التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
هناك مسألة أخذها المتمردون على عثمان وتناقلها المؤرخين وتلقفها المستشرقون ورددها غير العارفين بالتاريخ الإسلامي، حتى صارت عندهم حقيقة لا جدال فيها.
مسألةٍ مهمَّةٍ من المسائل التي أخذها المتمرِّدون على عثمان رضي الله عنه، وتناقلها بعض المؤرِّخين بعد ذلك، وتلقَّفها المستشرقون بشغف، وردَّدها غير العارفين بالتاريخ الإسلامي الصحيح، حتى صارت عندهم حقيقةً لا جدال فيها.
أولًا: ولاة عثمان رضي الله عنه:
في عهد عثمان رضي الله عنه كان هناك أمراءُ على بعض المناصب العليا في الدولة، وكان هناك أمراءُ على الأمصار المختلفة.
أمَّا أمراء المناصب العليا فكانوا كالآتي:
على القضاء زيد بن ثابت الأنصاريُّ رضي الله عنه، وعلى بيت المال عبد الله بن أرقم الزُّهْرِيُّ رضي الله عنه، ثم عقبة بن عامر الجُهَنِيُّ رضي الله عنه، وعلى إمارة الحجِّ عبد الله بن عباس الهاشميُّ رضي الله عنهما إذا لم يحجُّ بالنَّاس عثمان رضي الله عنه، وعلى الخراج جابر بن فلان المُزَنِيُّ رضي الله عنه، وسِماك الأنصاريُّ رضي الله عنه، وعلى إمارة الجيش عبد الله بن أبي ربيعة المخزوميُّ رضي الله عنه، وعلى الشرطة عبد الله بن قنفذ التَيْمِيُّ رضي الله عنه، وعلى الأسطول عبد الله بن قيس الفَزَارِيُّ رضي الله عنه، ولا نجدُ في هذه المناصب السَّبعة أحدًا من بني أميَّة!
أمَّا ولايات الأمصار فيقول ابن الجوزي في المنتظم:
«.. وقُتِلَ (أي عثمان رضي الله عنه) وعامله على مكَّة عبد الله بن الحضرميُّ، وعلى الطائف القاسم بن ربيعة الثقفيُّ، وعلى صنعاء يعلى بن أميَّة رضي الله عنه (أو ابن مُنْيَة، وهو تميميٌّ)، وعلى الجند عبد الله بن ربيعة (أو ابن أبي ربيعة، وهو مخزوميُّ)، وعلى البصرة عبد الله بن عامر بن كرز (بن كريز الأمويُّ)، وعلى مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح (العامريُّ) ثم غلب محمَّد بن أبي حذيفة على مصر فأخرج ابن سعد، وعلى الكوفة: على صلاتها أبو موسى (الأشعريُّ)، وعلى حربها القعقاع بن عمرو (التميميُّ)، وعلى قرقيسياء جرير بن عبد الله (البجليُّ)، وعلى أذربيچان الأشعث بن قيس (الكِنْدِيُّ)، وعلى حلوان عتيبة بن النهاس (العجليُّ)، وعلى همدان النُّسَيْرُ (العجليُّ)، وعلى الرَّيِّ سعيد بن قيس (الهمدانيُّ)، وعلى أصبهان السَّائب بن الأقرع (الثقفيُّ)، وعلى ماسبذان حبيش (لم أقف على قبيلته، وهو حتمًا ليس أمويًّا، وإلَّا عُرِف واشتُهر)، وعلى بيت المال عقبة بن عمرو (أو ابن عامر، وهو جهنيُّ)، وعلى الشام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما (الأمويُّ)».
ووردت بعض الولايات المختلفة عند آخرين، ولكن ليس فيها أحدٌ من بني أميَّة، فمثلًا عند خليفة بن خيَّاط أنَّ الوالي على مكَّة عند قتل عثمان رضي الله عنه هو خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزوميُّ، وعلى خراسان عبد الله بن خازمٍ السُّلَمِيُّ، وعلى الْبَحْرين عَبْد اللهِ بْن سوار الْعَبْديُّ، وعند الطبري على ماه مالك بن حبيب اليربوعيُّ، وعلى الموصل حكيم بن سلامة الحزاميُّ، وعلى الباب سلمان بن ربيعة (الباهليُّ).
كما أنَّه من المفيد أن نطَّلع على ولاة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما في الشام، وكلُّهم بأمرٍ من عثمان رضي الله عنه، أو على الأقلِّ بموافقةٍ منه، فنجد على حمص عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن الْوَلِيد (المخزوميُّ)، وعلى قنِّسرين حبيب بن مسلمة (الفهريُّ)، وعلى الأردن أَبُو الأعور (السُّلميُّ)، وعلى فلسطين عَلْقَمَةُ بن حكيم الكنانيُّ، والأربعة ليس فيهم أمويٌّ واحد!
إذا أحصينا الأمصار الموجودة في الفقرات السَّابقة مجتمعة وجدناها أربعةً وعشرين بلدًا، هذا بالإضافة إلى المناصب السَّبعة العليا التي ذكرناها آنفًا، فيُصبح المجموع إحدى وثلاثين ولاية، وفي كلِّ هذه الولايات لا نجد من الأقارب في الولايات عند وفاة عثمان رضي الله عنه إلَّا ثلاثة؛ اثنين من الأمويِّين فقط (معاوية، وعبد الله بن عامر، رضي الله عنهما)، بالإضافة إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامريِّ رضي الله عنه، وهو أخو عثمان رضي الله عنه من الرَّضاعة، وليس أمويًّا! فهل هذه نسبةٌ كبيرة؟! إنَّها تكاد تبلغ عشرة بالمائة من الولاة (9.7% تحديدًا)!
حتى إذا بحثنا عن الأقارب الذين ولَّاهم عثمان رضي الله عنه قبل ذلك لن نجد إلَّا اثنين؛ الأوَّل هو الوليد بن عقبة الأمويُّ رضي الله عنه، والثاني هو سعيد بن العاص الأمويُّ رضي الله عنه، وكلاهما كان واليًا على الكوفة، الواحد تلو الآخر، وقد عَزَلَ الأوَّل لأنَّه اتُّهم في شرب الخمر، وعَزَلَ الثاني لرغبةٍ شعبيَّةٍ متمرِّدة غير مبرَّرةٍ بشكلٍ شرعي؛ فهو في الحالتين يُضحِّي بأقاربه بغية تسكين الأوضاع.
يتَّضح لنا من الحسابات السَّابقة أنَّ عثمان رضي الله عنه لم يختر من أقاربه إلَّا خمسةً فقط للولايات المختلفة، وذلك على مدار الاثني عشر عامًا التي حكمها، وفوق ذلك لم يكن هؤلاء الخمسة موجودين في وقتٍ متزامن.
خليفة عثمان على المدينة في حال غيابه:
أضف إلى ما سبق أنَّ عثمان بن عفَّان رضي الله عنه لم يكن يستخلف أمويًّا على المدينة إذا غادرها للحجِّ؛ إنَّما كان يستخلف زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه.
مستشارو عثمان:
جلُّهم -إن لم يكن كلُّهم- من غير الأمويِّين؛ فمنهم علي بن أبي طالب الهاشمي رضي الله عنه، وعبد الرَّحمن بن عوف الزهري رضي الله عنه، وسعد بن أبي وقاص الزهري رضي الله عنه، وعبد الله بن عباس الهاشمي رضي الله عنهما، وعبد الله بن عمر العدوي رضي الله عنهما، وزيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، وغيرهم.
ثانيًا: كفاءة الولاة الأقارب:
جميعهم أثبتوا كفاءةً نادرةً في ولاياتهم، على الرَّغم من النَّقد الذي وُجِّه لبعضهم.
ثالثًا: لا ننسى أن هؤلاء الأقارب من بني أمية:
قبيلة بني أميَّة من القبائل المهمَّة في قريش، ولا يمكن استثناؤها من مناصب الولاية، بل ليس من الحكمة أن تُهْمَل وهي من قبائل الشرف والسؤدد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدرك ذلك ويُقَدِّره، وكذلك أبو بكر رضي الله عنه وعمر بن الخطاب رضي الله عنه[1].
[1] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك