التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
عبادة الطواف عبادة خاصَّة وعظيمة ولا تجوز في أي مكان في الدنيا إلا في المسجد الحرام حول الكعبة.
عبادة الطواف عبادة خاصَّة وعظيمة ولا تجوز في أي مكان في الدنيا إلا في المسجد الحرام حول الكعبة.
وقد ورد الدوران حول الكعبة بصفة مخصوصة في القرآن الكريم ثلاث مرات، قال تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125]. وقال: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26]. وقال تعالى أيضًا: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29].
وورد مرة في حق الطواف بين الصفا والمروة:
{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]
في السنة النبوية ورد كثيرًا في أحكام الحج والعمرة:
- عَنِ ابن عمر رَضِيَ اللهُ عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا طَافَ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ سَعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشَى أَرْبَعَةً، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ»[1].
- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَرَمْيُ الجِمَارِ لإِقَامَةِ ذِكْرِ اللهِ»[2].
فضل الطواف:
- روى الترمذي عن ابن عمر أنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ طَافَ بِهَذَا البَيْتِ أُسْبُوعًا[3] فَأَحْصَاهُ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ لَا يَضَعُ قَدَمًا وَلَا يَرْفَعُ أُخْرَى إِلَّا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطِيئَةً وَكَتَبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةً»[4].
الطواف كالصلاة فأيهما أولى بالفعل لمن ذهب للمسجد الحرام:
- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «الطَّوَافُ حَوْلَ البَيْتِ مِثْلُ الصَّلَاةِ، إِلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَلَا يَتَكَلَّمَنَّ إِلَّا بِخَيْرٍ»[5].
- قال ابن فرحون المالكي: مذهب مالك رحمه الله أن الطواف للغرباء أفضل من الصلاة، بخلاف أهل مكة[6]. الْعِلَّةَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهِيَ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ مُقِيمُونَ فَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ الطَّوَافُ أَيَّ وَقْتٍ أَرَادُوهُ فَكَانَ التَّنَفُّلُ بِالصَّلَاةِ أَفْضَلَ لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ وَالْغُرَبَاءُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ لِأَوْطَانِهِمْ فَلَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ الطَّوَافِ فَكَانَ الطَّوَافُ أَفْضَلَ لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى فَوَاتِهِ.
- وقَالَ ابنُ عَبّاسِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرِ وَعَطَاءٌ وَمُجاهدٌ: الصَّلاةُ لأَهْلِ مَكَّةَ أَفْضَلُ. وَأَمَّا الغُرَبَاءُ فَالطَّوَافُ لَهُمْ أَفْضَلُ.
أنواع الطواف:
أشهرها أربعة؛ القدوم للحاج والمعتمر، والإفاضة للحاجِّ، والوداع للحاج والمعتمر، أما الرابع فهو التطوع سواء للحاج أو المعتمر أثناء الرحلة بعد الانتهاء من المناسك، ويقول ابن قدامة المقدسي الحنبلي وغيره: فأما الطواف بالبيت، فيستحب الإكثار منه، والتطوع به.
ويفعل طواف التطوع في أي وقت من اليوم والليلة، حتى في أوقات كراهة الصلاة، ويمكن تكراره في اليوم أكثر من مرة. ولا يرمل ولا يضبع في طواف التطوع.
شروط الطـــــــــــــــواف:
النية، وستر العورة، والطهارة عند الجمهور إلا الحنفية.
ما يفعله في الطواف:
ذكر الله، وهو الأهمُّ، وكذا الدعاء، ويمكن قراءة القرآن، واستحبَّه البعض كالحنفية والشافعية، وإحدى الروايتين عن أحمد، وكرهه آخرون لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعله، وهو مذهب المالكية، ورواية عن أحمد.
الدُّنُوُّ مِنَ البيتِ عند الطواف:
يُستحَبُّ للطَّائفِ أن يدنُوَ مِنَ البيتِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة[7]، والمالِكيَّة[8]، والشَّافعيَّة[9]، والحَنابِلة[10].. يقول النووي رحمه الله: لأنَّ البيتَ أشرَفُ البقاعِ؛ فالدنوُّ منه أفضلُ. وأنَّه أيسَرُ في استلام الرُّكْنينِ وتقبيلِ الحَجَرِ[11].
هل تحية البيت الطواف؟
يشتهر على الألسنة قول: "تحية البيت الطواف"، وهذا ليس له أصل في كتب السنة، ولم يرو عن النبيِّ r بإسنادٍ أصلًا!
لا يخلو حال الداخل إلى المسجد الحرام من حالين:
الأول: أن يدخله بقصد الطواف، سواء كان للحجِّ، أم العمرة، أم تطوُّعًا:
فهذا أول ما يبدأ به الطواف، ولا يشرع له البدء بركعتي تحية المسجد قبل الطواف؛ إذ لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء
الثاني: أن يدخله بقصد الصلاة، أو الجلوس، أو حضور حلق العلم، أو الذكر، أو قراءة القرآن، أو غيرها من العبادات:
فيُستحب له أن يصلي ركعتي تحية المسجد؛ لعموم حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ»[12].
هل طواف التطوُّع سبع أشواط؟
للخروج من الخلاف فالأحوط طواف سبعة أشواط، واختلف الفقهاء في عدد طواف التطوع: «وَلِلطَّائِفِ جَمْعُ أَسَابِيعَ مِنَ الطَّوَافِ، فَإِذَا أَفْرَغَ مِنْهَا رَكَعَ لِكُل أُسْبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ، وَالأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ لِكُل أُسْبُوعٍ عَقِبَهُ»[13].
قال الباجي المالكي: «وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ أَعْمَالَ الطَّاعَاتِ الَّتِي تُقْصَدُ لِأَنْفُسِهَا وَلَا تَتَبَعَّضُ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ وَالطَّوَافِ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ دَخَلَ فِيهَا وَتَلَبَّسَ بِعَمَلِهَا أَنْ يَقْطَعَهَا حَتَّى يُتِمَّ مِنْهَا أَقَلَّ مَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ كَامِلَةٍ... وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ مِنْ الطَّوَافِ عِبَادَةُ سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ مَعَ مَا يَتْبَعُهُ وَهُمَا الرَّكْعَتَانِ بَعْدَهُ... فَمَنْ تَلَبَّسَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ مِنْهَا مَا ذَكَرْنَاهُ»[14]. وجوَّز البعض كالحنابلة طواف شوط أو شوطين.
ركعتا الطواف:
رَكْعَتَا الطَّوَافِ بَعْدَ كُل سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ بَعْدَ كُل طَوَافٍ فَرْضًا أَوْ نَفْلاً صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَوَافَقَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ فِي الطَّوَافِ الرُّكْنِ، أَوِ الْوَاجِبِ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ سُنَّةٌ[15].
[1] البخاري (1537) واللفظ له، ومسلم (1261).
[2] أبو داود: كتاب المناسك، باب في الرمل (1888) واللفظ له، والترمذي في سننه، (902) وقال: وهذا حديث حسن صحيح. وأحمد (24512)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن. والدارمي (1853)، وقال حسين سليم أسد: إسناده حسن. والحاكم في مستدركه، (1685)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
[3] أُسْبُوعًا: أَيْ: سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ كَمَا فِي رِوَايَةٍ. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 1791).
[4] سنن الترمذي - ترقيم أحمد شاكر (959) 3/ 292. وقال: هذه حديث حسن، وصححه الألباني. والحاكم: المستدرك (1799). وقال: هذا حديث صحيح على ما بينته من حال عطاء بن السائب ولم يخرجاه.
[5] الترمذي (960)، قال الألباني: صحيح. الجامع الصغير وزيادته، ص7402. والبزار: البحر الزخار (4853) (11/ 127). والدارمي (1847)، وابن حبان (3836).
[6] ابن فرحون المالكي (ت799 هـ): إرشاد السالك إلى أفعال المناسك (1/ 141).
[7] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/355).
[8] ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/315), ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/804).
[9] ((المجموع)) للنووي (8/38)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/333).
[10] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/485)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/390).
[11] ((المجموع)) للنووي (8/38).
[12] البخاري (1110).
[13] «الموسوعة الفقهية الكويتية» (38/ 342).
[14] أبو الوليد الباجي (ت٤٧٤هـ): «المنتقى شرح الموطإ» (2/ 69).
[15] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: عبادة الطواف حول الكعبة
التعليقات
إرسال تعليقك