشعب في البوسنة والهرسك، وكانت تتضمَّن تخفيضًا في الضرائب، وفصلًا للسلطة القضائيَّة عن التنفيذيَّة، وتعيين قضاةٍ من السكان بالانتخاب، والمساواة بين المسلمين والنصارى، وتشكيل لجان لمراقبة الأوضاع، ومع ذلك لم تتمكن هذه التسهيلات من تهدئة السكان، الذين استمرُّوا في ثورتهم إلى آخر عهد السلطان عبد العزيز[49]. تدخلت الحكومة النمساويَّة بقوَّة، وكأنها حاميةٌ لحقوق البوسنة! فقدَّم وزير خارجيَّتها چيولا أندراسي Gyula Andrássy مذكرةً مطوَّلة فيها عددٌ من الإصلاحات المطلوبة في البوسنة والهرسك، تشمل بنودًا في الحرِّيَّات الدينيَّة، وفي نظام الضرائب، وآليَّات تحسين الزراعة، وطرق إنفاق الأموال المحصَّلة من الشعب البوسني[50]. قبلت الحكومة العثمانية بعض هذه البنود ورفضت أخرى، ولكن في كلِّ الأحوال لم تهدأ الثورة إلى آخر عهد السلطان عبد العزيز[51]!
الثورة البلغارية:
كما كانت ثورة البوسنة والهرسك صادمةً للأوساط العثمانيَّة، بسبب غالبيَّتهم المسلمة، كانت الثورة البلغارية صادمةً كذلك؛ بسبب هدوء البلغار في معظم فترات انضمام الإقليم للدولة العثمانية. تُعتبر بلغاريا من أوائل الدول الأوروبية التي دخلت في الدولة العثمانية، وفي هذه الفترة الطويلة التي زادت على خمسة قرون لم تشهد بلغاريا اضطراباتٍ تُذْكَر، ويرجع ذلك إلى قربها من إسطنبول، وإدارتها بشكلٍ مباشرٍ من العثمانيِّين، وكثرة استيطان المسلمين فيها، واهتمام الدولة ببنيتها التحتيَّة، وطرقها، ومدنها، كما كان وجودها في عمق الدولة العثمانية حاميًا لها من أن تكون موطن معارك مستمرَّة، وبالتالي حُفِظت أرضها، وأَمِنَ الفلاحون فيها، بعكس اليونان، أو المجر، مثلًا. على الرغم من ذلك شهدت بلغاريا -كغيرها من أقاليم البلقان- ثورةً ضدَّ العثمانيِّين في هذه الفترة!
كانت البداية بدعمٍ روسيٍّ للثورة! لم يفلح الروس في استخدام الأرثوذكسيَّة وحدها في استمالة الشعوب البلقانيَّة، فلجأوا إلى عنصرٍ آخر للتجميع كان فعَّالًا في هذه الحقبة التاريخيَّة، وهو عنصر «القوميَّة»، فاهتمَّ الروس بتحفيز طوائف من البلقانيِّين للاتحاد والتعاون بسبب عرقهم «السلاڤي»، وأسَّسوا ما عُرِفَ بالجامعة السلاڤية Pan-Slavism. والجامعة السلاڤية؛ أي الرابطة التي تجمع السلاڤ تحت رايةٍ واحدة، وهي ليست كيانًا له مكانٌ معروف؛ إنما هي أفكار، وقيم، ومبادئ، تهتمُّ بجمع كلِّ السلاڤيين، بسبب اشتراكهم في العرق[52]. ينقسم السلاڤيون جغرافيًّا إلى شرقيِّين: وهؤلاء يقطنون في روسيا، وأوكرانيا، وبيلاروسيا، وفنلندا، وغربيِّين: وهؤلاء يعيشون في بولندا، والتشيك، وسلوڤينيا، وأخيرًا جنوبيِّين: وهم أهل بلغاريا، وصربيا، والبوسنة، ومقدونيا، وكرواتيا، والجبل الأسود. في الواقع ليس شرق أوروبا مقصورًا على السلاڤيين؛ إنما تعيش فيه عرقيَّاتٌ أخرى؛ كالأتراك، واليونانيين، والجرمانيين[53].
في عام 1848م عَقَد الروس مؤتمرًا كبيرًا في التشيك عرضوا فيه أفكار الجامعة السلاڤية[54]، وهذا كان له أثرٌ كبيرٌ في نشاط الحركات القوميَّة السلاڤيَّة في الدولة العثمانيَّة في هذه الفترة. في 1870م، في عهد السلطان عبد العزيز، صَعَّد الروس من وتيرة الاعتزاز بالسلافيَّة عند البلغار بتزكية فكرة إقامة كنيسة سلاڤيَّة يكون بطريركها بلغاري سلاڤي ترعى شئون الأرثوذكس السلاڤيين، بدلًا من البطريرك «اليوناني» الحالي القاطن في إسطنبول. كان الأرثوذكس قبل ذلك يتجمَّعون تحت راية «الدين» فقط، أمَّا الآن فالرَّاية القوميَّة أقوى! دعم الروس هذا الطلب عند السلطان عبد العزيز، الذي وافق من منطلق الحرِّيَّة الدينيَّة على إنشاء الكنيسة السلاڤيَّة، وأصدر فرمانًا في شهر مارس 1870م يقضي باستقلاليَّة هذه الكنيسة عن كنيسة إسطنبول، وتبعيَّة الأرثوذكس البلغار لها لا للبطريرك اليوناني[55]! لعل السلطان كان يقصد تفتيت الأرثوذكس وبالتالي إضعافهم، أو يقصد حرمان اليونانيين من الهيمنة على البلقان لئلا تتكرَّر ثورة كريت، ولكن أيًّا كان مقصد السلطان فقد أتى القرار بنتائج عكسيَّة؛ إذ تحقَّق ما أراده الروس من اشتعال روح القوميَّة عند البلغار، وبدأوا بالبحث عن كينونتهم المفقودة منذ قرون، وفي غضون سنواتٍ قليلةٍ جدًّا من إنشاء كنيستهم قامت ثورتهم!
كانت بدايات الثورة في نوفمبر 1875م، وسرعان ما اشتدَّ لهيبها، حتى أخذت في أبريل 1876م -أواخر أيَّام السلطان عبد العزيز- شكلًا عنيفًا للغاية. كانت بداية الثورة في مدينة كوبريڤشتيتزا Koprivshtitsa، شمال غرب بلغاريا، ولكنها سرعان ما انتشرت في عدَّة مدن[56]. شملت الثورة تنفيذ عدَّة مذابح للمسلمين، ممَّا اضطرَّ السلطات العثمانيَّة إلى الردِّ بعنفٍ مماثل[57]، ممَّا أسهم في نشر أخبار الثورة في أوروبا كلِّها، وتفاعلت القنصليَّات الغربيَّة والروسيَّة لصالح البلغار بالطبع، وأرسلت بريطانيا رسالةً تحذيريَّةً إلى الحكومة العثمانية[58]، تطالب فيها بمعاقبة الموظفين المسئولين عن قمع الثورة، وتعويض الثائرين، وكذلك بتغيير نظام الحكم في ولاية بلغاريا، وتعيين والٍ عثماني نصراني، أو مسلم بمستشارين نصارى[59].
لم يقف حدُّ التفاعل الأوروبي عند الساسة؛ إنما تجاوزهم إلى الأدباء، والعلماء، والإعلاميِّين، وصارت الثورة البلغارية حديث الشعوب والحكومات، وتصدَّرت أخبارها الصفحات الأولى من الصحف[60]، وهذا سيكون له أثرٌ كبيرٌ على الأحداث المستقبليَّة في الدولة العثمانية. كان من الواضح أن الغرب يستغلون كلَّ حدثٍ لإملاء شروطٍ جديدةٍ على الدولة العثمانية، ولم تعد هناك حدودٌ أو قيودٌ لهذه الشروط، وهذه سمات غياب الهيبة، وعلامات انهيار الدولة!
عودة اليمن إلى الحكم العثماني:
نتيجة اضطراباتٍ داخليَّةٍ في اليمن، وخلافاتٍ بين الأئمَّة الزيديَّة، وجدت الدولة العثمانية الفرصة في عام 1872م لإعادة اليمن إلى تبعيَّتها. تمت السيطرة على صنعاء، واتُّخِذت عاصمةً للولاية[61]. كانت سيطرة الدولة العثمانية على المدن دون القرى التي ظلَّت تحت سيطرة القبائل اليمنيَّة[62]. لم يستقر الحكم العثماني في اليمن قط على الرغم من الجهود الإصلاحيَّة التي تمت في هذه الفترة، بل على العكس نظر المجتمع اليمني المحافظ إلى التحديثات العثمانية على أنها علمانيَّة تُناقض الشريعة، ومِنْ ثَمَّ لم يُسلموا القياد للعثمانيين قط[63]. في الواقع لم يكن هناك داعٍ -في رأيي- لأن تُورِّط الدولة العثمانية نفسها في اليمن في ظلِّ التوترات المهولة التي تقابلها الدولة في البلقان، وكان دخول العثمانيِّين مجددًا في اليمن حلقةً في سلسلة التخبُّطات التي لا معنى لها في هذه الحقبة!
نظرة إجماليَّة على حركات الانفصال في عهد السلطان عبد العزيز:
ليس من قبيل المصادفة أن تحدث كلُّ هذه الثورات في وقتٍ متزامن! إن فترة السلطان عبد العزيز هي المرحلة الأخيرة من حقبة «الانهيار الخفي»، وطبيعي أن تتهاوى فيها الدولة بهذه الصورة، كما أن الثوَّار يدعم بعضهم بعضًا! فثورة صربيا تُشجِّع أهل كريت على التمرُّد، وثورة البوسنة تزرع الأمل عند البلغار في نجاح ثورتهم، وهكذا. في الحسابات النظريَّة لم تُنْقِص هذه الثورات من الدولة العثمانية أرضًا خلال عهد السلطان عبد العزيز، ولكن الواقع أنها كانت كالنمل الأبيض الذي يأكل الأساسات بالتدريج، فيظلُّ البنيان قائمًا أمام الناظرين، ثم فجأة، وبعد سنواتٍ من العمل، ينهار المبنى كلُّه في لحظةٍ ويتلاشى! ستنتقل الدولة بعد عهد عبد العزيز إلى حقبة «الانهيار الجلي»؛ حيث سيكون فَقْدُ الأراضي والأملاك سريعًا جدًّا، وبالجملة، وسيظهر ما كان خفيًّا في هذه المرحلة!
الحركات السِّرِّيَّة في الدولة العثمانيَّة
في ظلِّ هذه الأجواء المضطربة لم تكن الثورات ورغبات الانفصال مقصورةً على الشعوب الكثيرة المنضوية تحت حكم الأتراك العثمانيِّين، ولم تكن مقصورةً كذلك على النصارى المخالفين لعقيدة الدولة؛ إنما سرى هذا الفكر في الأتراك أنفسهم، وبات كثيرٌ من المهتمِّين بالشأن السياسي، أو حتى من عامَّة الشعب، يتمنَّى الخروج من هذا التيه الذي دخلت فيه دولتهم. لم يكن سهلًا على الأتراك بعد أن عاشوا زمنًا طويلًا من تاريخهم سادةً على أوروبا، ومؤثِّرين تمامًا في سياستها، أن يجدوا أنفسهم لعبةً في يد بريطانيا تارة، وفي يد الروس تارةً أخرى، وليس سهلًا كذلك أن يروا دولتهم العتيدة تمدُّ يدها للاقتراض من أعدائها، ولا تملك القوَّة على رفض طلباتهم السخيفة والمتكرِّرة. هذه المشاعر، بالإضافة إلى أجواء التحرُّر التي خلقتها الثورة الفرنسية في أوروبا في القرن التاسع عشر، أدَّت إلى قيام الحركات السِّرِّيَّة المناهضة للحكومة، وكانت في مجملها تهدف إلى تغيير الوضع، ولكن بطرقٍ مختلفةٍ حسب التوجُّه الفكري.
كانت أهمُّ هذه الحركات جمعيَّةً أسَّسها مجموعةٌ من الشباب الأتراك المتحمِّسين للتغيير، والملاحظين للفجوة الكبرى التي صارت بين الدولة العثمانية والغرب الأوروبي، والراغبين في تجاوز هذه الفجوة والوصول بالدولة إلى منتهى آمالهم. يأتي على رأس هؤلاء الشباب محمد نامق كمال، وهو أديبٌ تركيٌّ مشهور، وإعلاميٌّ كبير، ورجل دولة، وشاعرٌ متمكِّن، ومعروفٌ بين الأتراك بشاعر الوطن. من هؤلاء -أيضًا- الإعلامي إبراهيم شناسي، والمدرس علي سوافي، والسياسي ضياء باشا، والإعلامي أغا أفندي، وغيرهم. أطلق هؤلاء على جمعيَّتهم اسم «العثمانيين الشبان» Young Ottomans، وعُرِفَت جمعيتهم في الأوساط الغربية لاحقًا «بتركيا الفتاة» Young Turk[64]. كان تأسيس الجمعيَّة في إسطنبول عام 1865م، ولكنهم سرعان ما انتقلوا إلى باريس في عام 1867م، وقد شملهم بالرعاية هناك الأمير المصري مصطفى فاضل، وهو أخو الخديوي المصري إسماعيل باشا، وكان على خلافٍ معه، ولذلك اضطرَّ إلى الحياة في باريس[65].
لم تكن الجمعيَّة تهدف إلى إسقاط الدولة العثمانية، بل على العكس كانت تطمح في استعادة مركزها كقوَّةٍ مؤثِّرةٍ في أوروبا. خلط مؤسِّسو الجمعيَّة بين المبادئ الإسلاميَّة الأصيلة والأفكار القوميَّة الحديثة، فكان لهم فكرٌ جديدٌ على المجتمعات العثمانيَّة، تحدَّثوا فيه عن الحرِّيَّة، والقوميَّة، والمساواة، والوطنيَّة[66]، وعملوا على نشر أفكارهم في الصحف التي أصدروها، مثل صحيفة العبرة، وصحيفة الانقلاب، وصحيفة العلوم، وقد انتشرت هذه الصحف في باريس، وليون، ومرسيليا، وجنيف، ولندن، وبدأ أنصار هذا التيار الفكري يتزايدون[67][68]. كان أكثر المنضمِّين إلى هذه الجمعيَّة من فئتي الأطبَّاء والعسكريِّين الشُّبَّان[69]، وقد يكون سبب الانتشار في هاتين الفئتين تحديدًا هو اهتمام الدولة العثمانية بتحديثهما على النمط الأوروبي في العقود الأخيرة، ممَّا عرَّضهما للتجارب الغربيَّة، فاطَّلعوا على الحياة الأوروبِّيَّة عن قرب، وبالتالي زادت عندهم الرغبة في الوصول إلى هذا المستوى الحضاري.
استطاع روَّاد هذه الجمعيَّة أن يصوغوا أهمَّ أفكارها في أربعة مبادئ رئيسة؛ الحرِّيَّة الفرديَّة، وقيام النظام الدستوري، والقضاء على الإقطاع، والتحرُّر من السيطرة الأجنبيَّة[70]. كانت هذه المبادئ شيئًا جديدًا على المجتمع العثماني وخاصَّةً الفئة الحاكمة، ولذلك اعتُبر الحديث عن هذه الأمور أمرًا معاديًا للدولة على الرغم من سعي الدولة للإصلاح في العقود الأخيرة، وهذا أدَّى إلى بقاء رموز الجمعيَّة خارج الدولة العثمانية في سنواتها الأولى. تأثَّر بأفكار هذه الجمعيَّة عددٌ من السياسيِّين المهمِّين في الدولة؛ على رأسهم أحمد مدحت باشا، وهو الرجل المتمكِّن الذي شغل عدَّة مناصب قياديَّة كبرى في الدولة، كوالي نيش، ووالي الدانوب، ووالي بغداد، ووزير العدل، وكذلك الصدر الأعظم لفترةٍ وجيزة، فحقَّق نجاحاتٍ كثيرة[71]. كان أتباع هذه الجمعيَّة والمتأثِّرون بها، يرون أن أفضل طريقةٍ للخروج من المأزق الذي تعيشه الدولة العثمانية، هو تغيير نظام الحكم من أوتوقراطي فردي إلى ديموقراطي نيابي، ويلزم لهذا وضع «دستور» يلتزم به الحاكم والمحكوم، كما كان المنتمون لهذه الجمعيَّة يُعزِّزون مبدأ القومية التركية، دون إلغاء لهويَّتهم الإسلاميَّة[72]، وإن كانوا لاحقًا، وبعد سنواتٍ من موت المؤسِّسين، سيُرجِّحون قوميَّتهم على إسلاميَّتهم.
خاتمة حياة السلطان عبد العزيز
كان من الضروري لهذه الحياة المضطربة التي عاشها السلطان عبد العزيز أن تكون نهايتها أكثر اضطرابًا! فالدولة كانت تنتقل من أزمةٍ إلى أخرى، وتخرج من كارثةٍ لتقع في كارثةٍ أشد، وقد تصاعدت وتيرة المصائب في عامي 1875، و1876، لتضع النهاية لحكم هذا السلطان!
كانت السمة المميِّزة لهاتين السنتين الأخيرتين هما التدهور الاقتصادي الذي وصل لأوَّل مرَّةٍ في تاريخ الدولة إلى حدِّ الإفلاس، واضطرابات البلقان التي لم تهدأ قط.
إفلاس الدولة:
انتهجت الدولة سياسة القروض من الدول الأجنبيَّة لحلِّ مشاكلها المزمنة، وغنيٌّ عن البيان أن الرِّبا الفاحش كان هو الأساس في هذه القروض، وكانت الفائدة تصل أحيانًا إلى تسعة ونصف بالمائة، ولقد اقترضت الدولة في خلال عشرين سنة (من 1854 إلى 1874م) عشر مرَّات، ووصلت في النهاية إلى العجز الكامل عن السداد[73]، ممَّا دفع الصدر الأعظم محمود نديم باشا إلى إعلان الإفلاس الرسمي للدولة في أبريل 1876م[74]! على الرغم من هذه الفاجعة الاقتصاديَّة، فإن السلطان -وهذا في الواقع عجيب- أمر ببناء عدَّة قصور شديدة الفخامة خلال فترة حكمه؛ مثل سرايا بكلربكي Beylerbeyi، وقصر جراغان Çırağan[75]، مع توسعة وتجديد في قصور أخرى، على الرغم من وجود قصور أخرى فخمة للغاية من العصور التي سبقت؛ كقصري توب كابي، ودولمة بهجة. ولقد كلَّفت منشآت السلطان المدنيَّة الخاصَّة خزينة الدولة مبالغ كبيرةً وصلت إلى حوالي خمسة عشر بالمائة من جملة الإنفاق العام، وكانت الدولة تلجأ إلى الحصول على المزيد من القروض الأجنبيَّة لدفع الفوائد، ونتج عن ذلك أن ارتفع الدين العثماني عام 1876 إلى 200 مليون جنيه إسترليني[76]! إن هذا في الواقع سَفَهٌ غير مفهوم، وكان لا بُدَّ لهذا الوضع أن يُحْدِث توتُّرًا شديدًا في الدولة، ويرفع من حالة الاحتقان الشعبي.
اضطرابات البلقان:
في السنة الأخيرة للسلطان عبد العزيز، 1876م، لم يبقَ مكانٌ تقريبًا في البلقان إلا وهو مشتعل! كانت كلُّ الولايات -بلا أدنى استثناء- تسعى للخروج من التبعيَّة العثمانية. تفاقم الوضع بشدَّة في البوسنة بمساعدة النمسا، وفي بلغاريا بمساعدة روسيا. كان الوضع متردِّيًا كذلك في صربيا، والجبل الأسود، وكريت، والإفلاق، والبغدان. بدا واضحًا أن أيَّام العثمانيِّين في هذه البقاع صارت معدودة. لم يكن عند الحكومة العثمانيَّة أدنى تصوُّر للخروج من الأزمة، وكانت خطواتها متخبطةً للغاية!
تأسيس مجلس الشورى، وبداية صياغة الدستور:
في ظلِّ هذه الأجواء، وكمحاولةٍ للخروج من المأزق، اتَّجه السلطان إلى تفعيل مجلس الشورى الذي كان قد أسَّسه عام 1868م[77]. لم يكن الانضمام إلى مجلس الشورى يتم بالانتخاب كما هو الحال في المجالس الأوروبِّيَّة؛ إنما كان باختيار السلطان من الترشيحات التي يُقدِّمها ولاة الأقاليم، ولم يكن للمجلس صلاحيَّات اختيار الموضوعات التي يناقشها؛ إنما يبدي رأيه في الأمور التي تُعْرَض عليه فقط. يعتبر هذا المجلس صورة بدائيَّة لمجلس النوَّاب لاحقًا، ولكنَّه لم يكن ذا أثرٍ فاعل، ولذا لم يتحسَّن الوضع[78]. -أيضًا- قَبِلَ السلطان بصياغة «دستور» للدولة. شُكِّلت لجنة لصياغة الدستور، وكانت برئاسة أحمد مدحت باشا، وكان من بين أفرادها محمد نامق كمال، وضياء باشا، وهما -كما مرَّ بنا- من مؤسِّسي جمعيَّة العثمانيِّين الشُّبَّان[79]، على الرغم من كونهما برزا كمعارضَيْن للدولة، ومن الواضح باختيارهما أن الدولة -وهي في هذه الحالة الشديدة من الضعف- كانت تحاول شراء أصوات المعارضين الكُثُر لها. لم تكن هذه الإجراءات في الواقع كافية لتهدئة الأجواء، خاصَّةً أن تنفيذها لم يكن عن قناعة؛ إنما كان بسبب الضغوط الاستثنائيَّة التي تعيشها الدولة، ومِنْ ثَمَّ اتجهت الأمور إلى خلع السلطان!
خلع السلطان عبد العزيز:
في أوائل مايو 1876م خرج طلاب المعاهد الشرعيَّة بمظاهرة حاشدة بلغت ستَّة آلاف طالب تُنادي بإسقاط الصدر الأعظم محمود نديم باشا، وتعيين مدحت باشا بدلًا منه، كما نادت المظاهرة بعزل شيخ الإسلام حسن فهمي أفندي[80][81]. بعد مداولات، ونتيجة خشية السلطان من تحول المظاهرة إلى العنف المسلح، عزل الصدرَ الأعظم، لكنه ولَّى مكانه محمد رشدي باشا، وليس مدحت باشا. -أيضًا- عزل السلطانُ شيخ الإسلام وعيَّن مكانه خير الله أفندي[82].
لم تكن هذه المظاهرات الطلابِّيَّة هي نهاية المطاف بل بدايته! حيث لم يتوقَّف الأمر عند الطلاب؛ إنما تكوَّن حزب من السياسيِّين والعسكريِّين يرى أن انفجار الشعب حتمي؛ فإفلاس الدولة، واضطرابات البلقان، وتدخل الدول الأجنبيَّة، وعدم كفاية السلطان. كلُّ ذلك سيقود إلى نتائج وخيمة على الدولة، وكان الحل الذي يراه هؤلاء هو عزل السلطان، والإتيان بسلطان جديد قابل بالحياة الدستورية، وإعادة بناء الدولة وَفق المعايير الحديثة.
ضمَّ الحزب الراغب في خلع السلطان عددًا من الشخصيَّات المؤثِّرة في الدولة، مثل مدحت باشا الصدر الأعظم السابق، وصاحب القبول الشعبي الكبير، وحسين عوني باشا وزير الحربيَّة، ومحمد رشدي باشا الصدر الأعظم الجديد، وسليمان باشا رئيس المدرسة الحربيَّة، وقيصرلي أحمد باشا قائد البحريَّة، وأحمد رضا باشا وزير الماليَّة، وغيرهم[83]. كان من الواضح أن جميع هؤلاء متأثِّرون بشكلٍ أو آخر بأفكار جمعيَّة تركيا الفتاة، وهذا سيفتح صفحة جديدة في التاريخ العثماني.
استصدر هؤلاء الوزراء وقادة الجيش فتوى من شيخ الإسلام خير الله أفندي بوجوب خلع السلطان لعجزه عن القيام بمهام الدولة، وسُيطِر على محاور مدينة إسطنبول، وبعد مناوشات محدودة مع حرس السلطان وُصِل إليه، وقراءة بيان الخلع عليه، وكان ذلك صبيحة 30 مايو 1876م[84]، ولم يقاوم السلطان أحدًا، فخُلِع بهدوء، وأتي الوزراء بولي العهد الأمير مراد بن عبد المجيد الأول، وهو ابن أخي السلطان عبد العزيز، وأبلغوه بالتطوُّر الجديد.
بعد خمسة أيام من الخلع -في 4 يونيو 1876م- وُجِدَ السلطان عبد العزيز ميتًا في حجرة قصره، وقد قُطِعَت أوردة ذراعيه بمقص! اختلف المعاصرون، والمؤرخون بعد ذلك، فيما إذا كان مات مقتولًا[85] أم منتحرًا[86][87][88]، ولم تكشف الأيَّام عن السبب الحقيقي بشكلٍ يقيني، فالله أعلم بما حدث.
بهذا أغلقت مرحلة الانهيار الخفي لتبدأ الدولة في رحلة انهيارها الجلي بخطوات متسارعة[89].
[1] أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، 1990 صفحة 2/65.
[2] حليم، إبراهيم: التحفة الحليمية في تاريخ الدولة العلية، مطبعة ديوان عموم الاوقاف، القاهرة، الطبعة الأولى، 1323هـ=1905م. صفحة 210.
[3] دومون، ﭘول: فترة التنظيمات (1878-1839)، ضمن كتاب: مانتران، روبير: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: بشير السباعي، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة–باريس، الطبعة الأولى، 1993م. صفحة 2/68.
[4] Zürcher, Erik Jan: The Unionist Factor: The Rôle of the Committee of Union and Progress in the Turkish National Movement, 1905-1926, Brill, Leiden, Netherlands, 1984., pp. 1-2.
[5] Özavcı, Hilmi Ozan: Namik Kemal's Constitutional Liberalism: Sovereignty, Justice and the Critique of the Tanzimat, In: Atanassow, Ewa & Kahan, Alan S.: Liberal Moments: Reading Liberal Texts, Bloomsbury Publishing, New York, USA, 2017., p. 102.
[6] آق كوندز، أحمد؛ وأوزتورك، سعيد: الدولة العثمانية المجهولة، وقف البحوث العثمانية، إسطنبول، 2008م. الصفحات 650-653.
[7] Ayoub, Samy: The Mecelle, Sharia, and the Ottoman State: Fashioning and Refashioning of Islamic Law in the Nineteenth and Twentieth Centuries, In: Saraçoğlu, M. Safa; Zens, Robert W. & Schull, Kent F.: Law and Legality in the Ottoman Empire and Republic of Turkey, Indiana University Press, Bloomington, Indiana, USA, 2016., p. 144.
[8] Howard, Douglas Arthur: The History of Turkey, ABC-CLIO, LLC, Californai, USA, Second Edition, 2016., p. 66.
[9] آيدين، محمد عاكف: النظم القانونية في الدولة العثمانية، ضمن كتاب: إحسان أوغلي، أكمل الدين: الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، ترجمة: صالح سعداوي، مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية، إستانبول، 1999م.الصفحات 1/514-517.
[10] العزاوي، قيس جواد: الدولة العثمانية: قراءة جديدة لعوامل الانحطاط، الدار العربية للعلوم، بيروت، 2003م. الصفحات 78، 79.
[11] أورطايلي، إيلبر: النظم الإدارية في عهد التنظيمات الخيرية وما تلاه، ضمن كتاب: إحسان أوغلي، أكمل الدين: الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، ترجمة: صالح سعداوي، مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية، إستانبول، 1999م. صفحة 1/331.
[12] أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، 1990 الصفحات 2/74، 75.
[13] Christensen, Peter H.: Germany and the Ottoman Railways: Art, Empire, and Infrastructure, Yale University Press, New Haven, Connecticut, USA, 2017, p. 12.
[14] كوتوك أوغلي، مباهات: البنية الاقتصادية في الدولة العثمانية، ضمن كتاب: إحسان أوغلي، أكمل الدين: الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، ترجمة: صالح سعداوي، مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية، إستانبول، 1999م.صفحة 1/715.
[15] Baynes, Thomas Spencer: The Encyclopaedia Britannica: A Dictionary of Arts, Sciences, and General Literature, Ninth Edition, H.G. Allen, New York, USA, 1888., vol. 1, p. 15.
[16] باتريك، ماري ملز: سلاطين بني عثمان، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 1407هـ=1986م.صفحة 67.
[17] Baynes, 1888., vol. 1, p. 15.
[18] Ersoy, Ahmet A.: Architecture and the Late Ottoman Historical Imaginary: Reconfiguring the Architectural Past in a Modernizing Empire, Routledge, New York, USA, 2016., p. 235.
[19] كينروس، چون باتريك: القرون العثمانية قيام وسقوط الإمبراطورية التركية، ترجمة وتعليق: ناهد إبراهيم دسوقي، منشأة المعارف، الإسكندرية-مصر، 2002م.صفحة 573.
[20] حليم، 1905 صفحة 209.
[21] Chisholm, Hugh & Garvin, James Louis: The Encyclopædia Britannica: A Dictionary of Arts, Sciences, Literature & General Information, Cambridge University Press, Cambridge, UK, Eleventh Edition, 1911., vol. 1, p. 35.
[22] O'Connell, John Morgan: Commemorating Gallipoli through Music: Remembering and Forgetting, Lexington Books, New York, USA, 2018., p. 55.
[23] كولن، صالح: سلاطين الدولة العثمانية، ترجمة: منى جمال الدين، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1435هـ=2014م. صفحة 297.
[24] Banović, Branko: The Montenegrin Warrior Tradition: Questions and Controversies over NATO Membership, Palgrave Macmillan, New York, USA, 2016., p. 48.
[25] Tucker, Spencer C.: A Global Chronology of Conflict: From the Ancient World to the Modern Middle East, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2010., vol. 4, p. 1360.
[26] Goldstein, Erik: Wars and Peace Treaties: 1816 to 1991, Routledge, London, UK, 1992., p. 28.
[27] فريد، محمد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى، 1401هـ=1981م. صفحة 534.
[28] Miller, William: The Ottoman Empire and its Successors 1801 – 1927, Frank Cass & Co. LTD, London, UK, 1966., pp. 254-255.
[29] فريد، 1981 الصفحات 536، 537.
[30] سرهنك، إسماعيل: حقائق الأخبار عن دول البحار، المطابع الأميرية، بولاق، مصر، الطبعة الأولى، 1312هـ=1895م.الصفحات 1/710، 711.
[31] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 416.
[32] كولن، 2014 صفحة 298.
[33] سرهنك، 1895 الصفحات 1/711، 712.
[34] دومون، 1993 الصفحات 2/142، 143.
[35] ييلافيتش، تشارلز؛ وييلافيتش، بربارا: تفكيك أوروبا العثمانية (إنشاء دول البلقان القومية) 1804 – 1920، إشراف: بيتر شوجر، دونالد تريد جولد، ترجمة: عاصم الدسوقي، دار العالم الثالث، القاهرة، 2007م. الصفحات 131-133.
[36] Iordachi, Constantin: Liberalism, Constitutional Nationalism, and Minorities: The Making of Romanian Citizenship, c. 1750–1918, Brill, Leiden, Netherlands, 2019., p. 201.
[37] سرهنك، 1895 صفحة 1/711.
[38] عبد الفتاح، عصام: أيام محمد علي: عبقرية الإرادة وصناعة التاريخ، دار المنهل، 2014م. صفحة 202.
[39] البهيجي، إيناس محمد: مصر في عهد الخديوي إسماعيل، مركز الكتاب الأكاديمي، عمان–الأردن، 2017م، 2017 صفحة 20.
[40] Gibb, Hamilton Alexander Rosskeen; Kramers, Johannes Hendrik; Lewis, Bernard; Pellat, Charles; Schacht, Joseph & et al.: The Encyclopaedia of Islam, E. J. Brill, Leiden, Netherlands, 1973., p. 192.
[41] Baynes, 1888, vol. 1, p. 15.
[42] لوتسكي: تاريخ الأقطار العربية الحديث، ترجمة: عفيفة البستاني، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الثامنة، 1985م. صفحة 199.
[43] فريد، 1981 الصفحات 559-562.
[44] حليم، 1905 صفحة 218–220.
[45] فريد، 1981 صفحة 561.
[46] Hötte, Hans H.A.: Atlas of Southeast Europe: Geopolitics and History, Brill, Leiden, Netherlands: 1815-1926, Edited by: Gábor Demeter, Dávid Turbucs, 2018, vol. 3, pp. 7-8.
[47] طقوش، محمد سهيل: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة، دار النفائس، بيروت، الطبعة الثالثة، 1434هـ=2013م. صفحة 414.
[48] باتريك، ماري ملز: سلاطين بني عثمان، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 1407هـ=1986م. صفحة 101.
[49] سنو، عبد الرؤوف: العلاقات الروسية - العثمانية (1687 - 1878): مسألة البحر الأسود والأزمة البلقانية (1856 - 1878)، مجلة تاريخ العرب والعالم، دار النشر العربية للدراسات والتوثيق، بيروت، العددان 79-80، الجزء السابع، 1985م (ب). صفحة 9.
[50] دومون، 1993 صفحة 2/144.
[51] سنو، 1985 (ب) الصفحات 9، 10.
[52] Vyšný, Paul: Neo-Slavism and the Czechs 1898-1914, Cambridge University Press, Cambridge, UK, 1977., p. 8.
[53] Dvornik, 1962, pp. xxi-xxvi.
[54] Vyšný, 1977, p. 8.
[55] حسون، علي: العثمانيون والبلقان، المكتب الاسلامي، بيروت–دمشق، الطبعة الثانية، 1406هـ=1986م.صفحة 224.
[56] ييلافيتش، وييلافيتش، 2007 الصفحات 158، 159.
[57] Shaw, Stanford Jay & Shaw, Ezel Kural: History of the Ottoman Empire and Modern Turkey: Reform, Revolution and Republic: The Rise of Modern Turkey, 1808-1975, Volume II, Cambridge University Press, New York, USA, 1977., vol. 2, p. 162.
[58] كينروس، 2002 الصفحات 577، 578.
[59] فريد، 1981 صفحة 607.
[60] Chary, Frederick B.: The History of Bulgaria, ABC-CLIO, Santa Barbara, California, USA, 2011., pp. 33-34.
[61] أباظة، فاروق عثمان: الحكم العثماني في اليمن (1872-1918)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1975م. الصفحات 92-95.
[62] Gürpınar, Doğan: Ottoman/Turkish Visions of the Nation, 1860-1950, The Palgrave Macmillan, NewYork, USA, 2013., p. 71.
[63] Kuehn, Thomas: Empire, Islam, and Politics of Difference: Ottoman Rule in Yemen, 1849-1919, Brill, Leiden, Netherlands, 2011., p. 88.
[64] Somel, Selçuk Akşin: The A to Z of the Ottoman Empire, the Scarecrow press, Lanham, MD, USA, 2010., p. 328.
[65] كينروس، 2002 الصفحات 571، 573.
[66] Finkel, Caroline: Osman's Dream: The Story of the Ottoman Empire 1300-1923, John Murray, London, UK, Basic Books, New York, 2006., p. 475.
[67] Somel, 2010, p. 328.
[68] Zürcher, Erik Jan: The Unionist Factor: The Rôle of the Committee of Union and Progress in the Turkish National Movement, 1905-1926, Brill, Leiden, Netherlands, 1984., p. 69.
[69] Demonian, Hripsimé: The Sick Men of Europe, Gyumri State Pedagogical Institute, Gyumri, Shirak, Armenia, 1996., p. 11.
[70] طقوش، 2013 صفحة 506.
[71] Masters, Bruce Alan: Midhat Pasha (Ahmet Şefik Midhat Pasha, Ahmed Şefik Midhat Pasha) (b. 1822–d. 1884), In: Ágoston, Gábor & Masters, Bruce Alan: Encyclopedia of the Ottoman Empire, Infobase Publishing, New York, USA, 2009 (C). (C), pp. 378-379.
[72] Finkel, 2006, p. 478.
[73] كينروس، 2002 الصفحات 576-582.
[74] Birdal, Murat: The Political Economy of Ottoman Public Debt: Insolvency and European Financial Control in the Late Nineteenth Century, I.B.Tauris, London, Uk, 2010., p. 40.
[75] كولن، 2014 صفحة 301.
[76] كينروس، 2002 صفحة 576.
[77] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 616.
[78] Shaw & Shaw, 1977, vol. 2, pp. 80-81.
[79] النعيمي، أحمد نوري: النظام السياسي في تركيا، دار زهران للنشر والتوزيع، عمان-الأردن، 2011م.الصفحات 34، 35.
[80] دومون، 1993 صفحة 2/146.
[81] كينروس، 2002 صفحة 579.
[82] سرهنك، 1895 صفحة 1/721.
[83] أوزتونا، 1990 الصفحات 2/81-83.
[84] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 418.
[85] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 الصفحات 418-420.
[86] حليم، 1905 صفحة 221.
[87] بروكلمان، 1968 صفحة 584.
[88] Shaw & Shaw, 1977, vol. 2, p. 164.
[89] دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442هـ= 2021م، 2/ 1095- 1114.
لشراء كتاب قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط يرجى الاتصال على الرقم التالي: 01116500111
التعليقات
إرسال تعليقك