ملخص المقال
سيرة شيخ الإسلام الإمام الحاكم النيسابوري عالم الحديث منذ نشأته وحتى وفاته وتاريخه وتراثه العلمي المختلف وإنجازاته ومؤلفاته ومسيرته العلمية وآراء
هو محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم، الإمام الحافظ، الناقد العلامة، شيخ المحدثين، أبو عبد الله بن البيع الضبي الطهماني النيسابوري الشافعي، من كبار المحدّثين، ومن أصحاب الصحاح، اشتهر بكتابه "المستدرك على الصحيحين".
ولد محمد بن عبد الله "الحاكم النيسابوري" والمعروف بابن البيع، يوم الاثنين ثالث شهر ربيع الأول، سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة من الهجرة النبوية بنيسابور، وطلب العلم منذ صغره بعناية والده وخاله، وأول سماعه كان في سنة ثلاثين على أبي حاتم بن حبان في سنة أربع وثلاثين وهو ابن ثلاث عشرة سنة.
ولحق الأسانيد العالية بخراسان والعراق وما وراء النهر، وسمع من نحو ألفي شيخ، فإنه سمع بنيسابور وحدها من ألف نفس، وارتحل إلى العراق وهو ابن عشرين سنة، فقدم بعد موت إسماعيل الصفار بيسير، وفي سنة 359هـ ولي قضاء نيسابور، ولُقّبَ بالحاكم لتوليه القضاء مرة بعد مرة، ثم اعتزل منصبه ليتفرغ للعلم والتصنيف، وتولى السفارة بين ملوك بني بويه وبين السامانيين فأحسن السفارة.
ملامح شخصيته وأخلاقه:
قال أبو عبد الرحمن السلمي دخلت على "الحاكم" وهو مختف من الكرامية لا يستطيع أن يخرج منهم فقلت له: لو خرجت حديثا في فضائل معاوية لاسترحت مما أنت منه، فقال: لا يجيء من قبلي لا يجيء من قبلي.
شيوخه:
أخذ القراءة عرضًا عن أحمد بن إسماعيل الصرام، وأبي بكر محمد بن العباس بن الإمام بخراسان، وأبي عيسى بكار بن محمد ببغداد، وأبي علي النقار بالكوفة، ومحمد بن الحسين بن أيوب النوقاني، وأبي الحسن محمد بن محمد بن الحسن الكازري.
وتفقه على أبي سهل الصعلوكي، وبرع في فنون الحديث وأتقن الفقه للشافعي.
ومن أساتذته أيضا: والده، محمد بن علي المذكر، ومحمد بن يعقوب الأصم، ومحمد بن يعقوب الشيباني ابن الاخرم، ومحمد بن أحمد بن بالويه الجلاب، ومحمد بن أحمد بن سعيد الرازي صاحب ابن واره، ومحمد بن عبد الله بن أحمد الصفار، وصاحبي الحسن بن عرفة: علي بن الفضل الستوري، وعلي بن عبد الله الحكيمي، وإسماعيل ابن محمد الرازي، ومحمد بن القاسم العتكي، و محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي الجمال، ومحمد بن المؤمل الماسرجسي، وأحمد بن محمد بن عبدوس العنزي، و بكر بن محمد المروزي الصيرفي، وحسان بن محمد الفقيه، وعلي بن حمشاد العدل، ومحمد بن صالح بن هانئ، وعثمان بن أحمد الدقاق البغدادي، وعبد الله بن درستويه، وخلق غيرهم.
تلامذته
له تلاميذ كثيرون منهم: الدارقطني وهو من شيوخه، وأبو الفتح بن أبي الفوارس، وأبو العلاء الواسطي، ومحمد بن أحمد بن يعقوب، وأبو ذر الهروي، وأبو يعلى الخليلي، وأبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وأبو صالح المؤذن، والزكي عبد الحميد البحيري، ومؤمل بن محمد بن عبد الواحد، وأبو الفضل محمد بن عبيد الله الصرام، وعثمان بن محمد المحمي، وأبو بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي، وخلق سواهم.
مؤلفاته:
صنف كتبًا كثيرةً منها: تاريخ نيسابور، والمستدرك على الصحيحين، وهو الكتاب الذي جمع فيه الأحاديث التي استدركها على الصحيحين مما فاتهما على شرطه، وهو أشهر المستدركات.
ومن كتبه أيضًا: الإكليل، المدخل إلى علم الصحيح، تراجم الشيوخ، فضائل الشافعي، وغير ذلك.
وأفضل من صنف الصحابة هو الحاكم النيسابوري، فهو يرى أن الصحابة ينقسمون إلى ثنتي عشرة درجة:
1- قوم تقدم إسلامهم بمكة كالخلفاء الأربعة.
2- الصحابة الذين أسلموا قبل تشاور أهل مكة في دار الندوة.
3- مهاجرة الحبشة.
4- أصحاب العَقَبة الأولى.
5- أصحاب العَقَبة الثانية وأكثرهم من الأنصار.
6- أول المهاجرين الذين وصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقباء قبل أن يدخل المدينة.
7- أهل بدر.
8- الذين هاجروا بين بدر والحُديبية.
9- أهل بيعة الرضوان في الحُديبية.
10- من هاجر بين الحُديبية وفتح مكة كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص.
11- مسلمة الفتح الذين أسلموا بعد فتح مكة.
12- صبيان وأطفال رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وفي حجة الوداع وغيرهما.
منهج الحاكم في المستدرك
رأى الإمام الحاكم أن أهل البدع قد أثاروا شائعة بأنه لم يصح من النصوص الحديثية إلا ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وبالتالي فلا زالت بعض أصول الدين مفتقرة إلى نصوص صحيحة تَثْبُتُ بها، واتخذوا ذلك ذريعة للطعن في الدين.
وثارت حمية الصدق في قلب الإمام الحاكم، فشمَّر عن ساعده المبارك؛ ليؤلف كتابه "المستدرك".
ثناء العلماء عليه
قال عنه الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: وكان من أهل العلم والحفظ والحديث، وقد كان من أهل الدين والأمانة والصيانة والضبط والتجرد والورع.
قال الحافظ الذهبي: قرأت على أبي علي بن الخلال: أخبركم جعفر بن علي، أخبرنا السلفي، أخبرنا إسماعيل بن عبد الجبار، سمعت الخليل بن عبد الله الحافظ ذكر الحاكم وعظمه، وقال: له رحلتان إلى العراق والحجاز، الثانية في سنة ثمان وستين، وناظر الدارقطني، فرضيه، وهو ثقة واسع العلم، بلغت تصانيفه قريبا من خمسمائة جزء، يستقصي في ذلك، يؤلف الغث والسمين.
وقال في موضع آخر: وقرأ القراءات على جماعة، وبرع في معرفة الحديث وفنونه، وصنّف التصانيف الكثيرة، وانتهت إليه رئاسة الفن بخراسان، لا بل في الدنيا، وكان فيه تشيُّع وحطّ على معاوية. وهو ثقة حجة.
وقال أبو حازم عمر بن أحمد العبدويي الحافظ: سمعت الحاكم أبا عبد الله إمام أهل الحديث في عصره يقول: شربت ماء زمزم، وسألت الله أن يرزقني حسن التصنيف.
قال أيضًا: أقمت عند أبي عبد الله العصمي قريبًا من ثلاث سنين، ولم أرَ في جملة مشايخنا أتقن منه ولا أكثر تنقيرا، وكان إذا أشكل عليه شيء، أمرني أن أكتب إلى الحاكم أبي عبد الله، فإذا ورد جواب كتابه، حكم به، وقطع بقوله.
قال ابن طاهر: سألت سعد بن علي الحافظ عن أربعة تعاصروا: أيهم أحفظ؟ قال: من؟ قلت: الدار قطني، وعبد الغني، وابن منده، والحاكم.
فقال: أما الدار قطني فأعلمهم بالعلل، وأما عبد الغني فأعلمهم بالأنساب، وأما ابن منده فأكثرهم حديثًا مع معرفة تامة، وأمَّا الحاكم فأحسنهم تصنيفًا.
وقال ابن الجزري: كان إمامًا ثقة صدوقًا إلا أن في مستدركه أحاديث ضعيفة.
وفاة الإمام الحاكم النيسابوري
توفي في نيسابور في 3 من صفر 405 هـ: 2 من أغسطس 1014م، عن أربعة وثمانين سنة.
قال الذهبي: روى أبو موسى المديني: أن الحاكم دخل الحمام، فاغتسل، وخرج، وقال: آه، وقبضت روحه وهو متزر لم يلبس قميصه بعد، ودفن بعد العصر يوم الأربعاء، وصلى عليه القاضي أبو بكر الحيري.
قال الحسن بن أشعث القرشي: رأيت الحاكم في المنام على فرس في هيئة حسنة وهو يقول: النجاة، فقلت له: أيها الحاكم! في ماذا؟ قال: في كتبة الحديث.
رحم الله الإمام أبا عبد الله الحاكم النيسابوري، وجزاه خيرًا[1].
[1] للمزيد انظر: الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي: تاريخ بغداد، تحقيق: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1422هـ=2002م، 3/ 509، ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد: المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، ومصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1412هـ=1992م، 15/ 109، ابن خلكان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر البرمكي الإربلي: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، الجزء الثاني، 1900، الجزء السابع، 1994م، 4/ 280، الذهبي، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز: تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام، تحقيق: بشار عوّاد معروف، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 2003م، 9/ 89، الذهبي، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز: العبر في خبر من غبر، تحقيق: أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، الذهبي، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز: العبر في خبر من غبر، تحقيق: أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت،
التعليقات
إرسال تعليقك