الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
هنتنجتون.. ونظرية صدام الحضارات، هي نظرية من نظريات الفكر التصادمي التي تدعو إلى حتمية الصدام وتقسيم الحضارات والأمم تقسيم عنصري.. في هذا المقال يناقش
هنتنجتون.. ونظرية صدام الحضارات
يقول روبرت جرين: "ظلَّ صانعو السياسات الأميركيَّة تائهين في البحث عن معالم ذلك النظام الجديد من دون العثور على أيَّة مؤشِّرَات ملموسة لها، بل فُوجئوا بلطمة الأحداث في البوسنة والصومال وكشمير وطاجيكستان ومناطق أخرى في العالم، ولم يتمكَّن هؤلاء من وضع استراتيجيَّة يُمكن اتِّباعها عند التعامل مع كلِّ حدثٍ من تلك الأحداث أو جميعها، ولذلك لجئوا إلى التحذير من حقبة حالكة، حقبة تسود فيها الفوضى والاضطرابات، ولقد وجد هؤلاء ضالَّتهم في نظريَّة صمويل هنتنجتون"[1].
***
كان هنتنجتون أبصر بالواقع وأكثر عمليَّة من فوكوياما، وكان أكثر صداميَّة كذلك، بل إنَّه وضع الأساس الفلسفي للصدام، ما جعل عمليَّة الصدام نفسها تكتسب نوعًا من الشرعيَّة.
يرى هنتنجتون في عالم ما بعد الحرب الباردة أنَّ الشعوب تبحث عن هويَّتها وتتعلَّق بها، كذلك رموز الهويَّة؛ مثل: الصليب والهلال وغطاء الرأس؛ إذ إنَّ الهويَّة الثقافيَّة هي الأهم بالنسبَّة إلى معظم الناس؛ ذلك أنَّها تُعَرِّفهم بأنفسهم وبأعدائهم وتُحَدِّد لهم رسالتهم ومعاركهم وأعداءهم في الحياة، وإذًا فعالم ما بعد الحرب الباردة هو عالمٌ منقسمٌ إلى "حضارات"، عامل التقسيم فيه هو "الهويَّة الثقافيَّة". هذه هي خلاصة مدخل الكتاب الذي قَسَّمه إلى خمسة أبواب.
ناقش في الباب الأوَّل ذلك الشيء المستجدَّ، وهو وجود أقطاب وحضارات متعدِّدَة تصنع "ثقافة كونيَّة متعدِّدَة الأقطاب"؛ ففي القديم لم يكن هذا ليحدث لانقطاع الاتصالات بين الحضارات، ومنذ عام 1500م كانت "السياسيَّة الكونيَّة" ذات قطبين (بريطانيا / فرنسا – النمسا / بروسيا – أميركا / الاتحاد السوفيتي).
وهو يقول: إنَّه لا بُدَّ للعالم أن يتشكَّل وَفق العوامل الثقافيَّة والحضاريَّة، فالدول التي تُحاول جمع الاختلافات الثقافيَّة تحت سلطةٍ واحدةٍ تنهار كما في الاتحاد السوفيتي والاتحاد اليوغوسلافي، أو تتعرَّض لتوتُّر شديدٍ ودائمٍ كما في السودان والهند، بينما الدول "التي بينها صلات قربى ثقافيَّة"[2] ناجحة سياسيًّا واقتصاديًّا؛ ولذا فخطُّ الصراع الحضاري العالمي الآن هو الخطُّ الفاصل بين الشعوب الغربيَّة من جهة، وبين الشعوب الإسلاميَّة والأرثوذكسيَّة من جهةٍ أخرى، صحيحٌ أنَّه يُمكن للثقافات والحضارات أن تتطوَّر وتُنتج أنظمة سياسيَّة واقتصاديَّة، لكن تظلُّ الاختلافات بين الحضارات ذات جذورٍ عميقة؛ فالتطوُّر الاقتصادي في آسيا له جذورٌ في الثقافات الآسيويَّة (!)، وفشل الديمقراطيَّة في العالم الإسلامي راجعٌ إلى الثقافة الإسلاميَّة (!!)، وبينما تتقدَّم الشعوب المسيحيَّة الغربيَّة سياسيًّا واقتصاديًّا فإنَّ المسيحية الأرثوذكسيَّة لا يبدو تقدُّمها مؤكدًا (!!)[3].
ويرفض هنتنجتون الوهم القائل بإمكانيَّة الوصول إلى عالمٍ واحدٍ تحكمه ثقافةٌ واحدة، فهو يرفض مقولة فوكوياما عن "نهاية التاريخ" وسيادة الليبراليَّة كأسلوب عالمي في الحكم، كما يُؤَكِّد على فشل نمط التحديث الغربي في جعل المجتمعات غربيَّة.
ويُناقش في الباب الثاني تدهور الغرب وتناقص تأثيره من بعد مرحلة السيطرة الكاملة، التي استمرَّت في القرنين السابقين، بالشواهد التي تُؤَكِّدها الأرقام عن التراجع في النفوذ والأرض والاقتصاد، في مقابل النموِّ المتزايد لدى الحضارات الأخرى بشريًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا وعلميًّا، لا سيَّما الهند والصين، و"الانفجار" السكاني الإسلامي، كل هذا يُضَيِّق الفجوة بين الغرب وغيره.
كذلك نمو الثقافات المحليَّة في مقابل انحسار التأثر بالغرب، واتخاذ الجامعات اللغات المحليَّة في التدريس إذلم تَعُدْ محتاجة إلى ما اضطرَّ إليه الجيل الأوَّل من احتكاكٍ بالغرب ليُنشئوا هذه الجامعات، ثُمَّ إنَّ الجيل الثاني تمرَّد على الجيل الأوَّل المتأثِّر بالغرب، بل حتى الجيل الأوَّل ظهر منهم مَنِ استطاع أن يستوعب الغرب ويتمرَّد عليه ويتبنَّى الهويَّة المحليَّة، والحكومات الموالية للغرب هي دائمًا عرضةٌ للانقلاب عليها، وحين تُطَبَّق الديمقراطيَّة يصل المتمرِّدون على الغرب إلى السلطة.
الحضارات غير الغربيَّة تُؤَكِّد على هويَّتها، لا يُفَكِّر المسلمون في "تحديث الإسلام"، وإنَّما في "أسلمة الحداثة"، كذلك في الكونفوشيوسيَّة، وفي الهند، بل في الاتحاد السوفيتي الذي -بعدما كان معقل الشيوعيَّة- يجتاحه مدٌّ دينيٌّ كبير، هذه الصحوات -بحسب هنتنجتون- هي ردُّ فعلٍ على التغريب، وأطلق عليها مصطلح "ثأر الله".
وباعتباره مخطِّطًا استراتيجيًّا، فهو لم يقف عند حدِّ التحليل، بل حدَّد مناطق الخطر والمشكلة، أو قُلْ: بؤرة الصراع القادمة. وقد انحصر هذا لدى هنتنجتون في الحضارتين الآسيويَّة والإسلاميَّة: أمَّا الآسيويَّة؛ فللنموِّ الاقتصادي الكبير الذي حقَّقُوه دون أن يتغرَّبُوا، بل حقَّقُوه بعد زوال الاستعمار الغربي، ما يجعلهم يُوقنون بعدم الحاجة إلى التغرُّب، وأمَّا الإسلاميَّة؛ فلأنَّ المسلمين -وهم أعداد غفيرة تُمَثِّل خمس العالم- تجتاحهم صحوة إسلاميَّة كبرى، حتى لقد أصبح فشل الليبراليَّة ظاهرةً متكرِّرةً في المجتمعات الإسلاميَّة. والمؤشِّر الأظهر على ثورة قادمة هو تلك الزيادة الرهيبة في أعداد المسلمين لا سيَّما الشباب، ودائمًا ما ارتبطت الثورات بزيادة طبقة الشباب في المجتمع.
وفي الجزء الثالث يُريد -لا أقول يُناقش ولا يستعرض، بل يُريد ويعتصر الْمَشَاهد عصرًا ويمتصُّ الأدلة امتصاصًا لتُؤَيِّد رؤيته- للغرب أن يصنع النظام العالمي الجديد بالاستناد إلى اشتراكه في "علاقات قربى ثقافيَّة" (انظر الاعتصار) ويجتمع حول دولة المركز القائدة في حضارته (أميركا)؛ وذلك ضروريٌّ للغرب؛ إذ إنَّ الصراعات لن تنتهي، فلا المسلمون والهندوس يستطيعون الاتفاق على بناء مسجدٍ أو معبد، ولا الفلسطينيُّون والصهاينة يُمكنهم أن يتوصَّلوا إلى حلولٍ مرضية للطرفين، كذلك في كوسوفا وألبانيا، ذلك أنَّ الصراعات المرتبطة بالهويَّة لا تقبل الحلول الوسط، إمَّا نعم وإمَّا لا، لا يمكن لفرنسا أن تسمح بارتداء المسلمات الزيِّ الإسلامي في المدرسة، كما لن تقبل المسلمة أن تلبس ثوبين أحدهما للمدرسة والآخر لفترة الصيف.
ثُمَّ -يُضيف هنتنجتون- إنَّ الكره شيءٌ إنساني، لا بُدَّ من وجود كرهٍ، وإذًا فلا بُدَّ من وجود الآخر، لا بُدَّ لتعريف النفس من وجود أعداء، وإذا اختفى عدوٌّ فلا بُدَّ من صناعة عدوٍّ آخر، وهذا يتمُّ في عالم اليوم بناءً على الصيغة الحضاريَّة؛ لأنَّه حتى القرب المكاني مع الاختلاف الثقافي لا يُنتج تعاونًا متينًا معتمدًا على الثقة.
وفي الجزء الرابع يَنْهَى الغرب عن محاولاته صُنع حضارة عالميَّة؛ لأنَّ هذا يضعه في توتُّرٍ مستمرٍّ مع الحضارات الأخرى، "وأخطرها الإسلام والصين"، كما أنَّ هذه المحاولات ستُؤَدِّي إلى "تجمُّع الدول المتقاربة" أمام التهديد الحضاري الغربي، بما سيُؤَدِّي إلى تصعيدٍ أوسع وحروبٍ وجهودٍ أكبر[4].
وفي الجزء الخامس يرسم خريطة طريقٍ لتكتُّل الغرب الحضاري، فعلى الأميركيِّين أن يُؤَكِّدوا على هويَّتهم الغربيَّة، وعلى الغربيِّين أن يُؤمنوا بأنَّ حضارتهم حضارةً فريدةً وليست عامَّة (لا يُمكن تعميمها).
مصلحة ذاتية لا رؤية فلسفية
لكي يصنع هنتنجتون نظريَّته، ويُدلِّل عليها استخلص بعض الصفات "المميِّزة" للغرب، ولم يُمانع في أن كلَّ صفةٍ من هذه الصفات إنَّما يشترك فيها الغرب مع حضارةٍ أخرى، غير أنَّ اجتماعها معًا في توليفةٍ واحدةٍ هو ما "يُميِّز" الغرب، الثغرة الكبرى أنَّ هذه السمات المميِّزة إنَّما ترجع لعصر النهضة الغربيَّة الذي بدأ في إيطاليا، فهو -إذًا- غير مترسِّخٍ ولا متجذِّرٍ في تاريخ الإنسان الأوربي.
إنَّ هنتنجتون لم يكن فيلسوفًا أو باحثًا نزيهًا حين كان يتحدَّث عن صراع الحضارات، بل هو "مخطِّط استراتيجي"؛ أي: إنَّه لم يبحث عن "الحقيقة" أو عن "هدف إنساني"؛ بل انصبَّ تركيزه على البحث عن نظريَّة تستفيد منها الولايات المتحدة الأميركيَّة في تحقيق مصالحها الذاتيَّة الآنيَّة الأنانيَّة بغضِّ النظر عن أيِّ اعتبارٍ آخر. وأوضح دليل على هذا ما كتبه هنتنجتون في مقاله بعدد أكتوبر 1997م من مجلة "الشئون الخارجيَّة"، الذي عَبَّر فيه عن قلقه الكبير من أنّ المجتمع الأميركي متعدِّد ثقافيًّا، بما يُشير إلى أنَّ التناقضات الثقافيَّة ستُؤَدِّي إلى السقوط؛ لذا فلا بُدَّ من البحث عن شيءٍ يُوَحِّد الشعب الأميركي ويشغله عن تناقضاته الداخليَّة؛ ولذا فهو يأسف أنَّه لا يُوجد عدوٌّ خارجيٌّ لأميركا في هذه اللحظة؛ فالعالم الإسلامي ضعيفٌ ومشتَّت، والصين لا تبلغ أن تكون عدوًّا في هذه اللحظة. وإذًا فما العمل؟
هنا يجيب هنتنجتون هذه الإجابة المتوحشة المعبِّرَة عن مستعمرٍ انتهازيٍّ لا يهمُّه إلَّا مصلحته الشخصيَّة الأنانيَّة الآنيَّة العاجلة فيقول: "نحن بالأحرى في حاجةٍ للبحث عن أهداف لاستخدام القوَّة الأميركيَّة للقيام بدورها في العالم، والخطر هو فَقْدُ الهيمنة الفعليَّة، والمصلحةُ القوميَّةُ هي القمع القومي (!!)، وهذه فيما يبدو هي المصلحة القوميَّة الوحيدة التي يرغب الشعب الأميركي في دعمها في هذا الوقت من تاريخهم"[5].
خطورة النظرية
خطورة هذه النظريَّة في أنَّها نابعةٌ من رجلٍ كان يُؤَثِّر في السياسة الخارجيَّة الأميركيَّة، فتحوَّلت النظريَّة بنفسها إلى أفعال، أو حتى إلى مبرِّر لهذه الأفعال وغطاء لها، ومن الخطورة -أيضًا- أنَّها جاءت في اللحظة المتفائلة التي انهار فيها المعسكر الشيوعي فَكَثُر فيها الحديث عن "السلام الدولي"، وعن "النظام الدولي الجديد"، وعن "الشرعيَّة الدوليَّة"... وما إلى ذلك من مصطلحات تحمل ثقافة التعايش، جاءت لتُهَيِّئَ العالم الغربي إلى عداءٍ حتميٍّ مستقبليٍّ مع أعداء جدد، فترشّح الإسلام والصين.
فالمشكلة في نظريَّة هنتنجتون ليست في توقُّع الصدام بين الحضارات بقدر ما هي في تهيئة النفس لقبول الصراع، بل الدعوة إلى الصراع، وليس هذا فحسب، بل إنَّها تستنتج عبر مغالطات كثيرة أنَّ الإسلام صدامي بطبيعته، وأنَّ على الغرب أن يتوقَّع منه الصدام.
وهو يُدَلِّل على صداميَّة الإسلام بأنَّ حدود العالم الإسلامي حدود دمويَّة[6]، ولو أنَّه توقَّف وسأل مَن المعتدِي ومَن المعتدَى عليه عند هذه الحدود؟ ومَنِ الذي جعلها دمويَّة؟ فلربَّما كان له رأيٌ آخر إن كان حقًّا نزيهًا متجرِّدًا للمعرفة.
***
ومن ثغرات النظريَّة -أيضًا- تبسيط موضوع الصراع وجعله "ثقافيًّا" فقط، مهملًا عوامل أخرى تُنتج صراعات، وخاصَّةً مع طغيان المادة وبالتالي النظر إلى العوامل الاقتصاديَّة، ولا شكَّ أنَّ العوامل الثقافيَّة مهمَّة في موضوع الصدام بين الشعوب، لكنَّها ليست العامل الوحيد؛ فمن ضمن ما وقع فيه من تناقضات ما رآه من "تحالف إسلامي كونفوشيوسي" في مواجهة الغرب في مجال التسليح وحقوق الإنسان[7]، فالناظر إلى الثقافة فقط سيرى تباعد ما بين هاتين الثقافتين، ولكن الأَوْلى أن يُفَسِّر هذا في إطار "المصلحة المشتركة"، ولو أنَّنا أحصينا المرَّات التي تمَّ فيها استيراد السلاح فسنجد أنَّ العالم الإسلامي يستورد الكميَّة الأكبر من مخزونه التسلُّحي من العالم الغربي، فأين نذهب بالعامل الثقافي في كلِّ هذا؟
حتى تقسيمه للحضارة على اعتبار العامل الثقافي أمرٌ لا يرتفع عن الشكِّ، كما أنَّه ليس أمرًا مطردًا ولا مستويًا في تقسيمه هذا، فهو يُقَسِّم على أُسس متبانية، فتارةً يستخدم الدين (الحضارة الإسلاميَّة)، وتارةً يستخدم العرق (الحضارة الصينيَّة)، وتارةً يستخدم الجغرافيا (الحضارة الهنديَّة)!!
لكن حقيقة التقسيم أنَّه نظر إلى القوى الحاليَّة، واعتبر كلَّ قوَّةٍ حضارةً منفصلة، ولا نتوقَّع أن لو كانت اليابان ضعيفة أن يُفردها كحضارةٍ من بين تقسيمته للحضارات.
كذلك بدا هنتنجتون غافلًا تمامًا في تقسيمته للحضارات عن دور الدولة، والواقع أنَّ الدول والكيانات السياسيَّة تبحث عن مصالحها الذاتيَّة والعاجلة بأكثر من بحثها عن المصلحة الحضاريَّة، والحقُّ أنَّ أيَّ تحليلٍ يُهمل عامل "المصلحة المشتركة" في تتبُّعه لسياسات الدولة إنَّما هو تحليلٌ ناقص.
ومع ذلك فنحن نقول: إنَّ المصلحة الحضاريَّة كثيرًا ما تكون فاعلةً في تفسير بعض التوجُّهَات للدول والكيانات السياسيَّة، لا سيَّما لدى المتديِّنين والمتمسِّكين بالهويَّة والخصوصيَّات الثقافيَّة؛ ذلك أنَّ هؤلاء قد يتصارعون من أجل المصلحة الحضاريَّة، حتى لو تعارض مع مصالحهم الذاتيَّة والعاجلة، يستوي في هذا المتديِّنون في كلِّ دين: المسلمون، اليمين المسيحي، اليهود الأرثوذكس، وكذلك أصحاب الديانات الوثنيَّة، ولعلَّنا نرى ذلك في وقوف اليمين الأميركي البروتستانتي بكلِّ قوَّةٍ خلف اليهود منذ إقامة وطنٍ قوميٍّ لهم في فلسطين حتى هذه اللحظة، خاصَّة وأنَّ هذا الوقوف قد يتعارض في كثيرٍ من اللحظات مع المصلحة الأميركيَّة، إلاَّ أنَّ المنطلق العقدي المؤمن بعودة المسيح مرَّةً أخرى بشروطٍ يُحَقِّقُهَا وجود الكيان الصهيوني يعلو فوق أيِّ منطلقٍ آخر.
***
من المؤسف أنَّ هنتنجتون ينظر إلى التاريخ البشري من باب الصراع والصدام؛ فهو لا يرى التفاعلات الحضاريَّة الأخرى: العلميَّة والثقافيَّة والاقتصاديَّة؛ بل يرى الصراع فقط، ثُمَّ إنَّه يُعَمِّقه ويُرَسِّخه ويجعله من "ضرورات الحياة" ومن "قوانين الطبيعة"[8]؛ ومن ثَمَّ فإنَّ الضرورة المترتبة على هذا هو أن "تأكل قبل أن تُؤكل".
وهذه النظرة السوداء للإنسان لا بُدَّ أن تُنتج الكوارث، وكان الأَوْلى به أن يقول: إنَّ الحبَّ مشتركٌ إنسانيٌّ عام، وأنَّ الإنسان لكي يجد نفسه ويسعد حياته لا بُدَّ له من أصدقاء، وليس أعداء.
هذه المقولة نشرها الإعلام الغربي بكثافة، ومن المعروف أنَّ القارئ الغربي ذو ثقافةٍ محدودة، فإذا قامت مثل هذه النظريَّة بشحن هذا القارئ ضدَّ الحضارات الأخرى وتحفيزه للصدام، فإنَّ ذلك واقعٌ لا محالة، المثير في الأمر أنَّ هنتنجتون حشد نظريَّته بأدلَّةٍ مغلوطةٍ تُرَكِّز على نقاط التصادم، مهملًا عن عمدٍ نقاط التعايش.
النظرية وإثارة الفزع (صناعة العدو):
ومن الواضح في النظريَّة اعتمادها على التضخيم والتهويل لإثارة الفزع، ومن ثَمَّ يكون هناك مبرِّرٌ للصدام المروِّع، وهذه -في الحقيقة- رؤية يُفَضِّلها الكثير من السياسيِّين في الدول العسكريَّة، كما كان في الاتحاد السوفيتي والعراق وكوريا الشماليَّة.
لقد قدَّم هنتنجتون صورةً مروِّعة للعالم في 2010م توقَّع فيها الآتي: "تتعاظم ثقة الصين بنفسها فتعلن أنَّها سوف تفرض سيطرتها على البحر بكامله، وعلى كلِّ ما كانت تُطالب بالسيادة عليه، الفيتناميُّون يُقاومون، وينشب القتال بين السفن الحربيَّة الصينيَّة والفيتناميَّة، الصينيُّون المتلهِّفون للانتقام بسبب الإذلال الذي لحق بهم في سنة 1979م يقومون باحتلال فيتنام، الفيتناميُّون يطلبون المساعدة من أميركا. الصينيُّون يُحَذِّرون الولايات المتحدة لكي تظلَّ بعيدة. اليابان ودول آسيا الأخرى يرتعدون خوفًا. الولايات المتحدة تُعلن أنَّها لن تقبل أن تقهر الصينُ فيتنامَ، وتُطالب بفرض عقوبات اقتصاديَّة على الصين، وتدفع بقوَّاتها المحمولة الباقية إلى بحر الصين الشمالي. الصينيُّون يستنكرون ذلك، ويعتبرونه انتهاكًا لمياههم الإقليميَّة ويُوَجِّهون ضربات جويَّة للقوَّة الأميركيَّة. جهود السكرتير العام للأمم المتحدة ورئيس وزراء اليابان لوقف إطلاق النار تفشل، وينتشر القتال ليعمَّ مناطق أخرى في آسيا، اليابان تحظر استخدام القواعد الأميركيَّة الموجودة على أراضيها في العمل ضدَّ الصين، ولكن الولايات المتحدة تتجاهل هذا الحظر. اليابان تُعلن حيادها وتقوم بعزل القواعد. الغوَّاصات والطائرات التي تعمل من قواعد في تايوان والبرِّ الرئيس تُنزل خسائر فادحة بالسفن الأميركيَّة وتسهيلاتها في شرق آسيا. في الوقت نفسه تدخل القوَّات البريَّة الصينيَّة هانوي وتحتلُّ أجزاء كبيرة من فيتنام. وحيث إنَّ كلًّا من الصين وفيتنام لديه صورايخ قادرة على توجيه الأسلحة النوويَّة إلى أراضي الآخر يحدث تحفُّظ ضمني، ولا تُستخدم هذه الأسلحة في المراحل الأولى من الحرب، إلَّا إنَّ الخوف من مثل هذه الهجمات موجود في كلا المجتمعين، وهو أقوى في الولايات المتحدة؛ لذا يبدأ الكثير من الأميركيِّين في التساؤل: لماذا يتعرَّضُون لهذا الخطر؟ وما الفرق إذا سيطرت الصين على بحر الصين الجنوبي وفيتنام، أو حتى على جنوب شرق آسيا بالكامل؟
معارضة الحرب قويَّة وبخاصَّة في الولايات المتحدة... وبعد أن يُعَزِّز الصينيُّون انتصاراتهم الأوليَّة في شرق آسيا يبدأ الرأي العام الأميركي في الضغط باتجاه انتهاء الحرب.. إلَّا إنَّ هذه الحرب لها تأثيرٌ في الوقت نفسه على الدول الرئيسة في حضارات أخرى؛ فالهند تنتهز الفرصة التي تُتيحها لها الصين بتقيُّدها بشرق آسيا؛ لكي تشنَّ هجومًا ساحقًا على باكستان، وفي ذهنها تجريد تلك الدولة من قدراتها العسكريَّة النوويَّة والتقليديَّة, الهند تنجح في البداية، ولكن التحالف العسكري بين باكستان وإيران والصين ينشط، وتهرع إيران لمساعدة باكستان بقوَّات عسكريَّة حديثة ومتقدِّمَة. الهند تغوص في مستنقع الحرب مع قوَّات إيرانيَّة وعصابات باكستانيَّة من جماعات إثنيَّة كثيرة مختلفة، كلٌّ من الهند وباكستان يلجأ إلى الدول الإسلاميَّة طلبًا للمساعدة..."[9].
ويستمرُّ هنتنجتون متوقِّعًا أنَّ الانتصارات الصينيَّة تُثير تحرُّكَات معادية للغرب في العالم الإسلامي فتسقط الحكومات الموالية للغرب في العالم العربي وتركيا تباعًا، ثُمَّ تُؤَدِّي مجموعة هذه التفاعلات إلى هجومٍ عربيٍّ شامل على الكيان الصهيوني الذي يُعتبر الصورة المصغَّرة للولايات المتحدة، ثُمَّ ومع استمرار الانتصارات الصينيَّة سيتحوَّل موقف اليابان من الحياد إلى الانحياز إلى الصين، فتُهاجم القواعد الأميركيَّة التي على أرضها، فما تلبث أن تسحبها أميركا على عجل، ثُمَّ تشتبك السفن الأميركيَّة واليابانيَّة، ولكن روسيا التي يُخيفها التوسُّع الصيني تبدأ في التحرُّك باتجاهٍ معادٍ ضدَّ الصين، فتبدأ اشتباكات روسيَّة صينيَّة... وهكذا استمرَّ هنتنجتون في التوقُّع حتى أدخل العالم كلَّه في الحرب.
هذا الترويع والتفزيع والتنبُّؤ بالصدام الكارثي الكبير مدخل ممتاز لتغطية وتسهيل الزيادة في التسلُّح، وإقناع الشعوب بالحاجة الضروريَّة إليه، وهذا يُؤَدِّي إلى معاناة الشعب وتأثُّر الاقتصاد؛ ولذلك فلا بُدَّ من ممارسة قدرٍ كبيرٍ من التخويف من المستقبل الرهيب.
كما أنَّ التهويل في حجم الأعداء يصنع إنجازًا كبيرًا في لحظة النصر، كما يصنع بطولة للزعماء، ولقد أصبح هذا متجذِّرًا في الثقافة الأميركيَّة؛ فالإعلام والأفلام والروايات والقصص وألعاب الكمبيوتر دائمًا ما تبحث عن عدوٍّ: السوفيت، الصينيِّين، المافيا، العرب. ثُمَّ تخرج من عالم البشر إلى الأعداء في عالم الطيور والحيوانات والحشرات والجراثيم، ثُمَّ تخرج من عالم الأرض إلى عالم الفضاء فتخلق الأعداء القادمين من كواكب أخرى.
ولهذا كان انتفاء العدوِّ شيئًا خطرًا، حتى إنَّ جون كريستوف روفان يقول بعد انهيار الاتحاد السوفيتي: "لقد أُصِبْنَا بخوفٍ شديد، انهيار العدوِّ السوفيتي -الذي كنَّا نعتمد عليه كثيرًا منذ خمسة وأربعين عامًا- أدخل الديمقراطيَّات في كآبةٍ كبيرة"[10].
ويبدو أنَّ جيورجي أرباتوف (Georgiy Arbatov) وهو مستشار الرئيس السوفيتي جورباتشوف فَهِم هذا حين قال: "نحن نقوم بأمرٍ مروِّع لكم، فنحن نحرمكم من عدوٍّ"[11].
البحث عن عدو:
وإذًا، فلا بُدَّ من البحث عن عدوٍّ، ولقد خلا العالم في هذه اللحظة من عدوٍّ قوي، فليكن ثمَّة عدوٍّ آخر محتمل، ولقد اتَّفق الجميع على أنَّه "الإسلام".
وصورة الإسلام لدى هنتنجتون يُغَذِّيها -فيما نرى- رافدان؛ الأوَّل: هو التراث الاستشراقي الغربي، والثاني: عقليَّة هتنجتون نفسه المهتمَّة بالبحث عن الصدام؛ إذ إنه حتى التراث الاستشراقي الغربي حفل بالكثير من الكتابات والدراسات المنصفة والقيِّمة عن الإسلام وتاريخه وحضارته، لكن هذا النوع لم يكن بالذي يُناسب هنتنجتون وهو يكتب عن الصدام، فمارس انتقائيَّته التاريخيَّة ليخرج بالصورة النمطيَّة الدمويَّة المتوحِّشَة عن الإسلام؛ إذ إنَّها الصورة المثلى لكي تُوضع في نظريَّة تتوقَّع الصدام وتتنبَّأ به.
ولذا فكثيرًا ما يستشهد هنتنجتون بأقوال برنارد لويس، المستشرق المعروف بتعصُّبِه وميوله الصهيونيَّة، وربَّما كان لويس هو الذي أوحى إلى هنتنجتون بمصطلح صدام الحضارات؛ إذ يقول: "يجب أن يكون واضحًا الآن أنَّنا نُواجه حالة وحركة تتخطَّى بكثير مستوى القضايا والسياسات والحكومات التي تُتابعها، وهذا ليس أقلَّ من صدام حضارات، الذي ربَّما كان غير منطقي، ولكنَّه بالتأكيد ردُّ فعلٍ تاريخيٍّ لتنافسٍ قديمٍ ضدَّ تراثنا اليهودي والمسيحي وحاضرنا العلماني وانتشار كلٍّ منهما على مستوى العالم"[12].
يُصَرِّح هنتنجتون بأنَّ مشكلة الغرب ليست مع الإرهاب الإسلامي؛ بل مع "الإسلام: فهو حضارةٌ مختلفة، شعبها مقتنعٌ بتفوُّق ثقافته وهاجسه ضآلة قوَّته". كما أنَّ مشكلة الإسلام ليست مع المخابرات الأميركيَّة أو الأنظمة الغربيَّة بل مع "الغرب: حضارة مختلفة شعبها مقتنعٌ بعالميَّة ثقافته، ويعتقد أنَّ قوَّته المتفوِّقة -إذا كانت ثقافته متدهورة[13]- تفرض عليه التزامًا بنشر هذه الثقافة في العالم"[14].
وعند هنتنجتون فإنَّ الصدام والعنف موجودان في طبيعة الإسلام نفسه؛ لأنَّ الإسلام نشأ في قبائل بدويَّة متناحرة، ولأنَّ محمدًا كان قائدًا عسكريًّا ماهرًا، ولأنَّ القرآن لا يحتوي على نهيٍ عن العنف، بل إنَّ تعاليم الإسلام تُنادي بقتل غير المؤمنين به، كما أنَّ الإسلام عقيدةٌ استبداديَّةٌ ترفض الفصل بين الدين والدنيا، وتضع حدًّا بين "دار الإسلام" و"دار الحرب"، ولهذا يُمكن للمسيحيِّين والبوذيِّين والكونفوشيوسيِّين والهندوس أن يتعايشوا معًا بسهولةٍ أكبر من تلك التي يتعايش بها المسلمون مع غيرهم. فهذه الأسباب -وهي من طبيعة الإسلام- تُفَسِّر ميل الإسلام للصدام كما يقول هنتنجتون.
وعلى الرغم من أنَّه لا ينسى أن يَذْكُر أنَّ من بين الأسباب: الاستعمار الغربي، والضعف الإسلامي الذي استغلَّته جماعات غير إسلاميَّة فقامت تجاه المسلمين بمذابح واسعة، وعدم وجود دولة مركزيَّة إسلاميَّة تقوم مقام القائد الذي يتوسَّط في النزاعات.. فإنَّه يعتبر هذه الأسباب ثانويَّة وجانبيَّة.
من المؤسف حقًّا أن تكون هذه هي قناعات المفكِّرين الذين يُؤَثِّرون في مجرى السياسة العالميَّة، وأن يكون هذا هو مستواهم في البحث عن الحقيقة وتحرِّيها من مصادرها، أو حتى من المصادر الأخرى. ولعلَّنا ننصح مثل هؤلاء الذين يعتقدون بالطبيعة الدمويَّة للإسلام بأن يقرءوا كتابًا مثل "الدعوة إلى الإسلام، بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلاميَّة"، الذي ألفه المستشرق الإنجليزي المعروف توماس أرنولد.
لقد بذل توماس أرنولد جهدًا عظيمًا في تتبُّع كيفيَّة دخول الإسلام إلى كلِّ بلدٍ دخل إليها، فلم يجد حادثةً واحدةً تقول بالإكراه على الدخول في الإسلام، أو بمحاولة تصفية وإبادة الأقليَّات غير الإسلاميَّة، أو حتى إنهاء الديانات الأخرى في الأرض الإسلاميَّة؛ يقول: "إنَّ الفكرةَ التي شاعت بأنَّ السيف كان العامل في تحويل الناس إلى الإسلام بعيدةٌ عن التصديق... إنَّ نظريَّة العقيدة الإسلاميَّة تلتزم التسامح وحريَّة الحياة الدينيَّة لجميع أتباع الديانات الأخرى"[15].
ويقول: "لم نسمع عن أيَّة محاولةٍ مُدَبَّرةٍ لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن أيِّ اضطهادٍ مُنظَّمٍ قُصِد منه استئصالُ الدين المسيحي، ولو اختار الخلفاء تنفيذ إحدى الخُطَّتَيْنِ لاكتسحوا المسيحيَّة بتلك السهولة التي أقصى بها (فرديناند وإيزابيلا) دين الإسلام من إسبانيا، أو التي جعل بها (لويس الرابع عشر) المذهب البروتستانتي مذهبًا يُعاقَبُ عليه مُتَّبِعوه في فرنسا، أو بتلك السهولة التي ظلَّ بها اليهود مُبْعَدين عن إنجلترا مدَّة خمسين وثلاثمائة سنة، وكانت الكنائس الشرقيَّة في آسيا قد انعزلت انعزالًا تامًّا عن سائر العالم المسيحي، الذي لم يُوجد في جميع أنحائه أحدٌ يقف في جانبهم باعتبارهم طوائف خارجة عن الدين؛ ولهذا فإنَّ مجرَّد بقاء هذه الكنائس حتى الآن ليحمل في طَيَّاته الدليل القوي على ما أَقْدَمَتْ عليه سياسة الحكومات الإسلاميَّة بوجهٍ عامٍّ من تسامحٍ نحوهم"[16].
ولعلَّه كان يردُّ على كلِّ مَنْ يعتبر أنَّ الدمويَّة من طبيعة الإسلام نفسه حين قال: "التسامح إلى أقصى حَدٍّ هو القاعدة المستمدَّة من الأصول الإسلاميَّة"[17].
فوكوياما وهنتنجتون
نظريَّتا فوكوياما وهنتنجتون، قد تبدوان متعارضتين للوهلة الأولى، إلَّا إنَّهما في الجذور وفي الثمار واحد؛ فجذورهما غربيَّة متكبِّرة، ترى في نفسها المركزيَّة العالمية، والقطب المتفوِّق الذي يُمَثِّل أفضل ما أبدع الإنسان في كلِّ تاريخه وفي كلِّ مساحة الأرض شرقًا وغربًا، وبأنَّ كلَّ الحضارات الأخرى لا تبلغ أن تصل إلى القمَّة التي وصلت إليها الحضارة الغربيَّة، وبأنَّ كلَّ الأفكار المؤثِّرة في تاريخ البشريَّة والصالحة للحياة إنَّما نشأت في العالم الغربي.
ثُمَّ يتفقان في الثمار، أو في النتائج، فكلا النظريَّتين يتوصَّل في نهاية الأمر إلى أنَّ ثمَّة "نحن" و"الآخرين الأعداء"، وأنَّه لا بُدَّ من امتلاك القوَّة الكافية والتدخُّل في شئون هؤلاء الآخرين؛ لمنع وصول أحدٍ منهم إلى أن يُهَدِّد مصالحنا، دون أن يتوقَّف أمام هذه الكلمة الفضفاضة المطاطة "مصالح"، ودون أن يُناقش ما إذا كانت هذه المصالح عادلة أم ظالمة؟ مُضِرَّة بشئون الآخرين أم لا؟ هل يُمكن أن تتمَّ بالاتفاق والتعاون وتحقيق المصالح المشتركة للأطراف المعنيَّة، أم لا بُدَّ أن تُؤخذ بأقلِّ التكاليف أو بالقوَّة والقهر؟
فمثلما قال فوكوياما من قبل: "سيظلُّ استخدام القوَّة هو الحكم النهائي في العلاقات"[18]. يقول هنتنجتون بأنَّه لا بُدَّ من "كبح القوَّة العسكريَّة التقليديَّة وغير التقليديَّة للدول الإسلاميَّة والصينيَّة"[19].
المصدر:
كتاب المشترك الإنساني.. نظرية جديدة للتقارب بين الشعوب، للدكتور راغب السرجاني.
[1] روبرت جرين: أزمة الحضارات في القرن العشرين، ترجمة: عمر ديوب، مجلة المجتمع. نقلًا عن: محمد سعدي: مستقبل العلاقات الدولية، ص88.
[2] إنَّ تلاعبه بالألفاظ مثير للدهشة، فهو يُريد أن يقول: إنَّ شعب السودان أو الهند في توترٍ شديدٍ ودائم؛ لأنَّه غير متجانس ثقافيًّا. ويُريد في الوقت نفسه أن يَدَّعِيَ أنَّ الغرب متجانسٌ ثقافيًّا، بينما الفروق الواضحة والاختلافات الواسعة في الغرب كاللغة والحروب والتيارات الفلسفية تمنعه من أن يَدَّعِيَ هذا، فهو يتلاعب باللفظ ليقول: إنَّها "صلات قربى ثقافية". ثُمَّ يستند إلى هذا في دعوته للتكتل الغربي الحضاري.
[3] هذا نوعٌ معقَّدٌ من الاعتساف والخطأ معًا، ودليلٌ على جهل الرجل بالثقافات أوَّلًا.
[4] وبعد وصوله إلى هذه النتيجة لا يُفَكِّر في دعوة الغرب لاحترام خصوصيَّات الآخر، والكف عن تهديداته الحضاريَّة، بل هو يقف على هذه النتيجة ليدعو إلى التكتُّل الغربي الحضاري؛ ليكون أقوى وأقدر في جولة الصراع القادمة.
[5] صمويل هنتنجتون: صدام الحضارات، ص26، 27 (مقدمة صلاح قنصوه).
[6] المرجع السابق، ص416 وما بعدها.
[7] صمويل هنتنجتون: صدام الحضارات، ص302 وما بعدها.
[8] يستشهد هنتنجتون بفقرة من رواية ديبون "البحيرة الميِّتة" تقول: "لا يُمكن أن يكون هناك أصدقاء حقيقيُّون دون أعداء حقيقيِّين، إن لم نكره ما ليس نحن، فلن يُمكننا أن نحبَّ ما هو نحن، تلك هي الحقائق القديمة التي نُعيد اكتشافها بألمٍ بعد قرنٍ أو أكثر من النفاق العاطفي، والذين يُنكرونها إنما يُنكرون أسرتهم وتراثهم الثقافي وحق الميلاد، إنَّهم يُنكرون ذواتهم نفسها، ولن يُعفى عنهم ببساطة". صمويل هنتنجتون: صدام الحضارات، ص36، 37.
[9] هنتنجتون: صدام الحضارات، ص506 وما بعدها.
[10] محمد سعدي: مستقبل العلاقات الدولية، ص190.
[11] هنتنجتون: صدام الحضارات، ص27، (مقدمة صلاح قنصوه)، ومحمد سعدي: مستقبل العلاقات الدولية، ص191.
[12] هنتنجتون: صدام الحضارات، ص344، وهو ينقل عن كتاب برنارد لويس "جذور الغضب الإسلامي".
[13] كان النص المترجم هكذا: "ويعتقد أنَّ قوَّته المتفوقة إذا كانت متدهورة فإنها تفرض عليه..". وتمَّ تصحيح الألفاظ كما في المتن بعد الرجوع إلى النصِّ الإنجليزي.
[14] هنتنجتون: صدام الحضارات، ص352.
[15] توماس أرنولد: الدعوة إلى الإسلام، ص88.
[16] توماس أرنولد: الدعوة إلى الإسلام، ص98، 99.
[17] توماس أرنولد: الدعوة إلى الإسلام، هامش ص462.
[18] فوكوياما: نهاية التاريخ ص244.
[19] هنتنجتون: صدام الحضارات ص504.
التعليقات
إرسال تعليقك