التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
قرطبة .. الموقع والتاريخ، مقال بقلم د. راغب السرجاني، يتناول الموقع الجغرافي لمدينة قرطبة وتاريخها وحضارتها, كشاهد علي حضارة المسلمين وعز الإسلام في
إتمامًا للفائدة رأينا أن نقف بالقارئ على وصف لمدينة قرطبة عاصمة الأندلس الفاخرة الباهرة في أيام روعتها ومجدها.
«إن قُرْطُبَة التي فاقت كل حواضر أوربا مدنيةً أثناء القرن العاشر (الميلادي) كانت في الحقيقة محطَّ إعجاب العالم ودهشته، كمدينة فينيسيا في أعين دول البلقان، وكان السياح القادمون من الشمال يسمعون بما هو أشبه بالخشوع والرهبة عن تلك المدينَة التي تحوي سبعين مكتبة، وتسعمائة حمام عمومي؛ فإن أدركت الحاجة حُكَّام ليون، أو النافار، أو برشلونة إلى جرَّاحٍ، أو مهندس، أو معماري، أو خائط ثياب، أو موسيقي فلا يتَّجهون بمطالبهم إلا إلى قُرْطُبَة»[1]. هذا هو وصف أحد الغربيين لمدينة قُرْطُبَة الأندلسية في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، وهو جون براند ترند.
فامتدادًا لحضارة إسلامية إنسانية -علمًا، وقِيَمًا، ومجدًا- بزغ نجم مدينة قرطبة، كشاهدٍ حيٍّ على ما وصلت إليه حضارة المسلمين وعزِّ الإسلام في ذلك الوقت من التاريخ، وهو منتصف القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، يوم أن كانت أوربا تغطُّ في جهل عميق.
قرطبة.. ذلك الاسم الذي طالما كان له جرس مُعَيَّنٌ، ووقع خاصٌّ في الأذن الإسلامية، بل وفي أذن كل أوربي آمن بالنهضة والحضارة الإنسانية، يقول المقري: قال بعض علماء الأندلس: [البسيط]
بِأَرْبَــعٍ فَـاقَــتِ الأَمْصَارَ قُرْطُبَــةُ *** مِنْهُنَّ قَنْطَرَةُ الْوَادِي وَجَامِعُهَا
هَاتَانِ ثِنْتَانِ وَالزَّهْرَاءُ ثَالِثَــةٌ *** وَالْعلمُ أَعْظَمُ شَيْءٍ وَهْوَ رَابِعُهَ[2]
قرطبة .. الموقع الجغرافي والتاريخ:
هي مدينة تقع على نهر الوادي الكبير، في الجزء الجنوبي من إسبانيا، وقد أرَّخت لها موسوعة المورد الحديثة فقالت: «أسسها القرطاجيون فيما يُعتقد، وخضعت لحكم الرومان والقوط الغربيين» [3].
وقد قام بفتحها القائد الإسلامي الشهير طارق بن زياد، وذلك سنة (93هـ= 711م). ومنذ ذلك العهد بدأت مدينة قرطبة تخطُّ لنفسها خطًّا جديدًا، وملمحًا مهمًّا في تاريخ الحضارة؛ فبدأ نجمها في الصعود كمدينة حضارية عالمية.
وفي عهد عبد الرحمن الناصر (أول خليفة أموي في الأندلس) ومن بعده ابنه الحكم المستنصر، بلغت قرطبة أوج ازدهارها، وقمة ريادتها وحضارتها؛ خاصةً أنه اتخذها عاصمة لدولته الفتية، ومقرًّا له كخليفة للمسلمين في العالم الغربي، وقد جعل منها منبرًا للعلوم والثقافة والمدنية، حتى غدتْ تُنَافس القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية في قارتها، وبغدادَ عاصمة العباسيين في المشرق، والقيروانَ والقاهرةَ في إفريقيا، حتى أطلق عليها الأوربيون: «جوهرة العالم».ة، لا سيما في عام (138هـ= 756م)، عندما أسس عبد الرحمن الداخل (صقر قريش) الدولة الأموية في الأندلس، وذلك بعدما سقطت في دمشق على أيدي الدولة العباسية.
وقد شمل اهتمام الأمويين بقرطبة اهتمامهم كذلك بنواحي الحياة المختلفة فيها؛ من زراعة وصناعة، وبناء الحصون، ودور الأسلحة.. وغيرها، وقد شقُّوا الترع، وحفروا القنوات، وأقاموا المصارف، وجلبوا للأندلس أشجارًا وثمارًا لم تكن تُزْرَع فيها.
التعليقات
إرسال تعليقك