التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
في عام 1463م كان الهدف الأكبر لمحمد الفاتح هو فتح البوسنة، ولذلك فاستعدادات الجيش العثماني لعملية فتح البوسنة كانت مبكِّرةً جدًّا في هذا العام.
كان الهدف الأكبر لمحمد الفاتح في عام 1463م هو فتح البوسنة، واستغلال خطأ الملك البوسني عندما قطع الجزية في ضمِّ المملكة كلِّها للدولة العثمانية لتُحْكَم بشكلٍ مباشرٍ بدلًا من هذه التبعيَّة الضعيفة، ولذلك فاستعدادات الجيش العثماني لعمليَّة فتح البوسنة كانت مبكِّرةً جدًّا في هذا العام؛ ليتمكَّن الفاتح من استغلال كلِّ شهور الصيف لهذه العمليَّة الكبرى. ومع اهتمام الفاتح بالحرب المقبلة إلَّا أنَّه رأى أن يقوم بعملين آخرين قبل عمليَّة الفتح سيكون لهما أثرٌ إيجابيٌّ في الحملة؛ أمَّا الأول فهو إسقاط إحدى المدن التابعة للبندقيَّة في شبه جزيرة المورة، والثاني هو تحييد إسكندر بك مرَّةً أخرى بعد نقض الهدنة الذي حدث في العام المنصرم.
أمَّا العمل الأول فكان سببه أنَّ البندقيَّة على الرغم من هزيمتها في موقعة ليبانتو في نوفمبر 1462م ما زالت مستمرَّةً في إيواء الفارِّين من الخدمة العثمانية، ورفض تسليمهم للسطات المسلمة[1][2]، ولو سكتت الدولة العثمانية على ذلك فإنَّ هذا سيزيد من جرأة البندقيَّة، وقد يدفعها إلى التنافس مع العثمانيِّين على أراضي المورة المفتوحة منذ ثلاثة أعوامٍ فقط، ولكن الأهم من ذلك هو أنَّ السكوت على أعمال البندقيَّة في المورة قد يدفعها إلى مساندة البوسنة في الحرب المقبلة، فأراد الفاتح أن يُرْهِب البندقيَّة من جانبٍ فلا تتجرَّأ على دفع قوَّاتٍ إلى البوسنة، وأن يُشغلها بنفسها فتفكِّر في إنقاذ مستعمراتها في المورة بدلًا من تشتيت نفسها في البوسنة. هذا كله دفع الفاتح إلى إصدار أوامر إلى الصدر الأعظم بإسقاط مدينةٍ مهمَّةٍ من مدن البندقيَّة في المورة، وهي مدينة أرجوس Argos، وقد تمَّ ذلك بالفعل، وسقطت المدينة في أيدي العثمانيِّين سقوطًا سهلًا في 3 أبريل 1463م[3]؛ أي قبل خروج الجيش العثماني للبوسنة بقليل.
أمَّا العمل الثاني فكان تحييد إسكندر بك، ولقد اختار الفاتح أن يتوجَّه بجيشه الكبير إلى ألبانيا أوَّلًا قبل أن يدخل البوسنة، وكانت الحملة همايونيَّة؛ أي بقيادة الفاتح نفسه (خريطة رقم 9)، وكان الجيش كبيرًا جدًّا، فأراد الفاتح بذلك أن يُرْهِب إسكندر بك، ويدفعه إلى عقد هدنةٍ معه ليتفرَّغ لأمر البوسنة.
اقتحم السلطان الفاتح أرض ألبانيا بجيشه الكبير، وعلى الفور عقد مجلس نبلاء ألبانيا اجتماعًا مهمًّا لدراسة الموقف، وكان رأي إسكندر بك أن يدخل في حربٍ مع السلطان، لكن غالبيَّة النبلاء عارضوه في ذلك وأصرُّوا على محاولة تجديد الهدنة التي نُقِضَت في السنة الماضية[4]. إزاء هذه المعارضة وافق إسكندر بك على فكرة الهدنة، وأرسل مبعوثيه إلى الفاتح، الذي وافق -كما كان يُريد- على فكرة الهدنة، وجُدِّدت لمدَّة عشر سنوات، وكان ذلك في يوم 27 أبريل عام 1463م، وعُقِدت
الهدنة في مدينة سكوبيه المقدونيَّة، ولذلك تُعْرَف هذه الهدنة بسلام سكوبيه (Peace of Skopje)[5]. لم يكن البابا سعيدًا بهذه الهدنة، ولكن أخبره إسكندر بك أنَّه سيعود إلى حرب العثمانيِّين فور إعلان حربٍ صليبية، فوافق البابا على مضض، خاصَّةً أنَّه كان يحتاج لإسكندر بك وجيشه لمساعدة ملك نابولي على بعض الصراعات الداخليَّة الإيطاليَّة، فكانت الهدنة ستُعطيه الفرصة لترك ألبانيا إلى إيطاليا[6].
هكذا بعد تحييد كلٍّ من البندقيَّة عن طريق إسقاط أرجوس، وإسكندر بك عن طريق الهدنة، صار الطريق إلى البوسنة مفتوحًا!
وإنَّه من المفيد أن نأخذ فكرةً عن وضع البوسنة الجغرافي، والتاريخي، والإثني، والديني، قبل أن ندرس خطوات الفتح؛ لأنَّ خصوصيَّة البوسنة كانت فريدةً حقًّا!
الواقع أنَّ موقع البوسنة الجغرافي كان حسَّاسًا للغاية، ولم يكن من الممكن للسلطان الفاتح أن يتجاهل حساسية هذا الموقع؛ فهي أوَّلًا محاطةٌ من شمالها بأملاك المجر، وطموحات ماتياس ملك المجر التوسُّعيَّة تشمل البوسنة بلا جدال، ولو دخلها ماتياس بجيشه سيصير محاصرًا لصربيا العثمانيَّة من شمالها وغربها، وهذا يُهدِّد وضع المسلمين في صربيا، خاصَّةً أنَّهم لم يستقرُّوا هناك إلَّا منذ أربعة أعوام فقط، ومن الناحية الغربيَّة للبوسنة توجد أملاك جمهوريَّة البندقية في كرواتيا، ولا شَكَّ أنَّ البندقية لها أطماعٌ كبيرةٌ في البوسنة، كما أنَّها لو احتَّلت البوسنة ستُصبح محاصِرةً للدولة العثمانيَّة من غربها وجنوبها؛ فالبوسنة تقع في غرب الدولة العثمانيَّة، وأملاك البندقية في اليونان تقع جنوبها، أمَّا من ناحية جنوب البوسنة فهناك الهرسك، وهي مناطق لم يدخلها العثمانيُّون، وهي تفصل بين البوسنة وألبانيا المنشقَّة عن الدولة العثمانيَّة؛ ومِنْ ثَمَّ فولاؤها حتى هذه اللحظة غير معروف، وقد تنضمُّ إلى حلف المعادين للدولة العثمانيَّة فتتَّصل الحلقات اتصالًا يُهدِّد أمن الدولة العثمانيَّة.
لهذه الاعتبارات كان لزامًا على السلطان محمد الفاتح أن يتحرَّك بسرعةٍ لإخضاع البوسنة قبل أن يُسرع إليها أحدُ أعدائه، وهم كُثُر! ولهذا قرَّر الفاتح أن يتَّجه إلى البوسنة بنفسه بمجرَّد أن يدخل الربيع، وتذوب الثلوجُ المـُعِيقةُ لحركة الجيوش.
والحقُّ أنَّ الوضع في البوسنة كان يختلف كثيرًا عن الوضع في أيِّ إقليمٍ بلقانيٍّ آخر؛ وذلك لعدَّة وجوه، وهذا يحتاج منَّا إلى وقفة، خاصَّةً أنَّ فهم هذا الوضع سيُفسِّر أمورًا كثيرةً ستحدث في مستقبل هذا البلد المهمِّ.
في الوقت الذي كانت فيه معظم بلدان البلقان تدين بالمذهب الأرثوذكسي، وكانت بلدان وسط أوروبا وغربها تدين بالمذهب الكاثوليكي، كانت البوسنة تختلف عن هذين المذهبين بصورةٍ كبيرة.
لقد كانت البوسنة مقسَّمةً إلى ثلاثة مذاهب في وقتٍ واحد:
أمَّا القسم الأوَّل وهو القسم الأعظم من البلد، فكان يتبع كنيسةً خاصَّةً بالبوسنة لا شبيه لها في البلقان، ولذلك عُرِفَت بالكنيسة البوسنويَّة[7]، وكانت تتبع المذهب الفرنسيسكاني، وهو مذهبٌ منبثقٌ من الكاثوليكيَّة في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي، وتحديدًا في عام 1209م، على يد راهب مدينة أسيز الإيطالية Assis، وهو فرنسيس الأسيزي Francis of Assisi، وهو مذهبٌ يعتمد على الاهتمام بالفقراء، وقد تنازل مؤسِّسه فرنسيس عن كامل ثروته، وكان من عائلةٍ إقطاعيَّةٍ ثرية، فأعطى كلَّ هذه الثروة للفقراء ليعيش فقيرًا كالمسيح، ومع أنَّ هذا المذهب منبثقٌ من الكنيسة الكاثوليكيَّة، وكان بموافقة البابا إينوسنت الثالث Pope Innocent III المعاصر لفرنسيس الأسيزي، فإنَّ الكاثوليك كانوا يَعُدُّونها ديانةً مختلفة؛ ولذلك لم يكن هناك توافقٌ بينهم ونصارى البوسنة[8].
وأمَّا القسم الثاني من البوسنة، فكان يتبع مذهبًا خاصًّا غير منتشرٍ في البلقان كذلك، وهو مذهب «البوجوميل Bogomil»[9] وهو مذهبٌ نشأ في القرن العاشر الميلادي[10]، وكان منشأه الأوَّل في مقدونيا[11]، وكانت له أبعادٌ سياسيَّةٌ تهدف إلى الخروج من سيطرة الكنيسة الأرثوذكسية على مقاليد الأمور في البلقان[12]، وهذا أثَّر بشكلٍ كبيرٍ في معتقدات البوجوميليِّين، إلى الدرجة التي يعتقدون فيها أنَّ المذهب الأرثوذكسي هو مذهب الشيطان، أو روح الشر، وأنَّه لم يوجد إلَّا لمحاربة الخير في الدنيا، وعليه فإنَّ العداء كان مستحكمًا بين الأرثوذكس والبوجوميليِّين على مدار التاريخ[13]، وشَمِلَ الصِّراع عدَّة أماكن في العالم، منها البلقان، ومنها روسيا، وأماكن أخرى متفرِّقة[14][15].
ولم تكن كراهية البوجوميليِّين من طرف الأرثوذكس فقط؛ بل كان الكاثوليك أيضًا يَعُدُّون هذا المذهب من مذاهب «الهرطقة»[16]؛ ولذلك كانوا يُحاربونها بقوَّة، إلى الدرجة التي شنَّ فيها البابا چون الثاني والعشرون Pope John XXII حربًا صليبيَّةً على أتباع هذا المذهب في عام 1325م[17]، وهذا جعل شعب البوسنة التابع لهذا المذهب مرفوضًا كذلك من المجتمع الأوروبي بشكلٍ عامٍّ، بشقَّيه الأرثوذكسي والكاثوليكي.
والجدير بالذكر أنَّ هناك بعض أوجه الشبه بين مذهب البوجوميليِّين وبعض العقائد الإسلاميَّة[18]، مثل رفضهم فكرة صلب المسيح، وعدم تقديسهم للصور أو القساوسة، كما أنَّهم يُصلُّون خمس مرَّاتٍ في اليوم[19]!
كان هذا هو القسم الثاني من شعب البوسنة.
أمَّا القسم الثالث من شعب البوسنة فكان يدين بالكاثوليكية، وهم قلَّة، ولم يكن هناك أرثوذكس في البوسنة، وإن كانوا موجودين في الهرسك جنوب البوسنة[20].
هذه هي التركيبة الدينيَّة الفريدة للبوسنة.
ولا شَكَّ أنَّ لهذه التركيبة آثارًا كبرى على عمليَّة فتح البوسنة التي قرَّر الفاتح أن يقوم بها، كما أنَّ لها أثرًا كبيرًا كذلك في تحوُّل الشعب للإسلام، كما سيتبيَّن من سياق الأحداث، وكان السلطان محمد الفاتح على درايةٍ بهذه المذاهب، وهذا ما سيظهر في خطاباته للشعب بعد فتح البلد.
ولم يكن الوضع الديني في البوسنة هو العامل الوحيد من عوامل تفرُّد القطر عن بقيَّة أقطار البلقان، فالناحية العرقيَّة كذلك كان لها اعتبارها الخاص؛ فأهل البوسنة مع كونهم بشكلٍ عامٍّ ينتمون إلى العرق السلاڤي، فإنَّهم متميِّزون عن غيرهم؛ فهم جميعًا بوشناق Bosniak[21]، وهو فرعٌ خاصٌّ بأهل البوسنة غير مختلطٍ بغيره، وهو متميِّزٌ من القرن العاشر الميلادي تقريبًا، ولا يرغبون في أيِّ تبعيَّةٍ للصرب أو الألبان أو غيرهم، وكانوا في غاية الاعتداد بالنفس، وقد أفلحوا في عام 1180م[22] -وفي أحد المصادر 1185م[23]- في تولِّي أمور أنفسهم تحت قيادة كولن Kulin على الرغم من وجود الإمبراطوريات الكبرى الطامعة فيهم، كالإمبراطورية البيزنطية، والمجرية، والصربية، وكانت بلدهم صغيرة يمكن أن تسمَّى مقاطعة أو محافظة تحت اسم بانات البوسنة Banat of Bosnia[24][25]، ثم ما لبثت أن تحوَّلت إلى مملكةٍ قويَّةٍ عام 1377م تحت قيادة الملك البوسنويِّ الشهير تڤرتكو كوترومانيتش Tvrtko Kotromanić[26].
هذه الاستقلاليَّة دعمت الهُويَّة البوسنويَّة، خاصَّةً مع تفرُّدهم في الديانة عن بقيَّة الأقطار الأوروبِّيَّة، وهذا خَلَقَ لهم أعداءً من الدول المحيطة، وخاصَّةً صربيا الأرثوذكسية، والمجر والبندقية الكاثوليكيَّتين.
أيضًا الوضع الاقتصادي للبوسنة كان متميِّزًا؛ حيث كَثُر فيها النبلاء الأثرياء، وقد ازدهرت اقتصاديًّا جدًّا في عهد ملكهم الأوَّل تڤرتكو، ممَّا أعطاهم وضعًا متميِّزًا على المستوى التجاري والزراعي[27].
وأخيرًا أدَّت الظروف السياسيَّة دورًا في فرض بعض الظروف الخاصَّة للبلد قُبيل عزم السلطان محمد الفاتح غزو البلاد؛ فقد تزوَّج ملكهم استيفين توماسيڤيتش ابنة ملك صربيا الراحل لازار برانكوڤيتش، التي كانت تحكم صربيا بعد وفاة أبيها لكونها الوريثة الشرعيَّة له؛ وذلك عام 1459م، وبالتالي صار الملك البوسنويُّ ملك البوسنة وصربيا معًا[28][29]؛ ولكن بعد عدَّة أشهر فقط سقطت صربيا في يد العثمانيِّين كما مرَّ بنا، وانسحب استيفين توماسيڤيتش إلى البوسنة تاركًا صربيا دون حماية[30]، وهذا أثَّر في موقفه بشكلٍ عامٍّ في أوروبا، فقام في محاولةٍ منه لإرضاء زعماء أوروبا الغربيَّة بالتعدِّي على الكنيسة البوسنويَّة كنوعٍ من إثبات ولائه للكاثوليك! كان هذا بتوافقٍ مع نبلاء البوسنة، ومع ذلك فقد رفض الشعب تمامًا هذا السلوك، وبذلك فقد الملك دعمه الشعبي في غضون أشهرٍ قليلة[31].
في ظلِّ هذه الظروف المعقَّدة كان قرار فتح البوسنة! والواقع أنَّني أرى أنَّ الله عز وجل قد مهَّد لمحمد الفاتح فتح هذه البلاد المهمَّة بهذه الظروف الاستثنائيَّة، كما سيُمهِّد له لاحقًا تحويل هذا البلد النصرانيِّ الكبير إلى مسلم، يستقرُّ فيه الإسلام عدَّة قرون، وإلى زماننا الآن..
ويُمكن رصد بعض النقاط من خلال تحليلنا السابق التي تُوضِّح التيسير الربَّاني للسلطان محمد الفاتح في عمليَّة فتح بلاد البوسنة.
أوَّلًا: نتيجة فشل استيفين توماسيڤيتش في الدفاع عن صربيا قبل ذلك بأربعة أعوام، ونتيجة اعتناق البوسنويِّين لمذهبٍ مخالفٍ لمذاهب أوروبا المعتمدة لم يتلقَّ الملك البوسنويُّ دعمًا مناسبًا خلال عمليَّة الزحف العثماني[32]، وبالتالي سهلت المهمَّة على السلطان محمد الفاتح.
ثانيًا: تخلَّى الشعبُ البوسنويُّ عن دعم مَلِكِه؛ وذلك لتحوُّل الملك إلى الكاثوليكيَّة، بالإضافة إلى انقلابه على زعماء الكنيسة البوسنويَّة إرضاءً لزعماء الكاثوليكيَّة في أوروبا، وعادةً لا ينتصر ملكٌ غير مدعومٍ من شعبه، وكان الملك يُدرك هذه الحالة السيِّئة التي وصل إليها عموم الشعب، حتى إنَّه ذكر ذلك للبابا في خطابه له؛ حيث أقرَّ أنَّ الشعبَ يميل إلى العثمانيِّين لأنَّه أُثْقِل بالنفقات، وسئم الحروب[33].
ثالثًا: لم يكتفِ الشعب البوسنويُّ برفض مَلِكِه والنبلاء؛ إنَّما مَالَ إلى قبول الحكم العثماني، وليس هذا فقط لِمَا ذكرناه في النقطة السابقة من إثقاله بالضرائب والنفقات والحروب؛ ولكن لأنَّ العثمانيِّين كانوا يُمثِّلون في رؤية الشعب البوسنوي شكلَ «البطل» الذي استطاع أن يهزم عدوَّهم الأكبر، والعدوُّ الأكبر هنا هم الأرثوذكس، الذين يُعَدُّون في رؤية أهل البوسنة -خاصَّةً البوجوميليِّين- أتباع الشيطان، كما أنَّ العثمانيِّين قهروا الصرب، والصرب كذلك أعداء ألدَّاء للبوسنويِّين، ممَّا جعل صورة العثمانيِّين طيِّبةً عند شعب البوسنة.
رابعًا: لم يرغب أثرياء البوسنة في دعم الملك البوسنويِّ في قتاله مع العثمانيِّين؛ لأنَّهم رأوا أنَّ حياتهم في ظلِّ السِّلْم العثماني أفضل اقتصاديًّا من حياتهم في ظلِّ الأوضاع العسكريَّة والاقتصاديَّة المتردِّية في عهد الملك استيفين توماسيڤيتش؛ فمن وجهة نظر التِّجارة والمال كانت الحياة تحت الحكم العثماني أفضل مصلحةً من الحياة مع الملك البوسنويِّ؛ خاصَّةً أنَّهم يعلمون أنَّ العثمانيِّين لا يُصادرون الأموال، بل يتركون لأصحاب الإقطاعيَّات الكبرى ورءوس المال أموالهم وثرواتهم وأراضيهم.
خامسًا: خلقت المشكلة التي ترتَّبت على ترك استيفين توماسيڤيتش لصربيا تقع في يد العثمانيِّين جوًّا من التوتُّر بين صربيا والبوسنة، ممَّا جعل صربيا لا تُفكِّر بشكلٍ أو آخر في وقف عمليَّة فتح البوسنة، ولو قرَّرت صربيا دعم البوسنة لكان ذلك خطرًا كبيرًا على الجيش العثماني؛ لأنَّ صربيا تقع في شرق البوسنة، فلو دخلت الجيوش العثمانيَّة البوسنة صارت صربيا في ظهر الجيش، وهذا يُمثِّل خطورةً معلومةً وواضحة؛ لكن كل ذلك لم يحدث لحالة التَّوتُّر بين البلدين؛ صربيا والبوسنة.
سادسًا: لم يكن التَّوتُّر بين صربيا والبوسنة هو التوتُّر الوحيد في المنطقة؛ بل كان هناك توتُّرٌ أشدَّ بين مملكة البوسنة ومقاطعة الهرسك التي تقع إلى الجنوب من البوسنة، وكانت مقاطعةً مستقلَّةً آنذاك، وكان زعيمها استيبان ڤوكسيتش كوساكا Stjepan Vukčić Kosača، وابنه ڤلاديسلاڤ Vladislav على خلافٍ عميقٍ مع ملك البوسنة استيفين توماسيڤيتش؛ حيث كان ڤوكسيتش يرى نفسه أحقَّ بالملك على كامل البوسنة والهرسك، وكان قد دخل في صراعاتٍ وحروبٍ أهليَّةٍ مع الملك توماس والد استيفين توماسيڤيتش، وانفصل أخيرًا بالهرسك عن مملكة البوسنة[34]، وهذا التوتُّر والغليان جعل ڤلاديسلاڤ بن استيبان ڤوكسيتش يطلب من السلطان محمد الفاتح أن يُساعده على التغلُّب على استيفين توماسيڤيتش، على أنْ يكون ڤلاديسلاڤ وأبوه تابِعَين للفاتح بعد ذلك، وهذا لا شَكَّ وجد قبولًا كبيرًا عند الفاتح[35].
سابعًا: كأنَّ ملك البوسنة استيفين توماسيڤيتش أراد أن يُسرِّع خطوات عمليَّة الفتح، فاستفزَّ العثمانيِّين بأن أرسل إلى سفيرهم وأحضره إلى خزانته، وأشهده على كميَّاتٍ كبيرةٍ من الأموال، قائلًا له: إنَّ هذه الأموال تكفي الجزية التي تُريدها الدولة العثمانيَّة، ولكنَّه سيستخدمها في حربهم بدلًا من بذلها لهم[36]، وهذا لا شَكَّ استفزَّ السلطان محمد الفاتح للإسراع في عمليَّة الفتح؛ حتى لا ينتشر مثل هذا التمرُّد في بقيَّة المقاطعات، وكان الملك البوسنويُّ قد أقدم على هذه الخطوة غير المحسوبة بعد أن دفعه إليها ملك المجر ماتياس، موهمًا إيَّاه بالمساعدة عند تحرُّك السلطان محمد الفاتح ناحيته، وهو ما لم يحدث، ممَّا ورَّط البوسنة في حربٍ لا طاقة لهم بها مع الجيوش العثمانيَّة[37].
لهذه الأسباب ولغيرها صارت الأجواء مناسبةً للبدء في عمليَّة الغزو الكبرى لمملكة البوسنة.
كان جيش محمد الفاتح يبلغ مائة وخمسين ألف مقاتل[38]، ولقد زحف بسرعة من ألبانيا إلى البوسنة قاصدًا أحصن مدن البوسنة، وهي مدينة بوبوڤاك Bobovac[39] -وهي عاصمة البوسنة آنذاك- وحاول الملك استيفين توماسيڤيتش أن يعقد هدنةً مع محمد الفاتح ويتجنَّب القتال؛ بعد أن أدرك أنَّ ملك المجر لن يأخذ خطواتٍ جدِّيَّةٍ لمساعدته؛ لكن كان الوقت قد فات، ولم يقبل السلطان الفاتح هذا العرض من ملك البوسنة[40]، الذي فوجئ بالقوَّات العثمانيَّة تقتحم حدود البوسنة أسرع ممَّا تخيَّل.
ترك ملك البوسنة مدينة بوبوڤاك وانتقل إلى مدينة يايسي Jajce[41]، معتقدًا أنَّ مدينة بوبوڤاك ستصبر على حصار العثمانيِّين ما يقرب من عامين كاملين؛ ولكن كانت المفاجأة أن سقطت المدينة في يد السلطان محمد الفاتح في أيَّامٍ معدودات[42][43][44]! كان الحصار قد بدأ في 19 مايو 1463م، وسقطت المدينة قبل يوم 24 مايو[45]!
عندما أدرك الملك أنَّ سقوط بوبوڤاك الحصينة يعني سقوط يايسي الأقلِّ حصانةً، ترك المدينة الأخيرة وسارع بالفرار منها محاولًا اللجوء السياسي لدولةٍ من الدول المحيطة، وفي أثناء ذلك أرسل زوجته وزوجة أبيه إلى كرواتيا وراجوزا Ragusa بثروته الثمينة تأمينًا لها[46]، وبينما كان يُحاول أن يلحق بهما، أمسك به العثمانيُّون عند مدينة كليوج Ključ غرب البوسنة، وقد أُعدم الملك في يوم 25 مايو 1463م[47][48] بناءً على تعليمات السلطان الفاتح، وقد أدَّى قتل ملك البوسنة إلى عدَّة تداعيات إيجابيَّة وسلبيَّة..
على الجانب الإيجابي: انهارت معنويَّات المقاومين، ومِنْ ثَمَّ سقطت المدن والقلاع في يد محمد الفاتح في غضون أسابيع قليلة، ووصل محمد الفاتح بجيوشه شمالًا إلى مدينة شاميتس Šamac[49] على نهر ساڤا Sava، وهي الآن في أقصى شمال البوسنة على حدود كرواتيا (أكثر من مائة كيلو متر إلى الشمال من مدينة بوبوڤاك).
وعلى الجانب الإيجابي أيضًا اقتنع استيبان ڤوكسيتش حاكم الهرسك أنَّه لا طاقة له بحرب العثمانيِّين؛ ومِنْ ثَمَّ تنازل لهم عن الأرض الواقعة بين مدينتي بلاجاي Blagaj، وكلاموج Glamoč، وهي مناطق تقع في غرب البوسنة الآن، وقريبةٌ جدًّا من حدود كرواتيا الغربيَّة، وظلَّ حاكم الهرسك يحكم المناطق الجنوبيَّة دافعًا الجزية إلى الدولة العثمانيَّة، ولتوثيق العهد بينه وبين العثمانيِّين سلَّم ابنه الأصغر -الذي كان يحمل اسم استيبان Stjepan أيضًا- رهينةً للسلطان محمد الفاتح! وكان يبلغ من العمر 33 سنة[50]، وقد تأثَّر هذا الابن بمحمد الفاتح إلى الدرجة التي تَحوَّل فيها للإسلام لاحقًا[51]، وصار اسمه أحمد باشا الهرسكي Hersekzade Ahmed Pasha، وصار من كبار القادة العثمانيِّين، حتى وصل به الأمر إلى تقلُّد منصب الصدارة العظمى في الدولة في عهد السلطان بايزيد الثاني ابن محمد الفاتح[52]!
كانت هذه نتائج إيجابيَّة لموت الملك البوسنويِّ استيفين توماسيڤيتش في الأيَّام الأولى لفتح البوسنة؛ ولكن على الجانب الآخر كانت هناك نتيجتان سلبيَّتان مؤثِّرتان!
كانت النتيجة السلبية الأولى: هي شعور ملك المجر ماتياس بالخطر الشديد، وتوقَّع أن تتجاوز الدولة العثمانيَّة حدود البوسنة إلى المجر؛ على الأقلِّ انتقامًا من هزيمة بلجراد التي حدثت منذ 7 سنوات (1456م)، ولهذا بدأ في التفكير السريع في إقامة تحالفٍ صليبيٍّ قويٍّ لردع العثمانيِّين.
وأمَّا النتيجة السلبية الثانية: فكانت شعور جمهوريَّة البندقية بالخطر الشديد نتيجة اقتراب الحدود العثمانيَّة الجديدة من حدود البندقية في كرواتيا، وكانت الدولة العثمانيَّة قد اقتربت قبل ذلك من حدود مستعمرات البندقية في اليونان، وهذا التقارب من الناحيتين الغربيَّة والجنوبيَّة للدولة العثمانيَّة سيقود إلى حربٍ كبيرةٍ بين العثمانيِّين والبنادقة، ستستمرُّ ستَّة عشر عامًا كاملة، وهي ما عُرِف في التاريخ بحرب البنادقة الكبرى (867- 883هـ= 1463- 1479م)[53][54].
عمومًا كان سقوط البوسنة في يد العثمانيِّين من الأحداث المهمَّة في التاريخ؛ لأنَّ الأمر لم يتوقَّف عند السيطرة العسكريَّة أو التَّبعيَّة السياسيَّة؛ ولكن الخطوات التي اتَّخذها محمد الفاتح بعد فتحه للبلد أدَّت بشكلٍ كبيرٍ إلى إسلام معظم شعب البوسنة آنذاك، وهذا الأمر غيَّر كثيرًا من خريطة البلقان الديموجرافيَّة والسياسيَّة.
ومن المهمِّ حقيقةً أن نقف وقفاتٍ مع جهود محمد الفاتح في هذا البلد الكبير، لنُدرك الآليَّات التي ينبغي أن تُتَّبع عند حدوث مثل هذا الفتح؛ ولكن قبل الحديث عن هذه الجهود ينبغي الوقوف قبل ذلك على الملابسات القديمة التي لم يكن للفاتح يدٌ فيها، وأدَّت إلى سهولة إسلام أهل البوسنة، واختلاف الوضع فيها عن بقيَّة بلدان البلقان:
أوَّلًا: لم يستغرب البوسنويُّون دين الإسلام عندما تعرَّفوا عليه عن قرب؛ وذلك لوجود بعض مظاهر التَّشابه مع دينهم -على الأقل ظاهريًّا- جعلتهم لا يستنكرون فكرة التحوُّل عن دينهم إلى الإسلام، وكان من مظاهر هذا التَّشابه بالنسبة إلى البوسنويِّين الفرنسيسكان الاهتمامُ بحياة الفقراء ومحاولة ممارستها، وهذا ما يُميِّز المذهب البوسنويُّ عن غيره من المذاهب النصرانية، ولقد وجدوا أنَّ الطُّرق الصوفية المصاحبة لجيوش الفتح الإسلامي تعيش بالطريقة نفسها تقريبًا، ممَّا جعلهم يُقْبِلون على التَّكايا الصوفية، ويتعرَّفون من خلالها على الإسلام[55]، أمَّا بالنسبة إلى البوجوميليِّين فقد مرَّ بنا سرد بعض مظاهر التَّشابه مع الإسلام، كإنكار الصَّليب، وعدم تقديس الصِّور والرموز والرُّفات، والصلاة خمس مرَّاتٍ في اليوم.
ثانيًا: لم تكن الكنيسة البوسنويَّة كنيسةً راسخة، وهذه طبيعة الكنائس التي تنتهج منهجًا مخالفًا عن المذاهب الكبرى؛ ولذلك لم يكن عندها من الوعَّاظ والقساوسة ما يكفي للوصول بمعتقدهم كاملًا ومقنعًا للشعب كلِّه، وليس لهم دعمٌ من الكنائس الأوروبِّيَّة الكبرى، ولا من البابا الڤاتيكاني، ولا من الكنيسة الأرثوذكسية، ولهذا لا يستطيعون الوقوف بقوَّةٍ أمام معتقدٍ متكاملٍ كالإسلام[56]، فضلًا عن أنَّ تاريخهم في البوسنة ليس طويلًا؛ حيث لا يتعدَّى قرنين أو ثلاثة، بينما ترسَّخت الأرثوذكسية في البلدان البلقانيَّة الأخرى؛ حيث تجاوز عمرها هناك الألف سنة.
ثالثًا: كان العثمانيُّون يُمثِّلون في رؤية أهل البوسنة صورةَ الفارس الشهم النبيل الذي يستطيع بقوَّةٍ أن يقمع الظلم، ويُعيد الحقوق إلى أصحابها؛ لأنَّ العثمانيِّين وقفوا في وجه البيزنطيِّين والصرب واليونانيِّين، وهؤلاء جميعًا أشرارٌ في الرؤية البوسنويَّة، سواءٌ من الناحية الدينيَّة، أو من الناحية السياسيَّة، ولهذا، ومن منطلق «عدوِّ عدويِّ صديقي»، كان البوسنويُّون ينظرون إلى العثمانيِّين على أنَّهم الأبطال الذين خلَّصوا المنطقة من ويلات طغاة الأرثوذكسية.
رابعًا: كان البوسنويُّون على وَجَلٍ من المجريِّين الكاثوليك، ويعرفون أنَّ لهم أطماعًا كبيرةً في البوسنة والهرسك، وكانوا يعرفون كذلك أنَّ المجريِّين لن يسمحوا لهم بممارسة معتقدهم الديني؛ بل سيُجبرونهم قهرًا على اعتناق الكاثوليكيَّة، بينما اشتهر العثمانيُّون بالسماحة الدينيَّة، وبترك الأمم تعبد ربَّها بالطريقة التي تُريد، انطلاقًا من المبدأ الإسلامي الذي صار الأوروبِّيُّون يعرفونه: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256]، ولهذا «تمنَّى» البوسنويُّون قدوم العثمانيِّين إلى بلادهم قبل أن ينجح ماتياس ملك المجر في ضمِّ البلاد لصالحه. هذا التوجُّه العاطفي ناحية العثمانيِّين كان له أكبر الأثر في قبول الشعبِ الإسلامَ عندما تعرَّف عليه.
كانت هذه أرضيَّةً مناسبة، وظروفًا مواتية، جعلت الفتح العثماني للبوسنة أمرًا سهلًا نسبيًّا، كما جعلت الشعب قابلًا للتحوُّل إلى الإسلام عند أقرب فرصة، ومع ذلك فالسلطان محمد الفاتح لم يعتمد على هذه الظروف فقط؛ إنَّما بذل جهدًا طيِّبًا يُحْسَب له، كان من نتيجته أنْ فَتَح اللهُ قلوبَ البوسنويِّين للإسلام..
ماذا فعل الفاتح رحمه الله؟!
أوَّلًا: أظهر السلطان محمد الفاتح احترامه البالغ لأهل البوسنة، سواءٌ من الشعب العادي أم من القيادات الدينيَّة، وأظهر قبوله الكامل لأنْ يَعبُدَ هذا الشعبُ ربَّه على المذهب الذي يُريد، ولم يجعل هذا كلامًا مرحليًّا خاصًّا بوقت الفتح، بل ألزم نفسه ودولته بهذا الالتزام أبدًا، وكتب بذلك فرمانًا، وما زال هذا الفرمان محفوظًا في دير فوينيتسا في البوسنة Fojnica Franciscan Monastery، في مدينة فوينيتسا Fojnica (40 كم فقط غرب سراييڤو Sarajevo) (صورة رقم 6).
وقد أمَّن الفاتح في هذا الفرمان أهل البوسنة على دينهم وأموالهم وأعراضهم في صيغةٍ بالغة الوضوح، وجاء في هذا الفرمان ما يلي:
«أنا السلطان محمد خان الفاتح، أُعْلِنُ للعالم أجمع أنَّ أهل البوسنة قد مُنِحُوا بموجب هذا الفرمان السلطاني حمايةَ جلالتي، ونحن نأمر بألَّا يتعرَّض أحدٌ لهؤلاء الناس، ولا لكنائسهم، وصُلُبهم، وبأنَّهم سيعيشون في سلامٍ في دولتي، وبأنَّ أولئك الذين هجروا ديارهم منهم سيحظون بالأمان والحرِّيَّة، وسيسمح لهم بالعودة إلى أديرتهم الواقعة ضمن حدود دولتنا العَلِيَّة. لا أحد من دولتنا، سواءٌ كان نبيلًا، وزيرًا، رجل دين، أم من خدمنا، سيتعرَّض لهم في شرفهم وفي أنفسهم. لا أحد سوف يُهدِّد أو يتعرَّض لهؤلاء الناس في أنفسهم وممتلكاتهم وكنائسهم، وسيحظى كلُّ ما أحضروه معهم من بلادهم بالحماية نفسها، وبإعلان هذا الفرمان أُقْسِمُ بالله العظيم خالق السماوات والأرض وبسيدنا محمد عبده ورسوله وجميع الأنبياء والصالحين أجمعين، بأنَّه لن نسمح بأن يُخالف أيٌّ من أفراد رعيَّتنا أمرَ هذا الفرمان، طالما أنَّ الرُّهبان يُطيعون أوامري وأوامر حكومتي»[57][58].
إنَّنا نجد في هذا الفرمان أنَّ السلطان محمدًا الفاتح لم يُعطِ الأمان لأهل البوسنة الموجودين فيها حال فتحه للبلد فقط؛ إنَّما أعطاه كذلك لأولئك الذين هَجروا البلد في السنوات السابقة لفتحه، وكان كثيرٌ من أهل البوسنة قد هجروها نتيجة الحروب الأهليَّة، وكذلك لاضطهاد ملكها السابق لهم بغية تحويلهم إلى الكاثوليكيَّة؛ إرضاءً للبابا ولأوامر دُوَلِ الكاثوليك.
هذا العطف من السلطان محمد الفاتح دفع أهلَ البوسنة المهاجرين إلى العودة لبلادهم في أمان، ولا شَكَّ أنَّ هؤلاء الذين عادوا بسبب هذا الفرمان عادوا وفي قلوبهم حبٌّ وتقديرٌ كبيران لهذا السلطان الذي أعاد لهم الفرحة والسرور بعودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم، وهذا كلُّه فَتَحَ أمامهم الباب للسؤال عن الدين العظيم الذي يُحرِّك السلطان وجيشه.
ثانيًا: حَرِص الفاتح على بناء المساجد في كلِّ بلدٍ بوسنويٍّ يفتحه، وأمدَّ هذه المساجد بالوعَّاظ والعلماء ورجال الصوفية[59]، وما لبثت هذه المساجد أن عرَّفت الناس على الإسلام، فدخل كثيرٌ من أهل البوسنة في دين الله، وهكذا لم يكتفِ الفاتح بما فعله كثيرٌ من السلاطين من عدم الحديث عن الدين، وترك الناس يتعرَّفون -إن أرادوا- على شعائر الإسلام، بل كان إيجابيًّا، وعرَّف الناس على قواعد الإسلام وعقيدته، ثم تركهم يختارون ما يشاءون بعد أن عرفوا، فكانت هذه الأعمال الإيجابيَّة سببًا في إسلام الناس.
ثالثًا: قام السلطان الفاتح بالعمل نفسه الذي فعله قبل ذلك في القسطنطينية، وهو تهجير عددٍ كبيرٍ من الأتراك المسلمين من الأناضول إلى البوسنة، حيث استوطنوا هذا البلد، سواءٌ في المدن التي أنشأها العثمانيُّون هناك، أم في المدن القديمة، وذلك دون تضييقٍ على أهل البلد أو أخذ ممتلكاتهم[60]، فكان هذا الوجود التركيُّ المكثَّفُ في البلد سببًا في تعرُّف البوسنويِّين على الطبيعة الحقيقيَّة لدين الإسلام؛ لأنَّ رؤية الجيوش العسكريَّة لا تُعرِّف الناس على الدين إلَّا في مظاهر محدودة، بينما رؤية الشعوب العاديَّة هي التي تُحْدِث التأثير الأكبر؛ وذلك في أمور: الأسرة، والتِّجارة، والمعاملات العاديَّة، والتَّجاور، والشئون الاجتماعيَّة، وغير ذلك من مناحي الحياة المختلفة.
كانت هذه بعض الأسباب التي دفعت أهل البوسنة إلى الإسلام، وفضلًا عن هدايتهم العظيمة للدين، والمصلحة الأخرويَّة الكبرى بتوحيدهم لله عز وجل، فإنَّ هناك مصالح أخرى كثيرة قد تحقَّقت على أرض الواقع للدولة العثمانيَّة، منها تأمين حدودها الغربيَّة بشكلٍ كبير، ومنها كذلك توفير طاقةٍ بشريَّةٍ كبيرةٍ استفاد منها العثمانيُّون كثيرًا؛ حيث عَمِل البوسنويُّون في الجيش العثماني، وكانوا قوَّةً إضافيَّةً لا بأس بها، بالإضافة إلى عملهم في المجال الإداري والقيادي، فكان منهم الوزراء والقضاة، ووصل كثيرٌ منهم إلى منصب الصدارة العظمى[61]، بل إنَّ هناك عائلات بوسنويَّة تخصَّصت في هذا الأمر، منها على سبيل المثال عائلة صوقوللو (Sokollu)[62]، وليس في مجال الإدارة والقيادة والجيش فقط؛ بل كان تجَّار البوسنة كذلك من أشهر التُّجَّار في التاريخ العثماني، وكانت لهم أعمالٌ اقتصاديَّةٌ في غاية الروعة، ليست على مستوى البوسنة فقط؛ بل على مستوى الدولة العثمانيَّة بكاملها، فضلًا عن التعامل التجاري مع الدول الأوروبِّيَّة المحيطة، مثل: كرواتيا، وإيطاليا، وراجوزا، والبندقية، وغيرها.
والواقع أنَّنا كنَّا نتمنَّى أن يقوم الفاتح بالأعمال نفسها والمنهج نفسه في البلاد الأخرى التي فتحها، أو أعاد فتحها، وخاصَّةً اليونان؛ التي كانت بسبب قربها الشديد من الأناضول سببًا في مشكلاتٍ تاريخيَّةٍ كبيرةٍ على مرِّ العقود والقرون، كما كنَّا نتمنَّى أن يحدث ذلك في صربيا، وبلغاريا، ورومانيا، وغيرها من الولايات العثمانيَّة؛ حتى لا نرى هذه الديموجرافيَّة النصرانية الكبرى التي ظلَّت تُميِّز هذه المناطق عن غيرها من الأماكن الإسلاميَّة كالأناضول والبوسنة، ولكن يبدو أنَّ الطاقة البشريَّة المسلمة المتاحة للفاتح لم تكن بالكثافة الكافية لتحقيق كلِّ الطموحات في وقتٍ واحد؛ فكان يفعل هذه الخطوات في البلاد الحدوديَّة الخَطِرَة كالبوسنة، ولم يتمكَّن من فعلها في البلاد الداخليَّة، تاركًا هذا العمل لمن يخلفه من السلاطين، خاصَّةً أنَّ حياته كانت مشغولةً للغاية بالحملات العسكريَّة والجهاد؛ وذلك لكثرة أعدائه، وشدَّة تربُّصهم به.
ومن المهمِّ هنا أن نذكر أنَّ أهل البوسنة لم يدخلوا في الإسلام -كما يُروِّج بعض الغربيِّين-[63][64][65] طمعًا في رفع الجزية المضروبة على النصارى، ولا هروبًا من الانخراط في فرق الإنكشاريَّة؛ لأنَّه من الناحية الأولى لم تكن الجزية المفروضة على النصارى كبيرة، إنَّما كانت أقلَّ من أيِّ ضرائبَ دفعها نصارى البلقان لأيِّ حكومةٍ حَكَمَتهم على مدار التاريخ، كما أنَّها كانت أقلَّ من الزكاة التي يدفعها أغنياء المسلمين. ولم يكن دخولهم في الإسلام هروبًا من الجيش العثماني؛ لأنَّه ثبت أنَّ العائلات البوسنويَّة الكبرى كانت أحيانًا ترغب في دفع رِشوةٍ لبعض الفاسدين في النظام العثماني كي يختار أولادهم للدخول في الإنكشاريَّة العثمانية نظرًا إلى ما يُحقِّقه هؤلاء من ترقيةٍ في المناصب، وعلوٍّ في السُّلَّم الإداري؛ حيث كان بعضهم يصل إلى مراكزَ قياديَّةٍ كبرى في الجيش أو في الوزارة[66].
هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى فإنَّ الجزية كانت مفروضة على كلِّ نصارى البلقان، وليس على أهل البوسنة فقط، فإذا كان البوسنويُّون قد دخلوا في الإسلام هربًا من الجزية، فلماذا لم يفعل ذلك غيرهم من نصارى الدول الأخرى؟ وعليه فلا يصحُّ هذا لكي يُفسِّر عمليَّة الإسلام الجماعيَّة التي رأيناها في هذا البلد، بل نحتاج إلى تحليلٍ أعمق، ورؤيةٍ أشمل، وهو ما حاوَلْتُ فعله في الصفحات الماضية بذكر الطبيعة الخاصَّة للبوسنة قبل الفتح، وكذلك بذكر الخطوات التي فعلها محمد الفاتح عند دخول البوسنة، وكان لها أثرٌ بالغٌ في تحويل دفَّة الشعب إلى الإسلام.
استقرَّت الأوضاع في البوسنة إلى حدٍّ كبيرٍ في صيف هذا العام 1463م؛ ولكن هذا الاستقرار لم يكن مطمئنًا؛ لأنَّ الفاتح بدخوله البوسنة جعل حدوده الغربيَّة ملتهبة للغاية، وكان هذا يُنذر بصداماتٍ كثيرةٍ قادمةٍ متوقَّعة، ولْنُلْقِ نظرةً على الوضع الجديد في الناحية الغربيَّة من الدولة بعد هذه السلسلة من المعارك والفتوحات.
في الشمال الغربي للحدود العثمانية الجديدة صارت هناك دولة المجر الكبرى بزعامة ملكها القوي ماتياس، التي صارت ملاصقةً تمامًا للدولة العثمانيَّة؛ لأنَّها كان تحتلُّ كرواتيا منذ أكثر من ثلاثة قرون[67]؛ وذلك باستثناء إقليم دالماسيا الساحلي والمطل على البحر الأدرياتيكي، الذي احتلَّته البندقية عام 1428م[68].
وفي الشمال الغربي أيضًا (غرب البوسنة) كانت تقع دوقيَّة سانت ساڤا Saint Sava، التي يحكمها زعماء الهرسك منذ عام 1448م[69] وهي دوقيَّةٌ ذاتُ قلاقل؛ حيث يُطالب حكَّامُها (آل ڤوكسيتش) بحكم البوسنة كلِّها لولا قدوم العثمانيِّين، فلا شَكَّ أنَّهم سينتهزون الفرصة للهجوم على البوسنة لاستعادتها لملكهم.
أمَّا الغرب المباشر فصار مواجهًا للجبل الأسود، وهي مناطق جبلية وعرةٌ للغاية، ولم يكن لها مملكةٌ جامعة؛ إنَّما كانت عشائر كثيرة، وتُعَدُّ كلُّ عشيرةٍ وحدةً منفصلة، وكانت لهم طبيعةٌ عسكريَّةٌ متفرِّدة؛ حيث يحمل كلُّ بالغٍ السِّلاح، وكان من العسير السيطرة عليهم، خاصَّةً في المناطق الجبليَّة والريفيَّة[70].
وإلى الغرب من دوقيَّة سانت ساڤا والجبل الأسود كان هناك إقليم دالماسيا الساحلي، وكان مملوكًا لجمهوريَّة البندقية، وهي أخطر وأقوى الحكومات في هذه المنطقة؛ حيث كانت هذه الجمهوريَّة تُسيطر سيطرةً كاملةً على سواحل البحر الأدرياتيكي كلِّه، وكانت تُسيطر كذلك على معظم سواحل وجزر بحر إيجة، ولها قواعد عسكريَّة قويَّة في معظم المدن الأدرياتيكيَّة والألبانيَّة واليونانيَّة، بالإضافة إلى جزيرة كريت ونيجروبونتي وبقيَّة الجزر الكبرى في المنطقة، وكانت البندقية تمتلك طاقاتٍ عسكريَّةً كبيرةً بالإضافة إلى أسطولٍ في غاية القوَّة، ولعلَّ أسطولهم في القرن الخامس عشر (زمن محمد الفاتح) كان أقوى الأساطيل البحريَّة في العالم كلِّه، وكانوا في غاية الثَّراء، وفوق كلِّ ذلك كانت لهم علاقاتٌ دبلوماسيَّةٌ قويَّةٌ مع معظم زعماء العالم؛ بحكم قدراتهم الاقتصاديَّة والعسكريَّة والبحريَّة، ممَّا يجعل الصدام معهم أمرًا مرعبًا في ذلك الوقت.
كان السلطان محمد الفاتح بفتحه للبوسنة، واقترابه الشديد من حدود البندقية، وذلك عبر دوقيَّة سانت ساڤا والجبل الأسود، وكأنَّه يُشعل فتيل حربٍ كبيرة، خاصَّةً أنَّ البندقية كانت متوجِّسةً جدًّا من فتح السلطان لجنوب اليونان وإسقاطه لبقايا الدولة البيزنطيَّة هناك؛ حيث صار بذلك ملاصقًا للمستعمرات البندقية الموجودة على سواحل اليونان، وفي جزر بحر إيجة، ولا ننسى أن الفاتح أسقط مدينة أرجوس Argos لحسابه قبل فتح البوسنة بشهر واحد.
لا شَكَّ أنَّه سيكون صدامًا مروِّعًا هذا الذي سيحدث في حال التقاء القوَّتين: العثمانيَّة والبندقية، خاصَّةً أنَّ الدولتين كانتا تعيشان فترة توسُّعٍ وحيويَّة.
وأخيرًا في الجنوب الغربي للدولة العثمانيَّة -بعد التوسُّع الأخير- كانت تقع ألبانيا، التي كان يحكمها إسكندر بك، ولا شَكَّ أنَّ اقتراب محمد الفاتح من حدوده سيجعل الصدام بينهما قريبًا..
كان هذا هو الوضع الملتهب الذي اتَّجهت إليه الدولة العثمانيَّة بعد التوسُّعات الأخيرة..
فأيُّ هذه القنابل ستنفجر أوَّلًا؟!
المجر، أم دوقيَّة سانت ساڤا، أم الجبل الأسود، أم البندقية، أم ألبانيا؟!
الواقع أنَّ هذه القنابل قد انفجرت جميعًا!! وليس هذا فقط، بل اشتعلت أماكن أخرى لم يكن من المتوقَّع أن تشتعل في هذا التوقيت، لولا أنَّ الأحداث الساخنة أدَّت إلى تقارب الأعداء على اختلاف توجُّهاتهم لحرب السلطان الكبير محمد الفاتح.
والحقُّ أنَّ فهم الأحداث المترتِّبة على فتح البوسنة يحتاج إلى وقفةٍ لالتقاط الأنفاس، ودراسة الوضع السياسي، والتاريخي، والجغرافي لعدَّة مناطق في الدولة العثمانية وحولها، وعندها يُمكن أن نتناول توابع فتح البوسنة، وتفصيلات المواجهات العسكريَّة التي أعقبت الفتح، وهذا هو موضوع المقال القادم[71].
[1] Stavrides Theoharis The Sultan of vezirs : the life and times of the Ottoman Grand Vezir Mahmud Pasha Angelovic (1453-1474) [Book]. - Leiden : Brill Academic Publishers, Inc, 2001,p. 150.
[2] Comyn Robert Buckley (sir.) The history of the Western empire, from its restoration by Charlemagne to The Accession of Charles V [Book]. - London, UK : W. H. Allen & Co, 1841, vol. 2, p. 169.
[3] Shaw Stanford Jay and Shaw Ezel Kural History of the Ottoman Empire and Modern Turkey: Empire of the Gazis - The Rise and Decline of the Ottoman Empire, 1280–1808 [Book]. - [s.l.] : Cambridge University Press, 1976, vol. 1, p. 64.
[4] Noli Fan Stilian George Castrioti Scanderbeg (1405–1468) [Book]. - New York, USA : International Universities Press, 1947, p. 65.
[5] Franco Demetrio Comentario de le cose de' Turchi, et del S. Georgio Scanderbeg, principe d' Epyr [Book]. - Venice : Altobello Salkato, 1480, p. 330
[6] Licho Edward A. Gjergj Kastrioti Skenderbeu: 1468-1968 [Book]. - New York, USA : Pan-Albanian Federation of America Vatra, 1968, p. 178.
[7] Fine John Van Antwerp The Late Medieval Balkans: A Critical Survey from the Late Twelfth Century to the Ottoman Conquest [Book]. - [s.l.] : University of Michigan Press, 1994, p. 8.
[8] Benedetto Robert and Duke James O. The New Westminster Dictionary of Church History: The early medieval and Reformation Eras [Book]. - Louisville, KY, USA : Westminister John Knox Press., 2008, vol. 1, p. 255.
[9] يلماز أوزتونا تاريخ الدولة العثمانية، المترجمون عدنان محمود سلمان و مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري. - إستانبول : مؤسسة فيصل للتمويل، 1988م صفحة 1/152.
[10] Peters Edward Heresy and authority in medieval Europe: documents in translation, Middle Ages University of Pennsylvania Press Middle ages series [Book]. - [s.l.] : University of Pennsylvania Press, 1980, p. 108.
[11] Obolensky Dimitri Byzantium and the Slavs [Book]. - [s.l.] : St Vladimir's Seminary Press,, 1994, p. 272.
[12] Curta Florin and Holt Andrew Great Events in Religion: An Encyclopedia of Pivotal Events in Religious History [Book]. - [s.l.] : Santa Barbara, CA: ABC-CLIO., 2017, vol. 1, p. 464.
[13] Gaster Moses Bogomils [Book Section] // The Encyclopædia Britannica: A Dictionary of Arts, Sciences, Literature & General Information, 3-4 / book auth. Chisholm Hugh and Garvin James Louis. - [s.l.] : Encyclopædia Britannica Company, Limited, 1911, p. 119.
[14] Mudry Thierry Histoire de la Bosnie-Herzégovine faits et controverses [in French] [Book]. - Paris : Ellipses, 1999, pp. 255-265.
[15] Hupchick Dennis P. and Cox Harold E. Les Balkans Atlas Historique commenté Broché [Book]. - [s.l.] : Economica, Paris., 2008, p. 34.
[16] Donia Robert J. and Fine John V.A Bosnia and Hercegovina: A Tradition Betrayed [Book]. - [s.l.] : C. Hurst & Co. Publishers., 1994, p. 71.
[17] Brockett Linus Pierpont The Bogomils of Bulgaria and Bosnia; Or, The Early Protestants of the East [Book]. - Philadelphia, PA, USA : American Baptist Publication Society, 1879, pp. 79-81.
[18] أوزتونا، 1988م صفحة 1/152.
[19] Arnold Thomas Walker The preaching of Islam: a history of the propagation of the Muslim faith [Book]. - London : Constable and Company, 1913, p. 200
[20] McCarthy Katherine Bosnia - Hercegovina [Book Section] // Eastern Europe: An Introduction to the People Lands and Culture / book auth. Frucht Richard. - Santa Barbara, CA, USA : ABC CLIO, 2005, vol. 3, p. 628.
[21] إسماعيل سرهنك حقائق الأخبار عن دول البحار - مصر : مطابع الأميرية، بولاق، 1895م صفحة 1/515.
[22] Malcolm Noel Bosnia: A Short History [Book]. - London : New York University Press, 1996, p. 364.
[23] Guldescu Stanko History of medieval Croatia, Studies in European history [Book]. - [s.l.] : Publisher, Mouton, 1964, vol. 1, p 247.
[24] Mojzes Paul Religion and the war in Bosnia [Book]. - [s.l.] : Oxford University Press, 2000, p. 22.
[25] Džaja Srečko M. Bosnian Historical Reality and its Reflection in Myth [Book Section] // Myths and boundaries in south-eastern Europe / book auth. Kolstø Pål. - London, UK : C. Hurst & Co, 2005, p. 120.
[26] Singleton Fred A Short History of the Yugoslav Peoples [Book]. - [s.l.] : Cambridge University Press, 1985, p. 496.
[27] Ćirković Sima Историја средњовековне босанске државе (in Serbo-Croatian) [Book]. - [s.l.] : Srpska književna zadruga, 1964, p. 140.
[28] Babinger Franz Mehmed the Conqueror and His Time [Book]. - [s.l.] : Princeton University Press, 1978, pp. 156-163.
[29] Fine, 1994, p. 575.
[30] Babinger, 1978, pp. 163-164.
[31] Ćirković, 1964, pp. 326-327.
[32] Miller Timothy S., Nesbitt John W. and Dennis George T. Peace and war in Byzantium: essays in honor of George T. Dennis, S.J, Catholic University of America Press1995), Peace and war in Byzantium: essays in honor of George T. Dennis, S.J [Book]. - [s.l.] : Catholic University of America Press, 1995, p. 191.
[33] Ćirković, 1964, pp. 326-327.
[34] Spremić, 2005, pp. 355–358.
[35] Ćirković, 1964, p. 327.
[36] Miller, 1923, vol. 4, p. 578.
[37] Miller, et al., 1995, p. 191.
[38] Fessler Ignaz Aurelius Geschichte von Ungarn [History of Hungary] (in German) [Book]. - Germany : Leipzig, Brockhaus, 1867, p. 103.
[39] Stavrides, 2001, p. 147.
[40] Babinger, 1978, p. 218.
[41] Villari Luigi The republic of Ragusa : an episode of the Turkish conquest [Book]. - London, United Kingdom : J.M. Dent & Co. Kessinger Publishing, reprint, 1904, p. 243.
[42] Babinger, 1978, p. 229.
[43] Pinson Mark The Muslims of Bosnia-Herzegovina, the Historic Development from Middle Ages to the Dissolution of Yugoslavia [Book]. - United States of America : President and Fellows of Harvard College, 1996. - Second ed., p. 11.
[44] حليم، 1988م صفحة 66.
[45] Babinger, 1978, p. 220.
[46] Ljubez Bruno Jajce Grad: prilog povijesti posljednje bosanske prijestolnice (in Serbo-Croatian) [Book]. - Sarajevo : HKD Napredak,, 2009, p. 149.
[47] Stavrides, 2001, p. 148.
[48] Babinger, 1978, p. 221.
[49] Bašagić Safvet-beg Kratka uputa u prošlost Bosne i Hercegovine, od g. 1463-1850 (in Serbo-Croatian) [Book]. - [s.l.] : Рипол Классик, 1900, p. 17.
[50] Bašagić, 1900, p. 20.
[51] Fine, 1994, p. 589.
[52] Pinson, 1996, p. 34.
[53] Setton, 1976, vol. 2, p. 249.
[54] أوزتونا، 1988م صفحة 1/154.
[55] Klinkhammer Gritt, Dressler Markus and Geaves Ron Sufis in Western Society: Global networking and locality [Book]. - New York, USA : Routledge., 2009, p. 166.
[56] Friedman Francine The Bosnian Muslims: Denial of a Nation [Book]. - Boulder, CO, USA : Westview Press, 1996, pp. 16-18.
[57] Ekici Cevat and (Turkey) Başbakanlık Osmanlı Arşivi Gökkubbe altında birlikte yaşamak: belgelerin diliyle Osmanlı hoşgörüsü [Book]. - [s.l.] : T.C. Başbakanlık Devlet Arşivleri Genel Müdürlüğü, 2006., 2006, pp. 3-4.
[58] Völkerkunde Erd- und Das Ausland: Ueberschau der neuesten Forschungen auf dem Gebiete der Natur-, Erd- und Völkerkunde [Book]. - [s.l.] : J.G. Cotta'sche Buchhandlung, 1850, p. 552.
[59] Walasek Helen Bosnia and the Destruction of Cultural Heritage [Book]. - New York, USA : Routledge, 2016, p. 329.
[60] Turhan Fatma Sel The Ottoman Empire and the Bosnian Uprising: Janissaries, Modernisation and Rebellion in the Nineteenth Century [Book]. - New York, USA : I.B.Tauris, 2014, p. 42.
[61] Jelavich Barbara History of the Balkans: Eighteenth and Nineteenth Centuries [Book]. - NewYork, USA : Cambridge University Press, 1983, vol. 1, pp. 88–89.
[62] Tezcan Baki The Second Ottoman Empire: Political and Social Transformation in the Early Modern World [Book]. - Cambridge, UK : Cambridge University Press, 2010, p. 98.
[63] Friedman Francine The Bosnian Muslims: Denial of a Nation [Book]. - Boulder, CO, USA : Westview Press, 1996, pp. 18-19.
[64] Stoianovich Traian Balkan Worlds: The First and Last Europe [Book]. - London, UK : Routledge, 1992, p. 201.
[65] Malcolm, 1996, pp. 63-66.
[66] Clancy Tim Bosnia and Herzegovina: The Bradt Travel Guide [Book]. - UK : Bradt Travel Guides Ltd, 2013, p. 21.
[67] Hupchick Dennis p. The Balkans: From Constantinople to Communism [Book]. - New York, USA : Palgrave macillan, 2002, p. 65
[68] Biondich Mark Croatia [Book Section] // Eastern Europe: An Introduction to the People Lands and Culture / book auth. Frucht Richard. - Santa Barbara, CA, USA : ABC CLIO, 2005, vol. 3, pp. 422-423.
[69] Aličić, 1981, p. 203.
[70] Morrison Kenneth Montenegro: A Modern History [Book]. - New York, USA : I.B. Tauris, 2009, p. 16.
[71] دكتور راغب السرجاني: قصة السلطان محمد الفاتح، مكتبة الصفا، القاهرة، الطبعة الأولى، 1441هـ= 2019م، 1/ 404- 421.
التعليقات
إرسال تعليقك