الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
الحضارات التصادميَّة"! وهي الحضارات التي يغلب على طابعها التصادم مع الآخرين، وهذه في الواقع ينبغي ألَّا يُطلق عليها لفظ "حضارات"، لكنَّنا نطلق هذا اللفظ
"الحضارات التصادميَّة"!
هي الحضارات التي يغلب على طابعها التصادم مع الآخرين، وهذه في الواقع ينبغي ألَّا يُطلق عليها لفظ "حضارات"، لكنَّنا نطلق هذا اللفظ مجازًا ليرسم لنا صورة مجتمع معيَّنٍ له صفات محدَّدة.. وهي يُمكن أن تُصنَّف إلى نوعين كما صنفنا "الحضارات التعارفية"، فهي يُمكن أن تكون متصادمة داخليًّا أو متصادمة خارجيًّا.
أمَّا الحضارات المتصادمة داخليًّا فهي الحضارات التي تشهد صراعًا بين أفراد شعبها أو شعوبها، وهذا أخطر أنواع الصدام؛ حيث تكون الآثار شديدة، والجروح عميقة، وهي ما نعرفه "بالحروب الأهليَّة"، وهذا مثل الذي رأيناه في التاريخ في يثرب بين الأوس والخزرج قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها، وكالذي رأيناه في روما قبل سقوطها، وكالذي رأيناه في واقعنا المعاصر في لبنان أو في رواندا، أو ما نراه الآن في العراق..
وغالبًا ما تكون هذه الشعوب غير مستقرَّة أبدًا؛ ولذلك فهي لا تقوى على الصدام الخارجي، وتغرق في العادة في مشاكلها الداخليَّة..
أمَّا النوع الثاني من الحضارات التصادميَّة فهي الحضارات المتصادمة خارجيًّا، وهذه في الغالب تكون متجانسة داخليًّا، ومستقرَّة إلى حدٍّ كبير، ممَّا يُعطيها الفرصة أن تُفكِّر في العالم الخارجي، ولكنَّه للأسف تفكيرٌ منحرفٌ يقود إلى صدامٍ دائم..
أمَّا لماذا يصطدمون مع الآخرين ولا يبحثون عن المصالح المشتركة فإنَّ هذا يكون مرجعه حالةً من الكِبْرِ والغطرسة الشديدة التي تعمي أبصارهم عن رؤية أيِّ حقوقٍ لبقيَّة البشر.. وهذا الكِبْرُ يأتي نتيجة سببٍ من سببين، أو نتيجة كلا السببين معًا..
أمَّا السبب الأوَّل فهو الإفراط في القوَّة، وذلك كما ذكر الله عز وجل في القرآن، وهو يحكي عن حضارةٍ صداميَّةٍ هي حضارة "عاد"، فيقول: )فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً( [فصلت: 15]، وكما هو واضحٌ في الآية فإنَّ السبب وراء الكِبْر كان شدَّة القوَّة.
وأمَّا السبب الثاني فهو العلوُّ العنصري؛ بمعنى أن يرى قومٌ أنفسهم أعلى عرقيًّا من الآخرين؛ ولذلك فهم يعتقدون أنَّ البحث عن المصالح المشتركة هضمٌ لحقوقهم! حيث إنَّهم أعلى قدرًا، وأعظم قيمة؛ ولذلك يجب على العالم أن يخدمهم ويرعى مصالحهم!
وهذه وإن كانت رؤيةٌ مستهجنةٌ جدًّا وغير منطقيَّة، إلَّا إنَّها موجودة؛ بل إنَّ بعض شعوب العالم تتَّصف بهذا الأمر على مدار مراحل كثيرة من التاريخ.
ولعلَّ من أبرز الأمثلة على الحضارات المتصادمة خارجيًّا ما رأيناه في قصة التتار[1]، حيث تحرَّكت جيوش التتار من شرق آسيا مخترقةً دول العالم، ومحطَّمةً كلَّ شيءٍ في طريقها، ومخرِّبةً لكلِّ البلاد، ولم تَسْعَ إلى أيِّ تعارفٍ أو تواصلٍ قط، إنَّما كان الهدف هو الإحراق والإغراق وإفناء النوع البشري!
إنَّه مثالٌ صارخٌ على الروح التصادميَّة الشريرة التي لا تعرف إلَّا الخراب.
المصدر:
كتاب المشترك الإنساني.. نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، للدكتور راغب السرجاني.
[1] راجع كتاب "قصة التتار من البداية إلى عين جالوت"، راغب السرجاني، مؤسَّسة اقرأ - القاهرة.
التعليقات
إرسال تعليقك