الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
جاءت التعاليم الإسلامية بقفزةٍ كبرى في أمر رعاية الكائنات الحية، ولا أدلَّ على هذا من كثرة النصوص التي عُنيت بأمر الكائنات الحية؛ الطيور والحيوانات
- الحيوان الذي يستطيع الاستقلال بنفسه والحفاظ على حياته، سواءٌ كان لقوَّته أو سرعته؛ كالإبل والخيل والظباء والطيور، إذا كانت في الصحراء.
- الحيوان نفسه ولكن إذا كان في المدن والحضر والعمران.
- الحيوان الذي لا يستطيع الاستقلال بنفسه ولا الحفاظ على حياته؛ كالغنم والمعز والدجاج وصغار البقر والإبل والخيل.
جاءت التعاليم الإسلامية بقفزةٍ كبرى في أمر رعاية الكائنات الحية، ولا أدلَّ على هذا من كثرة النصوص التي عُنيت بأمر الكائنات الحية؛ الطيور والحيوانات والحشرات وسائر أنواع الدواب، فإنَّ الباحث يجد كمًّا كبيرًا من النصوص؛ آياتٍ قرآنيةٍ تمتاز بالعموم، ثُمَّ عددًا أكبر من نصوص السُّنَّة النبوية وفيها كثيرٌ من التفاصيل، ومن هذين نتج تراثٌ فقهيٌّ هائل في أمرٍ يُعَدُّ ابتكارًا إسلاميًّا خالصًا، ذلك هو أمر (حقوق الكائنات الحية).
فعَبْر مجموعةٍ من الحقوق التي أعطاها المنهج الإسلامي للكائنات الحية، أصبح هذا العنصر البيئي قادرًا على أن يكون مجالاً خصبًا يُستثمر ليس لنفع البشر فقط، بل لنفع البشر بالشكل الأمثل.
حقُّ الرعاية:
وفَّر الإسلام للحيوانات حقَّ الرعاية والعناية، حتى كان إهمال رعاية الحيوان من الأسباب الموجِبَة لعذاب النار، وكما هو معروف في الأصول بأنَّ الوعيد أو العذاب في أمر يُفيد الحرمة، وبهذا يكون الإهمال في رعاية الحيوان والطائر حرامًا في الإسلام.
في البخاريِّ من حديث أسماء بنت أبي بكرٍ[1] رضي الله عنهما أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى صلاة الكسوف، فقال: "دَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى قُلْتُ أَيْ رَبِّ، وَأَنَا مَعَهُمْ. فَإِذَا امْرَأَةٌ -حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ:- تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ، قَالَ: مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ قَالُوا: حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا"[2].
في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، قَالَ: فَقَالَ: وَاللهُ أَعْلَمُ، لاَ أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلاَ سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا، وَلاَ أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ[3] الأَرْضِ"[4].
يبدو أنَّ هذه الدرجة الكبرى من الوعيد بالعذاب في هرَّة، جعلت بعض العلماء يقولون: إنَّها امرأةٌ كافرة، وزِيدَ في عذابها بسبب الهرَّة. ومنهم القاضي عياض[5]، استبعادًا لأنْ يُعَذَّب المسلمُ في أمرٍ صغيرٍ كهذا، ولكنَّ العلماء ضَعَّفوا هذا الرأي وردُّوه.
قال النوويُّ مُعَلِّقًا: "هذا كلامه (أي القاضي عياض) وليس بصواب بل الصواب المصرَّح به في الحديث أنَّها عُذِّبَتْ بسبب الهرَّة، وهو كبيرة لأنَّها ربطتها وأصرَّت على ذلك حتى ماتت، والإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة كما هو مقرَّر في كتب الفقه"[6]. وقال في موضعٍ آخر: "فظاهر الحديث أنَّها كانت مسلمة وإنَّما دخلت النار بسبب الهرَّة"[7].
الهرَّة في الحديث مجرَّد مثال، قال ابن حجر: "ويلتحق بذلك غير الهرَّة مما في معناها"[8]. ويزداد الأمر خصوصيةً في الحيوانات النافعة المملوكة، قال الشوكاني: "فإذا كان هذا الحكم ثابتًا في مثل الهرَّة، فثبوته في مثل الحيوانات التي تُمْلَك أولى؛ لأنَّها مملوكةٌ محبوسةٌ مشغولةٌ بمصالح المالك"[9].
قال النوويُّ: "وفيه (أي الحديث) وجوب نفقة الحيوان على مالكه"[10].
في وصيته صلى الله عليه وسلم برعاية الإبل أشار إلى مراعاة أحوال الإبل، لا سيما في حالة السفر فتُعطى حقَّها في وقت الخصب وفي الأرض الخصبة، ويُسرع عليها حين السفر في عام الجدب والأرض المجدبة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الأَرْضِ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ، وَإِذَا عَرَّسْتُمْ بِاللَّيْلِ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ؛ فَإِنَّهَا مَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ"[11].
المعنى أنَّ المسافر على الإبل ينبغي أن يُبطئ المسير إذا كان في أرضٍ خصبةٍ يكثر فيها العشب؛ لكي تأكل الإبل، وعبَّر الرسول عن هذا بقوله: "حَظَّهَا". وهي في رواية أبي داود وأحمد بلفظ: "حَقَّهَا". وينبغي عليه أن يُسرع المسير في الأرض المجدبة؛ لئلَّا تتعب الدابة من مشقَّة السفر مع قلَّة المرعى[12].
يُضيف النبيُّ صلى الله عليه وسلم وصيَّته للمسافرين أنَّهم إذا نزلوا بالطريق ليلًا ليرتاحوا فليتجنَّبوا الطريق؛ لكيلا يُضايقوا الحيوانات الأخرى؛ كالسباع والهوام التي تنشط بالليل فتتغذَّى على ما يقع من المسافرين من أقوات.
هذه الوصية رأى فيها النوويُّ حرصًا من النبيِّ صلى الله عليه وسلم على أمَّته، ودليلًا على رحمته بهم؛ فقال: "ومعنى الحديث الحثُّ على الرفق بالدوابِّ ومراعاة مصلحتها... وهذا أدبٌ من آداب السير والنزول أرشد إليه صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ الحشرات ودوابَّ الأرض من ذوات السموم والسباع تمشي في الليل على الطرق لسهولتها؛ ولأنَّها تلتقط منها ما يسقط من مأكولٍ ونحوه، وما تجد فيها من رمَّةٍ ونحوها، فإذا عرس الإنسان في الطريق ربما مرَّ به منها ما يؤذيه فينبغي أن يتباعد عن الطريق"[13].
غير أنَّ الإمام المناويَّ قرأ في تلك الوصية -أيضًا- رحمته صلى الله عليه وسلم بالكائنات نفسها، قال: "قوله: "فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ" أي: اعدلوا وأعرضوا عنها، "فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ وَمَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ"[14]؛ أي: محل تردُّدها (بالليل) لتأكل ما فيها من الرمَّة، ولتلتقط ما يسقط من المارَّة من نحو مأكول"[15].
وإذًا ففي الحديث مراعاةٌ للإبل، ثُمَّ تنبيهٌ آخر لمراعاة الحيوانات البريَّة وتجنُّب مضايقتها في طرائق معيشتها، وهو -أيضًا- تنبيهٌ لتجنُّب الضرر، وهذا من دقيق وعجيب حكمته صلى الله عليه وسلم، فلا نعرف في الشرائع والمناهج الأخرى تنيبهًا على حقِّ الحيوانات البرية كهذا؟
لهذا الحديث عند أبي داود زيادةٌ صحيحةٌ في الرواية، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: "وَلاَ تَعْدُوا الْمَنَازِلَ"[16]. وهو نهيٌ للمسافر أن يتجاوز محطَّات الراحة طلبًا للإسراع في السفر، قال العظيم آبادي[17]: "لأنَّ فيه إتعاب الأنفس والبهائم"[18].
ومرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ ببعيرٍ قد ضعف ونحف حتى تقول الراوية: "قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ". يعني من شدَّة الهزال، فوضع قاعدةً نبويةً واضحة؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ... فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً, وَكُلُوهَا صَالِحَةً"[19].
قال المناويُّ: "يعني: تعهَّدوها بالعلف؛ لتتهيَّأ لما تُريدونه منها، فإن أردتم ركوبها وهي صالحةٌ للركوب قويةٌ على المشي بالراكب فاركبوها، وإلَّا فلا تُحَمِّلُوها ما لا تطيقه... وإن أردتم أن تنحروها وتأكلوها فكلوها حال كونها سمينةً صالحةً للأكل، وخصَّ الركوب والأكل لأنَّهما من أعظم المقاصد"[20].
اتفق الفقهاء على وجوب نفقة الحيوان على مالكه، وقالوا بإجبار القاضي لصاحب الحيوان بالإنفاق عليه، وخالف في هذا الأحنافُ فقط لتفصيلٍ فنيٍّ متعلِّقٌ بأنَّ المقضيَّ له -وهو الحيوان- ليس صاحب أهليَّةٍ في التقاضي، ولكنَّهم عادوا فقالوا بوجوب الإنفاق ديانةً (ظاهر الرواية أنَّه لا يُجبره القاضي على ترك الإنفاق عليها لأنَّ في الإجبار نوع قضاء والقضاء يعتمد المقضيَّ له ويعتمد أهلية الاستحقاق في المقضيِّ له، وما ليس فليس؛ لكنَّه يُؤمر به ديانةً فيما بينه وبين الله تعالى، ويكون آثمًا معاقبًا بحبسها عن البيع مع عدم الإنفاق"[21].
وضع الفقهاء تصرفاتٍ وحلولًا لحالة ما إذا لم يُنفق مالك الحيوان عليه، كلَّها تحمي حقَّ الحيوان في الرعاية، فإمَّا أن يُنفق عليها أو يُجبره القاضي على ذلك، وهذا قول أبي يوسف صاحب أبي حنيفة وقول مالك والشافعي وأحمد[22]، فإن لم يُنفق لامتناعه أو عجزه عن الإنفاق يُقضى بإخراج الحيوان من ملكه ببيعٍ أو صدقةٍ أو ذبحٍ إنْ كان ممَّا يُذبح، هكذا قال المالكية[23].
أضاف الشافعية حلولًا أخرى وهو الإكراء؛ أي: تأجير الحيوان، وقالوا: إنَّه إذا لم يُمكن ذلك فَعَل الحاكمُ ما رآه مناسبًا، فإنْ تعذَّر أنفق عليها من بيت المال، فإن تعذَّر أنفق عليها المسلمون[24].
ثُمَّ أضاف الحنابلة حلًّا آخر؛ وهو أن يُنفق الحاكم على الحيوان بقرضٍ على صاحب الدابَّة[25].
بهذا المجهود في البحث عن حلٍّ يحفظ أملاك الإنسان، ويحمي في الوقت ذاته حقَّ الحيوان، أغلق الإسلام كلَّ الأبواب أمام امتهان الحيوان أو حرمانه من حقِّ الرعاية والعناية الواجبة له، وتضافرت مذاهبه الفقهية لتوفير كلِّ ما أمكن من ضماناتٍ تحفظ للدوابِّ حقَّها في الطعام والنفقة، وكان هذا الموضوع من الأهمية إلى الحدِّ الذي رأينا فيه أنَّه داخلٌ في مسئوليات الحاكم، وداخلٌ -أيضًا- في نطاق الرقابة الشعبية، فإنَّ "هذه المسألة تجري فيها دعوى الحسبة"[26].
من المسائل الفقهية التي لا تكون إلَّا في شريعة الإسلام الرحيمة ما جاء في حاشية الدسوقي عن وجوب نفقة صاحب الدار على هرَّة أصابها العمى وهي عنده، ولم تقدر لعماها على مغادرة الدار، قال: "ودخل في الدابَّة هرَّة عميت فتجب نفقتها على مَنِ انقطعت عنده؛ حيث لم تقدر على الانصراف، فإن قدرت عليه لم تجب نفقتها"[27].
فالحال ليس استثمارًا وانتفاعًا مجرَّدًا من الرحمة بالحيوان، بل هو تعاملٌ مع الكائن الحيِّ باعتباره ذا رُوحٍ تألم وتحتاج، فمن حقِّها أن يُدفع عنها الألم وتُبذل لها الرعاية.
من المشاهد العملية التي تتبدَّى فيها الرحمة والرعاية معًا، ما ورد عن الصحابي الجليل أبي قتادة رضي الله عنه، فعن كبشة بنت كعب بن مالك رضي الله عنها -وكانت تحت ابن أبي قتادة- أنَّ أبا قتادة رضي الله عنه دخل فسكبت له وَضُوءًا[28] فجاءت هرَّة فشربت منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت. قالت كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقلت: نعم. فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ"[29].
قال العظيم آبادي: "وفيه التنبيه على الرفق بها واحتساب الأجر في مواساتها"[30].
تأمَّل اللطف في الاختيار النبويِّ للفظ: "طَوَّافِينَ"، فالطائف في لسان العرب هو الخادمُ الذي يخدُمك برفْقٍ وعناية[31]، ففيه علاقة ألفة وانتفاعٌ بين الإنسان والهرَّة.
لم تتوقف المسئولية التي وضعها الإسلام على أتباعه عند حدود الحيوانات المملوكة لهم فقط، بل المسلم صاحب التزامٍ تجاه ما لا يملكه -أيضًا- كالشوارد مثلًا، فإن كانت قادرةً على الحياة بنفسها واكتساب رزقها كان عليه أن يتركها وشأنها كالإبل مثلًا، وإن كانت لا تستقلُّ بنفسها وتحتاج إلى من يرعاها كان عليه رعايتها.
أصل هذا ما رواه البخاريُّ ومسلم عن زيد بن خالدٍ الجهنيِّ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سأله رجلٌ عن اللُّقَطَةِ، فقال: "اعْرِفْ وِكَاءَهَا. أَوْ قَالَ: وِعَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ". قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبِلِ. فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ. أَوْ قَالَ: احْمَرَّ وَجْهُهُ. فَقَالَ: "وَمَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ، فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا". قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: "لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ"[32].
من هذا الحديث استخرج العلماء ثلاث حالات:
خلاصة أقوال العلماء في هذا الموضوع على الراجح منها، أنَّ الحيوان الذي يستطيع الاستقلال بنفسه إن كان في الصحراء يُحْرَم أخذه وتملُّكه، وأجاز بعضهم لوليِّ الأمر أخذها لكي يحفظها لصاحبها، ويجوز أخذها إن كانت في المدينة والعمران بقصد رعايتها وحفظها لصاحبها؛ ذلك أنَّ المدينة والعمران تكون فيه الحيوانات أكثر تَعَرُّضًا للأخذ، وأقلَّ في درجة الأمان مع كثرة الناس، فلهذا جاز أخذها وحفظها إنْ كانت في العمران، والذي أخذها مسئولٌ عن حفظها ورعايتها لصاحبها ويضمن ما نقص أو تلف منها.
أمَّا الحيوانات التي لا تستقلُّ بحياتها ولا تستطيع الحفاظ على نفسها فيجوز التقاطها من الصحراء أو من العمران، والذي أخذها من الصحراء أمامه ثلاثة حلول: إمَّا أن يحفظها ويرعاها ويُعَرِّف بها المدَّة المناسبة، فإن لم يظهر صاحبها كان له أن يتملَّكها، أو أن يبيعها ويُعَرِّف بها ويحتفظ بثمنها مدَّةً مناسبة، فإذا ظهر صاحبها أعطى له الثمن، وإلا تملَّك الثمن، والحلُّ الثالث أن يأكله، فإذا ظهر صاحبه دفع له قيمة الحيوان.
فإذا كان أخذها من العمران فليس له أنْ يأكلها، بل يحفظها أو يحفظ ثمنها ويُعَرِّف بها المدَّة المناسبة، فإذا ظهر صاحبها أدَّى له حقَّه، وإلا تملَّكه هو[33].
إنَّه ليبدو من مناقشة الفقهاء لهذه المسألة حرصهم على رعاية الحقوق ورعاية الأموال لأصحابها، ولكن يجب ألا يغيب عن البال حفاظهم وتقديرهم -بذات القدر- لحقِّ الحيوان في الرعاية، خاصةً إذا كان لا يستطيع حفظ حياته بنفسه، وهذا –لمرَّةٍ أخرى- مبلغ لا نعلم منهجًا آخر وصل إلى التنبُّه إليه فضلًا عن صياغته في قوانين وبذل الجهد في النقاش والاستنباط والاستدلال والأخذ والردِّ.
ثم يرتفع الإسلام درجةً أخرى في رعاية الحيوان، وهي درجةٌ فيها معنى الإيثار، فعن سراقة بن جعشم رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضالَّة الإبل تغشى حياضي، قد لُطْتُهَا[34] لإبلي، فهل لي من أجرٍ إن سقيتها؟ قال: "نعم؛ فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرَّى أَجْرٌ"[35].
الحال هنا أنَّ الصحابي أصلح البئر في ملكه لكي يسقي إبله، فجاءت إبلٌ تشرب منه، وليس واجبًا عليه سقيها ولا رعايتها؛ لأنَّه ليس مالكها، فوجَّهه النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى الأجر الكائن في سقيها، وفي سقي كلِّ كائنٍ حيٍّ.
يبلغ المنهج الإسلامي أعلى ما يطمح إليه تصوُّرُ رفيقٍ بالحيوان، ذلك هو عظم الأجر الكائن في رعاية الحيوان إلى الحدِّ الذي فيه يكون إطعام الحيوان أو سقاؤه من الأعمال التي يغفر الله بها ما مضى من الذنوب ويُدخل الجنة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ[36] يَأْكُلُ الثَّرَى[37] مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي. فَمَلأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ[38]، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ"[39].
قوله صلى الله عليه وسلم: "فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ". دليلٌ على سعة الرحمة والرعاية والعناية بالكائنات الحية في الإسلام، قال الداوديُّ: "المعنى: في كلِّ كبدٍ حيٍّ أجر، وهو عامٌّ في جميع الحيوان"[40]. وهذا يشمل كلَّ الحيوانات؛ سواءٌ كانت مملوكةً للمرء أو سائمةً أو مملوكةً للغير، قال النوويُّ: "معناه: في الإحسان إلى كلِّ حيوانٍ حيٍّ بسقيه ونحوه أجر. ففي هذا الحديث الحثُّ على الإحسان إلى الحيوان المحترم[41]. فيحصل الثواب بسقيه والإحسان إليه -أيضًا- بإطعامه وغيره؛ سواءٌ كان مملوكًا أو مباحًا، وسواءٌ كان مملوكًا له أو لغيره"[42].
من الرعاية للكائنات الحية -أيضًا- ما قرَّره الفقه الإسلامي بخصوص النحل، فإنَّه "يجب على مَالك النحل أن يُبقي له شيئًا من العسل في الكوارة[43] بقدر حاجته إن لم يَكْفِه غيره"[44].
* مما يتعلق بالرعاية مسألة الحمى:
هي تخصيص "المحميات الطبيعية" التي يمنع فيها الرعي والصيد، وهذه مسئولية الدولة الإسلامية ويقوم بها وليُّ الأمر.
هذه المحميات خُصِّصت لرعاية الخيل والإبل المخصَّصة للجهاد، وماشية الجزية والصدقة والزكاة، وحيوانات ضعفاء وفقراء المسلمين، والحيوانات الضالَّة التي تحفظها الدولة حتى يعثر أصحابها عليها[45].
قد حمى النبي صلى الله عليه وسلم النقيع[46]، وحمى عمر رضي الله عنه الشرف[47] والربذة[48]، وقد ورد التصريح في رواية ابن حبان والبيهقي بأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حمى النقيع لخيل المسلمين ترعى فيه[49]، وأمَّا عمر رضي الله عنه فإنَّه حمى الربذة لإبل الصدقة[50].
لا يجوز للأفراد تخصيص محمياتٍ لأنفسهم، ولا حتى يجوز للولاة أن يُخَصِّصُوا محمياتٍ لأنفسهم؛ لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "لاَ حِمَى إِلاَّ للهِ وَلِرَسُولِهِ"[51]. فهذه المسئولية مقتصرة على الحاكم فيُقَدِّر المصلحة العامَّة.
قال الشافعيُّ: "وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حِمَى إِلاَّ للهِ وَلِرَسُولِهِ". يحتمل معنيين: أحدهما: أن لا يكون لأحدٍ أن يحمي للمسلمين غير ما حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذهب هذا المذهب قال: يحمي الوالي كما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاد لجماعة المسلمين على ما حماها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يكون لوالٍ إنْ رأى صلاحًا لعامَّة من حمى أن يحمي بحالٍ شيئًا من بلاد المسلمين.
المعنى الثاني: أنَّ قوله: "لا حِمَى إِلاَّ للهِ وَلِرَسُولِهِ". يحتمل: لا حمى إلا على مثل ما حمى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن ذهب هذا المذهب قال: للخليفة خاصَّةً دون الولاة أن يحمي على مثل ما حمى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم"[52]. ورجَّح الشافعيُّ المعنى الثاني؛ فذهب إلى جواز أن يحمي الولاة ما رأوا فيه صلاحًا للمسلمين، قال: "ولولاة الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحموا من الأرض شيئًا لمن يحتاج إلى الحمى من المسلمين، وليس لهم أن يحموا شيئًا لأنفسهم دون غيرهم"[53].
هذا ما اتفقت عليه المذاهب الأربعة، ونقل ابن قدامة أنَّه إجماع الصحابة فقال: "وهذا إجماعٌ منهم، ولأنَّ ما كان لمصالح المسلمين قامت الأئمة فيه مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم"[54].
استدلُّوا على هذا بما رواه البخاري أنَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه استعمل مولًى له يُدْعَى هُنَيًّا عَلَى الْحِمَى، فقال: "يَا هُنَيُّ، اضْمُمْ جَنَاحَكَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ[55]، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ، وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ[56]، وَإِيَّايَ[57] وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ[58]؛ فَإِنَّهُمَا إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَا إِلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ، وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَأْتِنِي بِبَنِيهِ فَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ[59]. أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا[60]؟! لاَ أَبَا لَكَ[61]، فَالْمَاءُ وَالْكَلأُ أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ[62]. وَايْمُ اللهِ! إِنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّي قَدْ ظَلَمْتُهُمْ، إِنَّهَا لَبِلاَدُهُمْ، فَقَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الإِسْلاَمِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْلاَ الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللهِ مَا حَمَيْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ بِلاَدِهِمْ شِبْرًا"[63].
في هذه الرواية تصريحٌ بأنَّ الحمى إنَّما هو لغنم وإبل ضعفاء المسلمين وفقرائهم، لا للأغنياء أو القادرين من أمثال عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان رضي الله عنهما، وفيها أنَّ الحمى يكون لضرورة المسلمين وحاجتهم.
مما سبق نرى الإسلام وضع منهجًا في رعاية الحيوان، يبدأ من إيجابه على صاحب الحيوان ومالكه رعايته وإطعامه والإنفاق عليه، ثُمَّ أوصى برعاية الحيوان غير المملوك وغير الواجب نفقته ورفع شعار "فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ"، ثُمَّ جعل سقي الكلب الذي يلهث عملًا جليلًا تُغفر به الذنوب ويُدْخِل الجنة.
بعد أن اكتملت منظومة المنهج بالنسبة إلى الفرد، جعل من صلاحيات الحاكم أن يُنشئ محميَّاتٍ لرعاية الحيوانات التي لا تختصُّ بأحدٍ على وجه التعيين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] أسماء بنت أبي بكر: هي أسماء بنت أبي بكر الصديق، صحابية، كانت تحت الزبير بن العوام، وكان إسلامها قديمًا بمكَّة، ثُمَّ هاجرت إلى المدينة وهي حاملٌ بعبد الله بن الزبير، فوضعته بقباء، وقد تُوفِّيت بمكَّة في جمادى الأولى سنة 73هـ، بعد مقتل ابنها عبد الله بن الزبير بيسير. انظر: ابن الأثير: أسد الغابة 6/12، وابن حجر: الإصابة، الترجمة رقم (10791).
[2] البخاري: كتاب المساقاة، باب فضل سقي الماء (2235)، وابن ماجه (1265)، وأحمد (27008).
[3] خَشاش: بفتح الخاء المعجمة وكسرها وضمها والفتح أشهر، وهي هوام الأرض وحشراتها، وقيل: المراد به نبات الأرض. انظر: النووي: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 14/240.
[4] البخاري: كتاب المساقاة، باب فضل سقي الماء (2236)، ومسلم: كتاب السلام، باب تحريم قتل الهرة (2242).
[5] القاضي عياض: هو أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي (476- 544هـ/ 1083- 1149م)، كان إمام وقته في الحديث وعلومه والنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم، ولي قضاء سبتة، ومولده فيها، ثُمَّ قضاء غرناطة، وتُوفِّي بمراكش. انظر: ابن خلكان: وفيات الأعيان 3/483-485.
[6] النووي: المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجاج 6/207.
[7] السابق 14/240.
[8] ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 6/358.
[9] الشوكاني: نيل الأوطار 7/91.
[10] النووي: المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجاج 14/241.
[11] مسلم: كتاب الإمارة، باب مراعاة مصلحة الدوس في السير والنهي عن التعريس في الطريق (1926) واللفظ له، وأبو داود (2569)، والترمذي (2858)، وأحمد (8423).
[12] العظيم آبادي: عون المعبود 7/170، 171.
[13] النووي: المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجاج 13/69.
[14] رواية للحديث عند مسلم.
[15] المناوي: التيسير بشرح الجامع الصغير 1/205.
[16] أبو داود (2570)، وصححه الألباني في التعليق على سنن أبي داود.
[17] العظيم آبادي: هو أبو الطيب شرف الحق محمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر (تُوفِّي بعد 1310هـ - بعد 1892م): علاَّمة بالحديث، هندي. من تصانيفه: (التعليق المغني على سنن الدارقطني). انظر: الزركلي: الأعلام 6/39.
[18] العظيم آبادي: عون المعبود 7/171.
[19] أبو داود (2548) عن سهل ابن الْحَنْظَلِيَّة، وأحمد (17662)، وصححه الألباني في التعليق على سنن أبي داود، وقال شعيب الأرناءوط في التعليق على مسند أحمد: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح.
[20] المناوي: فيض القدير 1/164.
[21] ابن الهمام الحنفي: شرح فتح القدير 4/427، 428.
[22] السابق 4/428.
[23] الدسوقي: حاشية الدسوقي 2/522.
[24] الخطيب الشربيني: مغني المحتاج 3/463، والإقناع في حلِّ ألفاظ أبي شجاع 2/482، وزكريا الأنصاري: أسنى المطالب في شرح روض الطالب 3/455.
[25] يعبد الرحمن العاصمي: حاشية الروض المربع 7/147، والبهوتي: كشاف القناع 5/494، والرحيباني: مطالب أولي النهى 5/662، وموسى الحجاوي: الإقناع 2/142.
[26] الموسوعة الفقهية الكويتية 5/119، 120.
[27] الدسوقي: حاشية الدسوقي 2/522.
[28] وَضوء: الماء الذي يُتوضوأ به.
[29] رواه أبو داود (75)، والترمذي (92)، والنسائي (68)، وابن ماجه (367)، وأحمد (22633)، وصححه الألباني في التعليق على أصحاب السنن، وصححه شعيب الأرناءوط في التعليق على مسند أحمد.
[30] العظيم آبادي: عون المعبود 1/99.
[31] ابن منظور: لسان العرب، مادة طوف 9/225.
[32] البخاري: كتاب المساقاة، باب شرب الناس وسقي الدواب من الأنهار (2243)، ومسلم: كتاب اللقطة (1722).
[33] انظر: في فقه الأحناف السرخسي: المبسوط 11/19، وما بعدها، والكاساني: بدائع الصنائع 6/200، وما بعدها، وابن الهمام الحنفي: شرح فتح القدير 6/125، وما بعدها.
وفي الفقه المالكي: الاستذكار 7/245، وما بعدها، وابن أبي القاسم: التاج والإكليل 6/78، والذخيرة 9/99، وما بعدها، ومحمد عليش: منح الجليل 8/240، وما بعدها، وابن رشد: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل 15/360، وما بعدها.
وفي الفقه الشافعي: الشافعي: الأم 2/230، 4/65، 66، والماوردي: الحاوي الكبير 8/4، 8/5، والنووي: المجموع شرح المهذب 15/271، وما بعدها.
وفي الفقه الحنبلي: المرداوي: الإنصاف 6/295، وما بعدها، وابن قدامة المقدسي: الشرح الكبير 6/321، وما بعدها، والمغني 6/390، وما بعدها، وابن مفلح: المبدع شرح المقنع 5/203، وما بعدها.
[34] لُطْتُهَا لإبلي: لاط الحوض؛ أي: طيَّنه وصلَّحه، أصله ألصق الطين ونحوه به، ومعناه: قد أصلحت حياضي لشرب إبلي. السيوطي: شرح سنن ابن ماجه ص262.
[35] ابن ماجه (3686)، وأحمد (7075)، وصححه الألباني في التعليق على سنن ابن ماجه، وشعيب الأرناءوط في التعليق على المسند. وكبد حرى: من الحرِّ تأنيث حرَّان، يريد أنها لشدة حرِّها وقد عطشت ويبست من العطش، يعني: في سقي كل ذي كبد حرى أجر. وقيل: أراد به حياة صاحبها؛ لأنه إنما تكون كبده حرَّى إذا كان فيه حياة. السيوطي: شرح سنن ابن ماجه ص262.
[36] يلهث: يرتفع نفسه بين أضلاعه، أو يخرج لسانه من شدة العطش والحر. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة لهث 2/184.
[37] الثرى: التراب الندي، وقيل: أي يعضُّ الأرض. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة ثرا 14/110.
[38] شكر الله له فغفر له: أي تقبَّله الله منه وأثابه عليه بتجاوزه عن ذنوبه، وشُكر الله هو الثواب على الطاعة، ولا يشكر الله سعيًا ولا عملاً إلاَّ أثاب عليه. انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 1/278.
[39] البخاري: كتاب المساقاة، باب فضل سقي الماء (2234)، ومسلم: كتاب السلام، باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها (2244).
[40] ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 5/42.
[41] الحيوان المحترم هو ما لا ضرر فيه، كما سيأتي بيانه في آخر المبحث عند الحديث عن ما يجوز قتله من الحيوان.
[42] النووي: المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجاج 14/241.
[43] الكِوارة: وبيت يُتَّخذ من قُضبانٍ ضيِّقُ الرأْس للنحل تُعَسِّلُ فيه، وهي خلية النحل الأهلية. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة كور 5/154، والمعجم الوسيط، ص804.
[44] الخطيب الشربيني: الإقناع 2/483.
[45] ابن أبي القاسم: التاج والإكليل 6/3، والحطاب الرعيني: مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل 7/604، والنووي: روضة الطالبين 5/292، وابن قدامة المقدسي: المغني 6/185.
[46] النقيع: عين قريبة من المدينة على بعد عشرين فرسخًا منها. ياقوت الحموي: معجم البلدان 5/301.
[47] الشرف: موضع من أعمال المدينة، الربذة: قرية بينها وبين المدينة ثلاث مراحل.
[48] البخاري: كتاب المساقاة، باب لا حمى إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم (2241).
[49] ابن حبان (4683)، والبيهقي (11588)، وصححه شعيب الأرناءوط في التعليق على صحيح ابن حبان.
[50] رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح. انظر: الصنعاني: سبل السلام 3/83.
[51] البخاري: كتاب المساقاة، باب لا حمى إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم (2241)، وأحمد (16472).
[52] الشافعي: الأم 4/47.
[53] الشافعي: الأم 4/50.
[54] ابن قدامة المقدسي: المغني 6/185.
[55] اضمم جناحك عن المسلمين؛ أي: اكفف يدك عن ظلمهم. وفي رواية: اضمم جناحك للناس. وعلى هذا فمعناه استرهم بجناحك، وهو كناية عن الرحمة والشفقة. ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 6/176.
[56] الصُّرَيْمة: تصغير الصِّرْمَةِ: وهي القطيع من الإبل والغنم، قيل: هي من العشرين إلى الثلاثين والأربعين. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة صرم 12/334، ومثلها الْغُنَيْمَة، ومتعلق الإدخال (أي متعلق الفعل أدخل) محذوف والمراد المرعى، انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 6/176.
[57] وإياي: فيه تحذير المتكلم نفسه، والمراد تحذير المخاطب، وكأنه بتحذير نفسه حذَّره بطريق الأولى فيكون أبلغ. ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 6/176.
[58] ابن عوف هو عبد الرحمن، وابن عفان هو عثمان، وخصهما بالذكر على طريق المثال لكثرة نعمهما؛ لأنهما كانا من مياسير الصحابة، ولم يُرِدْ بذلك منعهما البتة، وإنما أراد أنه إذا لم يسع المرعى إلا نعم أحد الفريقين فنعم المقلين أولى، فنهاه عن إيثارهما على غيرهما، أو تقديمهما قبل غيرهما. ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 6/176.
[59] حذف المقول لدلالة السياق عليه، والتقدير: يا أمير المؤمنين، أنا فقير، يا أمير المؤمنين أنا أحق. ونحو ذلك. ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 6/177.
[60] أفتاركهم أنا: استفهام إنكار، ومعناه: لا أتركهم محتاجين. ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 6/177.
[61] لا أبا لك: ظاهره الدعاء عليه، لكنه على مجازه لا على حقيقته. ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 6/177.
[62] الحاصل أنهم لو مُنعوا من الماء والكلأ لهلكت مواشيهم، فاحتاج إلى تعويضهم بصرف الذهب والفضة لهم لسدِّ خلتهم، وربما عارض ذلك الاحتياج إلى النقد في صرفه في مهم آخر. ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 6/177.
[63] البخاري (2894)، ومالك في الموطأ (1822).
التعليقات
إرسال تعليقك