التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
القسطنطينية عاصمة العالم، ماذا تعرف عنها قبل حصارها وفتحها من قبل الجيش العثماني؟
شهدت الشهور الأخيرة من عام 1452م ثلاثة أحداثٍ أكَّدت للإمبراطور البيزنطي أنَّ ساعة الصفر في عمليَّة حصار القسطنطينية قد اقتربت؛ كان الحدث الأوَّل هو افتتاح قلعة روملي حصار على شاطئ البوسفور، وكان الحدث الثاني هو نجاح الجيش العثماني في السيطرة عسكريًّا على محاور الطرق الموصلة من اليونان إلى القسطنطينيَّة، وأمَّا الحدث الثالث فكان قصف سفينة البندقيَّة التي حاولت اختراق مضيق البوسفور.
عند وصول الأمر إلى هذا الحدِّ أطلق الإمبراطور البيزنطي صيحة استغاثة عالية، ولم تكن هذه الصيحة موجَّهة إلى أعوانه وإخوانه في طرابزون واليونان، لأنَّه يعلم أنَّ طرقهم إليه صارت مسدودة؛ إنَّما أطلقها لألدِّ أعدائه: الكاثوليك!
كانت الاستغاثة البيزنطيَّة موجَّهة في الأساس إلى البابا نيكولاس الخامس في روما، الذي أرسل مبعوثه الكاردينال إيزيدور -الذي كان كاردينالًا سابقًا لأوكرانيا- ولذلك عُرف بإيزيدور كييڤ (عاصمة أوكرانيا) Isidore of Kiev، الذي حمل شرط البابا للمساعدة العسكريَّة، وهو تنفيذ توصيَّات مؤتمر فلورنسا المنعقد سابقًا في عام 1439م بحضور چون الثامن إمبراطور بيزنطة السابق، الذي اتُّفق فيه على دمج الكنيستين الأرثوذكسيَّة والكاثوليكيَّة تحت زعامة البابا الكاثوليكي، وكان هذا بالطبع شرطًا مذلًّا، خاصَّةً في هذا التوقيت، ولكن إزاء الوضع المزري الذي وصلت إليه الدولة البيزنطيَّة، فقد وَافَق الإمبراطور البيزنطي على دعم هذا الدمج، وأُقِيم لذلك احتفالٌ وفق المذهب الكاثوليكي قاده الكاردينال إيزيدور في 12 ديسمبر 1452م[1][2]!
لم يكن هذا القرار الذي أخذه الإمبراطور يحظى بموافقةٍ شعبيَّة؛ بل كان له معارضون من القادة والزعماء، وكان على رأس الرافضين لهذا القرار رئيس الوزراء البيزنطي لوكاس نوتاراس Loukas Notaras، الذي قال جملته الشهيرة: «إنَّني أُفَضِّل أن أرى في مدينتنا العمامة التركيَّة على أن أرى القبَّعة اللاتينيَّة»[3][4]!"I would rather see a Turkish turban in the midst of the city than the Latin mitre".
وبهذا انقسمت بيزنطة على نفسها في مقابل الدعم الباباوي؛ لكن الذي لم يُدركه الإمبراطور البيزنطي أنَّ البابا لم يكن مؤثِّرًا في ملوك أوروبَّا الغربيَّة بالدرجة التي تجعلهم يُطيعونه في عمليَّة إنقاذ القسطنطينيَّة، ولم يكن هو -كما شرحنا قبل ذلك عند الحديث عن ولايته عام 1447م- متحمِّسًا للحملات الصليبيَّة، ومن هنا تعلَّلت القوى الأوروبِّيَّة المختلفة، كالمجر، وفرنسا، وألمانيا، وإسبانيا، بمشاكلها الداخليَّة، ولم تتقدَّم بمعونةٍ عسكريَّةٍ أو اقتصاديَّة[5]، ولهذا لم يكن عجيبًا أن تكون معونة البابا -بعد التنازل المخزي من الإمبراطور البيزنطي- لا تزيد عن مائتي جندي من قاذفي السهام أرسلهم من جزيرة كريت Crete القريبة[6]!
كان ردُّ فعل البندقيَّة متباطئًا للغاية؛ فعلى الرغم من إغراق سفينتها في البوسفور إلَّا أنَّها لم تأخذ قرارًا حاسمًا في عمليَّة إنقاذ القسطنطينيَّة، ويبدو أنَّها كانت حريصة على استمرار علاقاتها التجاريَّة مع الدولة العثمانيَّة، أو أنَّها رأت أنَّ عمليَّة إنقاذ القسطنطينيَّة مستحيلة عسكريًّا، ومع ذلك وافق مجلس شيوخ البندقيَّة Senate في فبراير 1453م على إرسال أسطولٍ لبحر إيجة، ولم يتحرَّك الأسطول إلَّا في أبريل، وبالتالي كان وصوله متأخِّرًا جدًّا عن أيِّ فرصة مساعدة[7]، ومع ذلك فقد شارك بعض البحَّارة البنادقة في الدفاع عن المدينة[8][9]، ويبدو أنَّ هذا كان بشكلٍ فرديٍّ منهم دون اتِّفاقٍ مع الحكومة.
كانت المساعدة الوحيدة الجدِّيَّة للقسطنطينيَّة هي مساعدة جمهوريَّة چنوة الإيطاليَّة، التي على الرغم من معاهدتها مع السلطان محمد الثاني، فإنها أرسلت فرقةً عسكريَّةً مؤلَّفةً من سبعمائة مقاتل محترف من چنوة وجزيرة خيوس التابعة لها، وذلك تحت قيادة القائد الچنوي الشهير چيوڤاني چوستينياني Giovanni Giustiniani[10]، وتقديرًا لمهارة هذا القائد فقد أعطاه الإمبراطور البيزنطي القيادة العامَّة للقوَّات المدافعة عن الأسوار[11]، وهذا بدوره أوغر صدور قادة الجيش البيزنطي، خاصَّةً رئيس الوزراء لوكاس نوتاراس؛ لأنَّ القائد الچنوي كاثوليكي، وظهوره مدافعًا قويًّا عن المدينة قد يدفع في إتمام عمليَّة دمج الكنيستين[12]، وهكذا حدثت بوادر انشقاق في الجيش البيزنطي.
كان وصول هذا القائد الچنوي إلى القسطنطينيَّة في يوم 26 من يناير 1453م[13]، وقد أنعم عليه الإمبراطور بلقب شرفي إمبراطوري يُوازي قائد الفرسان، ووعده بإعطائه جزيرة ليمنوس Lemnos في حال الانتصار على العثمانيِّين[14].
أمَّا بالنسبة إلى مستعمرة چنوة في منطقة جالاتا Galata شمال القسطنطينيَّة فإنَّ موقفها كان حرجًا للغاية؛ فهي تعلم أنَّ سقوطها في أيدي العثمانيِّين يعني نهايتها، ومِنْ ثَمَّ فهي تُفكِّر في إرضائهم تجنُّبًا لاجتياحها، وفي الوقت نفسه فهي ذات علاقات قويَّة وقديمة مع القسطنطينيَّة، ولمـَّا كانت هذه المستعمرة قائمة على التجارة وليس بها قوَّات عسكريَّة كبيرة، فقد آثرت الإعلان الرسمي بعدم القدرة على مساعدة القسطنطينيَّة على حصارها، لكي لا تُغْضِب السلطان محمدًا الثاني، ومع ذلك فقد سرَّبت سرًّا بعض رجالها غير الاحترافيِّين إلى القسطنطينيَّة عبر القرن الذهبي؛ وذلك من باب تكثير العدد، والحفاظ على شيءٍ من العلاقة مع بيزنطة[15]، وكانت تُمثِّل بهذا الموقف النظرة البرجماتيَّة البحتة، التي تبحث عن المصلحة في أيِّ اتِّجاه، وتُحاول أن تُرضي جميع الأطراف!
كان هذا هو الموقف في القسطنطينيَّة في أبريل عام 1453م، وعلى الناحية الأخرى فإنَّ الاستعدادات في الجيش العثماني كانت تجري على قدمٍ وساق، وقد نجح أوربان في تصنيع مدفعه العملاق، وقام السلطان محمد الثاني بتجربته في أدرنة، فكان قادرًا على إيصال قذيفته الكبرى إلى مسافة ميل تقريبًا[16]، وهكذا اكتملت استعدادات الجيش العثماني، وبدأ التخطيط الفعلي لحركة الجيش ومعدَّاته من أدرنة إلى القسطنطينيَّة، وكذلك بدأت استعدادت الأسطول العثماني لغلق مضيق الدردنيل؛ وذلك لمنع السفن القادمة من البحر الأبيض المتوسط من الوصول إلى القسطنطينيَّة، أمَّا سفن البحر الأسود فكانت قلعتا روملي حصار وأناضولو حصار، كفيلتين بمنعهما تمامًا من الوصول إلى المدينة.
وكان السلطان محمد الثاني مهتمًّا كذلك بالدور العظيم الذي يقوم به العلماء في تحقيق النصر، ولذلك أرسل إليهم ليصحبوا الجيش في مهمَّته الكبرى، وليقوموا بتحميس المقاتلين على الجهاد في سبيل الله، وتبشيرهم بتحقيق النصر في المعركة، وذكرت المصارد أنَّه أرسل إلى الشيخ آق شمس الدين ليدعوه إلى الجهاد في سبيل الله وصحبة الجيش المقاتل، وكان الرسول إلى الشيخ هو الوزير أحمد باشا ولي الدين، فقال له الشيخ آق شمس الدين عبارةً عجيبة؛ إذ قال له: «سيدخل المسلمون القلعة من الموضع الفلاني، في اليوم الفلاني، وقت الضحوة الكبرى (قبيل الظهر)، وأنت تكون حينئذٍ عند السلطان محمد خان»[17]! ثم قام الشيخ من فوره، وصاحب الجيش إلى القسطنطينيَّة، وكما دعا السلطان محمد الثاني هذا العالم الكبير دعا غيره من العلماء، ومنهم على سبيل المثال الشيخ آق بيق[18]، وكان لهؤلاء العلماء دورٌ رائعٌ في العمل على تثبيت أقدام المجاهدين في أرض القتال، بل كان لهم دورٌ كبيرٌ مع السلطان نفسه، وكذلك مع كبار رجال جيشه، بل كانت لهم من الآراء السياسيَّة والإداريَّة ما نفع السلطان في بعض قراراته.
كانت آخر خطوات السلطان محمد الثاني قبل تحديد الوقت الذي سيُغادر فيه الجيش أدرنة إلى القسطنطينيَّة هي إرسال فِرَق عديدة من العمَّال لتمهيد الطريق بين المدينتين[19]، وهذه ليست مهمَّةً سهلة؛ لأنَّ المسافة تزيد على مائتي كيلو متر، والغرض من تمهيد الطريق ليس استيعاب الجيوش الكبيرة فقط، بل كذلك تسهيل عمليَّة نقل المدافع العملاقة التي ستُستخدم في الحصار، التي ستكون عن طريق عددٍ كبيرٍ من الثيران، فلا بُدَّ من تمهيد الطريق بالصورة التي تمنع انزلاق هذه الثيران، أو تعرُّضها للإصابة.
بدأ الجيش العثماني في نقل المدفع العملاق الذي صمَّمه أوربان المجري في أوائل شهر فبراير 1453م[20]، وكانت عمليَّةً في غاية المشقَّة؛ إذ كان يجرُّه ستون ثورًا، ومعهم أربعمائةٌ من الجنود على جانبي الثيران لمنعها من التزحلق، بالإضافة إلى عشرة آلاف جنديٍّ تحت قيادة قرة چه باشا Karadja Pasha لتأمين المدفع، والسيطرة على القلاع والمدن الصغيرة التي تقع خارج أسوار القسطنطينيَّة، وقد وصل المدفع إلى مسافة قريبة من الأسوار تقدَّر بحوالي خمسة أميال، وذلك في آخر مارس 1453م[21]. لقد احتاج المدفع إلى قرابة الشهرين ليتحرَّك مسافة تقطعها الجيوش العاديَّة في أربعة أو خمسة أيَّام!
خرج السلطان محمد الثاني من أدرنة في يوم 23 مارس 1453م[22]، وكانت بعض فرق الجيش قد سبقته إلى القسطنطينيَّة، واستغرقت رحلته حوالي عشرة أيَّام أو أكثر قليلًا، ليصل قبيل أسوار القسطنطينيَّة في 2 أبريل[23]، أو 5 أبريل[24]، ويُمكن الجمع بين الروايات بأنَّ الجيش العثماني وصل أوَّلًا وضرب الحصار حول المدينة في 2 أبريل، ثم وصل السلطان محمد الثاني بنفسه في يوم 5 أبريل.
سيبدأ الآن الحصار الذي وصفة المؤرِّخ الأميركي كينيث سيتون بأنَّه واحدٌ من أشهر الحصارات في التاريخ[25]، ووصفه المؤرِّخ الإنجليزي مايكل أنجولد Michael Angold بأنَّه نقطة تحوُّلٍ في التاريخ[26]، وهو يُعَدُّ من أكثر العمليَّات العسكريَّة التي أُلِّفَتْ عنها الكتب، وكُتبت عنها الدراسات، ولذا فالمعلومات المتوفِّرة عن الحدث كثيرة للغاية، وسنُحاول في هذه الصفحات المقبلة اختيار بعض هذه المعلومات لتصوُّر طبيعة هذا الحصار وكيفيَّته، أمَّا التفاصيل الكاملة فيُرجَع إليها في الكتب التي أُلِّفَت خصِّيصًا لشرح هذا الحصار الكبير[27][28][29][30][31][32].
لكي نفهم استراتيجيَّة السلطان محمد الثاني في تنفيذ هذا لحصار، ثم فتح المدينة بعد ذلك، لا بُدَّ من أخذ فكرةٍ عن شكل مدينة القسطنطينيَّة بصورةٍ عامَّة، وكذلك فهم طبيعة التحصينات العسكريَّة التي صُمِّمت لمنع أيِّ معتدٍ من دخول المدينة، و-أيضًا- الآليَّات التي استخدمها الأباطرة البيزنطيُّون على مرِّ الزمان لكي يدعموا قدرة المدينة على المطاولة في أيِّ حصار، ولم تكن هذه التصميمات مجرَّد حماية لمدينة من المدن، بل كانت نموذجًا يُحتَذى في الحماية، ولقد فَهِم ذلك المؤرِّخُ الفرنسي العسكري چين دينيس ليباچ Jean-Denis Lepage حين أكَّد بعد دراسةٍ مستفيضةٍ لتحصينات المدن والقلاع في أوروبَّا في العصور الوسطى؛ أنَّ تأثير بناء التحصينات في القسطنطينيَّة على فكر العسكريِّين في أوروبَّا كلِّها، كان واضحًا وجليًّا[33]، كذلك يُؤكِّد المؤرِّخ الإنجليزي العسكري ريتشارد هامبل Richard Humble أنَّ مدينة القسطنطينيَّة كانت أحصن مدينة في العالم كلِّه[34].
بُنيت مدينة القسطنطينيَّة في مكان مدينةٍ قديمةٍ اسمها بيزنطة Byzantium بناها اليونانيُّون القدماء عام 658 قبل الميلاد، وقد أعاد الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول Constantine I بناء المدينة وتوسعتها في عام 324 من الميلاد، ثم اتَّخذها عاصمةً للإمبراطوريَّة الرومانيَّة بعد ذلك بستِّ سنوات؛ أي عام 330 من الميلاد[35]، ومن هنا بدأت شهرة هذه المدينة المهمَّة.
كان للموقع الجغرافي المتميِّز جدًّا للمدينة أثرٌ كبيرٌ في اختيارها عاصمةً لأعظم إمبراطوريَّات العالم في زمانها: الإمبراطوريَّة الرومانية؛ فالمدينة بُنيت على نتوءٍ جغرافيٍّ على شكل مثلث يبرز داخل مياه بحر مرمرة في أقصى شرق أوروبَّا، وهذا الشكل أعطاها حمايةً طبيعيَّةً من المياه في شمالها الشرقي؛ حيث يوجد خليجٌ كبيرٌ اسمه القرن الذهبي، وجنوبها الشرقي؛ حيث يوجد بحر مرمرة، وصارت ناحيتها الغربيَّة هي المتاحة للوصول إليها بريًّا، ومِنْ ثَمَّ فعند بناء أسوارٍ قويَّةٍ تحمي هذه الجهة الغربيَّة ستصير المدينة في حمايةٍ طبيعيَّةٍ صناعيَّةٍ تمنع أيَّ عدوٍّ من دخولها (خريطة رقم 5).
هكذا فكَّر قسطنطين الأوَّل، فبنى سورًا كبيرًا مكوَّنًا من طبقةٍ واحدةٍ في غرب المدينة ليصل من القرن الذهبي في الشمال إلى بحر مرمرة في الجنوب، وبذلك أغلق المدينة تمامًا من ناحية البرِّ، فأعطى المدينة حصانةً متميِّزة، لكنَّ الحصانة الحقيقيَّة للمدينة حدثت في القرن الخامس الميلادي، وتحديدًا في عام 413 من الميلاد، عندما قام الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني Theodosius II ببناء السور الشهير للقسطنطينيَّة، والمكوَّن من ثلاث طبقات إلى الغرب من سور القسطنطينيَّة الأوَّل[36]، وقد وُصِف هذا السور بأنَّه غير قابل للاختراق؛ لكونه مصمَّمًا بصورةٍ بالغة التعقيد[37] (صورة رقم 3)، و(صورة رقم 4).
يبلغ طول هذه الأسوار الغربيَّة والمعروفة بأسوار ثيودوسيوس Theodosian Walls 5.7 كيلو مترات[38]، وقد قدَّم لها المؤرِّخ الأميركي چون فريلي John Freely وصفًا ميسَّرًا في كتابه عن محمد الفاتح فقال: «يُمثِّل الحائط الداخلي لتحصينات ثيودوسيوس خطَّ الدفاع الرئيس للمدينة، وهو بعرض خمسة أمتار عند قاعدته، ويرتفع إلى مسافة اثني عشر مترًا. الجدران محميَّة بستَّةٍ وتسعين برجًا، يتراوح ارتفاع كلِّ واحدٍ منها بين ثمانية عشر وعشرين مترًا، ومفصولة عن بعضها البعض بمسافة خمسة وخمسين مترًا. يوجد بين الحائط الداخلي والحائط الخارجي شرفةٌ مسطَّحةٌ (Terrace)، بعرضٍ يتراوح بين خمسة عشر مترًا وعشرين، وبارتفاع خمسة أمتارٍ عن سطح الأرض، ويُطْلَق على هذه الشرفة اسم «Peribolos» (وهي تعني الأرض المحيطة بالجدار)، أمَّا الحائط الخارجي فيبلغ سمكه مترين، ويرتفع إلى ثمانية أمتار ونصف، ويُحْمَى كذلك بستَّة وتسعين برجًا بالتناوب في المكان مع أبراج الحائط الداخلي. يوجد خارج الحائط الخارجي شرفةٌ أخرى تسمَّى Parateichion، وهي تُحَدُّ من الناحية الخارجيَّة بسورٍ (يُمثِّل الطبقة الثالثة من الأسوار) بارتفاع مترين، وهذا السور الأخير يفصل الأسوار الثلاثة عن خندقٍ بعمق عشرة أمتار، وعرض عشرين مترًا... يُوجد بالأسوار عشر بواباتٍ رئيسة؛ خمس منها لاستخدام العامَّة، والأخرى لاستخدام الجيوش، وهي بالتناوب مع بعضها البعض»[39].
هذا التصوير الميسَّر يُوضِّح لنا مدى التعقيد الذي بُنِيَت به هذه الأسوار، ومع ذلك فالتفاصيل تحمل تعقيدات أكثر، وحمايات أدق، فعلى سبيل المثال هناك تفصيلات في طريقة البناء نفسها؛ فالأحجار التي بُنِيَت بها الأسوار مقطَّعة بعنايةٍ شديدةٍ لتتلاحم مع بعضها بدقَّة، ولم يكن يُبنى السور كلُّه بالحجارة؛ إنَّما جُعِل له بناءٌ خارجيٌّ من الأحجار، مع لُبٍّ داخليٍّ يُخْلَط فيه الجير مع قوالب الطوب؛ وذلك لإعطاء صلابةٍ أكبر للبناء[40]. وكذلك نجد في الأسوار أحزمةً حجريَّةً بعددٍ من سبعة إلى أحد عشر حزامًا في السور من أسفله إلى أعلاه، وسُمْكُ كلِّ حزامٍ حجريٍّ حوالي أربعين سنتيمتر، وهو ليس للشكل التجميلي فقط؛ إنَّما يعطي قوَّةً أخرى للبناء بزيادة التلاصق بين طبقاته[41]. بل أثبتت بعض الدراسات المتعمِّقة أنَّ البناء بهذه الطريقة، التي تشمل لبًّا داخليًّا من هذا الخليط الذي ذكرناه آنفًا مع إطارٍ خارجيٍّ من الأحجار، بالإضافة إلى الأحزمة الحجريَّة؛ كلُّ هذا يُعطي السور قوَّةً أكبر تجعله مقاوِمًا للزلازل، وكذلك مقاوِمًا للملوحة الموجودة في المناطق البحريَّة، كما يجعله مقاوِمًا بشكلٍ أكبر للصدمات، بل إنَّه قد يُوَفِّر إلتئامًا ذاتيًّا (Self-healing) عند تعرُّضه للقصف[42]! يُضاف إلى كلِّ ما سبق أنَّ الأبراج كانت مغطَّاة بالرصاص لزيادة صلابتها[43]!
ومع كلِّ هذه الحصانة للسور الغربي (البرِّيِّ) إلَّا أنَّه كان يحتوي على نقطة ضعفٍ واحدة! هذه النقطة كانت عند اختراق نهر لايكوس Lycus للأسوار من الغرب إلى الشرق داخلًا المدينة، ومع أنَّ البيزنطيِّين أخذوا حذرهم الشديد بتغطية النهر بشكلٍ كاملٍ تحت الأرض؛ وذلك لتأمين المياه الداخلة إلى المدينة، فإنَّ دخول النهر إلى المدينة مثَّل نقطة ضعفٍ لأكثر من سبب؛ فأوَّلًا يدخل النهر المدينة في وادٍ بين تلَّتين؛ أي في أرضٍ منخفضةٍ بين أراضٍ مرتفعة، لذلك فالأسوار في هذه المنطقة قصيرةٌ نسبيًّا[44]، ولعلَّه كان هناك تخوُّفٌ من رفع الأسوار جدًّا حيث لا تتحمَّلها الأرض المخترَقة بالنهر، وثانيًا توجد مرتفعاتٌ خارج المدينة عند هذه النقطة، ممَّا يجعل وضع المهاجمين للمدينة أعلى من وضع المدافعين عنها في الداخل، الذين يوجدون في مكانٍ منخفضٍ بسبب الوادي النهري، وثالثًا كان الخندق الذي خارج الأسوار غير عميقٍ في هذه المنطقة؛ لأنَّ الحفر العميق سيُظْهِر النهر المختفي تحت الأرض[45].
هذه المنطقة الضعيفة كان يُطْلَق عليها منطقة الميزوتيكيون Mesoteichion، وهي تعني: «وسط الأسوار»؛ حيث توجد هذه المنطقة في وسط الأسوار الغربيَّة، ويوجد عندها بوابة سان رومانوس St. Romanus، وهي البوابة المعروفة الآن ببوابة «توب كابي»، كما تُعرف ببوابة «المدفع»؛ لأنَّ الجيش العثماني سيضع أمامها أكبر مدافعه[46]، ويبدو أنَّ الضعف ظاهرٌ لهذه البوَّابة؛ حيث إنَّ معظم الجيوش الغازية للمدينة على مرِّ العصور كانت تغزوها من هذه المنطقة[47].
هذه هي بعض تفاصيل الحائط الغربي البريّ الذي يحمي المدينة من ناحية أوروبَّا، وليس هذا هو الحائط الوحيد للقسطنطينيَّة، بل لها حائطان آخران بحريَّان؛ الحائط الأوَّل عند الساحل الشمالي الشرقي، أي عند القرن الذهبي، والآخر عند الساحل الجنوبي الشرقي، أي عند بحر مرمرة. يمتدُّ السور الدفاعي الموجود على ساحل القرن الذهبي لمسافة 5.6 كيلو مترات[48]، وهو سورٌ من طبقةٍ واحدةٍ بارتفاع عشرة أمتار، وبه مائة وعشرة أبراج[49]، وهو يُعَدُّ أحد نقاط الضعف في المدينة بالمقارنة بالسور الغربي، أمَّا السور الدفاعي الموجود على ساحل بحر مرمرة فهو يمتدُّ لمسافةٍ تزيد عن 8.4 كيلو مترات[50]، وهو -أيضًا- من طبقةٍ واحدةٍ بارتفاع اثني عشر مترًا إلى خمسة عشر، ويحوي مائة وثمانية عشر برجًا[51].
كان خليج القرن الذهبي ذا أهميَّةٍ تجاريَّةٍ كبيرةٍ للقسطنطينيَّة، وبه عدَّة موانٍ لاستقبال السفن العالميَّة، فإذا أضفنا إلى ذلك الضَّعْف النسبي للأسوار في هذه المنطقة، فإنَّنا نتوقَّع أن يهتمَّ البيزنطيُّون بتأمين هذا الخليج بأكبر صورةٍ ممكنة، ولقد بدأ هذا الاهتمام قديمًا منذ عهد الإمبراطور ليو الثالث Leo III في القرن الثامن الميلادي؛ حيث قام هذا الإمبراطور بغلق القرن الذهبي بسلسلةٍ حديديَّةٍ غليظة، معلَّقة من الناحية الجنوبيَّة عند نقطةٍ قريبةٍ من بوابة إيوجينيوس Eugenios، ومن الناحية الشماليَّة عند قلعة جالاتا Castle of Galata، وإذا شدَّ البيزنطيُّون هذه السلسلة فإنَّها تُغْلِق الخليج تمامًا[52].
كانت هذه فكرةً سريعةً عن التحصينات العسكريَّة الخاصَّة بمدينة القسطنطينيَّة نفسها، وهي تحصيناتٌ فريدةٌ لم تكن معظم مدن العالم تتمتَّع بمثلها، ولاستكمال الصورة فإنَّني سأُضيف هنا الحديث عن بعض الأماكن القريبة من القسطنطينيَّة، التي تُعَدُّ «ملحقات» للمدينة، وتُشكِّل معها الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة في هذه المنطقة، ويُمكن الحديث عن هذه الملحقات في عناوين ثلاثة:
أوَّلًا: منطقة جالاتا (Galata)، وتُعرف -أيضًا- بمنطقة بيرا Pera، وهي المنطقة الموجودة شمال القرن الذهبي، وتُعَدُّ امتدادًا طبيعيًّا للقسطنطينيَّة ذاتها، وكانت هذه المنطقة مهداةً من الدولة البيزنطيَّة إلى جمهوريَّة چنوة في عام 1267م، وذلك بعد معاهدةٍ بين الطرفين تكون فيها چنوة تابعةً للدولة البيزنطيَّة في مقابل حقوقٍ تجاريَّة، مع منع الچنويِّين من إقامة تحصيناتٍ في جالاتا، ومع ذلك ففي ظلِّ ضعف الدولة البيزنطيَّة خالف الچنويُّون، وبنوا عدَّة تحصينات في المدينة، وكان منها برج جالاتا الشهير، الذي انتهوا من بنائه في عام 1348م[53]. كانت جالاتا بهذا الوضع تُمثِّل احتياطيًّا دفاعيًّا مهمًّا للقسطنطينيَّة، فمن الناحية الاقتصاديَّة كانت من أغنى المقاطعات؛ لأنَّها قائمةٌ على التجَّار الإيطاليِّين أصحاب الثروات الكبيرة، ومن الناحية العسكريَّة كانت تمتلك فرقًا عسكريَّةً مقاتلة، بالإضافة إلى قدرتها على شراء المرتزقة بأموالها الوفيرة، فضلًا عن إمكاناتهم البحريَّة المعروفة؛ حيث كانت جمهوريَّة چنوة من أهمِّ الجمهوريَّات البحريَّة في ذلك الزمن، ومن الناحية اللوجستيَّة فهي في غاية الأهميَّة؛ حيث يُمكن الوصول منها إلى القسطنطينيَّة عن طريق القرن الذهبي، خاصَّةً إذا ما أخذنا في الاعتبار أنَّ غلق السلسلة الحديديَّة سيمنع كلَّ السفن من دخول القرن الذهبي باستثناء سفن جالاتا، التي يُمكن أن تكون راسيةً داخل القرن الذهبي بعد السلسلة الحديديَّة، وبالتالي يُمكنها إيصال المدد من المؤن، والرجال، والمال، بشكلٍ كاملٍ دون انقطاع.
ثانيًا: بعض التحصينات والقلاع الموجودة في محيط القسطنطينيَّة، مثل قلعة ثيرابيا Therapia شمال البوسفور، وهي قريبةٌ من قلعة روملي حصار التي بناها السلطان محمد الثاني في 1452م، وقلعة ستودياس Studius على شاطئ بحر مرمرة، كذلك قلعة سيلمبريا Selymbria غرب القسطنطينيَّة[54]، وهي وغيرها كانت تُمثِّل خطَّ دفاعٍ أوَّل عن المدينة، أو على الأقل كانت تقوم بدور تعطيل الجيوش الغازية حتى تأخذ المدينة وقتًا في إعداد العدَّة لمقاومة الغزو.
ثالثًا: جزر الأمراء؛ وهي أربع جزرٍ كبرى نسبيًّا، وخمس أخرى صغيرة، وهي موجودةٌ في بحر مرمرة[55]، ويُمكن أن تُمثِّل مهربًا للأمراء والحكومة في حال سقوط القسطنطينيَّة، وأحيانًا كانت تُستخدم منفًى لأفراد العائلة المالكة[56].
يتبيَّن من الشرح السابق أنَّ هذه المناطق الملحقة بالقسطنطينيَّة لها أهميَّةٌ كبرى في عمليَّة إسقاط المدينة الكبيرة، ولهذا نتوقَّع أن يضع السلطان محمد الثاني في حساباته خطَّةً للتعامل مع هذه التحصينات.
هذه هي تحصينات القسطنطينيَّة في داخلها وخارجها، وهذا هو الوضع الجغرافي الفريد الذي سمح بتنفيذ هذه التحصينات العجيبة، وهذا هو تراكم الخبرة العسكريَّة البيزنطيَّة على مرِّ العصور، التي كوَّنت هذه الشبكة الدفاعيَّة المعقَّدة عن هذه المدينة المهمَّة. بعد هذا الشرح يُمكن أن نفهم كلمة القائد الفرنسي الشهير نابليون بونابرت Napoleon Bonaparte حين قال: «لو كانت الدنيا مملكةً واحدةً لكانت القسطنطينيَّة أصلح المدن لتكون عاصمةً لها»[57]. وهو القائل -أيضًا-: «مَنْ يمتلك القسطنطينيَّة يستطيع أن يحكم العالم»[58]!
***
تعتمد القسطنطينيَّة في الدفاع عن نفسها على أمرين: التحصينات العسكريَّة، والقوَّة البشريَّة. وقد مرَّ بنا الحديث عن التحصينات ووصفها، وحان الوقت لأخذ فكرة عن طبيعة الشعب والجيش في المدينة الحصينة.
يُقدَّر عدد الشعب البيزنطي في عام 1453م بحوالي خمسين ألف مواطن معظمهم من اليونانيِّين، بالإضافة إلى قلَّةٍ من اللاجئين من جنسيَّاتٍ مختلفة[59]، وهذا الرقم يُمثِّل عُشْر سكان المدينة في القرن السادس الميلادي؛ حيث كان تعدادها آنذاك يزيد عن نصف مليون مواطن[60]! وظلَّ كذلك حتى بدايات القرن الثالث عشر الميلادي، والسرُّ في هذا التناقص الكبير يعود إلى أمورٍ عدَّة؛ من أهمِّها الدمار الرهيب الذي خلَّفته الحملة الصليبيَّة الرابعة عندما اجتاح اللاتين الكاثوليك القسطنطينيَّة عام 1204م، وأحدثوا فيها قتلًا كثيرًا، وتخريبًا فظيعًا، وصفه المؤرِّخ الإنجليزي استيڤين رنسيمان بأنَّه لا نظير له في التاريخ[61]، وصرَّحت المؤرِّخة الأميركيَّة أليس ماري تالبوت Alice-Mary Talbot بأنَّ الحملة الصليبيَّة كانت سببًا جدِّيًّا في تناقص سكان القسطنطينيَّة[62]، وتُقدِّر بعضُ المصادر سكانَ القسطنطينيَّة وقت احتلالها باللاتين عام 1204م بحوالي أربعمائة ألف مواطن، ثم وصلوا إلى خمسة وثلاثين ألفًا فقط عند استقلالها عنهم عام 1261م[63]! ومع أنَّ جهود الأباطرة البيزنطيِّين كانت كبيرةً لإعادة إعمار المدينة فإنَّ الحالة الاقتصاديَّة المتردِّية التي وصلت إليها جعلت هذا أمرًا عسيرًا، بالإضافة إلى الزلازل والطاعون، وغير ذلك من الآفات، ممَّا جعل المدينة وكأنَّها شبحٌ للحضارة البيزنطيَّة القديمة[64]، ولقد وصف چورچ سكولاريوس George Scholarios، وهو أحد كبار رجال الكنيسة في الأيَّام الأخيرة للدولة البيزنطيَّة، وأحد المعارضين لفكرة دمج الكنيستين الأرثوذكسيَّة والكاثوليكيَّة، وصف حال مدينة القسطنطينيَّة قبيل حصار محمد الثاني لها بقوله: «بمجرَّد ذهاب الثروة المادِّيَّة، التي كانت سابقًا فخر القسطنطينيَّة، لم تَبْقَ حتى القيمة الأدبيَّة للمدينة. وإن جئت للحقيقة فإنَّ المدينة كانت تحتفظ ببقايا لهذه الثروة، ولكن عظمتها كانت مجرَّد مظهرٍ زائف. حتى هذا المظهر الزائف فُقِدَ بعد ذلك! ولم يبقَ إلَّا الجهل يتملَّك المدينة»[65]! ويقول في مرَّةٍ أخرى: «صارت مدينة القسطنطينيَّة هي مدينة الأطلال، والفقر، بل صارت مدينةً غير مأهولة»[66]! ويعلِّق المؤرِّخ اليوناني كونستانتينوس ديماراس Konstantinos Dimaras على هذه الكلمات بقوله: « كان الفقر يحكم المدينة، ولم تكن المدارس أو المؤسَّسات قادرةً على دعم أساتذتها»، ويقول في موضعٍ آخر: «حتى العلماء القلَّة الذين صاروا في القسطنطينيَّة بدؤوا في الرحيل منها واحدًا بعد الآخر إلى الغرب؛ فقط لتأمين لقمة العيش». ولقد قال المؤرِّخ اليوناني هذه الكلمات في فصلٍ أسماه «الخروج من الأطلال»، وفيه يصف انتقال القسطنطينيَّة من حكم البيزنطيِّين (الأطلال) إلى حكم العثمانيِّين (العمران)[67].
إنَّني فصَّلت في هذه النقطة لأثبت الحالة المتردِّية التي كانت عليها المدينة عشيَّة حصارها؛ ذلك لأنَّ بعض المؤرِّخين يتَّهمون العثمانيِّين بأنَّهم حوَّلوا المدينة إلى خرابٍ عندما فتحوها، ودمَّروا ما فيها من حضارة، لكن الواقع أنَّ المدينة كانت تحتضر بالفعل، وقد أخرجها العثمانيُّون بفتحها من مرحلة الأطلال إلى مرحلة العمران.
يدين شعب القسطنطينيَّة في معظمه بالنصرانيَّة، وهم في معظمهم من الأرثوذكس، بل تُعَدُّ القسطنطينيَّة المعقل الرئيس للأرثوذكسيَّة في العالم منذ انفصالها عن كنيسة روما عام 1054م، فيما يُعْرَف بالانشقاق العظيم Great Schism، الذي نتج عنه انقسام النصارى إلى كاثوليك رومانيِّين وأرثوذكس يونانيِّين[68]، ومن يومها والعداء بين الفريقين مستحكم، وقد تفاقم بشدَّة بعد الاجتياح اللاتيني البشع للقسطنطينيَّة عام 1204م.
كان شعب القسطنطينيَّة يعتمد في توفير الطعام على المزارع الكثيرة المنتشرة خارج حدود أسوار المدينة، وبالتالي فعند الحصار لن يُصبح هناك تموين غذائي إلَّا ما قاموا بتوفيره داخل المدينة، ولقد حرص الإمبراطور قُسطنطين الحادي عشر على توفير هذا الدعم قبل الحصار، فقد ذكرت المصادر أنَّ ثماني عشرة سفينةً من كريت، وخيوس الچنوية، والمورة، قد وصلت إلى القسطنطينيَّة محمَّلةً بالتموين في نوفمبر 1452م، أي قبل بدء الحصار بستَّة أشهر[69]، ومع ذلك فيبدو أنَّ هذه الكميَّات لم تكن كافية، ممَّا سيترك المدينة في حالة ذعرٍ إذا ما طال حصارها. أمَّا من ناحية الماء فإنَّ هذه لم تكن مشكلةً بالنسبة إلى المدينة؛ حيث كان يصلها نهر لايكوس، وهو مغطَّى تحت الأرض كما شرحنا قبل ذلك، بل كانت تصلها أنابيب مياه ممتدَّة من وسط البلقان بطولٍ يزيد عن مائة كيلو متر، وكلها مدفونة تحت الأرض في شبكةٍ بالغة التعقيد يصعب اكتشافها، وهذه الأنابيب تصل إلى صهاريج كبيرة مدفونة كذلك في داخل المدينة[70].
يبقى المهمُّ في هذه المدينة المحاصَرَة هو معرفة عدد الجيش الذي سيقوم بالدِّفاع عن هذه الأسوار لمنع اجتياح المسلمين لها، فالمؤكَّد أنَّ البيزنطيِّين سيتجنَّبون بكلِّ طاقاتهم الدخول في حربٍ ميدانيَّةٍ مع الجيش العثماني الكبير، الذي يزيد على ضعفي، أو ثلاثة أضعاف، الشعب البيزنطي بكامله! ولقد طلب الإمبراطور البيزنطي قُسطنطين الحادي عشر من وزيره القيام بإحصاء سرِّيٍّ للرجال القادرين على حمل السلاح في المدينة، فجاء الردُّ بعد الإحصاء مخيِّبًا؛ إذ قال فرانتزس: «على الرغم من ضخامة حجم مدينتنا فإنَّ عدد المدافعين عنها هو أربعة آلاف وسبعمائة وثلاثة وسبعون يونانيًّا، بالإضافة إلى مائتي أجنبي»[71][72]!
هذا يعني أنَّ المقاتلين من الشعب البيزنطي كانوا لا يزيدون عن خمسة آلاف مقاتل، ومع ذلك فإنَّ معظم المصادر تُجْمِع على وجود ألفي أجنبي على الأقل يُقاتلون مع البيزنطيِّين في هذا الحصار[73][74]، وتفسير ذلك أنَّ المائتين الذين ذكرهم فرانتزس في إحصائه هم الجنود غير اليونانيين الذين تحت إمرة البيزنطيِّين، أو يعيشون كمواطنين في القسطنطينيَّة، أمَّا الألفا أجنبي فهم المرتزقة والمتطوعون الذين جاءوا من چنوة، أو البندقيَّة، أو كاتالونيا Catalonia، أو كريت، أو غيرها من الأماكن في أوروبا.
إِذَنْ كانت القوَّة المدافعة عن القسطنطينيَّة هي سبعة آلاف رجل، وهو رقمٌ ضئيلٌ للغاية؛ خاصَّةً إذا نظرنا إلى عدَّة اعتبارات؛ منها أن ليس كلُّ هؤلاء جنودًا، بل هؤلاء هم القادرون على حمل السلاح، وكثيرٌ منهم لا يُتْقِن حرفيَّة القتال[75]، ومنها أنَّ تسليحهم كان بدائيًّا للغاية؛ فهم يعتمدون على الأقواس والسيوف والدروع[76]، بينما كان الجيش العثماني مزوَّدًا بأحدث الأسلحة المعاصرة، ويشمل ذلك المدافع والبنادق، ومنها أنَّ أسوار القسطنطينيَّة تزيد كما شرحنا بالتفصيل قبل ذلك على ثلاثةٍ وعشرين كيلو مترًا، وبالتالي فإنَّ توزيع هذه الأعداد الزهيدة على طول الأسوار يُعَدُّ عمليَّةً مستحيلة، وأخيرًا فإنَّ التناسق منعدمٌ بين هؤلاء السبعة آلاف؛ فهم لم يتدرَّبوا سويًّا قبل ذلك، ولا يعرف بعضهم بعضًا، بل إنَّ منهم الأرثوذكس اليونانيِّين، ومنهم الكاثوليك الچنويِّين والبنادقة، وهؤلاء في عداء من الأساس!
ويلفت النظر في هذه القوَّة المدافعة عن المدينة أنَّ بها عددًا كبيرًا من البنادقة؛ إذ وَرَدَ أنَّ عددهم تجاوز الألف[77]، مع أنَّ الموقف الرسمي المعلن من البندقيَّة أنَّها في حالة تعاهدٍ تجاريٍّ مع الدولة العثمانيَّة، وأنَّها لن تُقدِّم الدعم للقسطنطينيَّة، فكان من الواضح أنَّ أطماع البندقيَّة في إقصاء الدولة العثمانيَّة عن المضايق البحريَّة وبحر إيجة كبيرة، ولذلك غامرت بالدخول في هذا التحدِّي للعثمانيِّين، ومع ذلك فدخولها في الصدام لم يكن معلنًا بشكلٍ رسمي؛ إنَّما انضمَّ البنادقة إلى المدافعين كتجَّارٍ قدموا إلى المدينة في وقت حصارها فآثروا البقاء فيها للدفاع عنها. يلفت النظر -أيضًا- أنَّ إحدى السفن البندقيَّة التي دخلت القسطنطينيَّة قبل الحصار بقليلٍ كانت تقلُّ جرَّاحًا بندقيًّا اسمه نيكولو باربارو Nicolo Barbaro، وسوف يقوم هذا الجرَّاح بكتابة يوميَّاته أثناء الحصار، ومن هنا صارت هذه اليوميَّات من المصادر الرئيسة لوصف العمليَّة برمَّتها؛ حيث عاصر هذا الطبيب الأمر كشاهد عيان من البداية إلى النهاية[78].
أمَّا القوَّة الأجنبيَّة الأخرى في عمليَّة الدفاع عن القسطنطينيَّة فكانت قوَّة چنوة، وقد أوضحنا قبل ذلك أنَّها كانت مكوَّنةً من سبعمائة مقاتلٍ تحت قيادة چيوڤاني چوستينياني، وكانت هذه الفرقة الچنويَّة هي أهمُّ فرقةٍ في كلِّ الجيش البيزنطي؛ حيث كانت تتمتَّع بالحرفيَّة العالية.
قام الإمبراطور البيزنطي بالاشتراك مع قادة جيشه، وكذلك القادة البنادقة والچنويِّين بتوزيع القيادات والجنود على الأماكن الاستراتيجيَّة في الأسوار، وقد ذكرت بعض المصادر تفصيلًا كاملًا لأسماء القادة عند كلِّ بوَّابةٍ من بوَّابات السور، وكذلك عند الأماكن المهمَّة في المدينة[79]، ولكن ما يهمُّنا هنا هو ذكر أهمِّ هذه التوزيعات؛ حيث وضع الإمبراطور نفسه أمام أضعف البوَّابات، وهي بوَّابة سان رومانوس، وكان معه الجيش اليوناني الرئيس، وكان إلى الشمال منه الفرقة الچنويَّة القويَّة بقيادة چوستينياني، وقد جعلها قريبةً لكي تنضمَّ إليه عند الحاجة، وكان تمركز البنادقة الرئيس عند المنطقة الشماليَّة من الأسوار الغربيَّة، ومع ذلك فالبنادقة، والچنويُّون، واليونانيُّون كانوا موزَّعين بشكلٍ متناسقٍ على معظم البوابات، ومع أنَّ التركيز الدفاعي كان على الأسوار البرِّيَّة الغربيَّة فإنَّه كان هناك بعض المدافعين بشكلٍ متناثرٍ على الأسوار البحريَّة، سواءٌ في القرن الذهبي أم عند ساحل بحر مرمرة[80][81]، واحُتفِظَ بفرقةٍ من الجنود الاحتياطيِّين مكوَّنة من سبعمائة رجلٍ تحت قيادة قائد الفرسان ديمتريوس كانتاكوزين Demetrios Cantacuzene، وجُعِلَ مركزها عند كنيسة الرسل المقدَّسة Church of the Holy Apostles في وسط المدينة[82]، أمَّا اللافت للنظر فإنَّ القائد العام للجيش البيزنطي -وهو لوكاس نوتاراس- كان بعيدًا عن الأحداث؛ إذ كان يقود فرقةً من مائةٍ من الفرسان كقوَّةٍ احتياطيَّةٍ عند شاطئ القرن الذهبي[83]، وهي منطقةٌ لا يُتوقَّع فيها أحداثٌ ساخنة، وكان مصحوبًا بأحد أفراد العائلة المالكة، وهو نيكيفوروس بالايولوجوس Nikephoros Palaiologos، ويُرجِّح المؤرِّخ الإنجليزي روچر كراولي أنَّ هذا كان إقصاءً للقائد البيزنطي الكبير، وذلك بسبب معارضته للتوحُّد بين الكنيستين الأرثوذكسيَّة والكاثوليكيَّة، وهذا ضد التوجُّه العام للإمبراطور والمقرَّبين منه[84]، ولعلَّه لهذا السبب وضع معه أحد أفراد العائلة المالكة للتوثُّق من عدم خيانته بأيِّ شكلٍ من الأشكال.
كانت هذه هي الاستعدادات العسكريَّة البرِّيَّة للدولة البيزنطيَّة وحلفائها في عمليَّة الدِّفاع عن القسطنطينيَّة في الحصار المرتقب. يتبقَّى فقط أن نعرف شيئًا عن القوَّة البحريَّة التي كانت تمتلكها الدولة في هذه الظروف.
يتفاوت المؤرِّخون في تقدير القوَّة البحريَّة للقسطنطينيَّة في ذلك الوقت، لكنَّ جميعهم يُؤكِّد قلَّة عددها؛ فالسفن تتراوح في العدد بين عشرٍ في بعض التقديرات، وتسعٍ وثلاثين في تقديراتٍ أخرى[85]، وأكثر التقديرات على أنَّها كانت ستًّا وعشرين سفينة[86][87]، وهؤلاء ذكروا تفصيل هذه السفن كالآتي: عشر بيزنطيَّة، وخمس بندقيَّة، وخمس چنويَّة، وثلاث من كريت، وواحدة من كلٍّ من أنكونا الإيطاليَّة، وإسبانيا، وفرنسا.
مع أنَّ هذه السفن قليلةٌ فإنَّها كانت تتميَّز عن سفن الأسطول العثماني بأمرين؛ الأوَّل هو حجم السفن، فهذه السفن كبيرة، وكلها شراعيَّة، بينما السفن العثمانيَّة صغيرة وتُدار بالمجاديف[88]، والأمر الثاني هو ارتفاع مهارة وحرفيَّة البحَّارة في هذا الأسطول عن مهارة البحَّارة العثمانيِّين؛ ففارق الخبرة كبيرٌ للغاية، والتمرُّس على الحروب البحريَّة يحتاج إلى وقت، وهو ما لم يكن متوفِّرًا للأسطول العثماني بعد[89].
هذه هي الصورة الإجماليَّة للوضع في القسطنطينيَّة عند بدء حصارها..
يقول المؤرِّخ الإنجليزي ديڤيد نيكول David Nicolle: «على الرغم من الاختلافات الكبيرة بين الجيشين البيزنطي والعثماني لصالح العثمانيِّين، فإنَّ فكرة أنَّ سقوط القسطنطينيَّة أمرٌ محتومٌ فكرةٌ خاطئة؛ فالوضع الإجمالي لم يكن معركةً من جانبٍ واحدٍ كما يُمكن للنظرة السطحيَّة إلى الخريطة أن تتوقَّع»[90]!
الذي يقصده المؤرِّخ الإنجليزي هو أنَّه مع التفاوت الكبير في عدد الجيش وعدَّته إلَّا أنَّ التحصينات العسكريَّة في مدينة القسطنطينيَّة تجعل اختراقها أمرًا عسيرًا للغاية على أعتى الجيوش، كما أنَّ التصميم العسكري للتحصينات يسمح للعدد القليل أن يُدافع عن الأسوار بكفاءة، كما أنَّ انتظار الجيوش الغازية لفتراتٍ طويلةٍ خارج الأسوار ليس بلا ثمن؛ فالكلفة المادِّيَّة كبيرة، والانتظار مرهق، والاضطرابات الداخليَّة والخارجيَّة التي يُمكن أن تنشأ نتيجة تفريغ الدولة لكلِّ طاقاتها في معركةٍ واحدةٍ قد تكون اضطراباتٍ كبيرةً للغاية، وهذا كلُّه يجعل الأمر متوازنًا بشكلٍ نسبي، على الرغم من التفاوت العددي والتقني[91].
[1] Dezhnyuk Sergey Fedorovich Council of Florence: The Unrealized Union [Book]. - USA CreateSpace Independent Publishing Platform, 2017., pp. 74-75.
[2] Norwich John Julius Viscount A Short History of Byzantium [Book]. - New York, USA : Vintage Books, 1997., p. 373.
[3] نورمان بينز أ . أ . فازلييف: «بيزنطة والإسلام»، فصل ضمن كتاب «الإمبراطورية البيزنطية/ المترجمون حسين مؤنس و محمود يوسف زايد. - القاهرة : مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1950م. صفحة 391، 392.
[4] Doukas Decline and Fall of Byzantium to the Ottoman Turks [Book] / trans. Magoulias Harry J.. - Detroit, USA : Wayne State University Press, 1975., p. 210.
[5] Setton, 1975, vol. 3, pp. 100-101.
[6] Gill Joseph The Council of Florence [Book]. - New York, USA : Cambridge University Press, 1959., p. 383.
[7] Runciman Steven The Fall of Constantinople 1453 [Book]. - NewYork, USA : Cambridge University Press, 1965, p. 85.
[8] Feldman Ruth Tenzer The Fall of Constantinople [Book]. - Minneapolis, MN, USA : Twenty-First Century Books, 2007., p. 87.
[9] Braddock, 1972, p. 14.
[10]Kielty Bernardine The Fall of Constantinople [Book]. - NewYork, USA : Random House, 1957., p. 96.
[11] Runciman, 1965, p. 81.
[12] Harris Jonathan, Holmes Catherine and Eugenia Russell Byzantines, Latins, and Turks in the Eastern Mediterranean World After 1150 [Book]. - Oxford, UK : Oxford university press, 2012., p. 120.
[13] Venning Timothy A Chronology of the Byzantine Empire [Book]. - Now York, USA : palgrave Macmillan, 2006. - Introduction by Jonathan Harris., p. 724.
[14] Setton Kenneth Meyer, Hazard Harry W. and Zacour Norman P. A History of the Crusades [Book] / ed. Hazard Harry w. and Zacour Norman P.. - Madison, WI, USA : The University of Wisconsin Press, 1975., vol. 3, p. 112.
[15]Nicol Donald M. The Last Centuries of Byzantium, 1261-1453 [Book]. - Cambridge, UK : Cambridge University Press, 1993, p. 379.
[16] Venning, 2006, p. 724.
[17] طاشكبري زاده: الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية - بيروت، لبنان : دار الكتاب العربي، 1395هـ = 1975م. صفحة 139 XE \F L”الخان» . والخان لقب تركي يعادل لقب السلطان.
[18] القرماني: أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ، تحقيق: الدكتور أحمد حطيط، الدكتور فهمي السعيد- [مكان غير معروف] : عالم الكتب، 1992م صفحة 3/29.
[19] أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية/ المترجمون عدنان محمود سلمان و مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري. - إستانبول : مؤسسة فيصل للتمويل، 1988م صفحة 1/133.
[20] Dereksen David The crescent and the cross: the fall of Byzantium, May 1453 [Book]. - New York, USA : Putnam, 1964., p. 183.
[21] أوزتونا، 1988م صفحة 1/133.
[22] Babinger Franz Mehmed the Conqueror and His Time [Book]. - [s.l.] : Princeton University Press, 1978., p. 85.
[23] Setton Kenneth Meyer The Papacy and the Levant, 1204-1571: The fifteenth century [Book]. - [s.l.] : American Philosophical Society, 1976., vol. 2, p. 113.
[24] أوزتونا، 1988م صفحة 1/133.
[25] Setton, 1976, vol. 2, p. 113.
[26] Angold Michael The Fall of Constantinople to the Ottomans: Context and Consequences [Book]. - New York, USA : Routledge, 2014., p. 1.
[27] Crowley Roger Constantinople: The Last Great Siege, 1453 [Book]. - London, UK : Faber and Faber, 2009..
[28] Feldman Ruth Tenzer The Fall of Constantinople [Book]. - Minneapolis, MN, USA : Twenty-First Century Books, 2007..
[29] Angold, 2014.
[30] Philippides Marios and Hanak Walter K. The Siege and the Fall of Constantinople in 1453 [Book]. - UK : Ashgate Publishing, Ltd, 2011..
[31] Runciman, 1965.
[32] Nicolle David, Haldon John and Turnbull Stephen The Fall of Constantinople [Book]. - Oxford, UK : Osprey Publishing, 2007.., 2007.
[33] Lepage Jean-Denis G.G. Castles and Fortified Cities of Medieval Europe: An Illustrated History [Book]. - Jefferson, NC, USA : McFarland, 2010., p. 10.
[34] Humble Richard Warfare in the Middle Ages [Book]. - Lomband, IL, USA : Mallard Press, 1989., p. 164.
[35] Howard Michael C Transnationalism in Ancient and Medieval Societies [Book]. - Jefferson, NC, USA : McFarland, 2012, p. 70.
[36] Bardill Jonathan Brickstamps of Constantinople [Book]. - New York, USA : Oxford University Press, 2004., vol. 1, p. 31.
[37] Crowley Roger 1453: The Holy War for Constantinople and the Clash of Islam and the West [Book]. - New York : Hyperion , 2005., p. 82.
[38] Elliott Simon Empire State: How the Roman Military Built an Empire [Book]. - Oxford, Uk : Oxbow Books, 2017., p. 87.
[39] Freely John A History of Ottoman Architecture [Book]. - Boston, USA : WIT Press, 2011., p. 31.
[40] Turnbull Stephen The Walls of Constantinople AD 324–1453 [Book]. - Oxford, UK : Osprey Publishing,, 2012 (B), p. 10.
[41] Bahn Paul G Archaeology: The Essential Guide to Our Human Past [Book]. - Washington, DC, USA : Smithsonian Books, 2017., p. 413.
[42] Moropoulou, et al., 2002, pp. 38-39.
[43] أوزتونا، 1988م صفحة 1/133.
[44] Feldman Ruth Tenzer The Fall of Constantinople [Book]. - Minneapolis, MN, USA : Twenty-First Century Books, 2007, p. 86.
[45] Queller Donald E. and Madden Thomas F The Fourth Crusade: The Conquest of Constantinople [Book]. - Philadelphia, USA : University of Pennsylvania Press, 1997, p. 119.
[46] Philippides, et al., 2011, pp. 329-330.
[47] Millingen Alexander Van Byzantine Constantinople [Book]. - New york, USA : Cambridge University Press, 2010., p. 86-87.
[48] Luttwak Edward N The Grand Strategy of the Byzantine Empire [Book]. - Cambridge, MA, USA : the Belknap press of Harvard University Press, 2009., 2009, p. 75.
[49] Rogers Clifford J The Oxford Encyclopedia of Medieval Warfare and Military Technology [Book]. - New York, USA : Oxford University Press, 2010., vol. 1, p. 426.
[50] Luttwak, 2009, p. 75.
[51] Rogers, 2010, vol. 1, p. 426.
[52] Bury J. B A History of the Eastern Roman Empire [Book]. - New york, USA : Cambridge University Press, 1912., p. 92.
[53] Kazhdan Alexander and Cutler Anthony Oxford Dictionary of Byzantium [Book]. - Oxford, UK : Oxford University Press, 1991, p. 815.
[54] Crowley, 2005, p. 76.
[55] Wild Michael Baedeker's Constantinople and Asia Minor [Book]. - Nc, USA : Lulu Press, 2015., p. 286.
[56] Venning, 2006, p. 241.
[57] Bruce Tom Every Inch of the Way: My Bike Ride around the World [Book]. - [s.l.] : CreateSpace, 2013., p. 34.
[58] Bertaut Jules Napoleon in His Own Words: From the French of Jules Bertaut [Book]. - [s.l.] : A.C. McClurg & Company, 1916., p. 145.
[59] Nicolle David Constantinople 1453 The End of Byzantium [Book]. - Oxford, UK : osprey publishing, 2000., p. 32.
[60] Freely John The Grand Turk: Sultan Mehmet II, Conqueror of Constantinople and Master of an Empire An Empire And Lord Of Two Seas [Book]. - New York : The Overlook Press, 2009., p. 30.
[61] Runciman Steven A History of the Crusades: The Kingdom of Acre and the later crusades [Book]. - New York, USA : Cambridge University Press, 1979., vol. 3, p. 123.
[62] Talbot Alice-Mary The Restoration of Constantinople under Michael VIII [Journal]. - Washington, D.C. USA : Dumbarton Oaks Papers, Dumbarton Oaks, Trustees for Harvard University, 1993, p. 246.
[63] Madden Thomas F Crusades he Illustrated History [Book]. - Michigan, USA : University of Michigan Press, 2005., p. 113.
[64] Ágoston Gábor and Masters Bruce Alan Encyclopedia of the Ottoman Empire [Book]. - New York, USA : Infobase Publishing, 2010., p. 111.
[65] Dimaras C. Th A History of Modern Greek Literature [Book] / trans. Gianos Mary P.. - Albany, N Y, USA : State University of New York press, 1972., p. 49.
[66] Freely, 2009, p. 30.
[67] Dimaras, 1972, pp. 49-50.
[68] Anagnostopoulos Archimandrite Nikodemos Orthodoxy and Islam [Book]. - New York, USA : Routledge, 2017., p. 22.
[69] Philippides, et al., 2011, p. 572.
[70] Madden Thomas F Istanbul: City of Majesty at the Crossroads of the World [Book]. - New York, USA : Penguin Book, 2016., p. 80.
[71] Sphrantzes Georgios Memorii 1401 – 1477 [Book]. - Bucharest, Romania : Editura Academiei Republicii Socialiste Romania, 1966., p. 97.
[72] Bartusis Mark C The Late Byzantine Army: Arms and Society [Book]. - Philadelphia, USA : University of Pennsylvania Press, 1997, p. 130.
[73] Runciman, 1965, p. 85.
[74] Setton, 1976, vol. 2, p. 116.
[75] Bartusis, 1997, p. 130.
[76] Runciman, 1965, p. 134.
[77] Feldman Ruth Tenzer The Fall of Constantinople [Book]. - Minneapolis, MN, USA : Twenty-First Century Books, 2007., p. 87.
[78] Barbaro, 1965.
[79] Philippides, et al., 2011, pp. 573-574.
[80] Runciman, 1965, pp. 92-94.
[81] Philippides, et al., 2011, pp. 573-574.
[82] Nicol, 1993, p. 379.
[83] Runciman, 1965, p. 93.
[84] Crowley, 2005, p. 106.
[85] Bartusis, 1997, p. 132.
[86] Babinger, 1978, p. 83.
[87] Freely, 2009, p. 33.
[88] Feldman, 2007, p. 87.
[89] Bartusis, 1997, p. 132.
[90] Nicolle, 2000, p. 40.
[91] دكتور راغب السرجاني: قصة السلطان محمد الفاتح، مكتبة الصفا، القاهرة، الطبعة الأولى، 1441ه= 2019م، 1/ 160- 177.
التعليقات
إرسال تعليقك