موقعة اليمامة: (آخر 11 وأول 12 هجرية)
من أكبر مواقع الردة، ومن أعظمها آثارًا. بلغ الجيش المسلم في هذه الموقعة اثني عشر ألف مقاتل بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه، بينما تجاوز مرتدو بني حنيفة أربعين ألفًا[1] بقيادة مسيلمة الكذاب. حقَّق المسلمون النصر في البداية، ولكن تغيَّر مسار القتال لاحقًا لصالح المرتدين. اجتهد خالد بن الوليد رضي الله عنه في تدارك الموقف، وقسَّم المسلمين تبعًا لقبائلهم[2] لزيادة الحميَّة في نفوسهم، وأعطى راية المهاجرين لسالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه، وراية الأنصار لثابت بن قيس رضي الله عنه[3]، وكذلك أعطى رايات لبقية القبائل، كما استنفر حفَّاظ القرآن، وأيضًا حفَّاظ سورة البقرة، وتنادى المسلمون بصيحات مشجِّعة عظيمة.
عن عُرْوَةَ أَنَّ شِعَارَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ كَانَ: يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ[4]. وقال أبو حذيفة رضي الله عنه: «يَا أَهْلَ الْقُرْآِن، زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِالْفِعَالِ»[5]. لعل هذه الدعوات هي التي جعلت القتل في حفظة القرآن في موقعة اليمامة أكثر من غيرهم.
تغيَّر مسار المعركة من جديد لصالح المسلمين، وهرب مسيلمة وجنوده إلى حديقة ذات أسوار عالية، عُرِفَت بعد ذلك بحديقة الموت[6]، وقد أرادوا تجنُّب استمرار القتال، ولكن ألقى المسلمون البراء بن مالك رضي الله عنه بناءً على طلبه إلى داخل الحديقة[7]، ففتحها بعون الله، وكَتَبَ اللهُ له النجاة، وانهمر المسلمون إلى داخل الحديقة، واستحرَّ القتل في الفريقين، وقُتِل في النهاية مسيلمة الكذَّاب على يد وحشي بن حرب[8]، وانهار المرتدُّون، وانتصر المسلمون انتصارًا مهيبًا هزَّ الجزيرة العربية كلها، وثبَّت أركان الدولة المسلمة.
قُتِل من المرتدَّين في هذه الموقعة ما بين أربعة عشر ألفًا[9] إلى عشرين ألفًا[10]، بينما استشهد من المسلمين ألف ومائتان[11]، وهو الرقم الأعظم للشهداء منذ بداية الإسلام. كانت هناك أسماء بارزة، وأعلام كبرى[12]، في هؤلاء الشهداء؛ فكان منهم
زيد بن الخطاب، وثابت بن قيس، و
الطفيل بن عمرو الدوسي، و
عباد بن بشر، و
أبو دجانة، وأبو حذيفة بن عتبة، وسالم مولى أبي حذيفة، وعبد الله بن سهيل بن عمرو، والْحَكَمُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ الْأُمَوِيُّ، وَالسَّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَيَزِيدُ بْنُ ثَابِتِ (أَخُو زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ)، وَالسَّائِبُ بْنُ الْعَوَّامِ (أَخُو الزُّبَيْرِ)، وعبد الله بن عبد الله بن أُبَيِّ ابن سلول، وغيرهم كثير من كبار الصحابة رضي الله عنهم، كما كان منهم الكثير من البدريين. كان من المؤثِّر -أيضًا- في هذه المعركة استشهاد عدد كبير من حفظة القرآن بلغ أربعمائة وخمسين[13]، أو خمسمائة[14]. هذا الفقد الكثيف لحملة القرآن دفع الصديق رضي الله عنه والصحابة إلى خطوة جمع القرآن في مصحف واحد.
[1] الطبري: تاريخ الرسل والملوك، دار التراث، بيروت، الطبعة الثانية 1387هـ، 3/ 272.
[2] الطبري: تاريخ الرسل والملوك، 3/293.
[3] الطبري: تاريخ الرسل والملوك، 3/ 288، وقال ابن الأثير: وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، وكانت قبله مع عبد الله بن حفص بن غانم، فقتل، انظر: ابن الأثير: الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى،1417هـ= 1997م، 2/ 216.
[4] عبد الرزاق الصنعاني: المصنف، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، المجلس العلمي، الهند، الطبعة الثانية، 1403ه، 5/ 232، وابن أبي شيبة: المصنف في الأحاديث والآثار، تحقيق: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1409ه، 6/ 529.
[5] الطبري: تاريخ الرسل والملوك، 3/ 291، وابن الأثير: الكامل في التاريخ، 2/ 217، وابن كثير: البداية والنهاية، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة الأولى، 1418هـ= 1997م، 9/468.
[6] البلاذري: فتوح البلدان، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1988م، ص94.
[7] الطبري: تاريخ الرسل والملوك، 3/ 290.
[8] ابن كثير: البداية والنهاية 9/ 334.
[9] وقيل: فَقُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ، وَحَدِيقَةُ الْمَوْتُ عَشَرَةُ آلافِ مُقَاتِلٍ. انظر: الطبري: تاريخ الرسل والملوك، 3/ 294.
[10] وقيل: وَقَدْ قُتِلَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ والأنصار من أهل قصبة المدينة يومئذ ثلاثمائة وَسِتُّونَ قَالَ سَهْلٌ: وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ غَيْرِ أهل المدينة والتابعين بإحسان ثلاثمائة من هؤلاء وثلاثمائة من هؤلاء، ستمائة أَوْ يَزِيدُونَ وَقُتِلَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ يَوْمَئِذٍ، قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ، فَرَمَى بِهَا قَاتلَهُ فَقَتَلَهُ، وَقُتِلَ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ فِي الْفَضَاءِ بِعَقْرَبَاءِ سَبْعَةُ آلافٍ، وَفِي حَدِيقَةِ الْمَوْتِ سَبْعَةُ آلافٍ، وَفِي الطَّلَبِ نَحْوٌ مِنْهَا. انظر: الطبري: تاريخ الرسل والملوك، 3/296، 297، وقال ابن كثير: فَكَانَ جُمْلَةُ مَنْ قُتِلُوا فِي الْحَدِيقَةِ وَفِي الْمَعْرَكَةِ قَرِيبًا مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ - وَقِيلَ: أَحَدٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا - وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سِتُّمِائَةٍ - وَقِيلَ: خَمْسُمِائَةٍ - فَاللَّهُ أَعْلَمُ. انظر: ابن كثير: البداية والنهاية، 9/ 470. قال علماء السير: قتل من المسلمين يوم اليمامة أكثر من ألف، وقتل من المشركين نحو عشرين ألفًا. انظر: ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1412هـ- 1992م، 4/ 83.
[11] وقيل: والتقى المسلمون وبنو حنيفة واقتتلوا قتالاً شديداً لم يكن في الإسلام يوماً أشد منه حتى كسروا بنو حنيفة جفون سيوفهم وقتل من المسلمين ألفان ومائتان وجرح أكثر من بقي وقتل زيد بن الخطاب صاحب راية المسلمين. انظر: المطهر بن طاهر المقدسي: البدء والتاريخ، مكتبة الثقافة الدينية، بور سعيد، 5/ 162، وقيل: وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سِتُّمِائَةٍ - وَقِيلَ: خَمْسُمِائَةٍ - فَاللَّهُ أَعْلَمُ. انظر: ابن كثير: البداية والنهاية، 9/ 470، وقال علماء السير: قتل من المسلمين يوم اليمامة أكثر من ألف. انظر: ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، 4/ 83.
[12] انظر أسماء أشهر الشهداء: خليفة بن خياط: تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق: أكرم ضياء العمري، دار القلم/ مؤسسة الرسالة، دمشق، بيروت
الطبعة الثانية، 1397ه، ص111-116، وابن كثير: البداية والنهاية، 9/ 502-٥٠٥.
[13] عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَغَيْرِهِ قَالَ: قُتِلَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا وَكَانَ جَمِيعُ الْقَتْلَى أَرْبَعَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَجُلا...
وعَنْ سَلامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ شُهَدَاءُ الْيَمَامَةِ خُمْسُمِائَةٍ فِيهِمْ خَمْسُونَ أَوْ ثَلاثُونَ مِنَ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ. انظر: خليفة بن خياط: تاريخ خليفة، ص111، وقال ابن كثير: وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ مِنْ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ وَمِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ. ابن كثير: البداية والنهاية، 9/ 502.
[14] ابن كثير: البداية والنهاية، 9/ 470، وخليفة بن خياط: تاريخ خليفة، ص111.
https://islamstory.com/ar/artical/19869/موقعة-اليمامة
التعليقات
إرسال تعليقك