الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
صحة الأجسام وجمالها ونضرتها من الأمور التي وجَّه الإسلام إليها عناية فائقة، فما هي تلك العناية؟
صحة الأجسام وجمالها ونضرتها من الأمور التي وجَّه الإسلام إليها عناية فائقة، واعتبرها من صميم رسالته؛ وذلك لأن أثرها عميق في تزكية النفس وتمكين الإنسان من النهوض بأعباء الحياة، وقد بيَّن رسول الله أنَّ الرجل الحريص على نقاوة بدنه، ووضاءة وجهه، ونظافة أعضائه يُبْعَثُ على حاله تلك يوم القيامة، ووصف إخوانه كيف يعرفهم بقوله: "فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ"[1].
وقد كرَّم الإسلام البدن، وجعل طهارته التامَّة أساسًا لا بُدَّ منه لكل صلاة. كما كلَّف المسلم أن يغسل جسمه غسلاً جيدًا في أحيانٍ كثيرة، فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6].
كما أوجب الإسلام النظافة من الطعام، فعلى الإنسان أن يتخلَّص من فضلاته وروائحه وآثاره، وهذا أنقى وأطيب للمرء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ"[2]. وحثَّ أيضًا على نظافة الفم، وطهارة الأسنان، فقال صلى الله عليه وسلم: "تَسَوَّكُوا؛ فَإِنَّ السِّوَاكَ مَطْيَبَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ"[3].
وأمَّا التجميل فيوصي الإسلام بأن يكون المرء حسن المنظر، كريم الهيئة، {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ"[4]. وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ"[5]. ومهما تكاثرت الأشغال والمتاعب على الإنسان فلا ينبغي أن ينسى واجب الالتفات إلى زيِّه ونظافته واكتماله.
واعتنى الإسلام كذلك بالصحَّة، وهذا جزء من عنايته بقوَّة المسلمين المادِّيَّة والأدبيَّة، فهو يتطلَّب أجسامًا تجري في عروقها دماء العافية؛ وذلك لأن للجسم الصحيح الأثر الواضح في سلامة التفكير، وفي تفاؤل الإنسان مع الحياة والناس. ومِن ثَمَّ حارب الإسلام الأمراض، وحثَّ على التداوي، قال صلى الله عليه وسلم: "مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً"[6].
ومن وسائل الإسلام للوقاية من الأمراض إيجابه قضاء الحاجة في أماكن معزولة؛ حتى لا تنتشر الأمراض والجراثيم، كما "نَهَى النَّبِيُّ أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ"[7].
كما وضع الإسلام قواعد الحجر الصحِّي، فعند ظهور مرض مُعْدٍ في بلدٍ ما، مُنِعَ الدخولُ فيه أو الخروج منه؛ حتى تنكمش رقعة الداء في أضيق نطاق. قال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا"[8].
وليس الخوفُ من العدوى ضعفًا في اليقين، أو هروبًا من القضاء المحتوم؛ بل هو طاعةٌ لرسول الله: "لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ"[9]. وفرارٌ من قدر الله إلى قدر الله كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه[10].
فالنظافة والتجمُّل والصحَّة أُسُس لا بُدَّ منها لكلِّ مسلم؛ حتى تنهض الأُمَّة من جديد.
[1] البخاري: كتاب الوضوء، باب فضل الوضوء (136) عن أبي هريرة رضي الله عنه، ومسلم: كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء (249)، واللفظ له.
[2] أبو داود (3761) عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، وقال أبو داود: ليس هذا بالقوي، وهو ضعيف. والترمذي (1846)، وقال: لا نعرف هذا الحديث إلاَّ من حديث قيس بن الربيع، وقيس بن الربيع يضعف في الحديث. وقال الألباني: ضعيف.
[3] ابن ماجه: كتاب الطهارة وسننها، باب السواك (289) عن أبي أمامة رضي الله عنه، وأحمد (7)، والنسائي (5)، وقال الألباني: صحيح. انظر: صحيح الترغيب والترهيب (209).
[4] أبو داود (4163) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الألباني: حسن صحيح. انظر: السلسلة الصحيحة (500). والبيهقي: شعب الإيمان 13/464، والطبراني: المعجم الكبير 20/59.
[5] مسلم: كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه (91) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وأحمد (3789)، والحاكم (68).
[6] أحمد (3922) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وابن ماجه (3438)، وقال الألباني: صحيح. والحاكم (7533) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. والنسائي: السنن الكبرى 4/193، والبيهقي: السنن الكبرى 9/343، وابن أبي شيبة: المصنف 5/421.
[7] مسلم: كتاب الطهارة، باب النهي عن البول في الماء الراكد (281) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، والنسائي (35).
[8] البخاري: كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون (5396) عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، ومسلم: كتاب السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها (2218).
[9] البخاري: كتاب الطب، باب لا هامة (5437) عن أبي هريرة رضي الله عنه، ومسلم: كتاب السلام، باب لا عدوى ولا طيرة.. (2221).
[10] البخاري: كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون (5397) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ومسلم: كتاب السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها (2219).
التعليقات
إرسال تعليقك