التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
تعتبر قنطرة قرطبة من المعالم المهمة، وقد شهد لها الإدريسي بأنها: «القنطرة التي عَلَتِ القناطرَ فَخْرًا في بنائها وإتقانها.
مدينة قرطبة من المدن الأندلسية العريقة، تقع على نهر الوادي الكبير، في الجزء الجنوبي من إسبانيا، وقد أسسها القرطاجيون فيما يُعتقد، وخضعت لحكم الرومان والقوط الغربيين، ثم فتحها القائد الإسلامي الشهير طارق بن زياد سنة 93هـ= 711م، وكان هذا في عهد الدولة الأموية في أثناء خلافة الوليد بن عبد الملك.
ارتفعت قيمة قرطبة بشكل كبير منذ عام 138هـ في عهد عبد الرحمن الداخل، وبلغت أوج مجدها في عهد عبد الرحمن الناصر (300-350هـ) وابنه الحكم (350 – 366هـ) أطلق عليها الأوربيون: «جوهرة العالم»، حيث أنها تميَّزت في كل ألوان الحضارة: الثقافة، والفنون، والمعمار، والعلوم.
ومن أشهر المعالم التي تميزت بها مدينة قرطبة ذلك المعلم الفريد وهو قنطرة قرطبة، وقد أُسِّست هذه القنطرة في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز[1][2] الذي كان من أعظم الزهاد، وأخباره في ذلك مشهورة، ومع ذلك أسَّس في زمانه هذه القنطرة الفريدة، دلالة على إدراك لمفهوم عمارة الأرض، وتحقيق مصالح الناس.
القنطرة:
تعتبر القنطرة من المعالم المهمَّة في مدينة قرطبة، وقد شهد لها الإدريسي[3] بأنها: «القنطرة التي عَلَتِ القناطرَ فَخْرًا في بنائها وإتقانها»[4]. وهي تقع على نهر الوادي الكبير، وقد عُرفت باسم: (الجسر)، وأيضًا: (قنطرة الدهر) وطولها 330 متر، وعرضها 9 أمتار، وارتفاعها عن سطح ماء النهر 15 مترًا [5]، وعدد أقواسها سبع عشرة قوسًا، بين كل قوس والآخر اثنا عشر مترًا، وسعة القوس الواحد اثنا عشر مترًا.
هذه الأبعاد لقنطرة بنيت في بداية القرن الثاني الهجري (101هـ)؛ أي في وقت لم يكن فيه الناس يعرفون من وسائل الانتقال إلا الخيل والبغال والحمير، ولم تكن وسائل وأساليب البناء على المستوى المتطور حينئذٍ.
جدد المنصور بن أبي عامر بناء قنطرة قرطبة وأعاد بنائها سنة 378هـ واستغرق بناؤها سنة ونصف وأنفق لذلك مائة وأربعين ألف دينار، وقد ظلَّت هذه القنطرة القوية هي القنطرة الوحيدة على نهر الوادي الكبير في قرطبة إلى منتصف القرن العشرين؛ يعني لمدة 12 قرن، إلى أن بُنِيَ جسر سان رافاييل (1953م).
في النهاية نلفت النظر إلى نقطتين:
أولًا: من مظاهر تزوير التاريخ أن القنطرة تعرف الآن في قرطبة بالجسر الروماني على أساس أنه كان في موضعها جسر من أيام الرومان، ولكن جميع العلماء متفقين على أن البناء الموجود الآن هو من بناء المسلمين بشكل كامل، وأن البناء الروماني القديم كان منهارًا بشكل كامل عند الفتح الإسلامي.
ثانيًا: من أروع مظاهر الحضارة الإسلامية أنها جمعت في وقت واحد بين الزهد في الدنيا والإبداع في معمارها، ولم يكن هذا الجمع إلا في هذه الحضارة الراقية[6].
[1] الخليفة الراشدي عمر بن عبد العزيز غني عن التعريف: حكم الدولة الاموية في الشام من 99هـ إلى 101هـ، وكان من أعظم الخلفاء اهتمامًا بجوانب السُّنَّة والتشريع والعبادة روى النسائي عن أنسٍ رضي الله عنه: «ما صلَّيتُ وراء إمامٍ أشبهَ صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم من إمامكم هذا، قال زيد وكان عمر بن عبد العزيز يتم الركوع والسجود ويخفف القيام والقعود» النسائي (1053)
[2] اختار عمر بن عبد العزيز السمح بن مالك الخَوْلاني واليًا له على الاندلس، وهو من بني خَوْلان من قضاعة، وكان من أورع ولاة الأندلس، ومن أعدلهم، وكان من المجاهدين الكبار، وهو فاتح ساحل سبتمانيا في فرنسا (ساحل الريفيرا)، ومات شهيدًا يوم عرفة عام 102 هجرية بعد عمر بن عبد العزيز بعام.
[3] الإدريسي: هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس (493-560هـ/ 1100-1165م) من علماء الجغرافية، رحل إلى صقلية، فنزل على روجار الثاني، ووضع له كتابًا سمَّاه «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق».
[4] ابن الوردي: خريدة العجائب وفريدة الغرائب ص12، والإدريسي: نزهة المشتاق 2/579.
[5] القياسات القديمة كانت بوحدات الشبر والذراع والباع، والشبر يساوي 23 سنتيمتر تقريبًا، والذراع يساوي نصف متر تقريبًا. انظر: محمد رواس قلعجي وحامد صادق قنيبي: معجم لغة الفقهاء 1/256، 2/48.
[6] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك