التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
صعد الأمير محمد رشاد إلى حكم الدولة العثمانية تحت اسم محمد الخامس. وكان من الواضح بدراسة الظروف التي تولى فيها أنه لن يكون له من الأمر شيءٌ البتَّة.
السلطان محمد الخامس (1909-1918م)
صعد الأمير محمد رشاد إلى الحكم بعد عزل أخيه، وذلك تحت اسم «محمد الخامس». كان من الواضح بدراسة الظروف التي تولى فيها هذا السلطان الجديد الحكم أنه لن يكون له من الأمر شيءٌ البتَّة! سيتولى حزب الاتحاد والترقي القيادة بلا جدال، أمَّا هو فسيكون مجرَّد «صورة». أوَّلًا لتحكُّم الاتحاديين بالجيش، وثانيًا لعدم فقه السلطان محمد الخامس للسياسة؛ فقد قضى سنوات حبسه في عهد السلطان عبد الحميد الثاني في تعلُّم اللغات الشرقيَّة، وفي دراسة الشعر الفارسي، ولم يكن يخرج -بأمر السلطان- من قصره إلَّا نادرًا[1].
يُعَدُّ السلطان عبد الحميد الثاني بذلك هو آخر الحكام الفعليِّين لآل عثمان، وسيكون آخر ثلاثة سلاطين في عمر الدولة بلا سلطةٍ تقريبًا. لا أدري في الواقع كيف كان السلطان عبد الحميد الثاني يتخيَّل شكل الدولة بعد موته؟ هل كان يتوقَّع لها السلامة تحت قيادة رجلٍ حُبِس أكثر من ستِّين سنة؟ أم كان يتوقَّع أن يعيش هو لدولته فلا يموت أبدًا؟! كان من الأجدر لرجلٍ عاقلٍ مثله أن يُدَرِّب وليَّ عهده على إدارة أمور البلاد والعباد، ولكن وساوس الانقلاب عليه كانت تمنعه من التفكير في مستقبل البلاد من بعده!
حدثت أمورٌ جسامٌ في عهد السلطان محمد الخامس، سواءٌ على مستوى الدولة العثمانية، أم على مستوى العالم كلِّه، وقد حكم تسع سنواتٍ فَقَدَ فيها معظم الأقطار المتبقية في الإمبراطوريَّة العثمانيَّة، ولم يبقَ مع الدولة في آخر عهده سوى الأناضول فقط تقريبًا بالإضافة إلى إسطنبول! إنَّنا يمكن أن نُقسِّم فترة حكمه إلى مرحلتين رئيستين؛ الأولى خمس سنوات، من 1909 إلى 1914م، وفيها تحلَّلت ولايات البلقان العثمانية، كما فقدت الدولةُ ليبيا لصالح إيطاليا، والمرحلة الثانية كانت أربع سنوات، من 1914 إلى 1918م، ودخلت فيها الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى، وشهدت تحلُّلًا لولاياتها العربيَّة المتبقية. وفي هذا المقال سوف نتحدث عن المرحلة الأولى:
المرحلة الأولى: تحلُّل البلقان، وفَقْدُ ليبيا (1909-1914م)
تسلَّم حزب الاتحاد والترقي الحكم الفعلي في الدولة العثمانية بصعود محمد الخامس على العرش[2]، والحقُّ أنه لا يمكن تقييم تجربة الاتحاديين من خلال هذه السنوات الأولى في حكمهم؛ لأن الأوضاع كانت مضطربةً في الدولة بشكلٍ كبير. لقد اختلَّ الوضع الاقتصادي نتيجة الأحداث الاستثنائيَّة التي شهدتها البلاد في العامين الأخيرين من عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وبدأت فترة محمد الخامس والموظفون لا يتقاضون رواتبهم، والحكومة لا تقدر على سداد ديونها الخارجيَّة في مواعيدها، كما أن الانفلات الأمني صار سمةً ظاهرة، وعمَّت الفتن كثيرًا من الولايات[3].
كانت النظريَّة التي تحكم فكر فريق الاتحاديين الذي وصل إلى الحكم هي نظريَّة «القومية التركية»[4]. كان هناك فريقٌ آخر من الاتحاديين يرى قيام الدولة المجمِّعة للعرقيَّات المختلفة، وقد مرَّ بنا أن المتزعم لهذا التيار كان الأمير صباح الدين، ولكن هذا الفريق لم يكن له تأثيرٌ على الحكم في هذه المرحلة، ولهذا اتجهت الحكومة إلى «تتريك» الدولة، وذلك عن طريق إعطاء الأتراك المراكز القياديَّة في الدولة، والجيش، والولايات. هذا التوجُّه ساعد القوميَّات المختلفة المتبقية في الدولة العثمانية على النهوض للمناداة باستقلالها عن هذا الكيان التركي الجديد[5].
الحقُّ أن القوميَّات المختلفة كانت تسعى للانفصال عن الدولة العثمانية من قبل الاتحاديين بعقود، ولكن وتيرة الرغبة في الانفصال تصاعدت في ظلِّ حكمهم، خاصَّةً من كثيرٍ من العرب، الذين شعروا في ظلِّ هذه الأجواء أن الأفضل أن تكون لهم دولةٌ قوميَّةٌ عربيَّةٌ مستقلَّة من أن يكونوا مجرَّد ولايةٍ تابعةٍ «للأتراك».
أيضًا شهدت هذه الفترة الأولى من حكم الاتحاديين معارضةً من بعض السياسيِّين الذين يدعمون فكرة اللامركزيَّة، بمعنى إعطاء حريَّةٍ للولايات في إدارة أمورها بعيدًا عن الحكومة المركزيَّة، وهؤلاء أسَّسوا حزبًا باسم: «جمعية الحرية والائتلاف»، وعُرِفَ أعضاؤه بالائتلافيين في مقابل الاتحاديين، وحدثت بين الفريقين مناوشاتٌ واضطراباتٌ كثيرةٌ شغلت عدَّة سنوات[6].
بالإضافة إلى هذه الأحداث الداخليَّة في الدولة شهدت هذه المرحلة الأولى من حياة السلطان محمد الخامس والاتحاديين عدَّة أحداثٍ كبرى على النحو التالي:
احتلال إيطاليا لليبيا (1911م):
منذ الوحدة بين الإمارات الإيطاليَّة المختلفة، وتأسيس مملكة إيطاليا الموحدة في 1861م[7]، وهذه المملكة الجديدة تسعى لتكوين المستعمرات للِّحاق بركب الدول الأوروبية الكبرى كبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا. كانت إيطاليا تسعى لاستعادة سلطانها القديم على البحر الأبيض المتوسط، وكانت لديها مخططات لاحتلال ليبيا، وجزر إيجة، واليونان[8]. كان التخطيط لاحتلال ليبيا بموافقةٍ قديمةٍ من بريطانيا وفرنسا، وذلك في مقابل سكوت إيطاليا عن احتلال بريطانيا لمصر، وفرنسا لتونس[9].
كانت ليبيا قد عادت إلى الحكم العثماني المباشر في عام 1835م، ولكن لبُعدها عن إسطنبول فإنها لم تنل الرعاية الكاملة، سواءٌ من الناحية الإداريَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، أم من الناحية العسكريَّة والأمنيَّة[10]. زاد الأمر سوءًا بعد احتلال الإنجليز لمصر؛ حيث صارت الطرق البرِّيَّة لها مقطوعة، ولم يكن لدى الدولة العثمانية أسطولٌ قويٌّ يمكن أن يصل إليها في ظلِّ هيمنة الأساطيل الحربيَّة الأوروبِّيَّة على البحر المتوسط.
في 28 سبتمبر 1911م أرسلت إيطاليا إنذارًا مفاجئًا إلى الدولة العثمانية تُهدِّد فيه باحتلال ليبيا[11].
عادةً ما تبحث الدول المحتلَّة عن حجَّةٍ للاحتلال! كانت حجَّة إيطاليا -كما وصفها المؤرِّخ الروسي الكبير ڤلاديمير لوتسكي Vladimir Lutsky- حُجَّةً «سخيفة»! جاء في الإنذار الإيطالي أن إيطاليا قد أُلْهِمت بتشميل «نعم التقدم» على طرابلس الغرب، وأن عمل إيطاليا «المشروع» هذا اصطدم بمقاومة الباب العالي، ولما كانت إيطاليا لا تريد إضاعة الوقت بإجراء مفاوضاتٍ لا جدوى فيها؛ لذا قرَّرت احتلال طرابلس الغرب وبرقة عسكريًّا، صيانةً لكرامتها وحفاظًا على مصالحها»[12]! إن إيطاليا تزعم في هذا الإنذار أن مشاريعها من أجل تقدُّم ليبيا معاقةٌ بالموظَّفين العثمانيِّين، ولهذا فهي ستحتلُّ ليبيا من أجل تنفيذ مشاريعها الحضاريَّة! أيُّ سخفٍ واستخفافٍ هذا؟! -أيضًا- ذكرت إيطاليا أن الدولة العثمانية تُعِيق المشاريع «الإنسانيَّة» لها في ليبيا[13]! حذَّرت إيطاليا -أيضًا- الدولةَ العثمانية من إرسال أساطيل عسكريَّة إلى ليبيا حيث إن هذا سيُؤدِّي إلى تعصُّب الأهالي الليبيين ضدَّ إيطاليا[14]!
أمهل الإيطاليون الدولة العثمانية يومًا واحدًا لتنفيذ هذا المطلب، وهو الاستسلام الكامل! كان ردُّ فعل الدولة العثمانية رخوًا للغاية؛ فقد سعت إلى وساطة الدول الأوروبِّيَّة، لكنَّها لم تتلقَّ ردًّا في تواطؤٍ ظاهرٍ مع إيطاليا. هنا أرسلت الدولة العثمانية رسالةً مسالمةً للغاية؛ ذكرت فيها أن الحكومة العثمانية لا تضمر أيَّ عداءٍ للمشاريع الإيطاليَّة في طرابلس الغرب وبرقة، وأنها مستعدَّةٌ لتطمين جميع المطالب الإيطاليَّة، غير أنها تُمانع بصورةٍ قاطعة الاحتلال الإيطالي[15]! إنه ردٌّ لا يصدر إلا من دولةٍ منهارة!
على الرغم من أن الردَّ العثماني أعلن «بوداعة» أن الدولة لا تمانع في قيام إيطاليا بمشاريعها الحضاريَّة والإنسانيَّة في ليبيا، فإن إيطاليا تجاهلت الردَّ، ولم تعتبره-كما يقول المؤرِّخ الأميركي تيموثي تشيلدس Timothy Childs– «استسلامًا كاملًا» total capitulation، وقامت بإعلان الحرب على ليبيا في 29 سبتمبر 1911م[16]!
في 5 أكتوبر 1911م وصلت الأساطيل الإيطاليَّة إلى السواحل الليبيَّة، وتمَّ الإنزال في ظلِّ ضعف الحاميات الموجودة[17]. وقعت الحكومة العثمانية في مأزقٍ حيث لا تمتلك أسطولًا يمكن أن ينقل الجنود بشكلٍ كثيفٍ لحرب الإيطاليين، خاصَّةً أن إيطاليا كانت قد احتلَّت -أيضًا- في هذه الحملة جزر رودس، والدوديكانيز Dodecanese Islands العثمانية في بحر إيجة، وصارت حركة السفن العثمانية مستحيلة[18]. حاولت الدولة العثمانية التفاوض مع الإنجليز المحتلِّين لمصر للسماح بعبور جيش بري عثماني، ولكن الإنجليز رفضوا، لذا يُعتبر لوتسكي أن بريطانيا صارت محاصرةً لليبيا من الشرق دعمًا لإيطاليا[19]. هكذا لا تختفي بريطانيا أبدًا من الظهور في أيِّ مصيبةٍ للدولة العثمانية!
على الرغم من هذا أراد الاتحاديون النجاح في أول تجربةٍ عسكريَّةٍ للدولة تحت ظلِّ حكمهم، ففتحوا باب «التطوُّع» في الجيش لمن يريد الذهاب بصورةٍ «فرديَّةٍ» للقتال في ليبيا[20]! بمعنى أن الدولة لن تتولى إيصال الجنود إلى ليبيا، ولكن على كلِّ جنديٍّ أن يُسافر من تركيا أو الشام بطريقته الخاصَّة! كان الأمر عجيبًا بهذه الصورة، وكان من الواضح أن ليبيا ولايةٌ عثمانيَّةٌ على الورق فقط، أمَّا واقع الأمر فهي منفصلةٌ لحالها منذ زمن.
تطوَّع عددٌ من الضبَّاط الأتراك؛ أشهرهم إسماعيل أنور بك (سيُصبح لاحقًا وزير الحربيَّة الشهير أنور باشا)، ومصطفى كمال (لاحقًا أتاتورك)، وغيرهم.
تولَّى هؤلاء مسئوليَّة سفرهم إلى ليبيا بطرقٍ فرديَّةٍ عبر البحر، أو من خلال الطريق البرِّيِّ من مصر، بعد التخفِّي لتجاوز السلطات الإنجليزيَّة (تخفَّى مصطفى كمال أتاتورك في شكل صحفي، وساعده المصريون في الإسكندرية، وكذلك بدو الصحراء الغربيَّة في الوصول إلى ليبيا)[21]. عند وصول الضبَّاط الأتراك إلى ليبيا قاموا بتجميع أفراد الحامية العثمانيَّة، وعقدوا لقاءات مع رؤساء القبائل الليبيَّة، وكوَّنوا فرق مقاومة[22]، ودارت بينهم وبين الإيطاليِّين عدَّة معارك، وكبَّدوهم خسائر فادحة، وممَّا يُثبت ضراوة المقاومة أن الحرب استمرَّت أحد عشر شهرًا كاملة، إلى أكتوبر 1912م، ولم يُحقِّق الإيطاليون تقدُّمًا كبيرًا على الأرض الليبيَّة، على الرغم من فارق التسليح والعدد لصالح الإيطاليين[23]. شهدت هذه المعارك الطيران الحربي للمرَّة الأولى في تاريخ العالم. كان الطيَّار الإيطالي كارلو بياتزا Carlo Piazza هو أول من قام بطلعة جوية حربية في 23 أكتوبر 1911م، وفي أول نوفمبر 1911م أُلْقِيت أول قنبلة في التاريخ بواسطة الطيار الإيطالي چيليو جاڤوتي Giulio Gavotti[24].
في شهر أكتوبر 1912م قامت حروب البلقان، حيث أعلنت دول الجبل الأسود، وصربيا، وبلغاريا، واليونان، الحرب على الدولة العثمانية[25]، فاضطرَّت الدولة إلى عقد معاهدة أوشي Treaty of Ouchy (تُعْرَف -أيضًا- بمعاهدة لوزان الأولى The First Treaty of Lausanne) في 18 أكتوبر[26] مع إيطاليا لإنهاء الحرب في ليبيا، وهكذا فقدت الدولة العثمانية هذا الإقليم المهم، وسقطت ليبيا تحت الاحتلال الإيطالي الذي سيستمر إلى عام 1947م[27].
الثورة الألبانية (1912):
لم تكن هذه هي الثورة الأولى للألبان؛ فقد ثاروا قبل ذلك في صيف 1910م[28]، وبعد ذلك، ولكن كانت ثورة 1912م هي ثورتهم الأعظم، وقد استمرَّت من يناير إلى سبتمبر من السنة نفسها[29]. لم يكن الألبان يُطالبون بالاستقلال عن الدولة العثمانية، ولكنهم كانوا يُطالبون بإصلاحاتٍ إداريَّة، وتقليل الضرائب، وجعل الخدمة العسكريَّة للألبان في مناطق ألبانيا وكوسوڤو فقط، وإقرار اللغة الألبانيَّة في المدارس المدنيَّة، والسماح بطباعة الكتب بهذه اللغة، وتعيين ألبان في أجهزة الحكومة. انتهت الثورة في 4 سبتمبر 1912م بموافقة الدولة العثمانية على طلبات الثوَّار[30][31].
كانت إحدى أهم النتائج الفكريَّة لهذه الثورة الألبانية أنها أقنعت أعضاء حزب الاتحاد والترقي أن العرقيَّة الوحيدة التي ستصمد معهم في المستقبل هي العرقيَّة التركيَّة، فها هم الألبان المسلمون يثورون ضدَّهم، ومن قبلهم ثار البوسنيون كذلك، فليس الأمر مقصورًا على النصارى إذن. دعمت هذه الأحداث الاتجاه القومي «التركي» بقوَّة. من الجدير بالذكر أن قنصل بريطانيا في سكوبيه بمقدونيا وعد الثوار الألبان بتقديم الدعم لهم من أجل الحصول على «الحرِّيَّة». -أيضًا- وعد الصرب الأرثوذكس بتقديم الدعم لمسلمي ألبانيا من أجل الحصول على حريَّتهم[32].
هكذا كانت الأمم النصرانية تبدو حريصةً على حرِّيَّة ألبانيا المسلمة! ولكن واقع الأمر أنها كانت تسعى لتفتيت الدولة العثمانية بكلِّ وسيلة، وفي أيِّ ميدان!
حرب البلقان الأولى، وفقد الولايات العثمانية في أوروبا، واستقلال ألبانيا (1912-1913م):
كانت أمارات الانحلال والتفكك واضحةً على الدولة العثمانية، وكان من آخرها السقوط المشين لليبيا في أيدي الإيطاليين، والأداء المخيِّب للدولة؛ حيث لم تقدر على مساعدة الليبيين إلا بفرقٍ فرديَّةٍ من المتطوِّعين! -أيضًا- كان رضوخ الدولة للثوَّار الألبان مع ضعف ثورتهم علامةً على اهتزاز الدولة بشكلٍ كبير. هذا الضعف الظاهر أطمع الدول البلقانيَّة -المستقلَّة سابقًا عن الدولة العثمانية- في السيطرة على ما تبقَّى للعثمانيَّين من أملاك في أوروبا. -أيضًا- قامت الدولة العثمانية بعد احتلال النمسا للبوسنة في 1908م بتشجيع المسلمين هناك على ترك البلد والقدوم إلى مقدونيا لزيادة الاستيطان الإسلامي في هذه البقاع، وذلك لمواجهة الأطماع التوسُّعيَّة لصربيا، وبلغاريا، واليونان[33]. هذا الاستيطان الإسلامي أزعج الأقطار البلقانيَّة النصرانية، ومِنْ ثَمَّ قرَّروا الإسراع بالتخطيط لابتلاع بقيَّة الأراضي العثمانيَّة.
في شهر مارس 1912م بدأ تكوين حلف البلقان Balkan League من صربيا وبلغاريا، وانضمَّت إلى الحلف لاحقًا اليونان، ثم الجبل الأسود[34]. في 8 أكتوبر 1912م أعلن الجبل الأسود الحرب على الدولة العثمانية[35]، وبعدها بعشرة أيَّام -في 18 أكتوبر- أعلنت كلٌّ من بلغاريا وصربيا الحرب على الدولة العثمانية كذلك[36]، ثم أخيرًا قامت اليونان بإعلان الحرب بعد أيامٍ قليلة[37]! هكذا اشتعل البلقان كلُّه، ووجدت الدولة العثمانية نفسها تحارب في جبهاتٍ أربع في وقتٍ واحد! على الرغم من أن الجيوش العثمانية كانت قد تلقَّت تدريبًا ألمانيًّا جيِّدًا، وتُقاتل بأسلحةٍ ألمانيَّة، بل يشترك مع جيشها ضبَّاطٌ ألمان[38]، فإن القتال في عدَّة جبهاتٍ أدَّى إلى نتائج وخيمة. -أيضًا- كان تفوُّق البحريَّة اليونانيَّة، وسيطرتها على بحر إيجة مانعًا لوصول الإمدادات السريعة للجيش العثماني[39]، في الواقع تعرَّض الجيش العثماني للهزيمة في كلِّ الجبهات!
كانت بلغاريا هي أكبر المنتصرين، وأكثرهم تحقيقًا للنجاح؛ فقد انتصروا على الجيش العثماني في موقعة كيرك كليسي Kirk Kilisse (الآن كيركلاريلي Kırklareli في تركيا) شرق إدرنة في 24 أكتوبر[40]، ثم في موقعة لول بورغاز Lule Burgas بعدها بأربعة أيَّام[41]. كان البلغار يتجنَّبون حصار مدينة إدرنة القريبة لأن روسيا حذرتهم من ذلك على اعتبار أن إدرنة تدخل -كما تقول السلطات الروسيَّة- في إطار السيادة الروسيَّة على المضايق البحريَّة! ومع ذلك أبلغت روسيا البلغار في 4 نوفمبر 1912م أنها لا مانع عندها من احتلال بلغاريا لإدرنة، وأنها -أي روسيا- تنازلت عن اعتراضها السابق[42]! كان هذا الاعتراف الروسي لنجاحات بلغاريا دافعًا لهم لإكمال الحرب في نشاطٍ كبير، فحاصروا إدرنة، التي قاومت بشدَّة، بل وأكملوا طريقهم شرقًا نحو العاصمة إسطنبول، ولكن القوَّات العثمانية أوقفتهم في 17 نوفمبر عند مدينة شطلجة Çatalca[43]، وذلك على بعد ثلاثين كيلو مترًا فقط من إسطنبول!
في الجبهة الصربيَّة هُزِم العثمانيُّون في ڤاردار Vardar المقدونيَّة، واستولى الصرب على موناستير Monastir، وسكوبيه، وصار الطريق إلى بحر إيجة مفتوحًا، كما اقتحم الصرب ألبانيا، ووصلوا إلى البحر الأدرياتيكي[44]. هذه الانتصارات الكاسحة لم تُزعج الدولة العثمانية وحدها، إنما أزعجت النمسا تمامًا. كانت النمسا على خلافٍ كبيرٍ مع صربيا، وكانت تخشى من أن يكون النموُّ الصربي دافعًا لسعي الصربيين داخل النمسا للمطالبة بالانضمام إلى صربيا، ولذلك كانت ترفض تمامًا وصول صربيا إلى بحار إيجة، أو الأدرياتيكي، لئلا تؤدِّي هذه المنافذ البحريَّة إلى قوَّة صربيا[45].
في الجبهة اليونانيَّة حقَّق اليونانيون عدَّة انتصاراتٍ ولكنَّها لم تكن حاسمة، وكانت انتصاراتهم بسبب ضعف الجيش العثماني وليس قوَّة الجيش اليوناني[46]. كان النصر الاستراتيجي الأساسي الذي حقَّقته اليونان هو الاستيلاء على مدينة سالونيك المهمَّة في 26 أكتوبر 1912م[47].
كان جيش الجبل الأسود هو أقلُّ الجيوش نجاحًا في هذه الحرب، ومع ذلك فقد تمكَّن من ضمِّ الأجزاء الغربية من إقليم نوڤي بازار الصربي، وجديرٌ بالذكر أن هذا سيخلق بعض المشكلات للجبل الأسود مع الصرب الطامعين في ضمِّ الإقليم نفسه[48]، ولكن في كلِّ الأحوال ضاع الإقليم المهم من العثمانيِّين.
هكذا في خلال شهرٍ واحدٍ تقريبًا لم يتبقَّ إلا ثلاث مدنٍ عثمانيَّةٍ فقط ما زالت تقاوم الحصار؛ شقودرة Shkodër في ألبانيا تقاوم حصار جيشي صربيا والجبل الأسود، وإدرنة تقاوم الجيش البلغاري، ويانينا في غرب اليونان تقاوم الجيش اليوناني[49]!
في ظلِّ هذا الانهيار العثماني أعلن الألبان استقلالهم عن الدولة العثمانية في 28 نوفمبر 1912م[50]، على الرغم من أن صربيا كانت قد احتلَّت معظم أرضهم، ووصلت إلى الأدرياتيكي كما مرَّ بنا، بالإضافة إلى تواجد جيشي اليونان والجبل الأسود، ولكن بشكلٍ أقل.
إزاء هذه الخسائر المدوِّية، طلبت الدولة العثمانية الهدنة، وبدفعٍ من القوى الكبرى التي كانت لا ترغب في هذا التقسيم الفوضوي للبلقان بعيدًا عن سيطرتها، قَبِلَت قوى حلف البلقان بهدنة شهرين تبدأ في 3 ديسمبر 1912م، على أن تجري مفاوضات الوضع النهائي للبلقان في لندن برعاية بريطانيا في أثناء فترة الهدنة[51]. ومع ذلك، وقبل انتهاء الهدنة، حدث تطوُّرٌ سياسيٌّ مهم في إسطنبول؛ حيث أطاح انقلابٌ عسكريٌّ بالحكومة العثمانيَّة!
انقلاب الباشوات الثلاثة (1913م):
كانت الحكومة العثمانيَّة وقت حرب البلقان برئاسة محمد كامل باشا زعيم حزب الحرية والائتلاف، وهو الحزب المنافس لحزب الاتحاد والترقي. حدثت في البلاد حالةٌ من الغضب والاحتقان نتيجة ضياع معظم الممتلكات العثمانيَّة في أوروبا في وقتٍ قليل، وزاد من غضب الناس جلوس الحكومة للتفاوض مع البلغاريين حول مصير إدرنة، المدينة العريقة، وعاصمة الدولة العثمانية قبل إسطنبول. استغلَّ ثلاثة ضبَّاطٍ من الاتحاد والترقي الظرف الصعب، وقاموا في 23 يناير 1913م بانقلابٍ عسكريٍّ على الحكومة، وقتلوا ناظم باشا وزير الحربيَّة، وأجبروا الصدر الأعظم محمد كامل باشا على الاستقالة، وسيطروا على الحكم[52][53].
هؤلاء الضبَّاط الثلاثة هم إسماعيل أنور بك (باشا قريبًا)، الذي سيُصبح وزير الحربيَّة، ومحمد طلعت بك (باشا قريبًا)، الذي سيُصبح وزير الداخليَّة، وأحمد جمال باشا الذي سيُصبح وزير البحريَّة، وتُعْرَف هذه الحكومة بحكومة الباشوات الثلاثة[54]. كانت هذه الحكومة دكتاتوريَّةً بمعنى الكلمة؛ حيث قامت بإقصاء كلِّ المعارضين، وكان الاقصاء عن طريق النفي من البلاد بالكلِّيَّة، أو بمحاكماتٍ صوريَّةٍ سريعةٍ تُفضي إلى الإعدام أو الحبس[55]. تميَّزت هذه الحكومة بالعنف الشديد، ومُنِعت كافَّة أنواع المعارضة، واختفت كلُّ رموز الحكم المدنيَّة، وصار الأمر كلُّه بيد الجيش[56]! هكذا أعاد رجال الاتحاد والترقي الحكم الأوتوقراطي الذي ثاروا على السلطان عبد الحميد الثاني من أجل إنهائه! هذه الحكومة هي التي ستقود الدولة العثمانية خلال السنوات الخمس القادمة، وكانت ذات توجه ألماني قوي[57]، وهذا سيُؤثِّر على الأحداث القادمة.
انتهت هدنة حرب البلقان في 3 فبراير 1913م، ورأى إسماعيل أنور باشا أن الحكومة السابقة أدارت الأمور بطريقةٍ غير سليمة، ومِنْ ثَمَّ قرَّر الاندفاع من جديد للحرب بعد انقضاء الهدنة، في هجمةٍ شاملةٍ تستخدم كلَّ مقدرات الدولة[58]. كانت النتيجة كارثيَّة! في 6 مارس سقطت يانينا في يد اليونانيين[59]، وفي 26 مارس سقطت إدرنة في يد الجيش البلغاري[60]، وفي 23 أبريل سقطت شقودرة الألبانيَّة في يد جيش الجبل الأسود، بعد ما يقرب من ستَّة أشهر من الحصار[61]!
هكذا كانت بداية الحكومة الدكتاتوريَّة مأسويَّة!
معاهدة لندن (1913م):
منذ ديسمبر 1912م والقوى العظمى مجتمعة في لندن للتباحث في أمر البلقان[62]. لم يكن الأمر سهلًا؛ لأن القوى المتنافسة على السيطرة كثيرة، والعلاقات بينها في غاية التعقيد. كان الأمر يبدو من بعيدٍ كأن القوى النصرانية «مجتمعة» على حرب الدولة العثمانية المسلمة، ولكن الواقع لم يكن كذلك! لقد كان الأمر كما وَصَفَه اللهُ في كتابه حين قال: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾ [الحشر: 14]! كانت الاختلافات كبيرةً بين دول البلقان، وكذلك بين القوى الكبرى. كانت أشدُّ مظاهر الخلاف بين روسيا والنمسا؛ فروسيا الداعمة لصربيا تريد ضمَّ أراضي ألبانيا لها؛ لتكون منفذًا لها على الأدرياتيكي، والنمسا المعادية لصربيا تريد حرمانها من هذا المنفذ، مع إضافة ألبانيا إلى البوسنة التابعة لها. تدخلت ألمانيا وبريطانيا لمنع الحرب المرتقبة بين القوى الكبرى، وحُلَّت الأزمة بالموافقة على تكوين كيانٍ جديدٍ في المنطقة هو «دولة ألبانيا»، ولا يكون تابعًا للنمسا، ولا لصربيا[63]. ثم أقرَّ المؤتمرون تقريبًا الواقع الذي وصلت إليه القوَّات البلقانيَّة، مع تعديلاتٍ طفيفة، فكانت الصورة النهائيَّة التي «رسمها» الكبار في العالم كالآتي[64][65]:
1. الدولة العثمانية: ستفقد كلَّ الأراضي الواقعة غرب خطٍ يصل بين قرية ميديا Midye (الآن كيكوي Kıyıköy في تركيا) في الشمال الشرقي على ساحل البحر الأسود، وميناء إنز Enez في الجنوب الغربي على ساحل بحر إيجة (ميناء تركي الآن على الحدود مع اليونان)، وهذا يعني ضغط كلِّ المسلمين في أوروبا في هذه المنطقة الضيِّقة غرب إسطنبول، التي لا تبعد عنها سوى مائةٍ وثلاثين كيلو مترًا، كما يعني ضياع إدرنة المهمَّة لصالح بلغاريا.
2. بلغاريا: ستحصل على إقليم تراقيا Thrace، وشاطئ بحر إيجة.
3. صربيا: ستأخذ شمال ووسط مقدونيا.
4. اليونان: ستأخذ مدينة سالونيك المهمَّة، كما ستأخذ جزءًا كبيرًا من ساحل مقدونيا الجنوبي على بحر إيجة. -أيضًا- ستأخذ جزيرة كريت العثمانيَّة، أمَّا باقي جزر بحر إيجة فستنظر القوى الكبرى في أمرها لاحقًا لتُحدِّد مصيرها! (كانت رودس وجزر الدوديكانيز محتلَّةً من إيطاليا من 1911).
5. الجبل الأسود: ستأخذ جزءًا من إقليم نوڤي بازار Novi Pazar (الآن يشمل أراضي في الجبل الأسود، وصربيا، وكوسوڤو).
6. رومانيا، والتي لم تكن مشاركة في الحرب، «ستُهْدَى» مدينة سليسترا Silistra، مع أن غالب سكان هذه المدينة الأخيرة من البلغار، ويبدو أن هذا بضغط من الروس الداعمين لرومانيا، والمعادين لبلغاريا، وهذا لا شَكَّ أغضب البلغار.
7. ألبانيا: ستُصبح دولةً مستقلَّة، وستُقرِّر القوى الكبرى حدودها الكاملة لاحقًا! (حُدِّدت في مؤتمر في فلورنسا بإيطاليا في 17 ديسمبر 1913م[66]، واختارت القوى العظمى ملكًا «ألمانيًّا» على رئاسة ألبانيا هو الأمير وليام أمير مقاطعة وِيد الألمانية Prince William of Wied الذي قَبِلَ حكمها بعد معارضةٍ قليلة[67]! لم يقف ظلم القوى العظمى لألبانيا باختيار ملكٍ من بلدٍ آخر زعيمًا عليها، وإنما قامت في عام 1915م بمعاهدةٍ سرِّيَّةٍ في لندن أعطت فيها أجزاء كبيرة من الدولة ذات الأكثريَّة المسلمة إلى صربيا والجبل الأسود واليونان[68]! هكذا حكمت القوَّة، وهكذا «تحرَّرت» ألبانيا من الدولة العثمانية المسلمة لتقع تحت احتلال القوى النصرانية العظمى)!
هل رضيت دول البلقان عن هذه الحدود التي رسمها الكبار؟!
الواقع أن المعظم لم يكن راضيًا، وهذا طبيعي؛ فالدول الكبرى لا تُخطِّط هذه الحدود لتحقيق العدل والحق، إنما هي تبحث عن مصالحها في الأساس، وبالتالي لم تكن تنظر إلى الأبعاد التاريخيَّة، أو الديموجرافيَّة، التي اعتاد أهل كلِّ قُطْرٍ أن يُحَدِّدوا حدود أقطارهم على أساسها، وهذا خلق مشكلاتٍ ما زالت موجودةً إلى زماننا الآن. أشد الأقطار غضبًا بعد المعاهدة كانت بلغاريا، على الرغم من أنها توسَّعت كثيرًا في الأراضي العثمانية، ولكنَّها كانت تعترض على أن صربيا أخذت وسط مقدونيا، وكذلك تعترض على ضمِّ مدينة سالونيك لليونان، بالإضافة إلى رفضها لإهداء مدينة سليسترا لرومانيا[69]. فوق كل ذلك كان الملك البلغاري فرديناند الأول Ferdinand I يطمع في إكمال غزوه للدولة العثمانية، وضمِّ إسطنبول ذاتها، وإعادة اسمها القديم؛ القسطنطينية، وجعلها عاصمة بلاده، مع تسمية مملكته عندئذ: «بيزنطة الجديدة» New Byzantium[70]!
لم يكن هذا الغضب البلغاري في المحافل الدبلوماسيَّة فقط، بل قرَّر ملكها أن يأخذ حقوق بلاده -من وجهة نظره- بالقوَّة، فكانت حرب البلقان الثانية!
حرب البلقان الثانية (1913م):
كان الجيش البلغاري هو أقوى الجيوش البلقانيَّة؛ حيث بلغ تعداده في هذه الحرب ستمائة ألف مقاتل[71]، وقد دفع الغرور الملك فرديناند الأول إلى تجاهل قرارات مؤتمر لندن، واستخدام الحلِّ العسكري لضمِّ ما يراه من حقِّ بلغاريا. هكذا في 30 يونيو 1913م اندفعت الجيوش البلغاريَّة لاقتحام اليونان ومقدونيا معًا؛ وذلك لضمِّ سالونيك ووسط مقدونيا[72].
اتَّحدت جيوش صربيا واليونان[73] -على الرغم من عدائهما- وقامتا بردِّ الهجمة البلغاريَّة باقتدار، بل دخلت الجيوش اليونانية بلغاريا من الجنوب[74]، ودخلتها الجيوش الصربيَّة من الغرب[75]. استغلَّ كلٌّ من الدولة العثمانيَّة ورومانيا، الحرب واضطراب بلغاريا، فقرَّرتا الاشتراك في القتال[76] على الرغم من معاهدة لندن. أمَّا الدولة العثمانية فقد استطاعت استعادة إدرنة، بل وتجاوزها قليلًا إلى الغرب[77]، وأمَّا رومانيا فقد احتلَّت إقليم دوبروچا Dobruja المهم، الذي يسيطر على مصبِّ نهر الدانوب في البحر الأسود، وله أهميَّةٌ استراتيجيَّةٌ وتجاريَّةٌ كبرى، بل لم يتوقَّف الجيش الروماني عند هذا الحدِّ؛ إنما تقدَّم بقوَّةٍ صوب العاصمة البلغاريَّة صوفِيا، واحتلَّ ڤرازدِبنا Vrazhdebna، وهي ضاحيةٌ على بعد سبعة أميال فقط من العاصمة[78]! أدرك الملك البلغاري فداحة الموقف فطلب هدنة، فوافقت الأطراف، وبالتالي عُقِدَت عدَّة معاهدات لإنهاء الحرب بشكلٍ كامل[79].
معاهدات إنهاء حروب البلقان:
نظرًا إلى تعدُّد الأطراف المشتركة في هذه الحرب لم يكن ممكنًا حسم التشابكات المعقدة بين الدول في معاهدةٍ واحدة؛ إنما تطلَّب الأمر عدَّة معاهداتٍ على النحو التالي:
أولًا: معاهدة بوخارست:
اشترك في هذه المعاهدة كلٌّ من بلغاريا، ورومانيا، وصربيا، واليونان، والجبل الأسود، برعاية القوى الكبرى. بعد جدالاتٍ طويلةٍ اتُّفق -في 10 أغسطس 1913م[80]- على تسليم إقليم دوبروچا لرومانيا[81]، وتقسيم إقليم مقدونيا إلى ثلاثة أقسام؛ الأول والأكبر لصربيا، وهو المعروف بڤاردار Vardar Macedonia، وهو يضمُّ الشمال كلَّه، ومعظم الوسط، باستثناء مدينة شتيب Štip؛ والثاني كبير كذلك، وتأخذه اليونان، وهو الجنوب المطل على بحر إيجة Aegean Macedonia؛ أمَّا القسم الثالث والأخير فهو صغير، ويُعْرَف ببيرين Pirin Macedonia، وسيكون من نصيب بلغاريا[82].
في هذه المعاهدة -أيضًا- زيدت حصَّة الجبل الأسود من إقليم نوڤي بازار على حساب صربيا[83]، على الرغم من عدم مشاركة جيش الجبل الأسود في معارك حرب البلقان الثانية! كان هذا على الأغلب بضغط نمساوي، وهذا سيوتِّر العلاقة بين الصربيين والنمسا!
ثانيًا: معاهدة إسطنبول (الدولة العثمانية، وبلغاريا):
وُقِّعت هذه المعاهدة في 29 سبتمبر 1913م، وفيها أقرَّت بلغاريا بعودة إدرنة، وكيركلاريلي Kırklareli، وديدموتيكو Didymoteicho (في اليونان الآن) إلى الدولة العثمانية، في مقابل أخذ ميناء ألكسندروبولي Alexandroupoli (في اليونان الآن)[84][85]، تُعتبر الحدود التي أُقِرَّت في هذه المعاهدة هي الحدود الحاليَّة بين تركيا وبلغاريا مع تغييراتٍ طفيفة. تم تبادل الأسرى، واتُّفق على تسيير علاقاتٍ سياسيَّةٍ وتجاريَّةٍ طبيعيَّة بين الدولتين[86].
ثالثًا: معاهدة أثينا (الدولة العثمانية، واليونان):
وُقِّعت هذه المعاهدة في 14 نوفمبر 1913م؛ وفيها أقرَّت الدولة العثمانية بامتلاك اليونان لمدينة سالونيك، ولمقاطعة إبيروس، وكذلك لجزيرة كريت[87]، أنهت هذه المعاهدة العداوةَ -مؤقتًا- بين البلدين! كان من المتوقَّع أن تنشأ حربٌ جديدةٌ بين الطرفين لعدم حسم مسألة جزر بحر إيجة العثمانية، التي احتلتها اليونان في حرب البلقان الأولى (جزر إمبروس Imbros، وليسبوس Lesbos، وخيوس Chios، وليمنوس Lemnos، وتينيدوس Tenedos) [88].
من الجدير بالذكر أن القوى العظمى «أهدت» هذه الجزر، باستثناء إمبروس وتينيدوس، إلى اليونان في 16 ديسمبر 1913م. أزعجت هذه «المنحة» الدولةَ العثمانية، لكن لم يؤخذ حيالها قرارٌ حاسم حيث قامت الحرب العالمية الأولى بعد شهورٍ من هذه المنحة[89]!
رابعًا: معاهدة إسطنبول (الدولة العثمانية وصربيا):
وُقِّعَت هذه المعاهدة في 14 مارس 1914م، وأعادت العلاقات بين الدولتين، كما أكدت الحدود المتَّفق عليها في معاهدة لندن 1913م[90].
نظرة عامَّة على الدولة العثمانية، والبلقان، والعالم، بعد حروب البلقان:
كانت لحروب البلقان آثارٌ كبيرةٌ على المنطقة، بل تطوَّرت بعض آثارها لتجذب القوى العالميَّة كلِّها، ممَّا أثَّر على سياسة العالم بشكلٍ لافت. يمكن إيجاز بعض هذه الآثار في النقاط التالية:
1. أدَّت هذه الحروب إلى تصعيداتٍ سياسيَّةٍ خطرةٍ في أوروبا بشكلٍ أوحى بحربٍ وشيكةٍ بين القوى العالميَّة! لم تشهد أوروبا حروبًا كبرى منذ انتهاء الحروب النابوليونية عام 1815م، أي منذ قرنٍ كامل، ولكن مشاكل تقسيم البلقان أدَّت إلى توتُّرٍ شديدٍ بين روسيا والنمسا؛ لتنافسهما على الهيمنة على الدول البلقانيَّة، ومالت ألمانيا إلى دعم النمسا، ومالت بريطانيا وفرنسا إلى دعم روسيا، وبدا أن العالم ينقسم إلى فريقين مشحونين، وهذه ستكون خلفيَّات قيام الحرب العالمية الأولى قريبًا.
2. تغيَّرت مساحات الدول في البلقان كثيرًا بعد هذه الحروب، وهذا سيُؤثِّر في موازين القوى. مع أن بلغاريا كانت قد زادت جدًّا بعد حرب البلقان الأولى في المساحة فإن الحرب الثانية قلَّصت من ذلك بشدَّة. كانت المحصِّلة النهائيَّة أن الدولة زادت في المساحة بنسبة 16% عن مساحتها قبل الحروب. زادت مساحة رومانيا بنسبة 5% فقط، بينما على العكس من ذلك زادت مملكة الجبل الأسود بنسبة 62%! أفضل من ذلك كانت اليونان؛ فقد زادت في المساحة بنسبة 68%. أكبر المستفيدين من الحرب كانت صربيا؛ فقد زادت مساحتها بنسبة 100% تقريبًا (أي تضاعفت!)[91]! هذا سيُعطي صربيا طموحاتٍ كبيرةً في إعادة إمبراطوريَّة الصرب القديمة، وسيرفع من سقف طموحاتهم لضمِّ أراضٍ جديدة، وخاصَّةً البوسنة المجاورة، وهذا سيخلق توتُّرًا كبيرًا مع النمسا التي تحتلُّ البوسنة، والتي تريد أن تكون لها الكلمة العليا في البلقان بفعل تواجدها القريب من المنطقة.
3. لم تتغيَّر مساحات الدول فقط؛ إنما تغيَّر عدد سكانها كذلك، ولم تكن الزيادة دائمًا دافعةً إلى القوَّة، بل أحيانًا كانت تُؤدِّي إلى مشكلاتٍ ومصاعب؛ فالزيادة السكانيَّة في اليونان مثلًا كانت مسلمة، وفي صربيا كانت مقدونيَّة، وفي الجبل الأسود كانت ألبانيَّة، وهكذا. هذه التنوُّعات الدينيَّة والعرقيَّة ستزيد من التعقيد الديموجرافي للبلقان، وسترفع فيه درجة التوتُّر. من ناحية الأرقام فأعظم الزيادات كانت في اليونان وصربيا؛ حيث زادت الأولى من 2.8 مليون إلى 4.4 مليون إنسان[92]، بينما زادت الثانية من 2.9 مليون إلى 4,5 مليون إنسان! كانت الزيادة في بلغاريا قليلةً نسبيًّا؛ حيث ارتفعت من 4.3 مليون إلى 4.8 مليون إنسان[93]، وفي رومانيا كانت أقلَّ حيث أُضيف لها مائتان واثنان وثمانون ألف مواطن بلغاري، ممَّا يُعطي زيادة 2.5% فقط[94]. بالنسبة إلى الجبل الأسود فالإحصاءات لهذه الفترة غير دقيقة، وإن كان العدد القليل للسكان أصلًا قبل الحرب لم يكن مؤثِّرًا في الشكل العام للبلقان (مائة ألف مواطن فقط)[95].
4. حدث في هذه الحروب تغيُّران ديموجرافيَّان مهمَّان أثَّرا في شكل الدولة العثمانية في المرحلة القصيرة المتبقِّية في عمرها، وهما يُفسِّران بعض المواقف السياسيَّة والاجتماعيَّة. أمَّا التغيُّر الأوَّل فهو نقص العنصر النصراني في الدولة بشكلٍ حادٍّ وسريع. لقد فقدت الدولة في هذه الحرب عدَّة أقطار ذات أغلبيَّةٍ نصرانيَّة؛ وهي ما تبقَّى من بلغاريا، واليونان، وصربيا، وكذلك مقدونيا والجبل الأسود، بالإضافة إلى القلة النصرانية في ألبانيا. الآن صارت الدولة العثمانية ذات أغلبيَّةٍ مسلمةٍ واضحة، وهذا سيكون له تأثيرٌ على المرحلة القادمة. كانت الدولة تُحمِّس جنودها وشعبها في أثناء حرب البلقان بعباراتٍ علمانيَّةٍ وطنيَّة لأنها كانت تُخاطب شعبًا مختلطًا فيه المسلم والنصراني[96]، أمَّا في المرحلة القادمة فسيُعْلن السلطان «الجهاد في سبيل الله»[97]، وهذا للمرَّة الأولى منذ قرون، وذلك بعد أن صار المسلمون هم الأغلبيَّة في الدولة. التغيُّر الديموجرافي الثاني هو اختفاء العرقيَّات الكثيرة من كيان الدولة؛ فبالإضافة إلى خروج العرقيَّات اليونانيَّة، والصربيَّة، والبلغاريَّة، خرجت كذلك العرقيَّات المسلمة غير التركيَّة؛ كالألبان، والبوشناق (البوسنة)، ومِنْ ثَمَّ صارت الدولة العثمانية «تركيَّةً» في الأساس، مع وجود عرب في الشام والعراق، وأكراد في الأناضول. بالنظر إلى عدم مشاركة هذين العنصرين الأخيرين في المعارك في البلقان، وعدم وضوح وقفتهما في الأزمة العثمانيَّة الطاحنة، يمكن لنا أن نفهم التحوُّل الحادَّ والمباشر للحديث عن القومية التركية في هذه المرحلة. إن المبرِّر واضحٌ وقوي؛ فالوحيدون الذين استمرُّوا في دعمهم للدولة العثمانية هم الأتراك، ولهذا كانت حرب البلقان داعمةً لهذا التوجُّه القومي، الذي سيستمر إلى آخر عهد الدولة.
5. معاناة الدولة العثمانية بعد حروب البلقان صارت كبيرة. صارت علامات احتضار «الإمبراطوريَّة» ظاهرة، ويمكن رصد بعض هذه العلامات كالآتي:
أ- فقدت الدولة معظم الأراضي الأوروبية التي حكمها العثمانيون خمسة قرون. خسرت الدولة العثمانية 83% من أرضها بأوروبا، و69% من عدد سكانها[98]. لم تكن الصدمة سياسيَّةً أو معنويَّةً فقط، ولكن الخسارة الاقتصاديَّة -أيضًا- لهذه الأراضي الخصبة لا تُقدَّر، بالإضافة إلى فقد الضرائب والجزية.
ب- صارت إسطنبول قريبةً جدًّا من الحدود البلغاريَّة واليونانيَّة، ولا يخفى الخطر الاستراتيجي لهذا.
ج- صارت جزر إيجة القريبة من الدردنيل في يد اليونانيين، وهم أولياء القوى العظمى، ومِنْ ثَمَّ صار من الممكن خنق إسطنبول من البحر كذلك.
د- حُرِمَت الدولة العثمانية من المورد الألباني، الذي كان يمد الدولة بالجنود والإداريِّين.
ه- وقعت الدولة العثمانية في مأزقٍ اقتصاديٍّ كبير بسبب الخسائر العسكريَّة، واعتكاف الدولة على هذه الحروب سنةً كاملة، وستسعى إلى طلب قروضٍ أوروبِّيَّةٍ جديدة، ممَّا سيُضعف موقفها بصورةٍ أكبر[99].
[1] العقاد، سليم: تاريخ الحرب البلقانية المصور بين الدولة العثمانية ودول الاتحاد البلقاني، مطبعة الهلال، القاهرة، 1913م. صفحة 1/46.
[2] كينروس، چون باتريك: القرون العثمانية قيام وسقوط الإمبراطورية التركية، ترجمة وتعليق: ناهد إبراهيم دسوقي، منشأة المعارف، الإسكندرية-مصر، 2002م. صفحة 645.
[3] فريد، محمد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، تحقيق: إحسان حقي، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى، 1401هـ=1981م. صفحة 711.
[4] بكديللي، كمال: الدولة العثمانية من معاهدة قينارجه الصغرى حتى الانهيار، ضمن كتاب: إحسان أوغلي، أكمل الدين: الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، ترجمة: صالح سعداوي، مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية، إستانبول، 1999م. صفحة 1/130.
[5] برو، توفيق: العرب والترك في العهد الدستوري العثماني 1908 – 1914م، دار طلاس، دمشق، الطبعة الأولى، 1991م. الصفحات 221، 222.
[6] أحمد، كمال مظهر: كردستان في سنوات الحرب العالمية الأولى، ترجمة: محمد الملا عبد الكريم، دار أراس للطباعة والنشر، أربيل–العراق، الطبعة الثالثة، 2013م. صفحة 126.
[7] كنج، بولتن: الوحدة الإيطالية، ترجمة: طه الهاشمي، مؤسسة هنداوي، القاهرة، 2018م. صفحة 311.
[8] Betts, Raymond F.: The False Dawn: European Imperialism in the Nineteenth Century, University of Minnesota press, Minneapolis, Minnesota, USA, 1975., p. 12.
[9] لوتسكي: تاريخ الأقطار العربية الحديث، ترجمة: عفيفة البستاني، دار الفارابي، بيروت، الطبعة الثامنة، 1985م.الصفحات 366، 367.
[10] طقوش، محمد سهيل: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة، دار النفائس، بيروت، الطبعة الثالثة، 1434هـ=2013م. صفحة 530.
[11] كينروس، 2002 صفحة 650.
[12] لوتسكي، 1985 صفحة 368.
[13] البوري، 1983 الصفحات 282-284.
[14] منسي، 1980 صفحة 45.
[15] لوتسكي، 1985 صفحة 369.
[16] Childs, Timothy Winston: Italo-Turkish Diplomacy and the War Over Libya: 1911-1912, Brill, Leiden, The Netherlands, 1990., p. 69.
[17] البوري، عبد المنصف حافظ: الغزو الإيطالي لليبيا.. دراسة في العلاقات الدولية، الدار العربية للكتاب، 1983م. صفحة 291.
[18] بكديللي، كمال: الدولة العثمانية من معاهدة قينارجه الصغرى حتى الانهيار، ضمن كتاب: إحسان أوغلي، أكمل الدين: الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، ترجمة: صالح سعداوي، مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية، إستانبول، 1999م.صفحة 1/131.
[19] لوتسكي، 1985 صفحة 369.
[20] Gawrych, George W.: The Young Atatürk: From Ottoman Soldier to Statesman of Turkey, I.B.Tauris, London, UK, 2013., p. 25.
[21] Simons, Geoff: Libya: The Struggle for Survival, Macmikkan press LTD, London, UK, Second Edition, 1996., p. 114.
[22] كينروس، 2002 صفحة 650.
[23] Wright, John: Libya: a modern history, Croom Helm, London, UK, 1981., p. 28.
[24] Hallion, Richard P.: Strike From the Sky: The History of Battlefield Air Attack, 1910–1945, University of Alabama Press, 2010., p. 11.
[25] آق كوندز، أحمد؛ وأوزتورك، سعيد: الدولة العثمانية المجهولة، وقف البحوث العثمانية، إسطنبول، 2008م، 2008 صفحة 464.
[26] كينروس، 2002 صفحة 650.
[27] Paoletti, Emanuela: The Migration of Power and North-South Inequalities: The Case of Italy and Libya, Palgrave Macmillan New York, USA, 2010., p. 111.
[28] ييلافيتش، تشارلز؛ وييلافيتش، بربارا: تفكيك أوروبا العثمانية (إنشاء دول البلقان القومية) 1804 – 1920، إشراف: بيتر شوجر، دونالد تريد جولد، ترجمة: عاصم الدسوقي، دار العالم الثالث، القاهرة، 2007م، 2007 صفحة 260.
[29] Liotta, P. H. & Jebb, Cindy R.: Mapping Macedonia: Idea and Identity, Greenwood Publishing Group, Westport, CT, USA, 2004., p. 62.
[30] العقاد، 1913 صفحة 1/32.
[31] Shaw, Stanford Jay & Shaw, Ezel Kural: History of the Ottoman Empire and Modern Turkey: Reform, Revolution and Republic: The Rise of Modern Turkey, 1808-1975, Volume II, Cambridge University Press, New York, USA, 1977., vol. 2, p. 293.
[32] Elsie, Robert & Destani, Bejtullah (Editors): Kosovo, A Documentary History: From the Balkan Wars to World War II, Bloomsbury Publishing, London, UK, 2018., pp. 73-82.
[33] Gibb, Hamilton Alexander Rosskeen; Kramers, Johannes Hendrik; Lewis, Bernard; Pellat, Charles; Schacht, Joseph & et al.: The Encyclopaedia of Islam, E. J. Brill, Leiden, Netherlands, 1986., vol. 6, p. 89.
[34] العقاد، 1913 الصفحات 1/30، 31.
[35] مكارثي، جستن: الطرد والإبادة مصير المسلمين العثمانيين (1821 - 1922م)، ترجمة: فريد الغزي، دار قدمس للنشر والتوزيع، (دون سنة طبع). صفحة 153.
[36] البستاني، يوسف: تاريخ حرب البلقان الأولى بين الدولة العلية والاتحاد البلقاني، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2014م. صفحة 57.
[37] أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، صفحة 2/213.
[38] البستاني، 2014 صفحة 88.
[39] Fotakis, Zisis: Greek Naval Strategy and Policy, 1910–1919, Routledge, London, UK, 2005., p. 44.
[40] العقاد، 1913 الصفحات 1/105، 106.
[41] مكارثي، (دون سنة طبع) صفحة 153.
[42] Hall, Richard C.: The Balkan Wars 1912-1913: Prelude to the First World War, Taylor & Francis Group, Milton Park, Abingdon-on-Thames, Oxfordshire, UK, 2002., p. 40.
[43] العقاد، 1913 الصفحات 2/91-124.
[44] البستاني، 2014 الصفحات 104-114.
[45] فشر، هربرت. أ. ل.: تاريخ أوروبا في العصر الحديث (1789-1950)، ترجمة: أحمد نجيب هاشم، وديع الضبع، دار المعارف، القاهرة، الطبعة السادسة، 1972م.الصفحات 452، 453.
[46] Erickson, Edward J.: Defeat in Detail: The Ottoman Army in the Balkans, 1912–1913, Greenwood Publishing Group, westport, CT, USA, 2003., p. 334.
[47] Thomopoulos, 2012, p. 93.
[48] Hall, 2002, p. 58.
[49] طقوش، 2013 الصفحات 536، 537.
[50] ييلافيتش، وييلافيتش، 2007 صفحة 261.
[51] Biondich, Mark: The Balkans: Revolution, War, and Political Violence Since 1878, Oxford University Press, New York, USA, 2011., p. 76.
[52] البستاني، 2014 صفحة 174.
[53] كولن، صالح: سلاطين الدولة العثمانية، ترجمة: منى جمال الدين، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1435هـ=2014م.صفحة 338.
[54] Heper, Metin; Öztürk-Tunçel, Duygu & Criss, Nur Bilge: Historical Dictionary of Turkey, Rowman & Littlefield, Lanham, MD, USA, Fourth Edition, 2018., p. 75.
[55] مورغنتو، هنري: مذكرات سفير أميركا في الأستانة المستر هنري مورغنتو، تعريب: فؤاد صروف، مكتبة العرب، القاهرة، 1923م. صفحة 8.
[56] Sönmez, Göktuğ: A Neoclassical Realist Approach to Turkey under JDP Rule, Cambridge Scholars Publishing, Newcastle, UK, 2020., p. 58.
[57] Shaw & Shaw, 1977, vol. 2, p. 299.
[58] Akmeșe, Handan Nezir: The Birth of Modern Turkey: The Ottoman Military and the March to World War I, I.B. Tauris & Co Ltd, London, UK, 2005., p. 135.
[59] Hall, 2002, p. 84.
[60] البستاني، 2014 صفحة 95.
[61] Pearson, Owen: Albania in the Twentieth Century, A History, Volume I: Albania and King Zog: Independence, Republic and Monarchy 1908–1939, I.B. Tauris & Co Ltd, London, UK, 2004., p. 41.
[62] كينروس، 2002 صفحة 653.
[63] فشر، 1972 صفحة 453.
[64] البستاني، 2014 الصفحات 171-178.
[65] Jelavich, Barbara: History of the Balkans: Eighteenth and Nineteenth Centuries, Cambridge University Press, New York, USA, 1983., vol. 2, pp. 99-100.
[66] Crawford, James R.: The Creation of States in International Law, Oxford University Press, New York, USA, 2006., p. 511.
[67] Pearson, 2004, pp. 50- 64.
[68] Crawford, 2006, p. 511.
[69] فشر، 1972 صفحة 454.
[70] Aronson, Theo: Crowns In Conflict: The Triumph and the Tragedy of European Monarchy, 1910–1918, John Murray, London, UK, 1986., p. 86.
[71] Hall, 2002, p. 24.
[72] كينروس، 2002 صفحة 654.
[73] البستاني، 2014 صفحة 200.
[74] Gedeon, Dimitrios: A concise history of the Balkan Wars, 1912–1913, Hellenic Army General Staff, Athens, Greece, 1998., p. 261.
[75] Hall, 2002, p. 111.
[76] البستاني، 2014 الصفحات 202، 203.
[77] آق كوندز، وأوزتورك، 2008 صفحة 467.
[78] Hall, 2002, p. 118.
[79] البستاني، 2014 الصفحات 211، 212.
[80] البستاني، 2014 الصفحات 214، 215.
[81] كينروس، 2002 صفحة 655.
[82] Hall, 2002, pp. 123-124.
[83] دومون، وﭼورﭼو، 1993 صفحة 2/292.
[84] كينروس، 2002 صفحة 655.
[85] Akşin, Sina: Turkey, from Empire to Revolutionary Republic: The Emergence of the Turkish Nation from 1789 to Present, Translated from the Turkish: Dexter H. Mursaloğlu, New York University Press, New York, USA, 2007., p. 50.
[86] البستاني، 2014 الصفحات 223-228.
[87] Hall, 2002, p. 126.
[88] Erickson, Edward J.: Defeat in Detail: The Ottoman Army in the Balkans, 1912–1913, Greenwood Publishing Group, westport, CT, USA, 2003., pp. 157-158.
[89] أوزتونا، 1990 الصفحات 2/224، 225.
[90] Hall, 2002, pp. 125-126.
[91] Jowett, Philip S.: Armies of the Balkan Wars 1912–13: The priming charge for the Great War, Osprey Publishing, Oxford, UK, 2011., p. 9.
[92] Zervas, Theodore G.: Formal and Informal Education during the Rise of Greek Nationalism: Learning to be Greek, Springer Nature, New York, USA, 2017., p. 102.
[93] Živković, Milka Bubalo & Đerčan, Bojan: Demographic Changes in the Kingdom of SCS and the Kingdom of Yugoslavia (ИСТОРИЈА И ГЕОГРАФИЈА: СУСРЕТИ ИПРОЖИМАЊА), In: Božić, Sofija: History and Geography: meetings and permeations, Geographical Institute «Jovan Cvijić» SASA, Belgrade, Serbia, 2014., p. 304.
[94] Mellor, Roy E. H.: Eastern Europe: A Geography of the Comecon Countries, The Macmillan Press, London, UK, 1975.pp. 108-109.
[95] Medojević, Jovo & Pavlović, Mila: Real Demographic Losses of Montenegro Caused by Wars in the 20th Century, Collection of Papers-Faculty of Geography, University of Belgrade, Serbia Volume 65, Issue 1, 2017., p. 136.
[96] Bilgiç, Bestami S.: Balkan wars, In: Ágoston, Gábor & Masters, Bruce Alan: Encyclopedia of the Ottoman Empire, Infobase Publishing, New York, USA, 2009., p. 74.
[97] أوزتونا، 1990 صفحة 2/237.
[98] Lord, Ceren: Religious Politics in Turkey: From the Birth of the Republic to the AKP, Cambridge University Press, Cambridge, UK, 2018., p. 45.
[99] انظر: دكتور راغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442هـ= 2021م، 2/ 1181- 1199.
التعليقات
إرسال تعليقك