ملخص المقال
نسبه ونشأته هو عطاء بن أبى رباح مولى آل أبى خيثم الفهري القرشي واسم أبى رباح أسلم
هو عطاء بن أبى رباح مولى آل أبى خيثم الفهري القرشي واسم أبى رباح أسلم، ولد بالجَندَ (بلدة باليمن) وكان مولده سنة سبع وعشرين أثناء خلافة عثمان بن عفان، ولما سُئِل عن موعد مولده قال: لعامين خَلَوا من خلافة عثمان، وكان عطاء أسود أعور أشل أعرج، ثم عمي في آخر عمره، وكان من سادات التابعين فقهًا وعلمًا وورعًا وفضلاً لم يكن له فراش إلا المسجد الحرام إلى أن مات.
نشأ عطاء بن أبي رَباحٍ بمكة، وهو مولى آل أبي ميسرة بن أبي خثيمٍ الفهري، وكان يكنى بأبي محمد.
شيوخ عطاء:
حَدَّث َعطاء بن أبي رَباحٍ عن عائشة، وأم سلمة، وأم هانئ، وأبي هريرة، وابن عباسٍ، وحكيم بن حزامٍ، ورافع بن خَديجٍ، وزيد بن أرقم، وزيد بن خالدٍ الجهني، وصفوان بن أمية، وابن الزبير، وعبد الله بن عمرٍو، وابن عمر، وجابرٍ، ومعاوية، وأبي سعيدٍ، وعدةٍ من الصحابة.
وحدث أيضًا عن: عبيد بن عميرٍ، ويوسف بن ماهك، وسالم بن شوالٍ، وصفوان بن يعلى بن أمية، ومجاهدٍ، وعروة، وابن الحنفية، وعدةٍ.
قال عطاء بن أبي رَباحٍ: أدركت مائتي نفسٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد إذا قال الإمام: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة:7] سمعت لهم رجَّة بآمين.
تلاميذ عطاء:
حدث عنه: مجاهد بن جبرٍ، وأبو إسحاق السَّبيعي، وعمرو بن دينارٍ، والزهري، وقتادة، وعمرو بن شعيبٍ، ومالك بن دينارٍ، والحكم بن عتيبة، وسلمة بن كهيلٍ، والأعمش، وأيوب السَّختياني، ومطرٌ الوراق، ومنصور بن زاذان، ومنصور بن المعتمر، ويحيى بن أبي كثيرٍ، وخلقٌ من صغار التابعين، وأبو حنيفة، وجرير بن حازمٍ، ويونس بن عبيدٍ، والأسود بن شيبان، وجعفرٌ الصادق، وحجاج بن أرطاة، وحسينٌ المعلم، والأوزاعي، وابن جريجٍ، والليث بن سعدٍ، وابن إسحاق، ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، ومسلمٌ البَطين، وهمام بن يحيى، وأبو عمرو بن العلاء، وأممٌ سواهم.
علم عطاء بن أبي رباح
بلغ عطاء بن أبي رباح درجة عالية من العلم، فكان يجلس للفتيا في مكة بعد وفاة حبر الأمة عبد الله بن عباس، ولَمَّا قدم ابن عمر مكة فسألوه فقال: أتجمعون لي يا أهل مكة المسائل وفيكم ابن أبي رباح؟ وكان يعرف عنه أنه لا يريد بعلمه جاهًا أو سلطانًا، ولم يكن طالبًا بعلمه يومًا مالاً أو شيئًا من متاع الدنيا، بل كان يريد وجه الله عز وجل.
يقول سلمة بن كهيل: ما رأيت أحدًا يريد بهذا العلم وجه الله عز وجل غير هؤلاء الثلاثة عطاء وطاووس ومجاهد.
قال أبو حنيفة النعمان: لقيت عطاء بن أبي رَباحٍ بمكة فسألته عن شيء، فقال: من أين أنت؟ فقلت: من أهل الكوفة، قال: أنت من أهل القرية الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعًا؟ قلت: نعم، قال: فمن أي الأصناف أنت؟ قلت: ممن لا يسب السلف، ويؤمن بالقدر، ولا يكفِّرُ أحدًا من أهل القبلة بذنب، فقال عطاء: عرَفْتَ فالزَمْ.
قيل لعطاء: إن ها هنا قوما يقولون: الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فقال: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى﴾ [محمد: 17]، فما هذا الهدى الذي زادهم؟
قيل لعطاء: يزعم بعض الناس أن الصلاة والزكاة ليستا من دين الله، فقال: قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 5]؛ فجعَل ذلك دِينًا.
قال عبد الملك بن جريجٍ: رأيت عطاءً يطوف بالبيت، فقال لقائده: أمسكوا واحفظوا عني خمسًا: القدر خيره وشره حُلوه ومرُّه من الله تعالى، ليس للعبد فيه مشيئةٌ ولا تفويضٌ، وأهل قبلتنا مؤمنون، حرامٌ دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، وقتال الفئة الباغية بالأيدي والنعال لا بالسلاح، والشهادة على الخوارج بالضلالة.
قال عبد العزيز بن رفيع: سئل عطاء بن أبي رَباحٍ عن شيء، فقال: لا أدري، فقيل له: ألا تقول فيها برأيك؟ قال: إني أستحيي من الله أن يدان في الأرض برأيي.
قال الأصمعي: دخل عطاء بن أبي رَباحٍ على عبد الملك وهو جالسٌ على السرير، وحوله الأشراف، وذلك بمكة، في وقت حجه في خلافته، فلما بصر به عبدالملك، قام إليه، فسلم عليه، وأجلسه معه على السرير، وقعد بين يديه، وقال: يا أبا محمدٍ، حاجتك؟ قال: يا أمير المؤمنين، اتقِ الله في حرم الله، وحرم رسوله، فتعاهده بالعمارة، واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار؛ فإنك بهم جلست هذا المجلس، واتق الله في أهل الثغور؛ فإنهم حصن المسلمين، وتفقد أمور المسلمين؛ فإنك وحدك المسؤول عنهم، واتق الله فيمن على بابك، فلا تغفُلْ عنهم، ولا تغلق دونهم بابك، فقال له: أفعل، ثم نهض، وقام، فقبض عليه عبدالملك، وقال: يا أبا محمدٍ، إنما سألتنا حوائج غيرك، وقد قضيناها، فما حاجتك؟ قال: ما لي إلى مخلوقٍ حاجةٌ، ثم خرج، فقال عبدالملك: هذا هو الشرف، هذا هو السؤدد.
عبادة عطاء:
عن ابن جريج قال: كان عطاء بعدما كبر وضعف يقوم إلى الصلاة فيقرأ مائتي آية من البقرة وهو قائم ما يزول منه شيء ولا يتحرك.
وعن ابن عيينة قال: قلت لابن جريج: ما رأيت مصليًا مثلك؟ قال: لو رأيت عطاء.
قال محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: حج عطاء بن أبي رَباحٍ سبعين حجة.
قال عبد الملك بن جريجٍ: "كان المسجد فراش عطاء بن أبي رَباحٍ عشرين سنةً".
قال عبد الرزاق بن همام: أخذ أهل مكة الصلاة عن ابن جريج، وأخذها ابن جريج عن عطاء بن أبي رَباحٍ، وأخذها عطاء عن عبد الله بن الزبير، وأخذها عبد الله بن الزبير من أبي بكر الصديق، وأخذها أبو بكر الصديق من النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذها النبي صلى الله عليه وسلم من جبريلَ عن الله تعالى.
من أخلاق عطاء:
قال معاذ بن سعدٍ الأعور: "كنت جالسًا عند عطاء بن أبي رَباحٍ، فحدث بحديث، فعرض رجلٌ من القوم في حديثه، فغضب وقال: ما هذه الأخلاق؟ وما هذه الطبائع؟ إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم منه به، فأُريه أني لا أحسن شيئًا منه".
الثناء على عطاء بن أبي رباح
قال محمد بن علي بن حسينٍ: ما بقي أحدٌ أعلم بمناسك الحج من عطاء بن أبي رَباحٍ.
قال أبو زرعة الرازي: عطاء بن أبي رَباحٍ مكيٌّ ثقةٌ.
قال الشافعي: ليس في التابعين أحد أكثر اتباعًا للحديث من عطاء.
قال سعيد بن أبي عَرُوبة: إذا اجتمع أربعة لم أبالِ بمن خالفهم: الحسن، وسعيد بن المسيَّب، وإبراهيم، وعطاء، هؤلاء أئمة الأنصار.
قال إبراهيم بن عمر بن كيسان: أذكرهم في زمان بني أمية يأمرون في الحاج صائحًا يصيح: لا يفتي الناس إلا عطاء بن أبي رَباحٍ.
قال ربيعة بن عبد الرحمن: فاق عطاءُ بن أبي رَباحٍ أهلَ مكة في الفتوى.
قال النووي: اتفق العلماء على توثيق عطاء بن أبي رَباحٍ وجلالته وإمامته
قال محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان: ما رأيت مفتيًا خيرًا من عطاء بن أبي رَباحٍ، إنما كان في مجلسه ذكر الله لا يفتُرُ وهم يخوضون، فإن تكلم أو سئل عن شيءٍ أحسن الجواب.
روى أبو نعيم عن أسلم المنقري، قال: "كنت جالسًا مع أبي جعفرٍ الباقر فمر عليه عطاءٌ، فقال: ما بقِيَ على ظهر الأرض أحدٌ أعلم بمناسك الحج من عطاء بن أبي رَباحٍ، سمعت سليمان بن أحمد يقول: سمعت أحمد بن محمدٍ الشافعي، يقول: كانت الحلقة في الفتيا بمكة في المسجد الحرام لابن عباسٍ، وبعد ابن عباسٍ لعطاء بن أبي رَباحٍ".
قال أحمد بن حنبل: عطاء بن أبي رَباحٍ مكيٌّ تابعيٌّ ثقةٌ، وكان يفتي أهل مكة في زمانه.
قال عمرو بن دينار ومجاهد وغيرهما من أهل مكة: لم يزل شأننا متشابهًا متناظرين حتى خرج عطاء بن أبي رَباحٍ إلى المدينة، فلما رجع إلينا استبان فضله علينا.
قال أبو حنيفة: ما رأيتُ فيمن لقيتُ أفضلَ من عطاء بن أبي رَباحٍ.
قال قتادة بن دعامة: عطاء بن أبي رَباحٍ أعلم أهل زمانه بالمناسك.
قال يحيى بن معين: عطاء بن أبي رَباحٍ ثقةٌ.
قال إسماعيل بن أمية: كان عطاءٌ يُطيل الصمت، فإذا تكلم يخيَّل إلينا أنه يؤيد.
قبس من كلام عطاء:
قال عطاء بن أبي رَباحٍ: أفضل ما أوتي العباد العقل عن الله، وهو الدين.
قال عمر بن الورد: قال لي عطاء: إن استطعت أن تخلو بنفسك عشية عرفة، فافعل.
قال محمد بن سوقة: ألا أحدثكم بحديثٍ لعله ينفعكم؟ فإنه نفعني، قال لنا عطاء بن أبي رَباحٍ: يا بن أخي، إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعُدُّون فضول الكلام ما عدا كتاب الله تعالى أن يقرأ، أو أمرًا بمعروفٍ، أو نهيًا عن منكرٍ، أو تنطق في حاجتك في معيشتك التي لا بد لك منها، أتنكرون: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ﴾ [الانفطار: 10، 11]، ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 17، 18]، أما يستحي أحدكم لو نشرت عليه صحيفته التي أملاها صدر نهاره أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه".
روى أبو نعيم عن عطاء بن أبي رَباحٍ، قال: ما قال عبدٌ قط: يا رب يا رب يا رب ثلاث مراتٍ إلا نظر الله إليه، قال: فذكرت ذلك للحسن، فقال: أما تقرؤون القرآن: ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ [آل عمران: 193 - 195].
قال عطاء بن أبي رَباحٍ في قوله تعالى: ﴿لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [النور: 37]: لا يُلْهيهم بيعٌ ولا شراءٌ عن مواضع حقوق الله التي فرضها الله تعالى عليهم أن يؤدوها في أوقاتها.
قال عطاء بن أبي رَباحٍ في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ [النور: 2] قال: ذلك في إقامة الحد عليهما.
قال عطاء بن أبي رَباحٍ: ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ [النمل: 48]، قال: كانوا يُقرضون الدراهم".
قال عطاء بن أبي رَباحٍ: إن الله لا يحب الفتى يلبس الثوب المشهور، فيعرض الله عنه حتى يضع ذلك الثوب.
وفاة عطاء:
توفي عطاء بن أبي رَباحٍ رحمه الله بمكة سنة خمس عشرة ومائةٍ، وكان له يوم مات ثمان وثمانون سنة.
قال الأوزاعي: مات عطاء بن أبي رَباحٍ يوم مات وهو أرضى أهل الأرض عند الناس[1].
[1] ابن سعد، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء البصري البغدادي: الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1410هـ=1990م، 6/ 20، 23، 50. ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله: تاريخ دمشق، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1415هـ=1995م، 40/ 366، 410، الذهبي، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز: سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناءوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1405هـ=1985م، 5/ 78، 87، ابن منظور، أبو الفضل محمد بن مكرم بن علي جمال الدين الأنصاري الرويفعي الإفريقي: مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، تحقيق: روحية النحاس، ورياض عبد الحميد مراد، محمد مطيع، دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر، دمشق، الطبعة الأولى، 1402هـ=1984م، 17/ 65، 73.
التعليقات
إرسال تعليقك