التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
معركة زونكيو إحدى المعارك البحرية، التي هزم فيها الأسطول العثماني بقيادة كمال ريس الأسطول البندقي، وهي أول معركة تستخدم فيها المدفعية، فما أحداثها؟
أهم مقتطفات المقال
كان كمال ريس قائدًا بحريًّا في أسطول الإمبراطوريَّة العثمانيَّة، كما كانَ -أيضًا- عمَّ الأميرالِ العُثماني المشهورِ ورسَّامِ الخرائط \"بيري ريس\" الذي رافقه في أغلب بعثاتِه البحريَّة المهمةِ، والذي اكتشف أميركا قبل \"كولومبس\" بمائتَي سنة.
معركة زونكيو أو معركة زونخيو البحرية (بالتركية: Burak Adası savaşı) وتعرف كذلك بمعركة سابيينزا أو معركة ليبانتو الأولى، حيث لقى الأسطول البندقي هزيمة ساحقة على يد الأسطول العثماني بقيادة كمال ريس، سنة 905هـ=1499م، وهي أول معركة بحرية تستعمل فيها المدافع في السفن حيث استعملها الأسطول العثماني في بحريته.
الأسطول البحري الإسلامي
كان البحر الأبيض المتوسط بحيرة رومانية وامتدت سيطرة البيزنطيين عليه لفترة طويلة، وكان لهم أسطولهم البحري القوي وممتلكاتهم المترامية الأطراف التي تشمل جزءًا من أوروبا إضافة إلى سوريا ومصر والمنطقة القريبة من الساحل في الشمال الأفريقي. لكن الفتوحات العربية الإسلامية أفلحت في الحد من هذه السيطرة وانتزعت من البيزنطيين كل شواطئ المتوسط الشرقية والجنوبية والغربية. ولم يبق لبيزنطة سوى الشواطئ الشمالية.
بدأ معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما بناء السفن التي كانت نواة الأسطول العربي الإسلامي، وصار بواسطته يرد على تحرشات الأسطول البيزنطي، فغزا جزيرة قبرص سنة 28هـ وكانت هذه أول غزوة بحرية للمسلمين، وكان نصرهم فيها مشجِّعًا لهم على تدعيم الأسطول وتطويره لمتابعة الغزو بحرًا، وأصبحت قبرص قاعدةً للمسلمين في البحر الأبيض المتوسط تموِّن أساطيلهم وتبلِّغ إليهم أخبار عدوهم.
وجاءت بعد ذلك المعركة البحرية المشهورة ذات الصواري في عام 34هـ عندما انتصر الأسطولين الشامي بقيادة معاوية بن أبي سفيان والمصري بقيادة عبد الله بن سعد بن أبي سرح رضي الله عنهما على الأسطول البيزنطي بقيادة قسطنطين بن هرقل، وكانت الضربة القاضية الموجهة للأسطول البيزنطي وسيادته على البحر الأبيض المتوسط.
وكان من الطبيعي أن يستغل المسلمون أصحاب الصناعة البحرية في بناء السفن، وبخاصة عمال الروم الذين كانوا خبراء فيه، فهذا حسَّان بن النعمان عامل إفريقيَّة في عهد عبد الملك بن مروان يبني بتونس دارًا لصناعة السفن، والآلات البحرية، وبنى موسى بن نصير بتونس دارًا لصناعة السفن، ثم اهتمَّ حكام الأقاليم الإسلامية بالسفن اهتمام هذين القائدين حتى شمخت أساطيل المسلمين، ولم يعد للأمم النصرانية قِبَل بأساطيلهم.
الأسطول العثماني
عند فتح القسطنطينية استفاد السلطان محمد الفاتح من الأسطول العثماني لتعزيز سطوته في البحر الأسود والبحر المتوسط، وأعطى ذلك القوات العثمانية دعمًا لوجيستيًّا لاحقًا عند فتح مصر.
حقَّقت البحرية العثمانية النصر عام 945هـ=1538م في معركة بروزة، وبعد ذلك انتصر الأسطول في معركة جربة، وضرب الحصار على جزيرة مالطا، لكنه لم يتمكن من الاستيلاء عليها، فأُسِّست العديد من دور صناعة السفن في الدولة لتطوير الأسطول العثماني.
هل تعلم من أول من ابتكر سلاح المدفعيَّة البحرية؟
إنَّه القائد المسلم الفذُّ: "كمال ريس" في معركته ضدَّ إيطاليا، التي تُعرف بمعركة "زونكيو" البحرية عام 905هـ=1499م، وتُعرف هذه المعركة -أيضًا- في المصادر الأوربيَّة بمعركة "سابيينزا" أو معركة "ليبانتو الأولى"، وهي معركةٌ بحريَّةٌ وقعَت في أربعة أيَّامٍ منفصلة: 12، 20، 22، 25 من أغسطس 1499م=عام 905هـ؛ حيث كانت المعركة جزءًا من الحرب العثمانيَّة - البندقية (905- 909هـ=1499-1503م)، وكانت أول معركة بحريَّة تُستعمل فيها المدافع في السفن؛ حيث استعملها الأسطول العثماني في بحريَّته.
كمال ريس قائد الأسطول العثماني
كان كمال ريس قائدًا بحريًّا في أسطول الإمبراطوريَّة العثمانيَّة، كما كانَ -أيضًا- عمَّ الأميرالِ العُثماني المشهورِ ورسَّامِ الخرائط "بيري رايس" الذي رافقه في أغلب بعثاتِه البحريَّة المهمةِ، والذي اكتشف أميركا قبل "كولومبس" بمائتَي سنة.
وقد خدم كمال ريس في عهد السلطان العثماني "بايزيد الثاني" الذي عيَّنه أميرالًا للبحرية العُثمانيةِ؛ نظرًا إلى جدارته في صدِّ التقدُّم الإسباني عن إمارات الخلافة العثمانية، وأمره بتطوير سلاح البحرية نظرًا إلى قوَّة هجمات الأوربيين من جانب البحر، وقام كمال ريس بالإشراف على بناء بواخر كبيرة يُمكنها حمل قرابة 700 جندي، ويمكن تجهيزها بمعدَّات إضافيَّة للحروب، وقد تسيَّد "كمال ريس" بأسطوله هذا البحرَ الأبيض المتوسِّط والمحيط الأطلسي في الفترة من 1495م حتى 1510م، وجعله بحرًا إسلاميًّا خالصًا لا مكان فيه لأيِّ بحَّارٍ صليبيٍّ أمام قوَّة الأسطول العثماني في ذلك الوقت.
أسباب المعركة
وفي إطار الحرب بين الدَّولة العثمانية وأمراء جمهورية البندقية بإيطاليا، الذين نازعوا الخلافة العثمانية العداء بروحٍ صليبية وبمباركة البابا، استولت سفن البنادقة على جزيرة كفلونيا، وهاجموا ميناء برويزة، وأحرقوا بعض السفن العثمانية التي كانت راسية فيها، وكان ذلك في شتاء سنة 905هـ=1499م، ولمـَّا وصلت هذه الأخبار إلى الأستانة أرسل السلطان في سنة 906هـ الأسطول بحرًا وأمره بحصار قلعة مودون، ونهض هو بجيشٍ كبيرٍ برًّا من أدرنة إلى هذه القلعة.
معركة زونكيو البحرية
أمر السلطان بايزيد الثاني "كمال ريس" بتأديب الأسطول البندقي وغزوِ المدينة، وفي يناير 1499م أبحر كمال ريس مِن إسطنبول بقوَّة مِن 10 قوادس و4 سفن صغيرة، وفي يوليو 1499م اجتمعَ بالأسطولِ العُثماني الضخمِ الذي أرسله إليه داود باشا؛ حيث تولى قيادته لكي يشنَّ حربًا واسعة النطاق ضدَّ جمهوريةِ البندقية.
تكوَّن الأسطول العُثماني من 67 قادسًا و20 غليوطًا وحوالي 200 سفينةٍ صغيرة، وقرب رأس مدينة "زونكيو" التقى "كمال ريس" بأسطول جمهوريَّة البندقية تحت قيادة "أنطونيو جريماني"، والذي تكوَّن من 47 من القوادس الكبيرة و17 غليوطًا و100 سفينةٍ صغيرة، وكانت أول معركة بحرية في التاريخ حيث استخدمت المدافع على السفن.
وهنا فاجَأ "كمال ريس" أسطولَ البندقيَّة بسلاحه الأخطر على الإطلاق، الذي عمل على إعداده طِيلة حروبه السابقة، وجرَّبه أول مرَّةٍ في هذه المعركة الهامَّة؛ حيث جهَّز سفنَه البحريَّة بسلاح مدفعيَّةٍ حارقة، وجعل لها قمرات في السفن استطاع بها مباغتة الأسطول البندقِي وتشتيت شمله في أول هجوم؛ حيث أثناء سير المعركةِ غرقت سفينة "أندريا لوريدان" أحد أفراد عائلة لوريدان المسيطِرَة في البندقية، وقُتل كثير من أفراد العائلة المالكة بجمهورية البندقية، بل واعتُقل أنطونيو جريماني قائد الأسطول نفسه في 29 أغسطس، وذلك بعد نهاية المعركة بهزيمته هزيمة سَاحقة؛ حيث تمَّ إطلاق سراحه بعد ذلك بعد دَفْعه فِدية باهظة، وقد أصبحَ جريماني فيما بعد رئيس قضاة البندقية في عام 1521م.
كما استولى العثمانيون -أيضًا- على قلعتي مودون وكوروني Koroni ثم دخل السلطان مورة بجيوشه، ولمـَّا رأى الأميرال تراويسانو ذلك قام فهجم على ميناناوارين واستولى عليها، ومع ذلك فلم يمهله "كمال ريس" وتعقبه بثلاثين سفينة وحمل بها على أساطيله في ميناناوارين المذكورة، وبعد فترةٍ قصيرةٍ من الزمن استولى على ثمان مراكب من أسطول البنادقة المذكور واسترد منها قلعة ناوارين، فعاد الأميرال تراويسانو بإسطوله منهزمًا.
وكانت هذه المعركة بداية تغلُّبٍ وسيطرة واضحَين لأسطول "كمال ريس" على ساحل البحر المتوسط؛ حيث استولى على أغلب إمارات البندقيِّين أو كما كان يُطلق عليهم "الفينيسيين"، وأضاف كثيرًا من الموانئ البحريَّة من أملاك الإيطاليِّين إلى حَوزة العثمانيِّين؛ حيث ظلَّ "كمال ريس" سيد البحر الأيوني طِيلة قيادته الأسطول العثماني دون منازع.
وقد قام السلطان العُثماني "بايزيد الثاني" بإهداء 10 مِن سفنِ البندقية المـَأْسُورَة إلى كمال ريس اعترافًا بفضلِه في هزيمة جمهورية البندقية، والذي ركَّزَ أسطولَه في جزيرةِ كيفالونيا بين أكتوبر وديسمبر 1499م، وأعاد شن العديد من الهجمَات على الفينيسيِّين الذين لم يستطيعوا قط التغلُّب على الأسطول العثماني بسلاح مدفعيَّته الرهيب رغم مهارتهم الفائقة في ركوب البحر والقتالِ فيه.
كما تلاقى الجيشان العثماني والبندقي بتاريخ 906هـ=1500م مرَّةً أخرى في معركة ليبانتو الثانية، التي تُعرف -أيضًا- باسم معركة مودون؛ حيث هاجم البندقيُّون ليبانتو على أمل استعادة أراضيهم المفقودة، وانتصر بها العثمانيون مرَّةً أخرى وبقيادة كمال ريس.
ظلَّ "كمال ريس" يجوب البحارَ فارضًا سلطَته على الأوربيِّين، وفرسان القديس يوحنا، وقراصنة البحر الذين كانوا يهاجمون السفنَ العثمانيَّة وقوافل الحُجَّاج حتى أوائل عام 917هـ=1511م؛ حيث شوهد لآخر مرَّةٍ بعد المرور بأراضي دوقية Naxos؛ حيث هبَّت عاصفة شديدة تحطمت فيها 27 سفينة من الأسطولِ البحري العُثماني في البحر الأبيض المتوسطِ، وكان من ضمنها سفينة القائد "كمال ريس" الذي مات مَع رجالِه، الذي لطالما أقضَّ مضاجِع الأوربيِّين وأَثَار فزعهم على مدى خمسة عشر عامًا كاملة.
_______________
مراجع البحث:
- محمود ثروت أبو الفضل: معركة زونكيو البحرية، موقع شبكة الألوكة.
- معركة زونكيو (Battle of Zonchio)، موقع التاريخ الإسلامي، قصص وعبر.
التعليقات
إرسال تعليقك