ملخص المقال
الدولة العبيدية في المغرب مقال بقلم د. محمد أمحزون، يبين حقيقة الدولة العبيدية وحقيقية العبيديين، فما هي؟ وما سبب تسمية العبيديين بالفاطميين؟
إن تسمية العبيديين أنفسهم بالفاطميين نسبة إلى فاطمة الزهراء بنت رسول الله r تسميةٌ كاذبةٌ أرادوا بها خداع المسلمين. وجمهورُ العلماء على عدم صحة نسبهم، وأنهم كَذَبة أدعياء لا حظَّ لهم في هذا النسب الشريف[1].
وقد بسطوا نفوذهم على المغرب مستغلين انحلال دولة الأغالبة وضعفَهم وانغماسَهم في الترف، فسدَّدوا لها الضربة القاضية على يد داعيتهم أبي عبد الله الشيعي الداهية المراوغ الماكر صاحب الحيل العجيبة في موقعة الأربذ سنة 296هـ/ 908م. وأعلن أبو عبد الله الشيعي إثر هذا النصر الحاسم على الأغالبة أن الإمام الحقيقي هو عبيد الله المهدي، وأرسل إليه للمجيء من سلمية إلى القيروان. وحين دخل عبيد الله المهدي القيروان وتولى مقاليد الحكم فيها سنة 297هـ/ 909م دشن سياسة "فرِّق تسد" بين القبائل، وكان يحرض بعضها على بعض، ويغري بعضها ببعض لكسر نفوذ القبائل المتمردة أو التي ترفض الانسياق مع تياره[2].
أما سياسته المالية، ومن جاء بعده من الحكام العبيديين، فكانت تقوم على مصادرة الأموال، وأعمال السلب، ونهب المدن لتمكين أنفسهم من إنشاء جيش مرتزَق يشدُّون به حكمهم[3].
وكذلك اتسمت سياستهم المالية بفرض الضرائب الثقيلة على أصحاب الضياع والفلاحين، وهو ما تسبب في إملاق الفلاحين وقلة الزروع ووقوع المجاعات[4].
وعلى صعيد العقيدة والدين، أنزل الإسماعيليون عبيد الله المهدي منزلة الإله، وادَّعوا أنه يعلم الغيب[5]. كما أظهروا بدعًا كثيرة في العبادات والمعاملات والفرائض[6]، ونكَّلوا بالعلماء واضطهدوهم[7].
ولما كانت القيروان قاعدةَ السُّنة المالكية وصخرتَها العتيدة، فقد صرَّح الفقهاء بعداوتهم لهذه الدولة المارقة وأفتوا بِرِدَّتها وكفرها، ونسقوا المواقف بينهم لمواجهتها[8]. ومن وعيهم بالسياسة الشرعية وتبصُّرهم بعواقب الأمور أنهم لم يعلنوا الثورة المسلحة عليها إلا عند ظهور قوَّة لها شوكة، وهي قوة أبي يزيد مخلد بن كيداد اليفرني من الخوارج الصفرية[9].
وكانت هذه الثورة من ناحية تدل على عدم رضا الناس وعلى رأسهم العلماء عن الدولة العبيدية وسخطهم عليها.
ومن ناحية ثانية كانت سببًا رئيسًا في تراجع قوة العبيديين وأفولها في إفريقية والمغربيين الأوسط والأقصى، وتفكيرهم في الانتقال إلى مصر.
وقصارى القول: لم يعرف الناس طوال مقام الدولة العبيدية في بلاد المغرب راحة أو سلامًا أو نظامًا مستقرًّا، وإنما هوت البلاد في غياب الفوضى والاضطرابات والقلاقل حتى أشرقت شمس المرابطين الذين أعادوا المياه إلى مجاريها.
ومع الأسف، فإن المسلمين المعاصرين عبر المناهج الغربية يقرءون تاريخ الدولة العبيدية قراءة غير علمية وغير صحيحة؛ بأنها دولة لها صلة بآل البيت، ودولة تحب العلم وتنشره، ولها مآثر تاريخية، وأن المعز لدين الله الفاطمي بطل من أبطال التاريخ، إلى غير ذلك من الادعاءات التي نشرها الباطنيون الملاحدة المعاصرون أمثال فرهاد دفتري وعارف تامر ومصطفى غالب ومحمود إسماعيل، وكذلك المستشرقون الغربيون؛ لطمس الحقائق وتزوير التاريخ.
ولأجل ذلك فإن إماطة اللثام عن زيغ وضلال العبيديين وجرائمهم، وإلقاء الضوء على سياستهم العامة الجائرة، ثم سياستهم المالية المشينة -كما مر معنا- يُعتبَر ضرورة شرعية وواجبًا تاريخيًّا في ضوء التفسير الواقعي لتاريخنا الإسلامي الذي يحتاج إلى إعادة قراءته من جديد في ضوء المعطيات والحقائق التاريخية التي تحتضنها كتب الحديث والتراجم والسير الإسلامية.
المصدر: مجلة البيان.
[1] الذهبي: سير أعلام النبلاء 15/213، وابن خلكان: وفيات الأعيان 3/117، 118، وابن تيمية: مجموع الفتاوى 28/636.
[3] القاضي النعمان: الهمة في آداب اتباع الأئمة ص85، وعريب: صلة تاريخ الطباري ص52، والخشني: طبقات علماء إفريقيا ص174.
التعليقات
إرسال تعليقك