ملخص المقال
مجاهد بن جبر ويقال بن جبير أبو الحجاج المكي مولى عبد الله بن السائب القارئ
مجاهد بن جبر، أبو الحجاج المكي، مولى عبد الله بن السائب القارئ، الإمام، شيخ القراء والمفسرين، ولد مُجاهِد بن جَبْرٍ سنة إحدى وعشرين، في خلافة عمر بن الخطاب، قال محمد بن إسحاق: كان مجاهد مولى لبني مخزوم، وعاش حياته في الكوفة، وكان يتميز بالتقوى والورع والخوف من الله والعمل ليوم تشخص فيه الأبصار، وكان أحد أوعية العلم. وكان أعلم من بقي بالتفسير، قال عنه الذهبي: "إنه شيخ القراء والمفسرين".
وكان مجاهد من الذين يتلون كتاب الله عز وجل ويتلذذون بهذه التلاوة، وكان يحب السفر والسياحة في الأرض من منطلق قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: 10]، فقدم على سليمان بن عبد الملك، وعلى عمر بن عبد العزيز وشهد وفاته.
شيوخه وتلاميذه:
لزم ابن عباس ونهل من علمه وقرأ عليه القرآن قراءة تدبُّر وتفاعل وتعامل، روي عنه أنه قال: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات، أقف عند كل آية أسأله فيم نزلت، وكيف كانت؟ كما سمع من ابن عمر وعليا رضي الله عنهم أجمعين.
وأخذ مجاهد العلم عن أعلام الصحابة وعلمائهم، وروى عن ابن عباسٍ، وعنه أخذ القرآن والتفسير والفقه، وروى عن أبي هريرة، وعائشة، وسعد بن أبي وقاصٍ، وعبد الله بن عمرٍو، وعبد الله بن عمر، ورافع بن خَديجٍ، وأم كرزٍ، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيدٍ الخدري، وأم هانئ، وأسيد بن ظهيرٍ، وعدةٍ.
وحدث عنه عكرمة، وطاوسٌ، وعطاءٌ -وهم من أقرانه- وعمرو بن دينارٍ، وأبو الزبير، والحكم بن عتيبة، ومنصور بن المعتمر، وسليمان الأعمش، وأيوب السَّختياني، وابن عونٍ، وعمر بن ذر، وقتادة بن دعامة، والفضل بن ميمونٍ، وإبراهيم بن مهاجرٍ، وحميدٌ الأعرج، وبكير بن الأخنس، وسليمان الأحول، وعبد الكريم الجزري، وأبو حصينٍ، والعوام بن حوشبٍ، وفطر بن خليفة، والنضر بن عربي، وخلقٌ كثيرٌ؛
عقيدة مُجاهِد:
قال عبد الوهاب بن مُجاهِد: كنت عند أبي فجاء ابنه يعقوب فقال: يا أبتاه، إن أصحابًا لنا يزعمون أن إيمان أهل السماء، أي: الملائكة، وأهل الأرض واحد، فقال: يا بني، ما هؤلاء بأصحابي؛ لا يجعل اللهُ مَن هو منغمس في الخطايا كمَن لا ذنب له.
وعن عثمان بن الأسود، عن مُجاهِد، قال: "أتته امرأةٌ فقالت: إني أجد في نفسي شيئًا لا أستطيع أن أتكلم به، قال: ذاك محض الإيمان، فقلت: ما هو يا أبا الحجاج؟ قال: إن المؤمن إذا عُصِم من الشيطان في الذنوب جاءه فقال: أرأيت اللهَ، مَن خلَقه؟".
قبس من كلام مُجاهِد:
قال مُجاهِد: طلبنا هذا العلمَ وما لنا فيه نيةٌ، ثم رزَق اللهُ بعدُ النيةَ.
قال مُجاهِد: "ما أدري أي النعمتين أفضل، أن هداني للإسلام، أو عافاني من الأهواء".
قال مُجاهِد: "ما من مؤمنٍ يموت إلا تبكي عليه الأرض أربعين صباحًا".
قال مُجاهِد: "لو أن رجلًا أنفق مثل أُحُدٍ في طاعة الله تعالى لم يكن مِن المسرفين".
قال مُجاهِد: "إن المسلم لو لم يصِبْ من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه".
قال مُجاهِد: "ما من ميتٍ يموت إلا عُرِض عليه أهل مجلسه، إن كان من أهل الذِّكر فمِن أهل الذكر، وإن كان من أهل اللهو فمن أهل اللهو".
قال مُجاهِد: "قال إبليس: إن يعجزني ابن آدم فلن يعجزني من ثلاث خصالٍ: أخذ مالٍ بغير حقه، وإضاعة إنفاقه في غير حقه، ومنعه عن حقه".
قال مُجاهِد: "إن العبد إذا أقبل على الله تعالى بقلبه، أقبل الله عز وجل بقلوب المؤمنين إليه".
قال مُجاهِد: "جعلت الأرض لملَك الموت مثل الطَّست، يتناول منها حيث يشاء، وجعلت له أعوانٌ يتوفَّوْن الأنفس، ثم يقبِضُها منهم".
قال مُجاهِد: "مَن لم يستَحْيِ من الحلال، خفَّتْ مُؤنتُه وأراح نفسه".
قال مُجاهِد: الفقيه من يخاف الله وإن قل علمه، والجاهل من عصى الله وإن كثر علمه.
قال مُجاهِد: إن العبد إذا أقبل على الله بقلبه أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه.
قال مُجاهِد: إن الله عز وجل ليصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده.
قال مُجاهِد: مررتُ مع ابن عمر على خربةٍ، فقال: يا مُجاهِد، نادِ: يا خربة، ما فعل أهلك؟ أين أهلك؟ قال: فناديت، فقال ابن عمر: ذهبوا، وبقِيَت أعمالهم".
قال مُجاهِد: صحبت عبد الله بن عمر، وإني أريد أن أخدمه، فكان هو يخدمني".
وقال مُجاهِد: "ربما أخذ لي ابن عمر بالركاب، وربما أدخل ابن عباسٍ أصابعه في إبطي".
قال مجاهد: من أكرم نفسه وأعزها أذل دينه ومن أذل نفسه أعز دينه.
قال يونس بن خبابٍ: قال لي مُجاهِد: "ألا أنبئك بالأوَّاب الحفيظ، قلت: بلى، قال: هو الذي يذكُرُ ذنبه إذا خلا فيستغفر اللهَ منه".
وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي علية عن ليث عن مجاهد قال: ذهبت العلماء فما بقي إلا المتعلمون وما المجتهد فيكم إلا كاللاعب فيمن كان قبلكم.
آراء العلماء فيه:
قال عنه ابن كثير: "أحد أئمة التابعين والمفسرين، كان من أخصاء أصحاب ابن عباس، وكان أعلم أهل زمانه بالتفسير، حتى قيل إنه لم يكن أحد يريد بالعلم وجه الله إلا مجاهد وطاوس.
وقال مجاهد: أخذ ابن عمر بركابي وقال: "وددت أنَّ ابني سالما وغلامي نافعًا يحفظان حفظك.
وقيل إنه عرض القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة".
وقال عنه سفيان الثوري: "إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به".
وقال عنه الذهبي: "أبو الحجاج المكي المقرئ المفسر أحد الأعلام".
قال الثوري: خذوا التفسير على أربعة: مجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والضحاك. وقال خصيف: كان مجاهد أعلمهم بالتفسير. وقال قتادة: أعلم من بقي بالتفسير مجاهد.
وقال الأعمش: "كان إذا نطق خرج من فمه اللؤلؤ".
وعن قتادة، قال: أعلم من بقي بالحلال والحرام الزهري، وأعلم من بقي بالقرآن مجاهد.
وفاة مُجاهِد بن جَبْرٍ:
توفي مُجاهِد بن جَبْرٍ بمكة وهو ساجدٌ، سنة أربعٍ ومائةٍ، بلغ مُجاهِد يوم مات ثلاثًا وثمانين سنةً[1].
[1] ابن سعد، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء البصري البغدادي: الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1410هـ=1990م، الذهبي، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز: سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناءوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1405هـ=1985م، ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله: تاريخ دمشق، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1415هـ=1995م، ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر الدمشقي: البداية والنهاية، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1418هـ=1997م، ابن منظور، أبو الفضل محمد بن مكرم بن علي جمال الدين الأنصاري الرويفعي الإفريقي: مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، تحقيق: روحية النحاس، ورياض عبد الحميد مراد، محمد مطيع، دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر، دمشق، الطبعة الأولى، 1402هـ=1984م، أبو نعيم الأصبهاني، أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، السعادة، مصر، 1394هـ=1974م.
التعليقات
إرسال تعليقك