التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
الإمام الطرطوشي من كبار علماء الأندلس في سرقسطة في ظل دولة بني هود، مقال بقلم د. راغب السرجاني مع بيان أهمية سرقسطة التجارية وأشهر علماء الأندلس كابن باجة
سرقسطة .. المدينة التجارية
يجب ألاَّ ننسى في نهاية حديثنا عن بني هود في سرقسطة أن نذكر دور سرقسطة المسلمة في ترويج رُوح التبادل التجاري والمهني بين المشرق والمغرب؛ فقد كانت مملكة سرقسطة بسيطرتها على جزء كبير من البحر المتوسط، وثغريها الكبيرين طَرَّكُونة وطُرْطُوشة، تستقبل شطرًا كبيرًا من تجارة المشرق وتجارة الأندلس والمغرب، وتعمل على تصريفها إلى الأمم الأوربية، عن طريق ثغور فرنسا وإيطاليا، وكان بنو هود يجنون من وراء ذلك كله أرباحًا طائلة، كان لها بعيد الأثر في دفع غارات النصارى، من خلال دفع الإتاوات الوفيرة لملوك النصارى، مقابل اتقاء عدوانهم أطول وقت ممكن[1].
علماء سرقسطة
كانت سرقسطة في عهد بني هود كغيرها من حواضر العلم في الأندلس آنذاك؛ إذ تُساوي في مكانتها العلمية إشبيلية حاضرة بني عباد، وبطليوس حاضرة بني الأفطس، وطليطلة حاضرة بني ذي النون؛ فقد نبغ فيها علماء أجلاء؛ أمثال: ابن باجة الفيلسوف، والطرطوشي الفقيه، وإسماعيل بن خلف القارئ، فضلاً عن المكانة العلمية التي تمتَّع بها كلٌّ من المقتدر أحمد بن هود وابنه المؤتمن يوسف؛ فقد نبغَا في الفلسفة والرياضيات والفلك.
الطُّرْطُوشيُّ (451-520هـ=1059-1126م)
هو أبو بكر محمد بن الوليد بن محمد بن خلف بن سليمان بن أيوب الفهري الطُّرْطُوشيُّ[2] الأندلسي الفقيه المالكي، وكان أبو بكرٍ يُعْرَف في وقته بابن أبي رَنْدَقَة[3].
وقد وُلِدَ سنة (451هـ=1059م) في مدينة طُرْطُوشة الأندلسية، وقد لازم القاضي أبا الوليد الباجي بسرقسطة، وأخذ عنه مسائل الخلاف، ثم حجَّ، فسمع بالحجاز ثم رحل للعراق وسمع بالبصرة وببغداد ثم رحل إلى بيت المقدس ثم استقر بالإسكندرية[4].
قال عنه تلميذه إبراهيم بن مهديِّ بن قليُنَا: كان شيخنا أبو بكرٍ زهده وعبادته أكثر من علمه[5]، وقال ابن بشكوال: كان إمامًا عالمًا عاملاً، زاهدًا ورعًا، دَيِّنًا متواضعًا، متقشفًا متقللاً من الدنيا، راضيًا منها باليسير، أخبرنا عنه القاضي الإمام أبو بكر محمد بن عبد الله المعافري ووصفه بالعلم والفضل والزهد في الدنيا، والإقبال على ما يعنيه. قال القاضي أبو بكر: وكان كثيرًا ما ينشدنا: [الرمل]
إنَّ للهِ عِبَادًا فُطُنَا *** طَلَّقُوا الدُّنْيَا وَخَافُوا الْفِتَنَا
فَكَّرُوا فِيهَا فَلَمَّا عَلِمُوا *** أَنَّهَا لَيْسَتْ لِحَيٍّ وَطَنَا
جَعَلُوهَا لُجَّةً وَاتَّخَذُوا *** صَالِحَ الأَعْمَالِ فِيهَا سُفُنَا[6]
وأشهر مؤلَّفات الطُّرطُوشيُّ هو كتاب (سراج الملوك)، الذي يتناول سياسة المُلك وتدبير أمور الرعية. وللطرطوشي عدد آخر من الكتب؛ منها: مختصر تفسير الثعالبي، وشرح لرسالة الشيخ ابن أبي زيد القيرواني في الفقه المالكي، والكتاب الكبير في مسائل الخلاف، وكتاب الفتن، وكتاب الحوادث والبدع أو بدع الأمور ومحدثاتها، وكتاب برُّ الوالدين، ورسالة العدة عند الكروب والشدة، وسراج الهدى، وكتاب في تحريم جبن الروم، والمختصر في فروع المالكية.
عاش الطُّرطُوشيُّ 69 سنة، وتوفي في الإسكندرية سنة (520 هـ= 1126 م) –رحمه الله[7].
التعليقات
إرسال تعليقك