ملخص المقال
على الرغم من انتقاد بعض العلماء لابن حزم إلا أنه أحد أبرز علماء المسلمين في كل تاريخهم.
أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الظاهري (384-456هـ= 994-1064م) أحد أئمَّة الإسلام، كان عالـمـًا بالفقه ملمًّا به، وهو من أتباع داود الظاهري[1] يأخذ بظواهر النصوص.
على الرغم من انتقاد بعض العلماء له إلا أنه أحد أبرز علماء المسلمين في كل تاريخهم، والمصيب من العلماء هو من حفظ له الفضل، وانتقد بعض الأمور، ولا يخلو بشر، بخلاف الأنبياء، من نقد.
ابن حزم في ميزان التاريخ:
ابن العماد في شذرات الذهب في أخبار من ذهب: "نشأ في نعمة سابغة، وجاه عريض، وكانت له ولأبيه من قبله رياسة الوزارة وتدبير المملكة، فزهد بها وانصرف إلى العلم والتأليف، فكان من صدور الباحثين، فقيها، حافظا، يستنبط الأحكام من الكتاب والسّنّة، بعيدا عن المصانعة. وكان إليه المنتهى في الذكاء، والعربية، والآداب، والمنطق، والشعر، مع الصدق، والديانة، والحشمة، والسؤدد، والرياسة، والثروة، وكثرة الكتب".
العز بن عبد السلام: "ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل المُحَلَّى لابن حزم، والمغني للشيخ الموفق"[2]. وقال الذهبي: قُلْتُ: لَقَدْ صَدَقَ الشَّيْخُ عزّ الدِّيْنِ[3].
المُحَلَّى فِي شرح المُجَلَّى بِالحجج وَالآثَار: هو الكتاب الذي عُرف به ابنُ حزم
المغني لموفق الدين ابن قدامة المقدسي
الذهبي: رَأْسٌ فِي علُوْم الإِسْلاَم، مُتَبَحِّر فِي النَّقْل، عَديمُ النّظير عَلَى يُبْسٍ فِيْهِ، وَفَرْطِ ظَاهِرِيَّة فِي الْفُرُوع لاَ الأُصُوْل. وَكَانَ يَنهض بعلُوْمٍ جَمَّة، وَيُجيد النَّقل، وَيُحْسِنُ النّظم وَالنثر. وَفِيْهِ دِينٌ وَخير، وَمقَاصدُهُ جمِيْلَة، وَمُصَنّفَاتُهُ مُفِيدَة، وَقَدْ زهد فِي الرِّئَاسَة، وَلَزِمَ مَنْزِله مُكِبّاً عَلَى العِلْم
ثالث ثلاثة عُرفوا بكثرة التَصانيف، ووفرة التآليف (عرف في تاريخ العلماء من هؤلاء المكثرين في التصنيف: الإمام الطبري وابن الجوزي
قال القاضي صاعد الأندلسي في كتابه القيم طبقات الأمم، وهو من تلامذة ابن حزم: "وأخبرني ابنه الفضل المكنَّى أبا رافع، أن مبلغ تآليفه في الفقه والحديث والأصول والنحل والملل وغير ذلك من التاريخ والنسب، وكتب الأدب، والرد على المعارضين، نحو أربعمائة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة"
وقال الذهبي: وَلابْنِ حَزْم مُصَنّفَات جَلِيْلَة: أَكْبَرُهَا كِتَاب (الإِيصَال إِلَى فَهم كِتَاب الخِصَال) خَمْسَةَ عَشَرَ أَلف وَرقَة
البداية لا تمت لعلوم الشريعة بشيء:
لم يبدأ فقيهًا إنما بدأ في علوم اللغة والشعر والأدب
تربية الجواري والنساء، ومن المحتمل أن الأب كان مشغولًا عنه بالوزارة ثم بالسجن.
قال له أبو الوليد الباجي (من فقهاء المالكية الكبار): "أنا أعظم منك همة في طلب العلم، لأنك طلبته وأنت مُعان عليه، فتسهر بمشكاة الذهب، وَطَلَبْتُهُ وأنا أسهر بقنديل بائت السوق"[4]: فقال له ابن حزم: "هذا الكلام عليك لا لك، لأنك إنما طلبت العلم، وأنت في هذه الحال رجاء تبديلها بمثل حالي، وأنا طلبته في حال ما تعلمه، وما ذَكَرْتَهُ، فلم أرجُ به إلا علو القدر العلمي في الدنيا والآخرة".
موقف بداية العلم:
وقال الحموي في معجم الأدباء: قرأت بخطِّ أبي بكر محمد بن طرخان بن يلتكين بن بجكم... قال: وقال لي أبو محمد ابن العربي: إن أبا محمد ابن حزم ولد بقرطبة، وجده سعيد ولد بأونبه ثم انتقل إلى قرطبة وولي فيها الوزارة [ابنه أحمد] ثم ابنه علي الإمام، وأقام في الوزارة من وقت بلوغه إلى انتهاء سنه ستا وعشرين سنة «1» وقال: إنني بلغت إلى هذا السن وأنا لا أدري كيف أجبر صلاة من الصلوات. قال: قال لي الوزير أبو محمد ابن العربي أخبرني الشيخ الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم أنّ سبب تعلّمه الفقه أنه شهد جنازة لرجل كبير من إخوان أبيه، فدخل المسجد قبل صلاة العصر والحفل فيه، فجلس ولم يركع، فقال له أستاذه -يعني الذي رباه- بإشارة أن قم فصلِّ تحية المسجد فلم يفهم، فقال له بعض المجاورين له: أبلغت هذه السنّ ولا تعلم أن تحية المسجد واجبة؟! وكان قد بلغ حينئذ ستة وعشرين عاما، قال: فقمت وركعت وفهمت إذن إشارة الأستاذ إليّ بذلك؛ قال، فلما انصرفنا من الصلاة على الجنازة إلى المسجد مشاركة للأحياء من أقرباء الميت دخلت المسجد فبادرت بالركوع فقيل لي اجلس اجلس ليس هذا وقت صلاة، فانصرفت عن الميت وقد خزيت ولحقني ما هانت عليّ به نفسي، وقلت للأستاذ، دلني على دار الشيخ الفقيه المشاور أبي عبد الله ابن دَحُّون، فدلّني فقصدته من ذلك المشهد وأعلمته بما جرى فيه، وسألته الابتداء بقراءة العلم واسترشدته فدلّني على «كتاب الموطأ» لمالك بن أنس رضي الله عنه، فبدأت به عليه قراءة من اليوم التالي لذلك اليوم، ثم تتابعت قراءتي عليه وعلى غيره نحو ثلاثة أعوام وبدأت بالمناظرة[5].
العبرة:
تحويل الموقف السلبي إلى إيجابي، وتحويل الأزمة إلى فرصة
كم من البشر أُحْرَج في موقف فخرج ساخطًا لم يتقدَّم خطوة، ولكن ابن حزم خرج من إحراجه إلى أوسع آفاق العلم.
[1] وقال الذهبي في "السير": الإمامُ، البحرُ، العلامة، عالمُ الوقت ... رئيس أهل الظاهر ... بصيرٌ بالفقه، عالمٌ بالقرآن، حافظٌ للأثر، رأسٌ في معرفة الخلاف، من أوعيةِ العلمِ، له ذكاءٌ خارقٌ، وفيه دِينٌ متينٌ. عاش في بغداد.
[2] تذكرة الحفاظ (ج 3/ ص 1150) والسير (ج 18/ ص 193) وقال الذهبي تعليقا على كلمة ابن عبد السلام: "قلت: لقد صدق الشيخ عز الدين، وثالثهما: السنن الكبير للبيهقي، ورابعها: التمهيد لابن عبد البر (التمهيد لم في الموطأ من المعاني والأسانيد)، فمن حصل هذه الدواوين، وكان من أذكياء المفتين، وأدمن المطالعة فيها فهو العالم حقا"
[3] سير أعلام النبلاء ط الرسالة (18/ 193).
[4] قال القاضي عياض: "آجر أبو الوليد -يعني الباجي- نفسه ببغداد لحراسة درب، وكان لما رجع الأندلس يضرب ورق الذهب للغزل، ويحقد الوثائق. قال لي أصاحبه: كان يخرج إلينا للإقراء وفي يده أثر المطرقة، إلى أن فشا علمه، وهيئت الدنيا له، وعظم جاهه، وأُجْزِلَت صِلاتُه، حتى مات عن مال وافر" انظر: تذكرة الحفاظ (ج 3/ ص 1179 - 1180) والديباج المذهب (ص 197).
[5] ياقوت الحموي: معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب (4/ 1652). لمشاهدة الحلقة على يوتيوب.. ابن حزم وتحويل الأزمة إلى فرصة
التعليقات
إرسال تعليقك